لم يتصلوا بذويهم منذ شهور.. ابن سلمان يصعد حملته ضد المعتقلين

12

طباعة

مشاركة

أكدت وكالة بلومبرج الأميركية أن السلطات السعودية قطعت الاتصال بين بعض أبرز معتقلي المملكة وعائلاتهم، لتصعيد حملة قمع المعارضة التي تهدد بتوتير العلاقات السعودية مع الحلفاء الغربيين.

ويشير تقرير نشرته الوكالة إلى أن لجين الهذلول، الناشطة في مجال حقوق المرأة والتي احتل اعتقالها في 2018 عناوين الصحف العالمية، لم تتصل بعائلتها منذ 9 يونيو/حزيران 2020.

ولجين حالها حال الأميرة بسمة بنت سعود - إحدى أفراد العائلة المالكة المسجونة مع ابنتها- التي لم تتصل بأقاربها منذ أبريل/نيسان، عندما تم الإعلان عن احتجازها على تويتر ، وفقا لمصادر مطلعة على الأمر. 

وأجرى سلمان العودة، رجل الدين البارز والمعتقل منذ عام 2017، آخر اتصال له مع عائلته في 12 مايو/أيار، وفق ما أكد نجله.

وكان يسمح للمعتقلين في السابق بإجراء مكالمات هاتفية منتظمة، وحتى أسبوعية، مع أقاربهم وعائلاتهم، قبل أن تفرض السلطات عليهم الآن الصمت.

وقال ابن الشيخ سلمان، عبد الله العودة: "أنا قلق جدا، هناك قلق كبير بشأن ما إذا كانت هناك أي حالات إصابة بفيروس كورونا، ولماذا تُخفيها الحكومة عنا"، موضحا أنه سمع عن كثيرين آخرين في نفس الموقف.

الغرب منزعج

وفي غضون ذلك، يمضي المسؤولون السعوديون قدما في حملة أخرى تستهدف الناشطين السعوديين في الخارج وهو ما أزعج الولايات المتحدة. 

يأتي ذلك بعد أن تلقت مجموعة من المثقفين والكتاب في العام 2019، ومن بينهم مواطنان سعوديان أميركيان مزدوجا الجنسية، وهما صلاح الحيدر وبدر الإبراهيم، قائمة التهم الموجهة إليهم مؤخرا، وفقا لثلاثة مصادر مطلعين على المسألة.

وقالت المصادر: إنه من المتوقع أن يواجهوا المحاكمة في محكمة مخصصة للإرهاب وقضايا أمنية أخرى.

ولم يرد مركز الاتصال الدولي التابع للحكومة السعودية، والذي يستجيب لاستفسارات وسائل الإعلام الأجنبية، على طلبات التعليق. كما لم يتم الرد على المكالمات الموجهة إلى إدارة العلاقات العامة بالمديرية العامة للسجون.

بالنسبة لعائلاتهم، يمثل صمت المعتقلين تصعيدا غير متوقع في حملة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ضد الناشطين ومنتقدي سياساته في المملكة.

 وكان العشرات من الأمراء ورجال الأعمال ورجال الدين والأكاديميين والناشطين قد اعتقلوا في السنوات الأخيرة، مما خلق مناخا من الخوف لدى البعض حتى بعدما حظي الأمير محمد بالثناء على انفتاح المملكة اقتصاديا وتخفيف القيود الاجتماعية ومنح المرأة المزيد من الحقوق. 

ويخلق الخناق المشدد جيلا جديدا من المعارضين السعوديين ويحفز الدعوة المتزايدة في الخارج، مما تسبب في إحراج المملكة. 

ووظف العديد من السعوديين في المنفى جماعات الضغط الأميركية أو المحامين لدفع قضاياهم إلى دائرة الضوء في الفترة التي سبقت الانتخابات الأميركية، وفق بلومبرج.

يأتي ذلك في الوقت الذي أقام فيه الأمير محمد علاقات وثيقة مع الرئيس دونالد ترامب وصهره وكبير مستشاريه جاريد كوشنر، حيث حصل على دعم أميركي كبير حتى بعد مقتل الكاتب الصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي على يد عملاء سعوديين في قنصلية المملكة في إسطنبول عام 2018.

السياسة الخارجية

ومع ذلك، أدت السياسة الخارجية للأمير البالغ من العمر 34 عاما والتي لا يمكن التنبؤ بها والقمع الذي يسلطه ضد المنتقدين والمعارضين إلى نفور أجزاء أخرى من الحكومة الأميركية، وإدانة متزايدة من أعضاء الكونجرس.

وحث أربعة من أعضاء مجلس الشيوخ الرئيس ترامب في يوليو/تموز على المساعدة في تأمين حرية أطفال مسؤول سعودي في المنفى (سعد الجبري)، ووصفوا ذلك بأنه "التزام أخلاقي" بالوقوف إلى جانب رجل ساعد المخابرات الأميركية لسنوات، لكن السلطات السعودية تقول: إنه فر من الملاحقة بسبب تهم فساد موجهة إليه.

إلى ذلك، يشير التقرير إلى أن أي تغيير في البيت الأبيض قد يؤدي إلى تغيير في النهج تجاه القمع السعودي للناشطين والمعارضين، حيث وصف منافس ترامب الديمقراطي جو بايدن، السعودية بأنها "منبوذة" وهدد بوقف مبيعات الأسلحة الأميركية لها ومحاسبتها على مقتل خاشقجي.

وغالبا ما كانت العلاقات مع المسؤولين السعوديين باردة في عهد سلف ترامب، باراك أوباما وبايدن الذي كان يشغل خطة نائب الرئيس حينها.

وفي مقابلة مع بلومبرج عام 2018، قال ولي العهد: إن حالات معظم المعتقلين "لا علاقة لها بحرية التعبير"، متهما إياهم بأن لهم صلات بالاستخبارات الأجنبية والتطرف.

ومنذ ذلك الحين، استمرت السلطات في احتجاز السعوديين من مختلف الأطياف السياسية والدينية، بما في ذلك خبير اقتصادي بارز ومؤثر على سناب شات (عصام الزامل).

وتم تقديم الهذلول، إلى جانب العديد من ناشطي حقوق المرأة للمحاكمة في عدد كبير من التهم بما في ذلك الحملات من أجل التغيير السياسي، وإهانة سمعة المملكة، والتواصل مع الدبلوماسيين والصحفيين الأجانب.

وقد جرى تعليق محاكمة الهذلول منذ أشهر، فيما يطالب المدعون السعوديون بإعدام العودة بسبب عدد من التهم الموجهة إليه والمتعلقة بالأمن، وبعضها يتعلق بالتعليقات التي أدلى بها على مواقع التواصل الاجتماعي.

الاتصالات ممنوعة

وفي سياق متصل قالت أريج السدحان، التي تلقت عائلتها مكالمة واحدة من شقيقها عبد الرحمن منذ اعتقاله في مارس/آذار 2018: "لا أتمنى هذا حتى لألد أعدائي".

وأشارت إلى أن المكالمة التي أجريت في فبراير / شباط 2020، استمرت أقل من دقيقة - وقد كانت مدة كافية لإعلامهم فقط بأنه على قيد الحياة. وتعتقد عائلة عبد الرحمن أن اعتقاله كان على صلة بحساب مجهول على تويتر كان يديره. 

ويعد عدم الاتصال أمرا غير معتاد في المملكة العربية السعودية، حيث يجري معظم المحتجزين مكالمات هاتفية شبه منتظمة مع عائلاتهم، ويتم السماح لهم بزيارات عرضية بمجرد انتهاء فترة الاستجواب الأولية. 

ويصف الموقع الإلكتروني لوزارة الداخلية في المملكة اتصال السجين بالعائلة والأصدقاء كعنصر أساسي في "إعادة تأهيلهم".

وفي مرحلة ما، أبلغت السلطات العائلات أن هناك "مشاكل تنظيمية" بسبب جائحة فيروس كورونا، وفقا لما ذكرته علياء الهذلول، شقيقة لجين. لكن لم يتغير شيء منذ ذلك الحين، رغم أن المملكة بدأت في إنهاء الإغلاق التدريجي في مايو/أيار.

وكان والدا لجين قد تمكنا من رؤية ابنتهما المعتقلة، آخر مرة في أوائل مارس/آذار، قبل أن تتوقف زيارات السجون بسبب فيروس كورونا الذي أصاب أكثر من 300 ألف شخص في السعودية.

ويشعر العديد من الأقارب بالقلق بشكل خاص لأن اثنين من المعتقلين البارزين الذين أفرج عنهم هذا العام توفيا بعد فترة وجيزة.

أحدهما هو عبد الله الحامد، الناشط المسجون في عهد الملك الراحل عبد الله، والذي أصيب بجلطة في أبريل / نيسان، وتم نقله إلى مستشفى حيث توفي في وقت لاحق من ذلك الشهر، وفقا لرسالة في يونيو/حزيران من العديد من المقررين الخاصين للأمم المتحدة إلى الحكومة. 

وحثت الرسالة الحكومة على الرد على مزاعم بأن مسؤولي السجن أخروا العملية الجراحية التي أوصى الأطباء بإجرائها للحامد، لكن السلطات لم تعلق.

كما تم الإفراج في أواخر مايو/أيار عن صالح الشيحي، وهو صحفي احتُجز في عام 2017 بعد تصريح متلفز حول فساد مزعوم في الديوان الملكي.  

وكتب أقاربه على تويتر أنه بحلول منتصف يونيو/حزيران، كان في العناية المركزة، فيما ذكرت صحف سعودية أنه توفي في 20 يوليو/ تموز بعد إصابته بفيروس كورونا. وقال مغردون: إنه توفي بعد خروجه من السجن بشهرين.

وقالت السدحان: إنها حاولت بكل الوسائل للوصول إلى شقيقها، مضيفة: "الصمت يصم الآذان، كل الأبواب مغلقة. ليس لدينا خيار آخر سوى التحدث".