بين العشائر و"قسد".. هل تشعل دير الزور شرارة الصدام في سوريا؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قبيلة العقيدات في منطقة دير الزور السورية منحت مهلة شهر للولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" لتنفيذ مطالبها، ما أثار الكثير من التكهنات بخصوص مستقبل الشرق السوري، وهل تستجيب تلك القوى الفاعلة للمطالب أم ستكون بداية للصدام؟.

في 11 أغسطس/ آب 2020 أصدرت "العقيدات" بيانا حملت فيه قوات التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، مسؤولية الفلتان الأمني وعدم الاستقرار في دير الزور، وهو ما بدا في الاغتيالات التي طالت بعض الوجهاء في المنطقة، وآخرهم الشيخ مطشر الهفل.

القبيلة طالبت أيضا بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة ومهنية للتحقيق في قضية اغتيال الشيخ الهفل، وتسليم إدارة دير الزور لأبنائها بعيدا عن وصاية أي طرف، والإفراج عن "المعتقلين الأبرياء وإخراج النساء والأطفال من المخيمات"، وكذلك "الدفع بعملية الحل السياسي في سوريا"، ممهلة "التحالف" و"قسد" شهرا لتنفيذ المطالب، اعتبارا من تاريخ البيان.

مجلس بالإكراه

سفير سوريا السابق بالعراق وأحد شيوخ قبيلة العقيدات نواف الفارس قال: إن النظام أجبر شخصيات من قبيلة "العقيدات" تقيم في مناطق سيطرته بدير الزور على تشكيل مجلس سياسي وجناح عسكري لاستغلال ما حصل في مناطق انتشار القبيلة الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في منطقة الجزيرة السورية.

وقال الفارس عبر تسجيل صوتي متداول في 11 أغسطس/ آب 2020: إن أجهزة أمن النظام أحضرت بعض الوجهاء ضمنهم أقرباؤه قبل يومين على إثر ما حصل بالجزيرة وأمرتهم بالرد على بيانات "قسد" وكتبت لهم حتى البيانات، مشيرا إلى أفراد قبيلة "العقيدات" الجالسين في مناطق النظام لا يستطيعون مخالفة ما يريد النظام وهم أقلية لا تشكل 5 بالمئة يقيمون بمدينة دير الزور بعد تدمير مناطقهم على يد جيش النظام.

وأضاف: أن "العقيدات" القاطنين في "الجزيرة" شرق نهر الفرات إذا قاتلوا الأميركان سيكونون أمام تهجير كلي إلى غرب النهر، لذا فالتشبث بالأرض أولوية حتى تتغير الظروف في ظل استمرار الاحتجاجات السلمية ضد "قسد".

السفارة الأميركية بدمشق سارعت إلى إدانة الهجوم، عبر حسابها بفيسبوك، وقدمت التعازي لقبيلة العقيدات، بعد استهداف الشيخ مطشر الحمود الجدعان الهفل والشيخ إبراهيم الخليل العبود الجدعان الهفل، وجهاء قبيلة العقيدات.

وأضافت السفارة في بيانها: أن "العنف ضد المدنيين غير مقبول ويعيق الأمل في حل سياسي دائم للصراع في سوريا تماشيا مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254. نكرر دعمنا لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، على النحو الذي دعا إليه الممثل الخاص للأمم المتحدة جير بيدرسن".

مليشيات إيران

وعلى ما يبدو أنه تحرك للتضامن مع قبيلة العقيدات، أصدرت عشيرة البكير التابعة لقبيلة العقيدات بيانا طالبت فيه قوات التحالف الدولي، بإخراج القوات الإيرانية والنظام السوري من القرى التي تسيطر عليها في ريف دير الزور، مؤكدة رفضها للفتنة التي حاولت جهات عدة تمريرها في المنطقة.

ودعا البيان إلى "العمل على الدفع بعملية التحول السياسي في سوريا بما يؤدي إلى سوريا حرة موحدة، مطالبة بدعم المجلس العسكري ماديا ومعنويا بما يتناسب مع طبيعة المرحلة التي نمر بها، للحفاظ على الأمن والاستقرار".

وطالبت "البكير" بـ"طرد النظام والمليشيات الإيرانية الشيعية من القرى السبعة المهجرة، داعية إلى أن العمل على معالجة الملف الأمني بشكل فوري وفتح تحقيق بمقتل عدد من شيوخ ووجهاء المنطقة، وجميع الذين أريقت دماؤهم على هذه الأرض الطاهرة في هذه المرحلة".

وأردفت: "نطالب التحالف الدولي باعتباره المسؤول الأول عن المنطقة بتحقيق هذه المطالب، بما يعود إلى تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في مناطقنا".

النظام السوري تحرك لاستغلال غضب قبيلة العقيدات من قوات التحالف الدولي و"قسد" فأعلن مساندته لبعض الشخصيات الموالية له ضمن القبيلة، وإعلانهم تشكيل "مجلس سياسي" و"جناح عسكري" لقتال التحالف وقسد.

الخريطة العشائرية

المحلل السياسي ياسر النجار رأى في حديث لـ"الاستقلال" أن "المنطقة الشرقية بشكل عام، ودير الزور تحديدا تشهد تصعيدا في الآونة الأخيرة، وبالتالي هذا التصعيد هو رد فعل طبيعي من الحاضنة العشائرية التي تشعر أنها مستهدفة، والتي يجب على قادتها وزعمائها أن يكون لهم دور".

وأشار إلى أن "قسد" تحاول فرض نفوذها من خلال خلط الخريطة العشائرية، شأنها شأن تنظيم الدولة والنظام السوري، ولذلك هي تستفز العشائر وبالتالي المنطقة حاليا على برميل بارود، وأي تصعيد يمكن أن تنفجر بأي لحظة.

وأكد النجار أن "قسد" مسؤولة عن استهداف وتغييب زعماء العشائر، وكما قامت المنطقة الشرقية كلها ضد النظام عام 2011، فإنها الآن مرشحة بشكل أكبر للقيام ضد "قسد"، ولا سيما أن الأخيرة ليس لها وجود أمني متراكم كما كان للنظام.

ونوه إلى أن "قوات النظام والمليشيات الموالية لإيران يمكن يكون لها دور في استهداف زعماء العشائر وبالتالي تحريك الوضع، حتى تستثمره بشكل مباشر، وذلك من خلال التمدد داخل النفوذ العشائري كونهم لديهم بعض الأدوات لذلك".

الناشط والإعلامي السوري وسام محمد قال خلال تصريحات صحفية في 10 أغسطس/ آب 2020: "المستفيد من التخلص من الشيخين إبراهيم ومطشر جدعان الهفل هي قوات سوريا الديمقراطية لأنهما يعملان دون التنسيق معها".

وأوضح أن ما تعرف بقوات قسد تعمل على تغذية الخلافات بين المكونات العربية في المنطقة للاستفادة من حالة الفوضى التي تنشأ بعدها، لافتا إلى أن القيادات من حزب "العمال الكردستاني" و "وحدات حماية الشعب" ممن يحملون جنسيات إيرانية وتركية وعراقية هم من يدير المنطقة، ولهم حرية التصرف تماما فيها بمساندة من وصفهم بضعاف النفوس الذين ينتمون إلى المكون العربي والذين يعملون مع قسد.

إدارة مستقلة

وبخصوص مستقبل منطقة شرق دير الزور، قال النجار: "بيان العقيدات كان فيها رسائل لا تستفز النظام ولا المليشيات ولا حتى قسد، وإنما يحمل رسائل مطلبية ولكن مبطنة على ما يفهم بأنها إشارة إلى إدارة مستقلة تقوم على أساس العشائر العربية الأخرى، للاستفادة من هذه الظروف لإدارة المنطقة الغنية بالنفط، إضافة إلى أنها تعتبر سلة زراعية وتحديدا شرق الفرات".

وأعرب النجار عن اعتقاده بأن الموضوع في دير الزور ذاهب باتجاه الولايات المتحدة لامتصاص حالة التوتر العشائري والإفراج عن المعتقلين وإضعاف هيبة وسلطة "قسد" في هذه المنطقة ومنح نفوذ أكبر للعشائر، ريثما يكون هناك حل سياسي يدار من الولايات المتحدة والدول ذات النفوذ العسكري في سوريا.

وتابع: "أما في حال استمرار الاستفزازات التي تدار من النظام والمليشيات الإيرانية وقسد سيجعل المنطقة على شفير نار، وأنا أعتقد أن الولايات المتحدة حريصة على أن تكون هذه منطقة هدوء ريثما يأتي الحل السياسي".

وبيّن النجار أن "قسد لا تستطيع أن تكون مشاركة في أي حل سياسي، وبالتالي هي معنية بأن لا يكون هناك تقاسم للنفوذ مع العشائر العربية، وإنما تريد أن تكون سلطتها أعلى ما يستفز أبناء العشائر وسيكون هناك مزيد من التوتر".

شراكة حقيقية

وفي السياق ذاته، قال الإعلامي السوري سامر الأحمد في سلسلة تغريدات على "تويتر": "بيان القبيلة تضمن لغة سياسية مقبولة وعقلانية، اتسمت بمخاطبة قيادة التحالف الدولي والتوجه لهم بمطالب محقة، وتحميل سلطات الأمر الواقع الحال الذي وصلت إليه المنطقة أمنيا واقتصاديا، والمطالبة بأخذ دور في إدارة شؤون المنطقة".

وحسب الأحمد، فإنه يُسجل للبيان كذلك الاستقلالية، حيث لم يمجد أو يمدح أي جهة سياسية سورية أو دولية، ولم ينجر لمحاولة نظام الأسد استغلال هذا الحراك ضد الأميركيين، لتوريط عشائر المنطقة بحرب لا طائل منها.

وزاد قائلا: "البيان يضع قيادة التحالف أمام مسؤولياتها في إشراك العشائر العربية في إدارة المنطقة إلى جانب قسد بعيدا عن أي تأثير حزبي أو إيديولوجي، بما يضمن الاستقرار الأمني والاقتصادي في المنطقة ويؤدي لإنتاج حالة سياسية سورية جديدة".

وطالب الصحفي السوري "عشائر وقبائل الجزيرة السورية بمساندة وجهاء قبيلة العقيدات في مطالبهم والحذو حذوهم بانتقالهم من حالة الفزعة والثأر إلى حالة سياسية يمكن لها إنقاذ المنطقة وفتح شراكة حقيقية مع بقية الأطراف في المنطقة دون تسلط أو إقصاء".

ودعا الأحمد شيوخ العقيدات من مصدري البيان إلى "السعي الحثيث لتطبيقه من خلال فتح قنوات جدية وسريعة مع قيادة التحالف الدولي، وعدم الانجرار لأي طرف دولي أو إقليمي يحاول استغلال هذه المطالب لصالح تسجيل نقاط سياسية على طرف آخر في الشرق السوري".