"مذبحة كركوك".. هكذا أدت لتراجع دور تركمان العراق في العهد الجمهوري

12

طباعة

مشاركة

يُعد يوم 14 يوليو/ تموز 1959 يوما محزنا لكل من العراق والتركمان، بعدما دُمرت المملكة وأعلنت الجمهورية عام 1958، إذ أنهت حركة المعارضة داخل الجيش بقيادة الصديقين عبدالسلام عارف وعبدالكريم قاسم، المملكة بانقلاب ضد الحكومة برئاسة نوري سعيد.

جاء ذلك، في تقرير لمركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية (أورسام) التركي، إذ قال الكاتب بيلجاي دومان: إن الجمهورية أعلنت تحت قيادة العسكر وجرى سجن وإعدام كبار القادة والسياسيين في نظام المملكة. ومع ذلك، في الإدارة الجديدة، كان هناك صراع بين القوميين العرب والشيوعيين تحت تأثير الظروف الدولية والإقليمية خاصة بعد "الثورة" التي قام بها قاسم، الذي كان مقربا من وجهة النظر الشيوعية.

في هذه الأثناء، عاد الملا مصطفى البارزاني (زعيم كردي عراقي)، الذي كان في المنفى في الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت، إلى العراق واستقر في شمال العراق من أجل منع النزاعات بين القبائل الكردية في شمال البلاد، عن طريق التفاوض مع عبد الكريم قاسم. عُيّن معروف البرزينجي، الذي تدرب في الاتحاد السوفيتي، رئيسا لبلدية كركوك ويمكن القول: إن الجماعات الكردية تماهت في الغالب مع الحركات الشيوعية خلال تلك الفترة.

من ناحية أخرى، يضيف الكاتب: أنه "رغم أمل التركمان في الابتكارات التي ستجلبها الجمهورية، إلا أن هذا الأمل كان قصيرا، لأنه جرى تجاهل الدستور والممارسات التي طرحتها الإدارة الجديدة، حيث أن التركمان لم يدرجوا في الدستور الجديد الذي صدر بعد الثورة، فقد تم التأكيد على أن العراق تأسس بالتعاون مع العرب والأكراد وهو جزء من العالم العربي وعلى هذا النحو قيد هذا الوضع حياة التركمان في العراق".

وتابع: "بدأ الضغط على مناطق التركمان في الازدياد، خاصة من الجماعات الكردية التي تلقت الدعم من عبد الكريم قاسم زادت من أنشطتها في المناطق التركمانية، وخاصة كركوك".

صدمة تاريخية

وأشار دومان إلى أنه من المعروف أنه حتى في الأشهر الأولى من الثورة، شهدت التوترات بين التركمان والأكراد صراعات صغيرة، لكن الأحداث هدأت قبل أن تنمو. في السنة الأولى من إعلان الجمهورية في العراق، كانت هناك مذبحة 14 يوليو/ تموز 1959، حيث كانت بذور العداء الكردي التركماني، والتي يمكن وصفها بأنها أكبر صدمة تاريخية للتركمان العراقيين. يمكن القول: إن هذين الحدثين كان لهما تأثير كبير على مستقبل كل من العراق والتركمان اليوم. في واقع الأمر، يُعرف باسم أسبوع الشهداء التركمان العراقيين بين 14-16 يوليو/ تموز.

وفي 14 يوليو 1959، ارتكبت مذبحة منظمة ضد التركمان، الذين قاموا بالاستعدادات للاحتفال في كركوك بمناسبة الذكرى الأولى لإعلان الجمهورية في العراق. القضية الرئيسية هنا هي أن التركمان مستهدفون بشكل مباشر وفي هذه الأحداث المؤلمة التي استمرت 3 أيام، تعرض العديد من منازل وأعمال التركمان للهجوم، وتم جمع الأشخاص "المتهمين" على أساس أنهم كانوا يمارسون "التركمانية" وإطلاق النار عليهم، وحتى القادة التركمان مثل عطا خير الله تم تقييدهم خلف السيارات وجرهم إلى الشوارع.

ومع ذلك، أصدر عبد الكريم قاسم- الذي لم يرغب في أن تؤثر هذه الحادثة على الوضع في البلاد حيث لم يتم تأسيس النظام بعد- بيانا أدان فيه المجزرة وبدأ التحقيق، آخذا في الاعتبار رد فعل الرأي العام العراقي والدولي. وعلى الرغم من اعتقال بعض الأشخاص نتيجة التحقيق، فمن المعروف أن العديد منهم لم يعاقبوا.

ووصف الكاتب هذا الحدث، الذي يعتبر علامة من علامات السنوات العنيفة من التاريخ، بأنه أحد "أهم الأحداث التي تؤثر على مستقبل الهوية التركية في العراق". مع هذه الحادثة، يمكن القول: إنه بينما أصبح التركمان مجتمعا أكثر انغلاقا، فإن حقيقة أن ما جرى لم يتم فرضه أو تجاهله، أضعف إيمان الشعب التركماني بالدولة، وبالإضافة إلى ذلك، يُنظر إلى هذا الحادث على أنه نقطة البداية الرئيسية للصراع بين التركمان والأكراد في العراق. بعد هذا التاريخ، ازداد إدراك النضال والتوتر والعنف، والأهم من ذلك، انعدام الأمن والكراهية التي تغذي الجانب الآخر إلى مستويات أعلى.

تعطيل التوازن

بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، زادت ممارسة سياسة الترهيب التي تمارسها الجماعات الكردية العراقية على العناصر غير الكردية من التوتر بين التركمان والأكراد، مع القوة التي اكتسبتها في شمال العراق وخاصة الجماعات الكردية، التي هي القوة المهيمنة للإدارة في كركوك ، نفذت سياسات كردية في كركوك وتعطل التوازن الإداري في المحافظة.

في واقع الأمر، أوضح الكاتب أن هذا الوضع بكركوك أدى إلى طريق مسدود وبعد عام 2003، لم يتم العثور على حل للمناقشات حول وضع كركوك، ولا يمكن تحقيق الاستقرار. كان التركمان هم الأكثر تضررا من عدم الاستقرار، بينما كانوا هدفا لهجمات فعلية، وتم إطلاق حملة استيعاب مكثفة لهوية التركمان في كركوك ضد الأكراد والعرب الذين يمكنهم توفير قوة الحماية الخاصة بهم في المناطق التي يعيشون فيها، وأصبح التركمان الذين ليس لديهم قوة مسلحة هدفا للإرهاب. كما جعل عدم كفاية قوات الأمن التابعة للحكومة المركزية العراقية فيما يتعلق بأمن البلاد التركمان هدفا مفتوحا.

واستطرد الكاتب، قائلا: "عندما ننظر إلى المناطق التي وقعت فيها أعمال عنف في كركوك، لن يكون من الخطأ القول إن الأماكن التي تعرضت لهجمات شديدة هي التجمعات التي يعيش فيها التركمان. ومع ذلك، فإن القادة التركمان والبيروقراطيين والسياسيين والأكاديميين والشيوخ كانوا هدفا للهجمات المباشرة في كركوك والمحافظات الأخرى حيث يعيش التركمان".

من ناحية أخرى، يؤكد دومان أن مناطق التركمان تعتبر من بين أكثر الجماعات تضررا من تنظيم الدولة، بعدما استولى على بعض الأراضي في العراق في عام 2014 و خاصة تلعفر- التي كانت تعرف بأنها أكبر منطقة في العراق بسكانها البالغ عددهم حوالي 520 ألفا قبل 2014- والتي كانت تتكون في الغالب من التركمان، أصبحت واحدة من المراكز الرئيسية للتنظيم وأصبح التركمان في هذه المنطقة إما ضحية لإرهاب داعش أو اضطروا إلى الهجرة منها. وهكذا، تآكلت الهوية التركمانية لتلعفر، وهي المكان الذي يعيش فيه معظم السكان التركمان في العراق. يُرى أن التركمان يعودون سياسيا خلال العملية في العراق.

تعزيز الهوية

في الواقع، يضيف الكاتب، لم يتمكن التركمان، الذين كان لديهم 3 وزراء في الحكومة في عام 2010، من الحصول على وزارة في الحكومات التي تم إنشاؤها في عامي 2014 و 2018، وتقرر منح وزارة دولة نتيجة للمناقشات الطويلة وضغوط السياسيين التركمان في الحكومة التي تأسست في عام 2020 وفي هذه المرحلة ضعف تمثيل التركمان في العراق ولم يستطع التركمان الحصول على حقوقهم بما يتناسب مع عددهم. هنا، يتم تجاهل أن التركمان هم أحد العناصر المؤسسة في العراق مع العرب والأكراد، ويتم تجاهل حقيقة أن التركمان هم العنصر الأساسي الثالث، وحتى التركمان يحاولون وضعهم في وضع الأقلية.

وفي هذا الصدد، يلاحظ أن الظلم وعدم القانونية الذي يواجهه التركمان طوال تاريخ العراق ما زال مستمرا حتى اليوم ولكن إذا كانت هناك رغبة في ضمان الاستقرار في العراق، وإقامة هيكل قائم على سيادة القانون، والأهم من ذلك، تطبيق المبادئ الديمقراطية، يجب على كل من يعيش في العراق أن يتصرف بمسؤولية، بحسب الكاتب.

ونوه إلى أنه لا ينبغي أن يُساء فهم مصطلح "التصرف بمسؤولية" هنا بالنسبة للتركمان فلا أحد يتوقع أن يتم تجاهل أو نسيان هذه الأحداث كذلك لا يمكن حذف الصفحة الملوثة من صفحة تاريخ هذه المجزرة في كركوك. المقصود هنا هو أن الوضع الحالي يختلف مع العطف التاريخي وتغير الديناميكيات الدورية. في الواقع، هذا الحدث المؤلم في التاريخ هو دليل على الهوية التركمانية".

على الرغم من العديد من الأحداث، مثل مذبحة كركوك، حافظ التركمان على وجودهم في العراق وما زالوا يحتفظون به وعلى الرغم من مرور أكثر من 60 عاما، لا يزال يعتبر أنه لن يكون من المفيد وضع سياسة بشأن هذه الأحداث، وفق للكاتب.

وختم دومان حديثه بالقول: يمكن أن تسهم هذه الأحداث دائما في تعزيز الهوية التركمانية من خلال مراعاة ذلك وعدم السماح بنسيانها. الشيء المهم في هذا الصدد ليس العيش في التاريخ، ولكن كتابة التاريخ من جديد وعليه فإن مساهمة السياسيين التركمان في حل المشاكل التي تسهم في رسم طريق معبد في المستقبل ستخلد في التاريخ باسم التركمان.