تصاعد الهجمات الصاروخية بالعراق.. هل تعني فشل زيارة الكاظمي لإيران؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تتوقف الهجمات الصاروخية على قواعد عسكرية توجد فيها القوات الأميركية في العراق، بعد زيارة أجراها رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي إلى إيران، والتي كان معول عليها أن ترفع يد طهران عن المليشيات الموالية لها، ذلك لأنها تتحدى سلطة الدولة.

الزيارة التي أجراها الكاظمي في 21 يوليو/ تموز 2020، تصدرها الملف الأمني، حيث حاول وفد العراق الوصول لاتفاق مع الإيرانيين يضمن الحفاظ على حالة الاستقرار الأمني العراقي، وعدم تشتيت الجهود وجعلها منصبة على تنظيم الدولة، حسبما كشفت تقارير صحيفة.

دلالات الفشل

اللافت بعد انتهاء زيارة الكاظمي بثلاثة أيام، تعرض قاعدتين عسكريتين في شمال وجنوب بغداد تضمان جنودا أميركيين إلى قصف بصواريخ الكاتيوشا، ما أدى إلى وقوع إصابة طائرة مروحية عراقية، إضافة إلى تضرر معمل المدافع والأسلحة في معسكر التاجي.

وتفسيرا لذلك، رأى الباحث في الشأن السياسي حسن الخزرجي في حديث لـ"الاستقلال" أن "الزيارة فشلت في تحقيق أي نجاح على صعيد الأمن، الذي كان يعد أبرز ملفاتها هو إنهاء تصعيد الهجمات الصاروخية التي تخرق سيادة الدولة وتنتهك هيبتها، ولذلك ما نشاهده من قصف صاروخي ربما أصبح أكثر وتيرة مما كان عليه قبل الزيارة".

وأشار إلى أن "إيران لا يمكن لها إيقاف سطوة المليشيات الموالية لها في العراق، لأنها تريد أيضا إيصال رسالة إلى الولايات المتحدة بأن الكاظمي الذي يعتبر مقربا منكم وضعه ضعيف ولا يقوى على فعل شيء، والأزمات تلاحقه في العراق".

ونوه الخزرجي إلى أن "إيران تعتقد بأن الولايات المتحدة أرادت إفشال الأحزاب السياسية الشيعية التي حكمت العراق طيلة 17 عاما، وبذلك تريد طهران أيضا إفشال الكاظمي العلماني، إضافة إلى أنها تضغط بذلك على واشنطن للخروج من أزماتها الخانقة".

الباحث أكد أن "الصراع الإيراني والأميركي لا يمكن أن ينتهي بزيارة واحدة إلى إيران، إضافة إلى أن المرشد الإيراني علي خامنئي أعلن صراحة أن بلاده ستوجه ضربات إلى القوات الأميركية انتقاما لمقتل قاسم سليماني".

وشدد الخزرجي على أن "إيران لم تهتم في الزيارة لمناقشة الملف الأمني مع الكاظمي والوفد المرافق له بقدر ما كان يهمها الحصول على مكاسب في الجانب الاقتصادي ووصول التبادل التجاري أحادي الجانب إلى 20 مليار دولار مع العراق، كونها تمر في وضع اقتصادي عصيب".

أما كاظم الوائلي المستشار السابق للتحالف الدولي العسكري، فقد رأى أن الهجمات الصاروخية ليست لها علاقة بزيارة الكاظمي لإيران، مشيرا إلى أن طهران تستخدم أدواتها (المليشيات المسلحة) في العراق ضد القوات الأميركية، كلما اشتدت المواجهة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني.

وكتب تغريدة على "تويتر" في 28 يوليو/ تموز 2020، قال فيها: إن "قصف قاعدة التاجي رسالة إيرانية بواسطة أدواتها في العراق. أمن العراق وقوات التحالف مرهون بمصير حزب الله في لبنان".

وأضاف الوائلي: "كلما اشتدت المواجهة العسكرية بين إسرائيل وحزب الله يُصعد الموالون لإيران في العراق من عملياتهم ضد القواعد المشتركة بين القوات العراقية وقوات التحالف".

حجر عثرة

لكن محللين آخرين أشاروا إلى أن إيران ترى في الكاظمي "حجر عثرة" أمام سياساتها التي رسختها في العراق على مدار ما يقرب من عقدين، منذ الإطاحة بحزب البعث وزعيمه صدام حسين عام 2003.

ويأتي ذلك التصور بعد حديث علي خامنئي لمصطفى الكاظمي عن دعم إيران للحشد الشعبي، ومطالبته بإخراج القوات الأميركية من العراق،  حسبما رأى الكاتب عبد السلام ساليمي خلال مقال تحليلي نشرته وكالة "الأناضول" في 27 يوليو/ تموز 2020.

هذا الانطباع، استشفه المراقبون من الانتقادات التي لم تنقطع لسياسة الكاظمي خلال الأسابيع الأخيرة، والتي لم تأت رسميا من القيادة الإيرانية، ولكن من خبراء ودبلوماسيين سابقين وسياسيين مقربين منها، وذلك على الرغم من أن وصول الرجل للحكم قبل أشهر، كان بموافقة ضمنية إيرانية.

ولفت الكاتب إلى أن بعض تصريحات بل وتصرفات الكاظمي، كانت سببا في هذه الانتقادات، لم لا وهو لم يكف عن الحديث عن تحييد العراق وعدم السماح بالتدخل في شؤونه، وهو أيضا الذي اتخذ قرارا بتوقيف عناصر من "حزب الله العراقي" التابع للحشد الشعبي، في سابقة من نوعها، أغضبت طهران كثيرا.

ولم يشفع للكاظمي اختياره إيران، لتكون وجهته في أول زيارة خارجية له، في 21 يوليو/ تموز 2020، والتقى خلالها خامنئي والرئيس حسن روحاني والنائب الأول للرئيس إسحاق جيهانغيري.

وعلاوة على ذلك نشر أمير موسوي، مدير المركز الإيراني للدراسات الإستراتيجية والعلاقات الدولية، في الأول من يوليو/ تموز 2020، مقالا على موقع "راهبرد معاصر" الإخباري بعنوان "البيدق الأميركي في العراق: مصطفى الكاظمي" .

وفي مقاله ذكر موسوي عبارات من قبيل "يمكن تلخيص التطورات الأخيرة في بغداد بأن الكاظمي يتصرف بما يتماشى مع أهداف الولايات المتحدة، بدءا من اعتقال أعضاء الحشد الشعبي ومرورا بمحادثات الحوار الإستراتيجي بين بغداد وواشنطن، ووصولا إلى الأشخاص المعينين في المراكز الحساسة بالعراق".

وذهب موسوي إلى أبعد من ذلك، بالقول: "كان الكاظمي شخصا في قوات البعث، له علاقات مع الولايات المتحدة وهو أحد المشتبه بهم في الهجوم الإرهابي على قاسم سليماني".

وفي المقابل، قال مراد ويسي الكاتب والمحلل العسكري الإيراني خلال تصريحات عبر حساباته بمواقع التواصل: "يتحدث خامنئي عن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق في الجملة الأولى، وفي الجملة الأخرى يتدخل في شؤونها".

وتابع: "إن اختراق بغداد مهم للغاية للحرس الثوري الإيراني ولخامنئي الذي يلعب دورا فعالا في منطقة الشرق الأوسط. والعراق هو مركز نفوذ إيران والحشد الشعبي في المنطقة".

كما أكد بعض الخبراء في إيران، أن إدارة طهران يجب أن تخفض مستوى التوقعات من بغداد، وأن تقلل من تدخلها العسكري، وأن يكون الطرفان راضيين عن العلاقات الاقتصادية.

وفي هذه النقطة، رأى سفير إيران السابق في عمان، نصرة الله طاجيق، ضرورة أن "نتبع نهجا مغايرا أو صيغة مختلفة بخصوص العراق، يجب أن نتعاون اقتصاديا مع الكاظمي بدلا من الوتيرة العسكرية وخاصة بعد فترة تنظيم الدولة، وينبغي علينا أن نوقع مشاريع كبيرة بشراكات إستراتيجية ضخمة"، حسبما نقلت صحيفة "Ferihtegan" الإيرانية في 20 يونيو/ حزيران 2020.

مطلب عراقي

ونقلت تقارير صحفية عن مسؤول عراقي أحد أعضاء الوفد لإيران في 22 يوليو/ تموز 2020 قوله: "زيارة الكاظمي إلى طهران كان أساسها الملفين الأمني والسياسي، ولا سيما ملف الفصائل المسلحة المدعومة منها".

وأوضح أن قضية القوات الأميركية بالعراق وما يرتبط بها من تحركات للفصائل المسلحة المدعومة من إيران تجاه هذا الملف، والهجمات الصاروخية أو عمليات الضغط على الحكومة وتحديها من الفصائل ذاتها، "كانت في صلب المباحثات التي تطرق إليها الكاظمي ومسؤولون عراقيون مع نظرائهم الإيرانيين".

وأكد المسؤول أن الإيرانيين لم يقدموا أي تعهدات بشأن الفصائل المسلحة أو دعم إجراءات الحكومة في إخضاع كل الفصائل المسلحة لسلطة القانون، كاشفا أن مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي لعب هو الآخر، إلى جانب وزير الداخلية عثمان الغانمي ورئيس الوزراء، دورا بالساعات الماضية، من أجل إقناع المسؤولين الإيرانيين بضرورة الحفاظ على حالة الاستقرار الأمني العراقي، وعدم تشتيت الجهود وجعلها منصبة على تنظيم الدولة.

ولفت إلى أن الإيرانيين لم يقدموا ضمانات في موضوع الفصائل المسلحة وتهديدها لسلطة الحكومة العراقية وهيبة الدولة، وأن الردود في هذا الملف كانت فضفاضة إلى حد ما، وأن اللقاء مع علي خامنئي كان منصبا على رفض الوجود الأميركي، وهو ما يعني أنه بمثابة رسالة للفصائل المسلحة بالعراق للاستمرار بالتصعيد.

وبشأن ملف الجماعات الموالية لطهران في العراق، نقلت تقريرا لقناة "الحرة" الأميركية عن مصدر مسؤول في الحكومة العراقية (لم تكشف اسمه) أن "الحكومة العراقية جادة في حصر السلاح بيدها والتعامل مع المليشيات المسلحة خارج إطار الدولة والخارجة عن القانون".

المصدر أكد خلال حديث للموقع الأميركي في 18 يوليو/ تموز 2020 أن الكاظمي في زيارته لإيران كان يحمل طلبا برفع يد الإيرانيين عن بعض المجاميع المرتبطة بهم أو الذين يدعمونها.

وتصاعدت حدة التوتر بين الكاظمي والمليشيات الموالية لطهران خلال الآونة الأخيرة، على خلفية قيام قوات مكافحة الإرهاب باعتقال عناصر من ميليشيا كتائب حزب الله في 25 يونيو/ تموز 2020، بتهمة التخطيط لاستهداف المنطقة الخضراء المحصنة وسط بغداد.