عين تل أبيب.. كيف حول رئيس تشاد بلاده إلى بؤرة تجسس إقليمية؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قبل وصوله إلى تشاد في يناير/ كانون الثاني 2019، للقاء الرئيس إدريس ديبي، عبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن مدى رؤيته للتقارب مع دولة عملاقة الحجم في قلب إفريقيا.

 نتنياهو قال: "أزور تشاد اليوم للمرة الأولى، أنا هنا من أجل أن أعيد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، نحاول صياغة شراكة من أجل مستقبل مزدهر آمن لبلدينا، وبالمعنى الأكبر لإفريقيا وما بعدها".

قبلها كان نظام الرئيس التشادي إدريس ديبي، قد أعاد العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب بعد عقود من انقطاعها.

ولم تقتصر العلاقات منذ ذلك الوقت على تبادل الزيارات والبعثات الدبلوماسية، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بتعاون استخباراتي حثيث بين النظامين، وأصبحت بموجبه تشاد شوكة في ظهر الدول التي تترقبها إسرائيل مثل السودان المتاخمة للدولة الإفريقية.

ليست إسرائيل وحدها من تحظى باستغلال تشاد كبؤرة أمنية وإستراتيجية، بل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، عملا أيضا على تلك المنهجية قاطعين الطريق أمام الروس الذين حاولوا أيضا إيجاد موطئ قدم لهم في تشاد التي فتحت ذراعيها للقوى العالمية لتكون شوكة في حلق الدول والأنظمة القائمة في إفريقيا والشرق الأوسط.

قنوات اتصال

الوفاق بين إسرائيل وتشاد يؤول إلى إحياء العلاقة التي بدأت عام 2008 حينما قامت شركة "إلبيت سيستمز" وشركات دفاع إسرائيلية أخرى بتوريد معدات لتحسين العتاد الذي استخدمه نظام ديبي ضد حركة المتمردين آنذاك.

في 22 يوليو/ تموز 2020، كشفت مجلة "إنتيليجنس أون لاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، أن وفدا تشاديا جديدا، زار إسرائيل مطلع يوليو/ تموز 2020، وسرعان ما أصبحت قناة الاتصال الجديدة تلك، والتي فتحت قبل بضعة أشهر، محورية للإستراتيجية الأمنية لكلا البلدين".

المجلة أكدت أن "رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين، زار تشاد عدة مرات للقاء كل من الرئيس التشادي إدريس ديبي، ورئيس (وكالة الأمن القومي ANS) التشادية الجنرال أحمد كوجري، كما قام كوجري نفسه بزيارة تل أبيب عدة مرات، وكذلك هرتسليا، عاصمة الاستخبارات السيبرانية الإسرائيلية".

وأضافت المجلة الفرنسية: "استندت العلاقة بين البلدين على توريد مواد اعتراضات إسرائيلية وما يتصل بها من تدريب إلى إنجامينا، كما يدقق الموساد عن كثب وبشكل خاص في العلاقة التجارية لأن كوهين حريص على منع الوسطاء العاملين على أرض الواقع في إفريقيا من شق طريق يفضي إلى إبرام صفقات".

وأضافت: "إنجامينا وتل أبيب تناقشان أوامر شراء طائرات مسيرة لأغراض الاستطلاع، وقد تقدمت عدة شركات إسرائيلية رائدة في هذا القطاع فعليا بعروض".

وأرجعت المجلة الفرنسية تطور العلاقات بين تشاد وإسرائيل إلى أنه "بالنسبة للموساد، تعد تشاد منصة مثالية في المنطقة، مثل أذربيجان في القوقاز، ويحرص الجواسيس الإسرائيليون بدورهم على مراقبة التطورات في السودان، المجاورة لتشاد، فلسنوات عديدة، كان النظام السابق في الخرطوم على علاقات مع الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني".

وفي 30 يوليو/ تموز 2019، نشر موقع "لو كلي دي موايان أوريون" الفرنسي دراسة تحدث فيها عن "عودة العلاقات بين تشاد وإسرائيل، في مجالات الأمن والدفاع والاقتصاد، في خطوة تهدف من خلالها إسرائيل للتوغل في القارة الإفريقية".

واعتبر الموقع أن اللقاء بين نتنياهو وديبي يسمح لإسرائيل بتحريك بيادقها نحو الأمام في القارة السمراء، حيث إن زيارة نتنياهو إلى تشاد في 20 كانون الثاني/ يناير 2019، أعلنت بشكل رسمي عن استعادة العلاقات الدبلوماسية التي انقطعت منذ سنة 1972 بين تل أبيب وإنجامينا".

وأوضح الموقع أن "هذه الزيارة التي نظمها مئير بن شبات، مدير مجلس الأمن الوطني الإسرائيلي، كانت تمثل بالأساس جولة لإرساء التعاون الأمني، ووقع زعيما البلدين على مجموعة اتفاقات في المجالات الأمنية والدفاعية".

تعاون وثيق

لم تكن إسرائيل وحدها المعنية بتشاد، فبحسب تقارير دولية عززت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، مؤخرا وجودها في تشاد الواقعة في وسط إفريقيا، وفي نقطة إستراتيجية بالغة الأهمية، حتى أن مديرة الوكالة جينا هاسبل زارت تشاد.

يأتي ذلك في إطار اهتمام واشنطن بالتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وخاصة ضد جماعة بوكو حرام بنيجيريا، ذلك السياق الإقليمي تحديدا هو ما دفع الولايات المتحدة إلى تكثيف حوارها مع "وكالة الأمن القومي (ANS)" التشادية.

وذكرت التقارير الواردة أنه تم طمأنة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بأن ديبي ورئيس استخباراته رفضا عروض المساعدة المقدمة من روسيا، التي تحاول أن تضع موطئ قدم لها في تلك المنطقة أيضا.

وبطبيعة الحال لا تنفك فرنسا عن الوضع القائم في تشاد، وهي الحليف القديم، حيث إن تنويع نظام ديبي لتحالفاته ووجود هذا العدد من القوى الإقليمية في العاصمة التشادية إنجامينا، لا يزال له تأثير سلبي على علاقته بشريكته الفرنسية القديمة المديرية العامة للأمن الخارجي.

وجدير بالذكر أن الجنرال أحمد كوجري، رئيس وكالة الأمن القومي التشادية، الذي يقود عملية تنمية علاقات استخباراتية جديدة في تشاد، هو في الأساس خريج مدرسة "سان سير" العسكرية الفرنسية و"المدرسة الوطنية للإدارة (ENA)"، وهي مدرسة النخبة للإدارة العامة في فرنسا. 

كما كان الملحق العسكري في السفارة التشادية بباريس لأكثر من عقد من الزمان. ومما يزيد من أهمية كوجري للقوى الاستخباراتية هو أنه رئيس "مركز الاندماج الاستخباراتي (CFR)" التابع للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل (5G Sahel)، وهو التحالف العسكري لدول الساحل الخمس، وهذا ما يزيد من وثاقة ارتباط تشاد بأجهزة الاستخبارات العالمية في غرب إفريقيا.

موقع إستراتيجي

تعدو دولة تشاد منطقة بالغة الأهمية للقوى العالمية، التي تريد التمركز في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة، وكذلك إفريقيا الصاعدة، وتتوسط تشاد القارة الإفريقية وهي مدخل مناسب لدول غرب القارة السمراء، كما تتشارك مع جارها الشرقي "السودان" حدوديا، وإثنيا فهناك العديد من القبائل المشتركة بين الدولتين وعلى رأسها قبيلة الزغاوة التي ينحدر منها الرئيس التشادي إدريس ديبي. 

كما تتقاطع تشاد بحكم الجوار مع ليبيا التي أصبحت تحتضن حروبا بالوكالة بين عدد من الدول، وتشهد أراضيها معارك طاحنة.

وكذلك تعد تشاد إحدى دول الساحل الإفريقي الذي يشهد نزاعات وتهديدات أمنية واسعة، وهو ما جعل القوة العسكرية الإفريقية لدول الساحل تحصل في فبراير/ شباط 2018، على دعم مالي وسياسي كبير في اجتماع بروكسل، الذي حضره نحو 32 رئيس دولة وحكومة من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وممثلون عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى رؤساء الدول الإفريقية الخمسة، تشاد وموريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر.

الرئيس التشادي إدريس ديبي بالزي العسكري

بؤرة تجسس

تطور تشاد كبؤرة تجسس إستراتيجية على محيطها الإقليمي، تتأثر به بعض الدول، لا سيما السودان الذي يشهد مرحلة انتقالية حرجة، وتجاذبات بين قوى مختلفة لإحكام السيطرة على الحكم. 

تلك المستجدات تترقبها إسرائيل بحذر، خاصة وأن التقارير الدولية على رأسها ما أورده موقع إنتيليجنس، يؤكد استخدام تل أبيب للأراضي التشادية، في مراقبة الجار السوداني.

بداية من نظام حكم عمر البشير الذي مثل على مدى سنوات طويلة مبعث قلق لتل أبيب، والآن ينطلق السودان في قطار التطبيع مع إسرائيل منذ إزاحة نظام البشير، وبداية حكم المجلس السوداني، وهو ما حدث في 3 فبراير/ شباط 2020، عندما التقى نتنياهو، بالفريق أول عبد الفتاح البرهان، في أوغندا، وهو اللقاء الذي جاء مفاجئا، حيث لم يتم الإعلان عنه مسبقا، ومثل صدمة لمعظم الأوساط السياسية والإعلامية في العالم العربي.

وأعلنت الحكومة الإسرائيلية حينها أن اللقاء، تم برعاية الرئيس الأوغندي يوري موسوفيني، وذكرت في بيان "يؤمن رئيس الوزراء نتنياهو بأن السودان يسير في اتجاه جديد وإيجابي، وعبر عن رأيه هذا في محادثاته مع وزير الخارجية الأميركي (مايك بومبيو)".

ورغم هذا التقارب، لكن الإدارة الإسرائيلية ما زالت تعمل بشكل وطيد مع إنجامينا، لمراقبة تطور الأوضاع، وتحسبا لأية مفاجآت.