لماذا عطل الحوثيون مؤسسات الدولة باليمن وأنشأوا كيانات بديلة؟

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بانقلاب الحوثيين في 2014 وسيطرتهم على مؤسسات الدولة باليمن، عمدوا إلى الاستحواذ على الاحتياطي الأجنبي في البنك المركزي، وتعطيل منظومة التعليم بشكل شبه كلي، وقطع أو تقليص الدعم للمستشفيات الحكومية وقطاعي الكهرباء والمياه، وفي كل قطاع من هذه القطاعات وغيرها حرصوا على توفير البديل الموازي لمؤسسات الدولة القائمة.

الاحتياطي النقدي

في أبريل/نيسان 2015 انهار الاقتصاد الوطني في اليمن باستحواذ الحوثيين على الاحتياطي النقدي، وإفراغ البنك المركزي من العملة الأجنبية البالغة أكثر من 5 مليارات دولار، فشحت السيولة النقدية بشكل حاد، وهبطت العملة المحلية وخسرت نحو 200% من قيمتها، وهو ما انعكس على أسعار السلع الغذائية.

عقب ذلك ارتفع مستوى التضخم، وبلغ مستويات قياسية، وقام الحوثيون بتحصيل الموارد والعائدات المالية كالجمارك والضرائب، وامتنعوا عن دفع المرتبات لكل موظفي الدولة في المدن الخاضعة لسيطرتهم.

ومع ضرب البنية الاقتصادية اليمنية، عمد الحوثيون إلى بناء اقتصاد مواز، هم أقطابه الذين يتحكمون فيه، قاموا بإنشاء أسواق موزاية للمنتجات السيادية التي يفترض أن تحتكرها الدولة وتضمن توفيرها، كالمشتقات النفطية والغاز، وضاربوا بالعملتين الأجنبية والمحلية، خارج منظومة البنك المركزي وقوانينه وأسعاره (2).

يقول الباحث محمد الحميري، يمثل الاقتصاد الموازي استمرارا للاقتصاد بوسائل أخرى تعتمد على التحايل على الاقتصاد النظامي وتدميره، وبالتالي نمو الأسواق غير النظامية والسوداء، وسيادة السلب، والابتزاز، والعنف المتعمّد ضد المدنيين من قبل المقاتلين لاكتساب السيطرة على الأصول المربحة، واستغلال اليد العاملة. كما أنه اقتصاد يتّسم باللامركزية، ويزدهر فيه الاعتماد على التهريب”

مستشفيات بديلة

عمل الحوثيون على تدمير المنظومة الصحية بشكل كامل، واستبدالها بنظام صحي مواز، وبسبب تردي الخدمة في المستشفيات الحكومية، أجبر المواطنون للبحث عن بدائل، وبالطبع لم تكن البدائل إلا المستشفيات الخاصة.

يقول أحد الأطباء العاملين في مستشفى الثورة بصنعاء، طلب عدم الكشف عن اسمه، لأسباب أمنية، في تصريح خاص لـ "الاستقلال"، "هناك مستشفيات خاصة أنشئت حديثا، تعود ملكيتها لقيادات حوثية، وهي البديل الذي يضطر إليه المواطن الذي لم يعد يجد خدمة طبية أو صحية في المستشفيات الحكومية، بسبب مغادرة عدد كبير من الأطباء والكفاءات، إثر انقطاع الراتب منذ أكثر من عامين.

وبسبب انقطاع الدعم الذي أثر على مستوى النظافة والتمريض والتشغيل، يضيف الطبيب وبالطبع فإن كلفة المعالجة في المستشفيات الخاصة تبلغ أضعاف ما هي علي في المستشفيات الحكومية التي كانت تقدم خدمة شبه مجانية أو تتقاضى رسوما رمزية.

تعليم مواز

تتمثل أكبر مشكلة في قطاع التعليم بعدم صرف رواتب المعلمين في مناطق سيطرة الحوثيين، ما يهدد بحرمان 4.5 مليون طالب وطالبة من التعليم، يقول المدرس طارش أحمد، في تصريح خاص لـ"الاستقلال"، "لم نتقاض مرتباتنا منذ أكثر من عامين، كما أننا لا نستطيع التغيب عن المدرسة بشكل كلي، فلذلك إجراء عقابي يمارسه المدير المعين من قبل الحوثيين، يصل لحد الفصل".

ويضيف طارش، الذي انتقل للحياة في مدينة مأرب حاليا، "لم أصبح على أداء واجبي بالشكل المطلوب، بسبب انقطاع الراتب، فكنت أحضر لمدة حصة أو حصتين، ثم أذهب للتدريس في مدرسة خاصة في الحي المجاور، وبالطبع أثر ذلك على العملية التعليمية برمتها، فهو تعليم هش، وما يحصل شبه تعليم، لا تعليم حقيقي، ويمكن القول أن الطالب لا يتلقى تعليما حقيقيا يمكن الاعتماد عليه".

تعطيل الحوثيين للعملية التعليمية بشكل ممنهج والاتجاه لإنشاء مدارس خاصة، إلى جانب كونه كارثة أضر بمنظومة التعليم، مهّد لخلق فرص للتربح والتجارة على حساب معاناة المواطنين، وهو الأمر الذي أغرى الحوثيين باستمرار تعطيلهم للمدارس الحكومية، بحسب طارش.

أما المدرس علي أسلم، فقال لـ "الاستقلال"، "أعمل في مدرسة خاصة لتدريس اللغة العربية في صنعاء، وهي مدرسة حديثة يملكها ضابط حوثي، التعليم فيها جيد نوعا ما، وهي بديل عن المدارس الحكومية التي يعد التعليم فيها شبه معطل، بسبب عدم انضباط المدرسين الذين لا يتقاضون أي رواتب منذ عدة أشهر.

مراد محمد أب يمني قال لـ"الاستقلال"، "أخرجت أولادي من مدرسة الحي الحكومية، فلم أعد آمنا على مستقبلهم التعليمي فيها، فهم لا يتعلمون شيئا عدا اكتساب أخلاق سيئة، اضطررت لإدخالهم مدرسة خاصة، ومع أنها ليست على النحو المطلوب من حيث جودة التعليم، مقارنة بكلفتها العالية، إلا أنه أفضل المتاح".

مولدات كهربائية

كانت المنظومة الكهربائية قد تأثرت أثناء الثورة، بسبب الاعتداءات المتكررة على أبراج الكهرباء في محافظة مأرب، إلا أنه كان يتم إصلاحها بين الحين والآخر، لتعود ساعات معينة.

لكن منذ انقلاب الحوثيين انطفأت الكهرباء بشكل كامل في هذه المحافظات، واتجه المواطنون لشراء الألواح الشمسية لتوفير طاقة بديلة، فيما قامت شخصيات حوثية أو موالية لهم، باستقدام مولدات كهربائية ضخمة، وركنها في زاويا بعض الأحياء التجارية والسكانية، ثم توليد الكهرباء مقابل مبالغ شهرية تساوي أضعاف ما كانت عليه.

تاجر يملك محل أحذية في شارع هائل وسط صنعاء، طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، قال في تصريح خاص لـ"الاستقلال"، "ندفع اشتراكا شهريا يساوي 10 أضعاف ما كنا ندفعه للخدمة الحكومية، وهو أقل كفاءة، وعلى شكل محدود، حيث يتم تزويدنا بالكهرباء لعدة ساعات فقط، من المغرب وحتى الساعة 11 ليلا، ، فصاحب المولد الكهربائي الموالي للحوثيين يشترط علينا عدم تشغيل أي أجهزة تستهلك كمية كبيرة من الكهرباء، كسخانات المياه".

ويضيف التاجر، "هناك عدة أحياء أعرفها تم تزويدها بكهرباء من مولدات تابعة لشخصيات حوثية نافذة، وهم يتقاضون مبالغ شهرية طائلة، مستدركا "هناك مولد آخر لا يتبع شخصا حوثيا، لكن نافذا حوثيا يشاركه العوائد المالية، مقابل الحماية وضمان استمرار المشروع، وعدم إيقافه من قبل نافذ حوثي آخر".

لا يوفر هذا المشروع حلا لهذه الإشكالية، وإن كان يبدو أنه يوفر بديلا، إلا أنه يقوم بتخدير المواطنين، ويدفعهم للتراخي عن الضغط والمطالبة بتوفير الكهرباء، كما أن استمرار تدفق المبالغ الطائلة لقاء توفير الخدمة عبر مولدات خاصة، يشجع على  الاستمرار بقطع الكهرباء العمومية.

حاويات المياه

شملت هذه الإجراءات الموازية، خدمة المياه التي لم تعد توفرها الحكومة مطلقا للمنازل، واستبدل المواطنون ذلك بشراء حاويات المياه التي تعود إما لنافذين حوثيين، أو لمواطنين آخرين يدفعون جزءا كبيرا، مما يحصلون عليه للحوثيين، حسبما يقول شهاب جعدان: "لقد صدأت شبكة المياه في الحي الذي نسكن فيه، كانت آخر مرة تأتي فيها المياه قبل أكثر من 3 سنوات، أما الآن فإننا نشتري وايت (حاوية) ماء كل أسبوعين، بمبالغ مضاعفة.

واستكمالا لهذه المنظومة، أنشأ الحوثيون الهيئة العامة للزكاة في مسعى منهم، لإلغاء صندوق الرعاية الاجتماعية، وتعطيل عمل الصندوق في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

وفي تصريح سابق لوزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل الدكتورة ابتهاج الكمال لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) قالت إن "هذا الإجراء غير القانوني، يمثل تطورا مخيفاً في إطار مشروع المليشيا للبحث عن ذرائع جديدة لجباية الأموال واستخدامها في حربها العبثية بحق اليمنيين، ويشكل عبئاً إضافيا يثقل كاهل المواطنين ويزيد من معاناتهم".