ثورة أهالي نيرتتي المشتعلة في قلب دارفور.. لهذا تهدد حكومة حمدوك

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

نيرتتي، مدينة ثائرة في قلب دارفور، تشهد أكبر اعتصام شعبي منذ اندلاع ثورة ديسمبر/ كانون الأول 2018، تقض مضاجع الحكومة الانتقالية بقيادة عبد الله حمدوك، والمجلس السيادي السوداني بشكل عام.

نيرتتي، مدينة غاضبة، تتسع بؤرة الاعتصام فيها يوما بعد يوم، وتجذب شرائح واسعة من المجتمع السوداني، فتجاوز الاعتصام نطاق المدينة إلى عموم السودان، لا سيما العاصمة الخرطوم، بالإضافة إلى تعاضد العديد من النقابات المهنية معه.

اعتصام نيرتتي وثورتها أعادت للأذهان الحرب المستعرة في منطقة دارفور منذ عام 2003، حيث تقاتل حركات مسلحة متمردة هناك، القوات الحكومية ما خلف أكثر من 300 ألف قتيل، ونحو 2.5 مليون مشرد، من أصل حوالي 7 ملايين نسمة في الإقليم، وفق الأمم المتحدة.

وإحلال السلام، هو أحد أبرز أولويات السلطة في الخرطوم خلال مرحلة انتقالية بدأت في 21 أغسطس/ آب 2019، وتستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات.

اعتصام نيرتتي 

في 28 يونيو/ حزيران 2020، دخل الآلاف من مواطني منطقة "نيرتتي" بولاية دارفور السودانية، في اعتصام مفتوح أمام مقر الحكومة المحلية، احتجاجا على الاعتداءات المتكررة، وللمطالبة بتوفير الأمن، ونزع سلاح المليشيات، وتأمين الموسم الزراعي، والقبض على مرتكبي الجرائم وتقديمهم للعدالة. ‎

الاعتداءات المتكررة بحق "نيرتتي"، ذات جذور تاريخية، مرتبطة بمسارات زراعة ورعي مع القبائل الأخرى، وفي كل مرة تحدث اشتباكات مسلحة، وسقوط للقتلى، دون اهتمام حكومي، أو سعي لإيقاف الانتهاكات بحقهم. 

ويؤكد المعتصمون أن هناك مسؤولين في النظام يعرقلون العدالة ويتعمدون تفجير الوضع الأمني بشتى الوسائل هناك، لذلك جاء المطلب الأكثر إلحاحا بعد فرض الأمن هو إقالة المسؤولين الحكوميين.

وفي 4 يوليو/تموز 2020، قدمت هيئة محامي دارفور تقريرا أوليا عن الوضع في نيرتتي، حذرت فيه من أن التقاعس عن الاستجابة لمطالب أهاليها، قد يؤدي إلى تطوير الاعتصام وإنتاج نماذج مماثلة في مناطق أخرى.

وشددت هيئة اعتصام نيرتتي أن "المعتصمين انتهجوا سلوكا متحضرا في المطالبة بالحقوق، وممارسة الديمقراطية"، وأضافوا: "يجب أن تستثمر تلك الآليات لفعل إيجابي، باتخاذ منصة الاعتصام بداية لمشروع تحضيري لملتقى يبحث قضايا الأمن والسلام، ولإنتاج الحلول لقضايا ومشكلات البلاد القومية مثل قضايا الأمن والسلام المجتمعي". 

وذكر تقرير الهيئة، أنه "منذ عيد الفطر وقعت 48 حادثة وهجوما وجرائم ضد مواطني المنطقة وما جاورها، تم قيد بلاغات جنائية ببعضها وامتنعت الشرطة عن قيد غالبها، ومن الجرائم المرتكبة: القتل والاغتصاب ونهب الأموال والممتلكات ومنع ملاك البساتين من جني ثمارها والاستيلاء عليها وإتلاف المزارع".

صوت ممتد

قوة اعتصام نيرتتي لم تقف على المنطقة المستعرة فحسب، بل امتدت إلى عموم السودان، وتحديدا في العاصمة الخرطوم، حيث تظاهر المئات دعما لمطالب معتصمي "نيرتتي".

أمام مقر مجلس الوزراء، رفع المتظاهرون لافتات مكتوب عليها، "كلنا نيرتتي"، و"وطن واحد"، وقدموا مذكرة إلى حمدوك، تحمل أغلب مطالب الاعتصام.

وفي 5 يوليو/ تموز 2020، نشرت نقابة أطباء السودان، عبر موقعها الرسمي بتويتر، تغريدة أكدت خلالها مشاركتها في المظاهرات، قائلة: "نظمت الكوادر العاملة بمركز العزل  بمستشفى الخرطوم وقفة تضامنية دعما لأهالي نيرتتي".

بعدها أعلن وزير العدل نصر الدين عبد الباري، عن "اتخاذ قرارات عاجلة لتعزيز مبدأ سيادة حكم القانون ومنها الاتفاق على إنشاء محكمة عامة في نيرتتي، وإرسال 3 وكلاء نيابة للمنطقة، في إطار حرص الوزارة على نشر مؤسسات العدالة في كل ولايات ومحليات السودان للمساهمة في ضبط وحسم المتفلتين والمجرمين وتقديمهم للمؤسسات العدلية".

الوزير أكد على "ضرورة نزع السلاح من أيدي المواطنين وحصره في يد المؤسسات العسكرية والأمنية"، وقال: إن وجود الأسلحة في كل الأيدي "يهدد السلام الاجتماعي والاستقرار الأمني وتفاقم من المشكلات".

الحكومة والجيش

تصاعد الأحداث وتسارعها، مع اتساع بؤرة الاعتصام، دفع رئيس الوزراء، في 3 يوليو/ تموز 2020، للإعلان أن "مطالب المعتصمين في مدينة  نيرتتي، عادلة ومستحقة".

وأضاف حمدوك في تدوينة عبر صفحته بفيسبوك: أنه وجه "وفدا حكوميا لزيارة نيرتتي ولقاء المعتصمين، والعمل على تحقيق مطالبهم لضمان أمن واستقرار المنطقة".

كما أعرب عن تقديره واحترامه "للشكل الحضاري للاعتصام والتعبير السلمي المستمر".

وفي 6 يوليو/ تموز 2020، أعلنت الخرطوم، الاتفاق مع معتصمي نيرتتي، على إنشاء محكمة عامة وتشكيل قوة مشتركة.

ووفق وكالة الأنباء السودانية الرسمية، "توصل الوفد الحكومي برئاسة محمد حسن التعايشي، عضو مجلس السيادة الانتقالى، إلى توافق مع لجنة اعتصام نيرتتي بشأن المطالب التي رفعها المعتصمون".

من أبرز بنود الاتفاق، "إنشاء محكمة عامة بنيرتتي، وتشكيل قوة مشتركة من الجيش والدعم السريع والشرطة لجمع السلاح وحسم الانفلات الأمني وتأمين الموسم الزراعي".

الفريق عبد الرحيم دقلو، نائب قائد قوات الدعم السريع، تعهد خلال لقائه أعيان منطقة "نيرتتي"، بـ"ملاحقة المجرمين والقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة ونشر 100 سيارة، تابعة للدعم السريع، للمساهمة في حفظ الأمن وجمع السلاح".

تفاعل شعبي

تفاعل الرأي العام السوداني، وسائر الشعب في مختلف المدن، جعل صورة اعتصام نيرتتي تتخطى حاجز الإقليم الصغير، إلى الفضاء الدولي، واهتمام وسائل الإعلام العالمية بالحدث. 

ودون الناشط محمد كودي، منتقدا أداء الحكومة الانتقالية في التعامل مع الاعتصام، قائلا عبر "تويتر": "حكومة الحرية والتغيير وتقبل الرأي الآخر  أبرزت وجهها الدكتاتوري القمعي للحريات إلكترونيا فماذا أنتم فاعلون ؟"

ونشر السياسي السوداني مصطفى محجوب، صورة من الاعتصام، وعلق عليها قائلا: "هذه الأرض تغطت بالتعب". 

وغردت الناشطة السودانية أمل أبو عيسى، عن الاعتصام، " نرفع القبعات إجلالا وتقديرا لأهلنا في دارفور وفي معسكرات النزوح وهم ينتفضون بهذا الأسلوب الحضاري في تحقيق المطالب السياسية بعد عقود من الاحتراب والاقتتال فرض عليهم. واليوم يعلنون أنهم في مقدمة تيار ثورة ديسمبر المجيدة".

وكتب حساب باسم "عموري" عن تطورات الأحداث في الاعتصام، وذكر أن "نيرتتي.. منطقة بجبل مرة - ولاية وسط دارفور، يتعرض سكانها للكثير من المضايقات الأمنية من قبل مليشيات مسلحة تقوم بالنهب والقتل والاغتصاب حتى صار الخروج من القرى أمرا في غاية الخطورة. قاموا بمخاطبة اللجنة الأمنية بالولاية ولم تستجب لهم ورفضت فتح بلاغات ضد الجناة". 

وقال الصحفي السوداني تاج الدين هجو: "وتمضي سنة الحياة برحلة الحال والترحال، اليوم هنا وغدا هناك، نجوب في ربوع الوطن حاملين راية السلام وعن حق مواطنيه في المعيشة الكريمة، كُتب علينا أن نحمل هم الناس فكنا ولا زلنا أبناء الوطن البارين علامة النصر علم السودان.. إلى دارفور الحبيبة، لنكون معكم من قلب الحدث".

مقصد السياح 

نيرتتي التي تشهد صراعات متتالية، تعد واحدة من أكبر مدن محلية غرب الجبل التابعة لولاية وسط دارفور غربي السودان ضمن ولايات دارفور الخمس.

وتعني نيرتتي بلغة الفور "القطعة المغسولة والنظيفة الخالصة" نسبة لنظافة المكان وروعته، ومن أبرز أحيائها، العمدة، الاستراحة، رجال بنو، قعر الجبل، قارسيلا، كمبي غابات، استرحنا وقوز بيضة، ومن أسواقها سوق نيرتتي الكبير.

وتعتبر الزراعة المورد الرئيسي للمدينة، ومن الركائز الأساسية في اقتصاديات السكان، ومع وجود الأودية والسهول والمدرجات والمناخ الجيد، أدى ذلك إلى تنوع المنتجات الزراعية، وكذلك تتميز نيرتتي بغزارة الإنتاج من البرتقال والمانجو والموز، وغيرها من الفواكه الطبيعية. 

توجد بالمدينة أعداد كبيرة من الثروة الحيوانية من الجمال والأبقار والأغنام، ما يجعلها تعتمد على الرعي كمورد ثان بجوار الزراعة.

وحسب الموقع الرسمي للسودان، فإن نيرتتي تعد مقصدا للسياح، للتنزه في شلالات (قلول ومرتجلو) الساحرة، ولأن المنطقة زاخرة ومليئة بالموارد ومصادر السياحة ذات التنوع الحيوي.

تضم نيرتتي مساقط مائية تنحدر من أعالي جبل مرة، وعيون متفجرة من أعماق الصخور، بالإضافة إلى وجود أنواع متفردة من الطيور المهاجرة والمقيمة، التي تعطي مناظر جمالية ساحرة للزائرين.