موسى بن الحسن الدرقاوي.. مقاوم مصري حارب الاحتلال الفرنسي بالجزائر

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 3 يوليو/ تموز 2020، استعادت الجزائر، رفات 24 من شهداء المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي للبلاد، الذي دام 132 عاما، بداية من عام 1830، وانتهى بالاستقلال في 5 يوليو/ تموز 1962.

الشهداء العائدون بعد غياب طويل إلى بلادهم، تمت استعادة جماجمهم من فرنسا، بعد أن كانت معروضة بمتحف الإنسان في "باريس" وحُرمت من الدفن لنحو أكثر من 170 سنة.

وبحسب وكالة "الشرق الأوسط" المصرية الرسمية، التي أصدرت بيانا عن واقعة استعادة شهداء الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي، ومن ضمنهم الشهيد المصري، فإن "الخطوة (استعادة الرفات) جاءت لتكشف عن ملمح جديد للتضامن والتلاحم بين الشعبين المصري والجزائري، إذ إنه من بين تلك الرفات جمجمة لمواطن مصري شارك في مقاومة الاحتلال الفرنسي للجزائر، يدعى موسى بن الحسن المصري الدرقاوي أو صاحب الجمجمة رقم 5942".

وتعد ترجمة قصة المقاوم المصري موسى بن الحسن الدرقاوي، ابن محافظة دمياط المصرية، من أبرز سير وحدة الأمة العربية والإسلامية، وعلى رسوخ العلاقة بين الشعبين المصري والجزائري.

سعي مبكر

موسى بن الحسن المصري الدرقاوي ولد بالقرب من مدينة دمياط بشمال مصر، توفي والده وهو طفل صغير، وفي العام 1822 أصابه مرض شديد، سافر على إثره إلى سوريا للعلاج، إذ استغرق ذلك عاما كاملا، توجه بعدها إلى إسطنبول بتركيا، ثم عاد إلى مصر، ومنها إلى طرابلس الليبية، إلى أن توجه غرب الجزائر. 

المقاوم المصري موسى بن الحسن، أشرف على تربيته جده، الذي جنده في جيش "محمد علي"، حيث حارب الألبان، ثم رجع إلى القاهرة وهرب منها إلى طرابلس حيث التقى بالشيخ سيدي محمد بن حمزة ظافر المدني شيخ الطريقة الشاذلية (إحدى الطرق الصوفية)، وهناك تعلم العلوم الشرعية من (حديث، وقرآن، وبلاغة وفقه…)، وكذا المبادئ الأساسية للطريقة، من ذكر وورد، إلى أن انتهى به الأمر باتباع طريقته مريدا لها، وواحدا من أنبغ تلامذتها. 

وعندما لمس شيخ الطريقة، نبوغ موسى بن الحسن المصري، أمره بالتوجه غربا نحو المغرب، حيث مكث في جنوب المغرب سنتين وبعدها كان دخوله إلى معسكر مقر باي الغرب "حسان باي"، وبعد ذلك غادر نحو الأغواط، لتبدأ رحلة جهاده ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر. 

نحو الأغواط 

تعد الأغواط التي قصدها موسى بن الحسن، من المدن الضاربة في جذور التاريخ، المتوسطة الحجم، التي تقع في قلب الجزائر، وهناك عمل موسى للدعوة للطريقة المدنية (نسبة للشيخ سيدي محمد بن حمزة المدني)، وأوردت المراجع التاريخية الجزائرية أن سكان الأغواط، استقبلوا الشيخ موسى استقبال الفاتحين متعطشين لرجال الدين على اختلاف أطيافهم، كرامة للعلم الذي يحمله، وقد بنوا له زاوية على عادة أهل ذلك الزمن، ومنحوه أرضا وحدائق (تعرف الآن بزقاق الحجاج)، ومكث هناك سنتين التف الناس خلالها حوله وأصبحوا من مريديه.

وكان لأدائه في إقامة الأذان بالطريقة الشرقية، أبلغ الأثر، إذ أعجب به الأهالي، وأصبح له صديقان مقربان، وهما "ابن علال" و "عبد الرحمن بن علي"، واللذان صارا من مؤيديه في الأغواط، ومع اختلافه الكبير مع الطريقة التيجانية التي كانت تنافسه، انفصلا عنه في الأخير وهجراه، فأثر فيه هذا الموقف كثيرا، وأفشى الشيخ  موسى ألمه هذا في رسالة شعرية من ثمانين صفحة إلى "الشيخ ابن عطية" مخففا عن نفسه، ثم ترك الأغواط عام 1830 وتوجه إلى بلدة مسعد. 

وهناك رحب به سكانها وأصبح له الكثير من المريدين، وتزوج هناك، وصار بينه وبينهم نسبا وصهرا، ومنها امتد صيته لمدينة قصر البخاري والمدية. 

ومن أحفاده هناك موسى بن سي أحمد لمين بن بوبكر بن موسى، وعرف عنه أنه رجل هادئ و بسيط، وما زالت سلالته تعيش في أراضيه وعلى علاقة طيبة مع الناس. 

وفي عام 1834، بعد توقيع الأمير عبد القادر الجزائري معاهدة "ديمشال" مع الفرنسيين، دعا الشيخ موسى بن الحسن الناس للجهاد ضد فرنسا والأمير عبد القادر، وبالفعل نجح الدرقاوي في تجميع الآلاف من حوله، ودارت بينه والأمير عبد القادر معركة بالقرب من منطقة "وامري"، دامت حوالي 4 ساعات، وانهزم فيها موسى. 

وعلى أثرها تمت مطاردته من الجنرال الفرنسي "ماري مونج" في مدينة مسعد، حيث مكث هناك سنوات، حتى توجه جنوبا نحو متليلي الشعانبة بالجزائر سنة 1847.

وهنا يذكر المؤرخ الفرنسي "آرنو"  أن الشيخ موسى قد أقام سنة 1834 في عين الخضرة، بين مدينتي الزنينة والشارف، حيث تمكن فيه من الدعوة إلى طريقته الدرقاوية التي لاقت تجاوبا كبيرا من قبائل عرش العبازيز (أولاد سيدي عبد العزيز الحاج)، مستغلا سخط قطاع كبير منهم على الأمير عبد القادر الجزائري، بعد توقيع المعاهدة. 

وقد اشتهر عن الشيخ موسى بن الحسن، أنه كان يربي أتباعه على منهج قاس من التصوف، والزهد في الدنيا، وعدم الانزلاق إلى متع الحياة، والانصراف عن الآخرة. 

ثورة الزعاطشة

في 2017 تم إصدار كتاب "المقاومات الشعبية ببلاد أولاد نايل.. مقاومة الحاج موسى بن محمد المدني الدرقاوي"، لمجموعة من المؤرخين والأدباء الجزائريين، حيث ذكروا أن "الشيخ بوزيان، أحد كبار أعوان الأمير عبد القادر، حاول الاتصال بشيوخ الطرق والزوايا للتحضير لثورة الزعاطشة، فاتصل بالشيخ موسى بن الحسن المصري الدرقاوي، الذي رحب بالجهاد، وذهب إلى مدينة مسعد واصطحب معه نحو 80 مقاتلا من أولاد نائل، وقاوموا ببسالة الحصار المفروض عليهم".

وفي يوم 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 1846، بدأت المعركة ضد القوات الفرنسية، وكان على رأس المقاومين الشيخ موسى بن الحسن، وبرفقته أولاد نائل وبوسعادة والمسيلة ممن التحقوا  بإخوانهم في الزعاطشة، وأعطى الجنرال الفرنسي هيربيون، الأوامر  بـ"إبادة" سكان الـواحة بما فيهم الأطفال، والنساء، والشيوخ،  وقـطع أشجار الـنـخـيـل، وحرق المنازل، ثم نسفت دار الشيخ بوزيان فسقط  شهيدا، ومعه الشيخ موسى.

وعلى إثر ذلك، أمر القائد الفرنسي هيربيون، بقطع رأس زعيم الثورة الشيخ بوزيان ورأسي ابنه والشيخ الحاج موسى بن الحسن المصري، وتعليقهم على أحد أبواب مدينة  بسكرة الجزائرية. 

بعدها نقلت جماجم أولئك المقاومين إلى فرنسا، حيث تم حفظها في متحف الإنسان بباريس، وعلى مدار أكثر من 170 عاما حملت جمجمة الدرقاوي رقم (5942) حتى عادت إلى الجزائر، مرة أخرى في 3 يوليو/ تموز 2020.

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على رأس مستقبلي الرفات بمطار هواري بومدين بالجزائر العاصمة، حيث جرت مراسم استقبال جنائزية رسمية لها، ونقلت إلى قصر ثقافة "مفدى زكريا" لتمكين المواطنين من إلقاء النظرة الأخيرة عليها، قبل أن توارى الثرى، في مربع الشهداء بمقبرة العالية بالجزائر العاصمة.