تاريخ سيئ.. لماذا تستقطب الإمارات مسؤولين بريطانيين كمستشارين؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"الطرف الثاني الذي لم يخرج سالما من هذه الملحمة، هو دولة الإمارات العربية، حيث قامت بحشو جيوب مبعوث السلام (توني بلير) بالمال، ليتابع مصالحها الجيوسياسية والتجارية، في الوقت الذي كان يجب أن تتركه وشأنه، ليركز على المهمة التي أوكل بها".

بهذه الكلمات وصف محرر الشؤون الخارجية السابق في صحيفة (ديلي ميل) البريطاني، أنطوني هاروود، طبيعة عمل رئيس وزراء بريطانيا الأسبق لدى الإمارات، وتورطه في الترويج لسياساتها الخارجية، ودعم برامجها الاقتصادية، ومشاطرتها توجهاتها الأيديولوجية في عداء التيارات الإسلامية.

عمل بلير لدى الإمارات مستمر منذ العام 2007، لكنها لم تكتف به وبدأت باستقطاب "محترفين" جدد من داخل أروقة الحكومة البريطانية للعمل في شركات ممولة ومدعومة من حكام أبوظبي.

كان آخرهم وزيرة الداخلية البريطانية السابقة آمبر رود، التي التحقت بشركة تابعة للشيخة سلامة بنت حمدان آل نهيان، زوجة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الرجل الأقوى في البلاد، وصاحب السياسات الخارجية المثيرة للجدل والاضطرابات في الشرق الأوسط.

تلك الحوادث المتكررة، لعمل مسؤولين بريطانيين سابقين، في شركات تابعة للإمارات، دفعت للتساؤل عن مدى تأثير تلك العمليات على السياسة الخارجية للدولة، وسر اهتمام الإمارات بأشخاص بعينهم، وعن طبيعة أدوارهم في خدمة النظام الإماراتي؟

ونشر موقع "إنتيليجنس أون لاين" الفرنسي المتخصص في الشؤون الاستخباراتية، تقريرا في العدد الصادر بتاريخ 24 يونيو/ حزيران 2020، يفيد بأن آمبر رود، اتخذت خطوة أقرب إلى الحلف الإماراتي السعودي، وذلك بالتحاقها بالعمل كمستشارة لدى شركة الشؤون العامة "تينيو هولدنجز".

وأفاد الموقع الاستخباراتي أن رود، ستقدم خبرتها كمستشارة لشركة الأمن السيبراني "دارك تريس" بشأن قطاع الطاقة.

وقد انضمت رود إلى "تينيو هولدنجز" بالتزامن مع حصول الشركة مؤخرا على عقد بقيمة 250 ألف دولار شهريا من المؤسسة الإماراتية التي تترأسها "سلامة بنت حمدان آل نهيان".

ولا تقف الشركة عند التعاون والدعم الإماراتي، بل تدير كذلك شؤون الترويج في الغرب لأحد المشاريع المفضلة للغاية لدى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهو مشروع بناء مدينة نيوم الترفيهية الضخمة، التي تم تقليص ميزانيتها إلى حد ما عن المخطط المبدئي الرامي لإنفاق ما يقارب 500 مليار دولار لبناء أكبر مدينة في العالم.

وجدير بالذكر أن "تينيو هولدنجز"، التي تمتلك وحدة استخبارات أعمال تجارية داخلية، لديها نقطة نفاذ مباشرة إلى الرياض متمثلة في مستشارها الكبير رجل الأعمال الأسترالي الجنسية اليوناني الأصل أندرو ليفريس، الذي يحتل كذلك مقعدا في عضوية المجلس الاستشاري لمدينة نيوم.

تاريخ سيئ 

وتعد آمبر رود، المقربة من زوجة ابن زايد، من الساسة البريطانيين الذين لعبوا دورا بارزا في المسرح السياسي للبلاد على مدار العقد الأخير، وهو تاريخ لا يخلو من انتقادات وانتهاكات في عدد من القضايا والملفات.

رود عملت كصحفية في البداية، ثم دخلت مجال العمل السياسي كعضوة في حزب المحافظين. وكانت عضوا في البرلمان البريطاني عن دائرة هاستينغز وراي (شرق ساسكس) منذ الانتخابات العامة عام 2010.

وشغلت العديد من المناصب البارزة في الحكومة، حيث أصبحت وزيرة الدولة للطاقة وتغير المناخ من 2015 إلى 2016 تحت قيادة رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون.

وكذلك جرى تعيينها وزيرة للشؤون الداخلية في مجلس الوزراء داخل حكومة تيريزا ماي، في 13 يوليو/ تموز 2016.

وجدير بالذكر أن آمبر رود، المرأة الثالثة التي شغلت منصب وزير الداخلية، والمرأة الخامسة التي عملت في أحد مناصب المكاتب الحكومية الرئيسية داخل الحكومة البريطانية.

وخلال فترة توليها منصب وزيرة الداخلية، تم إقرار قانون يمنح جهاز الاستخبارات والسلطات الأمنية صلاحية مراقبة بيانات وتحركات مستخدمي الهواتف والإنترنت في إطار الإجراءات المتعلقة بمكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية.

وأتاح القانون الذي صدر في ديسمبر/ كانون الأول 2016، إمكانات أكبر للمؤسسات الاستخباراتية والوحدات الأمنية لمراقبة الأشخاص الذين يشكلون خطرا إرهابيا على البلاد عن كثب وبطريقة دقيقة.

كما طالب القانون شركات الإتصال والإنترنت بتسجيل تفاصيل التطبيقات والخدمات والمواقع التي يزورها المستخدمون، على مدى 12 شهرا، وتقديم المعلومات اللازمة للحكومة البريطانية حال طلبها.

وقد أثار القانون انتقادات واسعة لدى الأوساط المدافعة عن حقوق الإنسان في عموم المملكة المتحدة، بدعوى أنه "ينتهك حقوق الخصوصية للأفراد".

وفي هذا السياق، اعتبر "جيم كيلوجك" مدير مؤسسة "مجموعة الحقوق المفتوحة" في العاصمة البريطانية لندن، أن القانون الجديد يعد من أكثر قوانين المراقبة تطرفا في الديمقراطيات حول العالم.

وقال كيلوجك: "ستعمل بقية الدول على شرعنة سلطتها في المراقبة الإجبارية من خلال استخدام هذا القانون بما في ذلك الأنظمة الاستبدادية التي تتمتع بسجلات سيئة في مجال حقوق الإنسان".

ولعل تلك الإجراءات من أبرز جهات التلاقي بين آمبر رود، وحكام الإمارات، الذين ينشطون بشكل واسع في الرقابة الإلكترونية واستخدام تقنيات فائقة للتجسس على معارضيهم.

ارتباط مفضوح

وفي 30 أبريل/ نيسان 2018، قدمت الوزيرة البريطانية استقالتها على خلفية فضائح عدة حول طريقة تعامل أجهزتها مع ملف المهاجرين، ما وضع رئيسة الحكومة تيريزا ماي في موقع هش قبل بضعة أيام من الانتخابات المحلية (آنذاك). 

وحاولت الحكومة البريطانية احتواء تداعيات الطريقة التي عالجت بها الوزيرة قضايا بعض المهاجرين الكوبيين على المدى الطويل، حيث وصفتهم بـ"المهاجرين غير الشرعيين".

وهو ما دعا حزب العمال البريطاني المعارض، لمطالبة آمبر رود، بتقديم استقالتها على خلفية هذه الفضيحة. 

كما تقدمت ماي بالاعتذار لأبناء المهاجرين، وقالت: "لقد خذلناكم، وأنا آسف للغاية، لكن الاعتذارات وحدها لا تكفي، يجب أن نصحح هذا الخطأ التاريخي على وجه السرعة".

هذا الأمر دفع الوزيرة البريطانية إلى تقديم استقالتها، بعد الضجة التي أثارتها، وفي رسالة استقالتها التي وجهتها لرئيسة الحكومة قالت رود: إنها "ضللت لجنة برلمانية كانت تناقش موضوع الهجرة في البلاد، حين أنكرت علمها بوجود قوائم للحكومة تتعلق بترحيل المهاجرين". 

وسببت هذه الفضيحة، وتلك الاستقالة، ضربة قوية لحكومة تريزا ماي، ونقطة سوداء في تاريخ السياسية البريطانية، التي سلكت مسلكا حديثا عند ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وزوجته سلامة بنت حمدان آل نهيان، التي عرفت بأنشطتها المختلفة في استقطاب كبار الساسة، والمؤثرين في الرأي العام من خلال أموالها الطائلة. 

وعلى غرار سائر الحكومات المستبدة في الشرق الأوسط، تلعب زوجة الرجل الأقوى في الإمارات، دورا رئيسيا في سياسة الدولة، وكانت قضية دعمها للشركة التي استقطبت وزيرة الداخلية البريطانية السابقة آمبر رود، ضمن سلسلة طويلة من الأعمال المماثلة.

ففي 24 مايو/ آيار 2020، نشر موقع "الإمارات ليكس" المعارض، تقريرا عن سلامة بنت حمدان آل نهيان تحت عنوان، "مال إماراتي مقابل ولاءات شعراء مرتزقة"، وذكر أن "والد زوجة ولي العهد وهو الشيخ حمدان بن محمد آل نهيان كان من الشخصيات الثرية والنافذة في الإمارات وتوفي عام 1989 تاركا وراءه ثروة هائلة، أشرفت على إدارتها الشيخة سلامة". 

وأفاد التقرير أن "الشيخة سلامة استفادت من أرباح تلك التركة في توزيع العطايا على الشعراء الشعبيين في الخليج والمنطقة بتنسيق مع زوجها ابن زايد الذي يبدو مهتما كثيرا بالشعر الشعبي وخصوصا لما يطاله من المديح كل عام من شعراء برنامج (شاعر المليون)".

وأضاف: أن "الشعراء يتندرون في مجالسهم حول تلك العطايا حيث يتفقون بأن الشيخة سلامة إن أعطت أعطية فإنها تدفن فقر الشاعر إلى الأبد". 

وظهر طبيعة الدور الذي مارسته زوجة ابن زايد، عقب الأزمة الخليجية مع قطر في يونيو/ حزيران 2017، عندما بدأت تظهر أغان مسيئة إلى الدوحة مدفوعة الثمن.

وكانت المفاجأة أن مجموعة من أشهر الفنانين يؤدونها، وأنها من كلمات الشعراء المدعومين من الشيخة سلامة، وقد ظهر مدى الإسفاف في تلك الحالة، لا سيما مع استخدام تعابير خارجة عن العادات والتقاليد الخليجية والعربية. 

سابقة متكررة

عمل وزيرة الداخلية البريطانية السابقة آمبر رود، في شركة مدعومة من الإمارات، لم تكن سابقة هي الأولى من نوعها، بل هناك عدة سوابق، أبرزها وأشهرها متعلق برئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، الذي شغل منصب رئيس الوزراء ثلاث فترات متتالية منذ عام 1997 إلى 2007.

وبدأت رحلة بلير في العمل مع حكام الإمارات بعد مغادرته منصبه وتوليه منصب مبعوث اللجنة الرباعية الدولية الخاصة بالسلام في الشرق الأوسط، حيث أقامت وزارة الخارجية الإماراتية حفلا لاستقباله.

ونشرت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية في يوليو/ تموز 2018، أن شركة "توني بلير أسوشيتس" وقعت عقدا لتقديم الاستشارات للإمارات العربية المتحدة مدة 5 سنوات، قابلة للتمديد، بقيمة تتراوح بين 25 و35 مليون جنيه إسترليني.

 ويشمل الاتفاق الإشراف على المشاريع في دول أخرى مثل كولومبيا وفيتنام، وربط رجال الأعمال الإماراتيين وشركات الاستثمار الإماراتية بفرص فيما وراء البحار.

ويُعتبر توني بلير من المقربين لولي عهد الإمارات محمد بن زايد، الذي يشاطره العداء الصارخ للجماعات الإسلامية، وتيارات الإسلام السياسي.

وفي 25 يونيو/ حزيران 2014، كشفت صحيفة "ذي فاينانشيال تايمز"، أن "توني بلير، أصبح وسيطا سياسيا وتجاريا، يعمل خلف الكواليس بين حكومة الإمارات ودول العالم".

وفي 15 أغسطس/ آب 2017، نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية مقالا لمحرر الشؤون الخارجية السابق في صحيفة "ديلي ميل" أنطوني هاروود، تساءل فيه عن سبب دفع دولة الإمارات نفقات توني بلير، أثناء عمله مبعوثا خاصا للشرق الأوسط.

وقال الكاتب البريطاني: إنه "بعد أربعة أعوام، وفي عام 2013، عقد رئيس الوزراء الأسبق محادثات مع الحكومة البريطانية نيابة عن دولة الإمارات، التي كانت تحاول الحصول على صفقات بقيمة ملايين الجنيهات الإسترلينية".

وكشف هاروود أنه "من المعروف أن بلير، بصفته مبعوث سلام، التقى بشكل متكرر وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد، وفي الوقت ذاته حصل على أموال من شركة نفط كورية كانت تحاول عقد صفقات مع شركة استثمار النفط الدولية المملوكة من الإمارات، وتكشف الرسائل الإلكترونية كيف عبر بلير عن امتنانه الكبير للمسؤول الإمارات".