هرولة حكام عرب نحو نظام بشار الأسد.. هل يوقفها "قيصر" الأميركي؟

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تكن الأنظمة العربية التي هرولت نحو التطبيع مع نظام بشار الأسد، على علم أنها ستكون على موعد مع قانون "قيصر" الأميركي في 17 يونيو/ حزيران 2020، والذي يعاقب كل من يساند النظام ويمارس أنشطة اقتصادية، سواء على مستوى الدول أو الشركات والأفراد.

وفرضت الولايات المتحدة، عقوبات على 39 شخصا وكيانا بينهم رئيس النظام السوري بشار الأسد وزوجته أسماء لحرمان حكومته من مصادر التمويل في محاولة لدفعها للعودة إلى المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة.

وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في بيان يعلن المستهدفين بالعقوبات المفروضة في إطار قانون قيصر لحماية المدنيين بسوريا: إنه يجب توقع فرض عقوبات "أكثر بكثير" على حكومة الأسد خلال الأسابيع والشهور المقبلة.

وفي ظل تطبيق "قيصر" برزت تساؤلات عن مصير التطبيع الذي بدأته دول عربية مع النظام السوري؟ وهل يكبح القانون جماح الإمارات ودول أخرى أعلنت دعمها للأسد، أم أنها ستمضي بعلاقتها كما تفعل مع إيران المفروضة عليها عقوبات أميركية مشددة منذ عامين؟.

تعويل كبير

المحلل السوري ياسر النجار، قال لـ"الاستقلال": "قانون قيصر جاء أخيرا بعد مخاض طويل استمر أكثر من 5 سنوات بعدما شهد تعطيلا مقصودا من إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وأيضا مع نهاية الفترة الرئاسية لدونالد ترامب".

ورأى النجار أن "القانون الذي دخل حيز التنفيذ يحاسب كل الدول والأنظمة والشركات والأفراد التي تساعد النظام المافيوي في سوريا وتؤمن له المال ليستمر في اعتدائه على الشعب السوري وعلى البنى التحتية في سوريا من خلال القصف والتدمير".

وحسب المحلل السوري، فإن "تنفيذ هذا القانون سيضع حدا لمزيد من القتل وتخفيف المعاناة عن النساء والأطفال وكبار السن، ويضع حدا لمسلسل إعادة تأهيل النظام من بعض الأنظمة العربية والغربية التي بدأت بتنازلات غير مبررة لنظام مافيوي مجرم يقتل الشعب السوري دون أي مخاوف من المحاسبة".

وأكد النجار أن "تطبيق القانون وضع حدا لكل هذه التنازلات ولن تستطيع أي إدارة أو نظام حاكم تجاوز هذا القانون، وبالتالي إنصاف لمظالم الشعب السوري وسماع لمطالبه وساهم ذلك الأمر بالضغط على روسيا وإيران اللتين ذكرتا بشكل واضح ضمن المسؤولية على دعم النظام".

وشدد على أن "روسيا وإيران ساهمتا ببقاء هذه المافيا بقوة السلاح وبالسياسة من خلال إعادة تسويق هذا النظام من جديد من خلال علاقاتها بالدول العربية والإقليمية والأوروبية وبدأ مسلسل التنازلات بالتغاضي عن جرائم هذا النظام وبدء التمهيد لإعادته إلى بعض المحافل".

تهديد للإمارات

وبعد يوم من إطلاق القانون، هددت الولايات المتحدة، أبوظبي على وجه الخصوص، بفرض عقوبات عليها في إطار "قيصر". وأكدت واشنطن أنها تعارض الإجراءات التي اتخذتها أبوظبي للتقارب من النظام السوري، لافتة إلى أن عقوباتها على نظام الأسد قد تستهدف جهات إماراتية.

وخلال مؤتمر صحفي حول بدء تطبيق "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا" قال الممثل الأميركي الخاص المعني بشؤون سوريا، جيمس جيفري: إن "الإمارات تعرف أننا نرفض على الإطلاق اتخاذ الدول مثل هذه الخطوات. أكدنا بوضوح أننا نعتبر ذلك فكرة سيئة"، في إشارة إلى إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق، وزيارة وفد إماراتي إلى سوريا مؤخرا.

وفي 27 مارس/آذار 2020 أجرى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، اتصالا هاتفيا مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، أكد فيه "دعم بلاده للشعب السوري في هذه الظروف الاستثنائية"، مشددا على أن "سوريا لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة".

واعتبر جيفري أن مثل هذه الإجراءات "لن تسهم في تطبيق قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (رقم 2254) وإنهاء النزاع الذي يقلق جدا المنطقة كلها". وأضاف: "كل من يمارس الأنشطة الاقتصادية، إن كان في الإمارات أو في البلدان الأخرى، وتطابقت هذه الأنشطة مع معايير القانون الخاص بالعقوبات، فقد يتم استهدافه بها".

وردا على ذلك، علّق عبد الخالق عبد الله أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات، بالقول: "قانون قيصر الأميركي الذي يفرض عقوبات على سوريا ودخل حيز التنفيذ، غير ملزم للإمارات، مؤكدا أن أبوظبي ستمضي في علاقتها مع دمشق".

وخلال تصريحات صحفية في 18 يونيو/ حزيران 2020، أضاف عبد الخالق عبد الله، أن الإمارات دولة ذات سيادة، وتتخذ قراراتها وعلاقاتها مع بقية الدول بناء على مصالحها الوطنية التي تعرفها أكثر من أميركا أو من أي طرف آخر، مشيرا إلى أن دولة الإمارات من حقها أن تدير أمورها بعيدا عن أي تحذير أو قانون أميركي أو غيره.

ونوه عبد الله إلى أن "قيصر" هذا، قانون أميركي وليس قانونا دوليا أي أنه غير ملزم للإمارات، موضحا أن أبوظبي ستراعي علاقاتها مع واشنطن باعتبارها من أكبر شركائها في المنطقة، ولكن في الوقت نفسه ستمضي في علاقاتها مع دمشق ولن تترك بلدا عربيا مثل سوريا فريسة لإيران أو تركيا.

ورغم تبرير الأكاديمي الإماراتي مضي بلاده في التقارب مع نظام الأسد، بحجة عدم تركها فريسة لإيران، لكن الواقع يثبت عكس ذلك، إذ إن أبوظبي أعادت تطبيع علاقتها مع طهران، رغم وجود عقوبات أميركية مشددة ضد الأخيرة فرضها الرئيس دونالد ترامب عام 2018.

ونقلت وكالة أنباء "إيسنا" الإيرانية في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2010 عن مصدر رسمي إيراني تأكيده زيارة مسؤول إماراتي لطهران مرتين خلال أسابيع. وذلك بعد زيارة أجراها وفد حرس الحدود وخفر السواحل الإماراتي إلى طهران ولقائه بقائد حرس الحدود الإيراني، في يوليو/ تموز 2019، والذي أكد أن الإمارات وإيران تتمتعا بعلاقات تاريخية "عميقة".

موقف المطبعين

لم يصدر عن أي تصريحات رسمية من الدول العربية التي بادرت مؤخرا بالتطبيع مع نظام بشار الأسد، سوى الحكومة الأردنية، إذ قال رئيس الحكومة عمر الرزاز: إن قانون "قيصر" الأميركي القاضي بفرض عقوبات جديدة على دمشق، لن يؤثر على العلاقات بين الأردن وسوريا.

وأضاف الرزاز خلال تصريحات لقناة "المملكة" الأردنية في 22 يونيو/ حزيران 2020، أن هناك تحديات حقيقية داخل سوريا وتؤثر على حركة التجارة والتبادل التجاري بين البلدين. وقال: "المواد الأساسية التي نتبادلها معفاة أصلا من هذا القانون أو غيره، والمعيقات الحقيقية هي على أرض الواقع وليست قانونية أو مفروضة".

وفي 2013 وافقت القمة العربية التي عُقدت في الدوحة على تسليم المقعد للمعارضة السورية، إلا أنه عاد شاغرا بقمة شرم الشيخ في مارس/آذار 2015، وأُعيد وضع علم النظام السوري، في خطوة ألْغت أحقية المعارضة بمقعد جامعة الدول العربية.

الخطوة المصرية بقيادة عبد الفتاح السيسي، أتت منسجمة مع مواقف العراق والجزائر وسلطنة عُمان ولبنان الذين رفضوا منذ البداية إلغاء عضوية سوريا في الجامعة العربية، بعدها توالت المواقف الداعمة لنظام الأسد.

البحرين والإمارات أعادتا افتتاح سفاراتيهما في دمشق، وكذلك الأردن أعاد التمثيل الدبلوماسي بين عمّان ودمشق، سبقتها زيارة الرئيس السوداني المعزول عمر البشير إلى سوريا ولقائه ببشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2018.

وخفف المغرب من لهجته أيضا بشأن سوريا، حيث أشار وزير الخارجية ناصر بوريطة في يناير/ كانون الثاني 2019، إلى دعم دعوات من بعض الدول العربية إلى عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية.

وكذلك تونس، سبق لها أن أيّدت على لسان وزير خارجيتها عودة سوريا إلى الجامعة العربية، فقال خميس الجهيناوي خلال تصريح له في يناير/كانون الثاني 2019: إن "المكان الطبيعي" لسوريا هو داخل جامعة الدول العربية.

وفي المقابل، لا تزال دول عربية مهمة رافضة لعودة نظام الأسد إلى مقعد الجامعة العربية، أبرزها السعودية وقطر والكويت، الذين يرون أن الوقت لم يحن بعد، وأنه ثمة شروط ينبغي على النظام الأخذ بها قبل ذلك.

وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، سبق أن أعلن في مارس/آذار 2019، أنه "لا تغيير في الموقف السعودي بشأن فتح السفارة في دمشق، كما أن إعادة سوريا للجامعة العربية مرهونة بالتقدم في العملية السياسية".

وفي عام 2011 اتخذت جامعة الدول العربية قرارا بإبعاد سوريا عن "الحضن العربي" وذلك على إثر استخدام نظام بشار الأسد العنف ضد الثورة الشعبية التي جاءت ضمن سلسلة ثورات شعبية اندلعت ببلدان عربية عدة وعرفت بثورات الربيع العربي.