تقرير الحريات الدينية.. لهذا اعتبرت أميركا المغاربة شعبا غير متسامح

12

طباعة

مشاركة

في 10 يونيو/ حزيران 2020، نشر الموقع الرسمي للخارجية الأميركية تقريرها السنوي عن وضعیة الحریات الدینیة عبر العالم، ومن بينها المغرب.

وجه التقریر انتقادات لسلوك المجتمع المغربي تجاه الأقلیات الدینیة، التي تلجأ إلى السریة وإخفاء القناعات العقيدية الخاصة بها، خوفا من الاستهداف والإقصاء والوصم الاجتماعي.

ونقل تقریر الخارجیة الأميركیة عن ممثلین لمن وصفهم بالأقلیات الدینیة في المغرب، قولهم: إنهم یخافون المضایقات المجتمعیة، "من بینها التعرض للنبذ من طرف أقارب المتحول دینیا، والسخریة الاجتماعیة والتمییز في التشغیل واحتمال التعرض للعنف من جانب "المتطرفین".

المضايقة النظامية

قبل زيارة البابا فرنسيس إلى المغرب في 30 مارس/ آذار 2019، أصدرت لجنة المسيحيين المغاربة التابعة للجمعية المغربية للحقوق الدينية (غير مسجلة)، خطابا معلنا على نطاق واسع للبابا فرنسيس تطلب منه الضغط على الحكومة لفتح تحقيقات في ما وصفته بـ "المضايقة النظامية للمواطنين المسيحيين من قبل قوات الأمن".

عدد من رجال الدين المسيحيين الأجانب في المغرب، أوضحوا أنهم بسبب الخوف من مواجهة تهمة التبشير الجنائية، فإنهم منعوا المواطنين المسيحيين عن حضور كنائسهم.

وخلال استقبال البابا في الرباط أوضح الملك أن لقب "أمير المؤمنين" يعني بأنه "قائد جميع المؤمنين بما في ذلك اليهود والمسيحيين المغاربة".

وفي أبريل/ نيسان 2020، من نفس السنة، أطلق الملك بناء متحف ثقافي يهودي جديد في مبنى كان مدرسة بالقرب من الحي اليهودي التاريخي والمقبرة في مدينة فاس.

وصرح وزير الدولة لحقوق الإنسان والعلاقات في البرلمان - المنتمي لحزب العدالة والتنمية - مصطفى رميد، في برنامج تلفزيوني في 14 أبريل/ نيسان 2020، أن الحكومة لم تجرم التحول عن الإسلام، وأنها تميزه عن جريمة "زعزعة عقيدة الآخرين" أو محاولة تحويل المسلمين إلى دين آخر.

مظاهر التضييق

رصد تقرير الخارجية الأميركية عددا من مظاهر التضييق على الأقليات الدينية في المغرب، إذ قال مواطنون مسيحيون: إن السلطات واصلت إجراء مكالمات هاتفية أو منزلية لإثبات أنهم يراقبون الأنشطة المسيحية.

وحسب الزعماء الدينيين وعلماء القانون، فإن رفض الحكومة السماح للمجموعات الشيعية بالتسجيل كجمعيات استمر في منع هذه الجماعات من التجمع بشكل قانوني في المناسبات الدينية العامة.

لم تكن هناك مساجد شيعية معروفة، وأفاد ممثلو الشيعة أنهم لم يحاولوا التسجيل خلال العام لأنهم يخشون أن تقوم قوات الأمن بمضايقتهم كما كان الحال في السنوات السابقة.

في 27 أغسطس/ آب 2019، هدمت السلطات في منطقة الحوز خارج مدينة مراكش (الجنوب) منشأة تم بناؤها جزئيا وصفها صانعها الفنان الألماني أوليفييه بينكووسكي ومؤسسته غير الحكومية PixelHelper، بأنها "نصب تذكاري مخصص لليهود المقتولين في أوروبا والوقوف ضد اضطهاد الأقليات".

أفاد التقرير بأن حظر استيراد البرقع وإنتاجه وبيعه ظل لعام 2017 ساري المفعول في المغرب، وأشارت وزارة الداخلية المغربية إلى المخاوف الأمنية كمبرر للحظر، ولم يمنع الأفراد من ارتداء البرقع أو استخدامه في المنزل بشكل فردي.

فيما واصلت السلطات منع المذيعين في التلفزيون الوطني وأفراد الشرطة والجيش في الزي الرسمي من ارتداء الحجاب أو البرقع، بحسب التقرير.

"العدل والإحسان"

لم تقف الخارجية الأميركية في تقريرها على الأقليات الدينية فقط في المغرب، بل رصدت كيف ظلت جماعة "العدل والإحسان" محظورة، ووصفتها بـ"الحركة الاجتماعية الإسلامية السنية التي ترفض السلطة الروحية للملك".

وقال التقرير: إنها (الجماعة) استمرت في العمل رغم الحظر. وأنها ظلت أكبر حركة اجتماعية في البلاد على الرغم من أنها غير مسجلة.

أشارت الوثيقة إلى أن الجماعة واصلت إصدار البيانات الصحفية وعقد المؤتمرات وإدارة مواقع الإنترنت والمشاركة في المظاهرات السياسية.

ونقلا عن وسائل الإعلام، قالت الخارجية: "كانت هناك حالات منعت فيها الحكومة الجماعة من الاجتماع وقيدت التوزيع العام للمواد المنشورة. وفي 6 فبراير/ شباط 2020، أغلقت مساجد غير مرخصة تعمل في منازل أعضاء جماعة العدل والإحسان في مدن الدار البيضاء والقنيطرة وإنزكان".

وعن وكالة "فرانس برس"، ذكرت السلطات المحلية في الدار البيضاء أن المنازل كانت بمثابة "أماكن للصلاة والتجمعات وكانت موطنا لأنشطة غير قانونية".

آلية ضغط

من جهته رأى دكتور العلوم السياسية، عبد الرحمن الشعيري منظور، أن تقرير الخارجية الأميركية حول الحريات الدينية، يعد آلية من آليات الضغط السياسي للولايات المتحدة الأميركية على دول العالم الثالث وخاصة في المنطقة العربية والإسلامية لتمهيد فرض بعض السياسات في مجالات التعليم وحقوق الإنسان والمجال الديني.

وأوضح المتخصص في علاقة النخب الدينية بالسياسة، أن التقرير الأخير عن سنة 2019، ركز بخلفية سياسية مقصودة عن "مرونة السلطة" و"تشدد المجتمع" إزاء الأقليات الدينية من المسيحيين والشيعة المغاربة، "فهذه المقاربة تروم التمهيد للمزيد من التواصل والضغط الناعم على الدولة المغربية لإصلاح ما تعتبره الخارجية الأميركية "معيقات مجتمعية" تواجه الحرية الدينية".

ومن ثم فالتقرير رغم ذكره لخروقات تمارسها السلطات الرسمية في مجال الحريات الدينية (منع الحجاب في الشرطة والجيش والتلفزيون، العدل والإحسان..) إلا أنه قام بتضخيم لما وصفه بالتعصب المجتمعي تجاه اليهود والشيعة والمسيحيين المغاربة.

وهذا الطرح، حسب المتحدث لصحيفة "الاستقلال" يبين بوضوح الطبيعة السياسية للتقرير باعتباره "وسيلة من وسائل الضغط السياسي، وبعيد كل البعد عن ضوابط الترافع الحقوقي  الدولي".

واستبعد الباحث في العلوم السياسية، أن يكون الموقف الرسمي قد تراجع في رؤيته لمسألة الحريات الدينية، "فهو يعترف بالأقلية اليهودية المغربية والجالية المسيحية الأجنبية ولا يعترف في  النسق الديني الرسمي بالمسيحيين والشيعة والبهائيين المغاربة".

وينتهج في التعامل مع هذه الأقليات خيار المراقبة الأمنية لكي لا تتحول إلى أوراق للتدخل الخارجي، وفي هذا السياق يفسّر عدم تجاوب الملك محمد السادس مع طلب الفاتيكان بخصوص الاعتراف والتعامل الرسمي مع المسيحيين المغاربة".

البعد الصوفي

أما على المستوى المجتمعي، فأشار التقرير إلى تمكن الأقليات على ممارسة شعائرها بشيء من الحرية، وأوضح منظور أن المجتمع المغربي في عمومه مجتمع متسامح دينيا لعوامل تاريخية وثقافية متعددة.

وذكر منها ترسخ البعد الصوفي في الوجدان الشعبي العام والإرث الأندلسي المعروف بتسامحه الديني، ثم لاعتدال الخطاب الديني للدولة (الدروس الحسنية نموذجا) والحركة الإسلامية المغربية (التوحيد والإصلاح والعدل والإحسان).

وأفاد منظور، أن تعامل المجتمع المغربي المعروف بسُنيته ومالكيته مع ظواهر معاصرة: مثل اعتناق المسيحية والتشيع والإلحاد، يتأسس على ثقافة الحوار والحِجاج واللامبالاة أحيانا، كما أن الوجود القوي للدولة أمنيا يمنع أي توتر مجتمعي في هذا السياق، خاصة أن هذه الظواهر تبقى معزولة وهامشية عن التيار المجتمعي العام.

وتابع المتحدث: أستحضر في هذا السياق الأجواء الهادئة التي مرت فيها جنازة الإمام المغربي الشيعي عبد الله الدهدوه بمدينة طنجة في 19 مارس/ آذار 2012.

وقد سجل التقرير حالات تعنيف لعدد من المنتمين إلى الأقليات الذين عبروا أن خوفهم من المجتمع يدفعهم للامتناع عن ممارسة شعائرهم في العلن.

وبحسب منظور تبقى هذه الحالات محدودة، ففي الفضاء الافتراضي اليوم هنالك سجالات ونقاشات وتطرح أفكار من الملاحدة والبهائيين والشيعة والمسيحيين.

قبل أن يستدرك قائلا: بالفعل يتفاوت تعامل المغاربة مع هذه الأقليات بين حوار النخب والنقاش الهادئ وبين خيار العنف اللفظي الشائع لدى عامة الناس لضعف التربية والتعليم وثقافة الاختلاف.

كما يسهم الفكر المتشدد عند البعض والثقافة الرسمية الموروثة عن "السياسة الإسلامية" للمقيم العام (مندوب الاحتلال) الفرنسي بالمغرب هوبير ليوطي، في إذكاء عدم قبول الاختلاف في المعتقد المنصوص عليه في كليات القرآن الكريم والسنة النبوية.

وأوضح الدكتور أن القيود العملية على حرية المعتقد ترجع للقانون الجنائي الموروث كذلك عن الحقبة الكولونيالية (الاستعمارية) ولا صلة لها بالإسلام الذي يؤسس حرية الاعتقاد على قاعدة "لا إكراه في الدين".

ومن ثم، يزيد باحث العلوم السياسية، فتعامل السلطات المغربية مع إعلان هذه المعتقدات يخضع للمنطق الأمني والسياسي (الارتياب من التوظيف الخارجي) ولا يبرر بالمعطى الديني/الثيولوجي.

وختم بالقول: كما لاحظت أن تقرير الخارجية الأميركية يتعامل مع دفاع شرائح المجتمع المغربي عن رؤيتها للإسلام إزاء التوجهات اللادينية والدينية الأخرى بأستاذية ووصاية تتناقض مع  أطروحاته عن حرية المعتقد.

أرقام وإحصاءات

قدرت الخارجية الأميركية إجمالي عدد السكان بنحو 34.6 مليون (تقديرات منتصف عام 2019). أكثر من 99 في المائة من السكان هم من المسلمين السنة، وأقل من 0.1 في المائة من السكان من الشيعة، وتشمل المجموعات التي تشكل أقل من 1 في المائة من السكان المسيحيين واليهود والبهائيين.

ووفقا للتقرير هناك ما يقدر بـ 3000 إلى 3500 يهودي، فيما يقدر المسيحيون ما بين 2000 و6000 مواطن مسيحي موزعين في جميع أنحاء البلاد، لكن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تقدر العدد بـ 25 ألف مسيحي، معظمهم من الأجانب حسبما أفاد مصدر إعلامي، وهناك فقط نحو 8000 مواطن مسيحي.

وفيما يقدر البعض عدد الشيعة بعدة آلاف من المواطنين، يقدر زعماء الطائفة الأحمدية المسلمة عددهم بـ 600، ويقدر قادة الطائفة البهائية عددهم بـ 350-400.

وتفيد "بي بي سي" العربية أن 15 في المائة من السكان في المغرب يعتبرون غير دينيين، ارتفاعا من أقل من 5 في المائة في عام 2013.

قوانين الدولة

حسب الدستور، الدولة هي دولة إسلامية، والإسلام هو دين الدولة. يكفل الدستور حرية الفكر والتعبير والتجمع ، ويقول: إن الدولة تضمن لكل فرد حرية ممارسة شؤونه الدينية.

ينص الدستور على أن الملك يحمل لقب "أمير المؤمنين"، وهو حامي الإسلام وضامن حرية ممارسة الشؤون الدينية في البلاد.

يحظر الدستور سن القوانين أو التعديلات الدستورية التي تنتهك أحكامه المتعلقة بالإسلام، ويعترف أيضا بالجالية اليهودية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من المجتمع. وفقا للدستور، لا يجوز تأسيس الأحزاب السياسية على أساس الدين ولا يجوز تحقير الإسلام أو التعدي عليه.

يحظر الدستور والقانون الناظم لوسائل الإعلام على أي شخص، انتقاد الإسلام في البرامج العامة، مثل وسائل الإعلام المطبوعة أو عبر الإنترنت، أو في الخطابات العامة.

ويعاقب على مثل هذه العبارات بالسجن لمدة عامين وغرامة قدرها 200.000 درهم (20800 دولار).

يعاقب القانون أي شخص "يستخدم الإغراءات لتقويض العقيدة" أو تحويل مسلم إلى دين آخر عن طريق استغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة، أو من خلال استخدام المؤسسات التعليمية أو الصحية أو غيرها من المؤسسات وينص على عقوبات تتراوح من 6 أشهر إلى 3 سنوات بالسجن وغرامة من 200 إلى 500 درهم (21 دولارا - 52 دولارا).

وتنطبق نفس العقوبات على أي شخص يتعمد التدخل في الشعائر أو الاحتفالات الدينية حيث يتسبب ذلك في اضطرابات أو يؤثر على كرامة مثل هذه الأعمال الدينية. كما ينص على الحق في محاكمة قضائية لأي شخص متهم بارتكاب مثل هذه الجريمة.

والتحويل الطوعي من دين لآخر ليس جريمة بموجب القانون، الذي يسمح للحكومة بطرد أي مقيم غير أجنبي تحدده على أنه "تهديد للنظام العام".

وبموجب القانون، فإن إعاقة أو منع شخص أو أكثر من العبادة أو من حضور خدمات العبادة من أي دين يعاقب عليه بالسجن لمدة 6 أشهر إلى 3 سنوات وغرامة من 200 إلى 500 درهم (21 دولارا - 52 دولارا).

وينص قانون العقوبات على أن أي شخص يُعرف أنه مسلم يفطر في العلن خلال شهر رمضان دون استثناء ممنوح من قبل السلطات الدينية يُعاقب بالسجن 6 أشهر وغرامة من 200 إلى 500 درهم (21 دولارا - 52 دولارا)، ويتمتع المُلاك بسلطة تقديرية لإبقاء مطاعمهم مفتوحة خلال شهر رمضان.