محادثات مأزومة وضربات متبادلة.. هل يصمد اتفاق السلام مع طالبان؟

محمود سامي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثار استئناف العمليات العسكرية المتبادلة مؤخرا في أفغانستان، مخاوف بشأن صمود اتفاق السلام التاريخي بين طالبان وواشنطن والمساعي الأميركية نحو إقرار اتفاق مماثل بين الحركة وحكومة كابول.

ومنذ توقيع اتفاق السلام في العاصمة القطرية، الدوحة، في فبراير/ شباط 2020، لم تتعرض طالبان للقوات الأميركية الموجودة في أفغانستان، في حين أنها نفذت عدة عمليات ضد القوات الأفغانية. وتوقفت تلك العمليات في فترة عطلة عيد الفطر واستأنفت بعدها.

وفي 5 يونيو/حزيران، أعلنت الولايات المتحدة، أنها شنت ضربتين جويتين استهدفتا طالبان للمرة الأولى منذ انتهاء وقف إطلاق النار بين الحركة والقوات الأفغانية منذ أكثر من أسبوع، في وقت أُعلن فيه مقتل 11 مواليا للحكومة الأفغانية في هجوم يحتمل وقوف طالبان وراءه، لكن الأخيرة لم تعلن تبنيها بعد.

اتفاق الدوحة

ينص اتفاق الدوحة على انسحاب جميع القوات الأجنبية من أفغانستان في غضون 14 شهرا، وتخفيض الولايات المتحدة قواتها في أفغانستان إلى 8600 عنصر في غضون 135 يوما بدء من تاريخ توقيع الاتفاق، مقابل حصولها على ضمانات أمنية.

وغادر بالفعل آلاف الجنود الأميركيين، حيث قال مسؤول كبير في وزارة الدفاع (البنتاغون) في مايو/أيار 2020: إن عدد الجنود الذين لا يزالون في أفغانستان يبلغ نحو 8500 عنصر.

ويقضي الاتفاق بأن  تسحب الولايات المتحدة وحلفاؤها والتحالف جميع قواتهم من 5 قواعد عسكرية في غضون 135 يوما، وإزالة العقوبات الأميركية عن أفراد طالبان بحلول 27 أغسطس/ آب 2020.

هذا إلى جانب إطلاق سراح ما يصل إلى 5 آلاف سجين من طالبان، وما يصل إلى ألف من سجناء الطرف الآخر بحلول 10 مارس/ آذار 2020.

ووضعت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنهاء الحرب في أفغانستان ضمن أولوياتها، كما يضغط مسؤولون أميركيون على الحكومة الأفغانية وطالبان؛ لإجراء محادثات سلام في مسعى لإتمام عملية سحب القوات الأجنبية من كابول.

ويأمل الأفغان والمراقبون الدوليون في خفض العنف بين الجانبين، لكن مفاوضات تبادل للسجناء تعرقلت، وتعرضت القوات الحكومية في الأسابيع الأخيرة لهجمات بوتيرة متزايدة.

ومنذ توقيع اتفاق الدوحة، امتنعت طالبان بشكل كبير عن شن هجمات عنيفة على مدن أفغانية، لكنها واصلت استهداف القوات الأفغانية. وفي مايو/أيار، أعلن البنتاغون أنه سيواصل تنفيذ ضربات دفاعية ضد طالبان عندما تهاجم شركاء واشنطن الأفغان. 

وكانت طالبان قد أعلنت بشكل مفاجئ وقفا لإطلاق النار مع القوات الأفغانية بمناسبة عيد الفطر، انتهت مهلته في 26 مايو/ أيار 2020، وهو ما رحب به الرئيس الأفغاني أشرف غني.

وآنذاك أعلن غني اعتزام حكومته الإفراج عن ألفين من معتقلي طالبان بعيد إعلانها وقفا لإطلاق النار خلال عطلة العيد، وحث الحركة على الإفراج عن جميع السجناء لديها من قوات الأمن في أقرب وقت ممكن.

وسبق أن أفرجت الحكومة الأفغانية، في مايو/أيار، ضمن تطبيق اتفاق الدوحة عن نحو 1000 من عناصر الحركة التي أطلقت بدورها سراح 300 من أفراد الأمن المحتجزين لديها، وكان يفترض أن تنتهي عملية تبادل المعتقلين في 12 مارس/آذار.

صعوبات وتهديدات

بدوره، استبعد الصحفي الأفغاني سجَّاد محمدي، تأثير القصف الأميركي الذي استهدف قبل أيام، قوات طالبان التي كانت تستعد هي الأخرى لشن هجوم ضد قوات حكومة كابل، على مجرى مفاوضات عملية السلام في بلاده.

وفي حديث لـ"الاستقلال"، قال محمدي: إن جهود السلام مستمرة حتى الآن، مستشهدا باستمرار تفعيل مبادرة الدوحة بين واشنطن وطالبان من جهة، وإعداد الحكومة الأفغانية فريق تفاوض مع الحركة، بخلاف الإفراج الحكومي عن حوالي 3 آلاف سجين من قوات طالبان. 

ورغم المناوشات الأخيرة، انخفض مستوى العنف بشكل عام في كافة أنحاء البلاد، في حين أكدت الحكومة الأفغانية أنها مستعدة لبدء محادثات السلام التي طال انتظارها.

وأضاف محمدي، أن هناك جهودا تبذل لبدء المفاوضات بين طالبان والحكومة في الأسابيع المقبلة، مؤكدا أن الأفغان يأملون في التوصل إلى سلام وإنهاء الحرب.

غير أنه استدرك بالقول: إن الوصول إلى سلام دائم بين طالبان والحكومة، أمر مستبعد في الوقت الحالي، وقد يستغرق الكثير من الوقت.

وعزا محمدي ذلك إلى وجود العديد من القضايا الصعبة المطروحة قبل البدء في أي مفاوضات بين الجانبين، على رأسها سيناريوهات إدارة الدولة مستقبلا، ومشاركة الحركة في تشكيل الحكومة، والتفاوض حول تعديلات في الدستور، وتقاسم السلطة، وحقوق الإنسان والمرأة.

وشدد الصحفي الأفغاني على أهمية إقرار اتفاق بين الحركة والحكومة، مؤكدا أن الجميع في بلاده يبحث عن السلام الذي سيخدم بشكل رئيسي طرفي الصراع اللذين يقاتلان بعضهما البعض حتى الآن. 

وفي مايو/ أيار، نقلت صحيفة الأهرام المصرية، عن السفير الأفغانى السابق بالسعودية، سيد جلال كريم، تأكيده أنه "لا يمكن أن تسفر الحرب الدائرة في أفغانستان عن منتصر أو مهزوم ولا بد من حل هذه المشكلة عن طريق المفاوضات".

وأضاف جلال: أن "المفاوضات تعني تقديم الجميع تنازلات، وأن طالبان ستشارك في الحكم مع بقية الأطراف السياسية الأفغانية، ولا أعتقد أن هناك مشكلة مستقبلا".

وأشار إلى أن هناك نوعا من الإجماع الإقليمي بخصوص أفغانستان وأيضا بخصوص مشاركة طالبان في الحكم، وهذا الإجماع من كل دول المنطقة، وفق قوله.

وأوضح أن مشاركة طالبان في الحكومة تعني التفاوض حول تعديلات في الدستور وفي لجنة الانتخابات وفي مكافحة الفساد.

وشدد على أن "حكومة الرئيس أشرف غني، لا يمكن لها هزيمة طالبان، ولذا يجب أن تكون هناك مفاوضات جادة (..) ولفتح باب الحوار الداخلي وتشكيل حكومة مؤقتة خلال سنة على أقصى حد، وتجهز هذه الحكومة الانتقالية البلاد للانتخابات الرئاسية".

وأسفرت الحرب الأفغانية في السنوات الأخيرة، بحسب جلال، عن مقتل أكثر من مائة ألف شخص، منهم 45 ألفا من القوات المسلحة الأفغانية، مضيفا جميع القتلى هم من الأفغان سواء كانوا من الحكومة أو طالبان، وذلك بخلاف الضحايا المدنيين.

تبادل الثقة

لم تمنع الرؤى المختلفة بين طالبان وحكومة كابول، في تفهم الحركة أن التعامل المباشر مع الحكومة بات ضروريا بعد نحو عقدين من الحرب في أفغانستان.

ويعزز ذلك مقال نائب زعيم طالبان، سراج الدين حقاني، في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في فبراير/ شباط 2020، الذي عبَّر فيه عن إيمانه بحل الخلافات بين الأفغان من خلال المفاوضات.

وعن إستراتيجية الحركة المقبلة، أضاف: "إذا استطعنا التوصل إلى اتفاق مع عدو أجنبي (في إشارة إلى واشنطن)، فيجب أن نكون قادرين على حل الخلافات بين الأفغان من خلال المحادثات".

وفي مقاله، أوضح حقاني: "نحن (طالبان) على دراية بالمخاوف والأسئلة داخل وخارج أفغانستان حول نوع الحكومة التي قد تكون لدينا بعد انسحاب القوات الأجنبية، ردي على هذه المخاوف هو أنها ستعتمد على توافق في الآراء بين الأفغان".

وزاد بالقول: "يجب ألا ندع مخاوفنا تقف في طريق عملية نقاش حقيقي ومداولات خالية لأول مرة من الهيمنة والتدخل الأجنبي".

ويوم 7 يونيو/حزيران، أعلنت حركة طالبان، أنها أجرت مباحثات في الدوحة، مع وفد أميركي حول تسريع عملية إطلاق سراح المعتقلين في أفغانستان وبدء مباحثات أفغانية – أفغانية.

وقال المتحدث باسم طالبان، سهيل شاهين، عبر حسابه بـ"تويتر": إن "لقاء في الدوحة جمع رئيس المكتب السياسي للحركة، الملا عبد الغني برادر، مع كل من المبعوث الأميركي الخاص للمصالحة الأفغانية، زلماي خليل زاد، وقائد القوات الأميركية في أفغانستان، الجنرال سكات ميلر".

وأضاف شاهين: أن "اللقاء بحث تسريع عملية الإفراج عن المعتقلين، وبدء محادثات أفغانية - أفغانية، بجانب قضايا أخرى"، مشيرا إلى أن "اللقاء حضره مطلق القحطاني الممثل الخاص لوزير الخارجية القطري".

وبدأ وفد من طالبان، في العاصمة كابول مطلع أبريل/نيسان، مباحثات مع الحكومة الأفغانية بشأن تبادل الأسرى، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ الإطاحة بحكم الحركة، عام 2001.

وتعاني أفغانستان حربا منذ نوفمبر/ تشرين الأول 2001، حين أطاح تحالف عسكري دولي بحكم طالبان، لارتباطها آنذاك بتنظيم القاعدة، الذي تبنى هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 في الولايات المتحدة.