بدعم سعودي فرنسي.. معالم المخطط الأميركي الجديد شمالي سوريا

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ أبريل/ نيسان 2020، وعقب آخر اتفاق عسكري بين واشنطن وأنقرة يتعلق بالمناطق الحدودية، كثفت الولايات المتحدة نشاطها السياسي شمال شرقي سوريا، وعقدت بدعم دول غربية وعربية عدة اجتماعات مكوكية مع جميع الأطراف الكردية.

فرضت القوى المعنية بتلك التحركات السياسية في بداية الأمر طوقا من السرية على ما يدور من محادثات استمرت لمدة 21 يوما، إلا أن المبعوث الأميركي إلى شمال وشرقي سوريا، وليام روباك، تحدث في 26 أبريل/ نيسان 2020 عن اجتماعات يجريها مع القوى الكردية في سوريا، وأنها تسير نحو التفاهمات.

الأمر أثار تساؤلات عن هدف التحركات الأميركية شمال شرقي سوريا حاليا، وما الذي تسعى إلى تأسيسه في مناطق سيطرة القوى الكردية، ومن هي الدول التي تدعم مخططاتها، وهل تركيا بعيدة عما يدور بين الولايات المتحدة والتشكيلات الكردية التي تصنف أغلبها على لوائح الإرهاب؟.

"كيان جديد"

صحيفة "خبر ترك" كشفت في تقريرها 12 مايو/ أيار 2020، عن سعي الولايات المتحدة الأميركية إلى إقامة كيان كردي جديد في الشمال السوري، الهدف منه إضفاء الغطاء الدولي على الوحدات الكردية المسلحة.

وأشارت إلى أن الولايات المتحدة، اجتمعت مع هياكل سياسية كردية، خارجة عن سيطرة "العمال الكردستاني"، لدمجها تحت سيطرتها، بهيكل جديد. وأكدت أنه بعد 21 يوما من الاجتماعات المكوكية، عملت واشنطن على التوافق سياسيا بين "الاتحاد الديمقراطي"‎ التابع لـ"العمال الكردستاني"، و"المجلس الوطني الكردي" العضو في ائتلاف المعارضة السورية.

وأكدت الصحيفة أن "الولايات المتحدة أبلغت الطرفين، بأنها تعتزم تشكيل جيش جديد يدمج بينهما". ونوهت إلى أنه في الوقت الذي أحبطت فيه تركيا "الممر الإرهابي" للوحدات الكردية المسلحة، تسعى أميركا بجهد جديد لإقامة "دولة إرهابية" في الشمال السوري.

وأفادت تقارير مواقع سورية معارضة بأن المحادثات ركزت على نقطتين بين "المجلس الوطني الكردي" وحزب "الاتحاد الديمقراطي"، هي علاقة الأخير مع "العمال الكردستاني"، وسبل تحقيق الشراكة الحقيقية في الحكم والإدارة.

ويطالب "المجلس الوطني الكردي" بانفصال "حزب الاتحاد الديمقراطي" بشكل فعلي عن تنظيم "العمال الكردستاني" المصنف على قوائم الإرهاب، وهو مطلب واشنطن وقوى المعارضة السورية الأخرى أيضا.

وحسب التقارير، فإن "المجلس" يصر على أن تكون مشاركته في الإدارة الذاتية مشاركة حقيقية في الملفات الأربعة الرئيسية، وهي الملفات "السياسية والعسكرية والأمنية والإدارية"، بينما يعرض "الاتحاد الديموقراطي" أن ينضم المجلس إلى "الإدارة الذاتية" وفق الأسس التي انضمت إليها القوى الأخرى، والتي ظل دورها شكليا مع هيمنة الأخير على الإدارة.

من جهته، قال يحيى مكتبي عضو "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" في حديث لـ"الاستقلال": إنه "ليس خافيا الوجود الأميركي في المناطق الشمالية الشرقية من سوريا، وتواصلهم مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وذراعها السياسي مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)".

ولفت إلى أن "كل تفاهم لا يخدم وحدة الأراضي السورية وشعبها، فنحن ضده، ونحرص على وحدة الشعب وبناء دولة الحرية والكرامة والتعددية والديمقراطية والمواطنة وسيادة القانون".

وشدد مكتبي على أن "قضية إنشاء كيان كردي جديد مرفوضة منا، ومن جميع السوريين لأنها ستكون بوابة لتمزيق الشعب، خاصة أن سوريا فيها مكونات وأعراق ومذاهب عديدة، ولن يصلح فيها إلا مفهوم الوطنية السورية، وهذا ما نعمل عليه، وهو ما يبقي شمل السوريين موحدا".

دول داعمة

لم يغب الدور الفرنسي والسعودي عن المخطط الأميركي لإنشاء كيان كردي، إذ كشفت صحيفة "خبر ترك" في تقريرها، أن السعودية جزء من المخطط الذي تعمل عليه الولايات المتحدة، لافتة إلى أن الرياض أرسلت 120 مليون دولار لحزب "العمال الكردستاني" مطلع مايو/ أيار 2020.

ولفتت الصحيفة إلى تخصيص 520 مليون دولار للهيكل العسكري الجديد، على مدار 3 سنوات، مع 200 مليون دولار على شكل نفقات. وأكدت أن المخطط الجديد، يعد تهديدا حقيقيا لتركيا، كما أنه يشكل مصدر قلق بالنسبة للحكومة الإقليمية الكردية العراقية.

وفي السياق ذاته، أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال تصريحات صحفية في 10 مايو/ أيار 2020، إلى مشاريع في سوريا من هذا النوع، قائلا: "تركيا لن تخلي الساحة لقوى الشر".

أما عضو الائتلاف السوري لقوى المعارضة يحيى مكتبي، فشدد على أنهم "ضد المشاريع العابرة للحدود، التي تريد أن تقيم أحلامها من خلال التعدي على حق الشعب السوري، لذلك عندما يكون هناك تغيير حقيقي بنبذ الإرهاب والابتعاد عن المنظمات العابرة للحدود ومنها حزب العمال الكردستاني، وتنظيما الدولة، والقاعدة عندها يمكن التفاهم معها".

لكن مكتبي استبعد على الإطلاق أن "تكون دول شقيقة وصديقة (السعودية) لها مصلحة في دعم كيان انفصالي في سوريا، وهذا ما نسمعه دائما منهم بأنها حريصة أشد الحرص على وحدة سوريا أرضا وشعبا".

وفي أواخر نيسان/أبريل 2020، التقى ممثل الخارجية الأميركية السفير وليام روباك، ومساعدته إيميلي برانديت، في شمال شرقي سوريا، مع مجموعة من قادة الأحزاب السياسية، "سعيا إلى توحيد القوى السياسية الكردية".

وبدأت في مايو/ أيار 2020 جولة مفاوضات جديدة مع وصول وفد فرنسي إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية (قسد) التي تديرها "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سوريا، بحسب شبكة "رووداو" الإخبارية الكردية.

وتوازيا مع الجهود الأميركية، اجتمع وفد فرنسي للمرة الأولى مع ممثلين عن "التحالف الوطني الكردستاني" المقرب من حزب "الاتحاد الديمقراطي"، قبل أن يجري الوفد بعدها محادثات مباشرة مع قيادة "حزب الاتحاد".

والتقى ممثلو فرنسا في التحالف الدولي قبل أسبوعين بقيادات من "المجلس الوطني الكردي" المعارض، وأبدوا دعمهم وتأييدهم للجهود الرامية إلى تحقيق التقارب والتفاهم بين الأطراف الكردية، حسبما أفادت الشبكة الكردية.

مهمة صعبة

رغم الحديث عن التوصل لاتفاق بين الأطراف الكردية المختلفة بجهود وفود دبلوماسية من الخارجيتين الأميركية والفرنسية، إلا أن تقارير أكدت أن المهمة لا تزال صعبة في ظل الانقسام الحاد، والخلافات المراكمة بين طرفي المعادلة الكردية.

يشار إلى أن "حزب الاتحاد الديمقراطي" يعتبر حليف الولايات المتحدة الأول في سوريا، وأحزاب "المجلس الوطني الكردي" المعارض يعتبر قيادة إقليم كردستان العراق (حزب البارزاني) مرجعيته السياسية، المدعوم سياسيا وماليا ومعنويا من تركيا، العدو اللدود لحزب "الاتحاد الديمقراطي"، كونه جزءا من "الائتلاف السوري المعارض".

وتهدف المفاوضات بين حزب "الاتحاد الديمقراطي" مع أحزاب كردية أخرى بينها المجموعة الحزبية المشكلة "للمجلس الوطني الكردي المعارض" إلى تحقيق توافق (كردي- كردي) في شمالي سوريا، بهدف تشكيل هيئة سياسية جديدة لصالح الولايات المتحدة الأميركية يكون الأكراد جزءا منها.

وحسب وكالة "سبوتنيك" الروسية، فإن واشنطن وباريس كثفتا نشاطهما السياسي المنسّق شمالي وشرقي سوريا، بهدف توحيد الجهود والضغط باتجاه الوصول إلى مصالحة كردية - كردية، وإنهاء حالة الانقسام الكردي، وتشكيل إدارة جديدة لشمال وشرق سوريا والقضاء على حالة التفرد لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" من خلال إشراك أحزاب كردية معارضة في قيادة هذه الإدارات المحلية على مستوى المدن والمناطق وحتى الأحياء.

من جهته، قال السياسي السوري الكردي وليد حاج عبد القادر: إن "توصل كل من المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي، إلى اتفاق سياسي، هو ليس الأول، إذ سبق ذلك اتفاق أربيل 1 و2 واتفاقية دهوك".

ورأى خلال تصريحات صحيفة في 8 مايو/ أيار 2020، إلى أن المعضلة هي أن "الاتحاد الديمقراطي لديه كامل الاستعداد للتوقيع على أية وثيقة ورقية، لأن من يوقع من الاتحاد الديمقراطي يدرك بأن قادة الاتحاد، عمليا، لن ينفذوا أي شيء على أرض الواقع، وذلك برغم اختلاف الواقع الحالي عن الواقع الذي مرت به الاتفاقات السابقة بين الطرفين".

ولفت عبدالقادر إلى أن "المجلس الوطني الكردي يدرك بأنه يسير مع هؤلاء في حقل ألغام". واعتبر أن "بعض الأكراد يعتقدون أن المجلس الوطني الكردي مهد في الاتفاقات الأولى بشكل أو بآخر الهيمنة العسكرية للاتحاد الديمقراطي، ويحذرون هذه المرة إن لم يلعبها المجلس الكردي بدقة وبشكل صحيح فسيمهد لحزب الاتحاد الديمقراطي، الطريق لأن يكون معبرا لهم إلى المعارضة والمفاوضات والهيئات الرسمية".

وتابع: "أنا شخصيا لا أثق بهم من خلال تجربة تعود إلى بداياتهم، ولكن على هدي تجربة كردستان العراق وأولبرايت من الممكن أن تفعل أميركا شيئا، خاصة أن بعضا من عقلاء الاتحاد الديمقراطي يدركون أن الوضع السوري قارب الوصول إلى محطات محددة وقد تكون المرحلة الانتقالية، وقوات سوريا الديمقراطية ومن معها من تيارات، تدرك قبل الجميع بأن لا أميركا ولا روسيا أو النظام سيقبلونهم منفردين كممثلين عن الشعب الكردي".