3 مسؤولين التقوا رئيس برلمان العراق بالأنبار.. ما دلالة المكان؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في حالة غير معهودة، تتوالى زيارات كبار المسؤولين العراقيين وممثلي البعثات الدولية على محافظة الأنبار غربي البلاد، حيث استقبلت المدينة ذات الغالبية السنية خلال أقل من شهر، 3 شخصيات كبيرة، إضافة إلى إبداء سفراء دول غربية رغبتهم في قصدها أيضا.

جميع الزائرين كانوا في ضيافة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بمقر إقامته في الفلوجة إحدى أبرز مدن الأنبار، الأمر الذي أثار علامات استفهام كبيرة بخصوص الهدف من الزيارات، وما الذي يسعى إليه الأخير من خلال استقبال كبار المسؤولين بمقر إقامته في الفلوجة وليس العاصمة بغداد؟

"رمزية مقصودة"

التساؤلات أخذت تطرح عقب ذهاب رئيس الوزراء المكلف السابق عدنان الزرفي إلى الفلوجة ولقائه بالحلبوسي بهدف تشكيل الحكومة، ثم الزيارة التي أجراها الرئيس برهم صالح وإشادته بالمحافظة التي قال إنها تنهض مجددا من رماد حربها ضد تنظيم الدولة.

وزارت المحافظة أيضا، ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس-بلاسخارت، والتقت الحلبوسي في مقر إقامته بالفلوجة، في 15 أبريل/ نيسان 2020، وجرى خلال اللقاء مناقشة الأوضاع السياسية في البلاد، وملف تشكيل الحكومة المقبلة.

كما أبدى السفير البريطاني لدى بغداد ستيفن هيكي، رغبته في زيارة مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار، معبرا عن انبهاره الشديد بتحسن الوضع الأمني فيها، وذلك عبر تغريدة على تويتر في 12 أبريل/ نيسان 2020.

تعليقا على ذلك، قال الباحث في الشأن السياسي الدكتور عماد عمر في حديث لـ"الاستقلال": "محمد الحلبوسي باستقباله للقادة السياسيين في مقر إقامته بالفلوجة، يسعى إلى حصر القرار السني السياسي في الأنبار، مثلما يجري في أربيل في إقليم كردستان للمكون الكردي، وبغداد التي يدير قرارها السياسي المكون الشيعي".

لكن الباحث السياسي رأى أن "الحلبوسي الذي برز في ظل تشرذم المنافسين، متوقع له أن تكون زعامته بداية نهايته، ولا سيما إن بقي مصرا على التفرد ورفض المنافسين من المكون السني".

وأشار عمر إلى أن "صعود الحلبوسي ومحاولته جعل الأنبار تسيطر على القرار السني في العراق، أعتقد أنها حالة مؤقتة لن تدوم كثيرا، لأن المحافظة عدد مقاعدها في البرلمان 15 فقط، على العكس من نينوى التي يصل عددها إلى 34، وبذلك فالأخيرة هي من يحق لها قيادة السنة في البلد".

وحسب قوله: فإن "غياب نينوى عن المشهد السني سببه، الأوضاع التي لحقت بها بعد استباحة تنظيم الدولة لها في 2014، إضافة إلى النائب خالد العبيدي الذي حصل على غالبية أصواتها لم يظهر كزعيم سني، وإنما انخرط ضمن تحالف النصر بقيادة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، والذي يحضر اجتماعات القوى السياسية كواحد من قادة قوى المكون الشيعي".

ويتفق طرح عمر مع ما تحدث به المحلل السياسي هشام الهاشمي على حسابه بموقع "تويتر" في 16 أبريل/ نيسان 2020، بالقول: إن "الحلبوسي نجح في جذب القيادات السياسية والأممية الى دار إقامته في الفلوجة، حيث زاره رئيس الجمهورية والمبعوثة الأممية، في رمزية مقصودة توحي أن الفلوجة مدينة التأثير في القرار السياسي السُني".

ورأى الهاشمي أن "مدن التأثير في القرار السياسي بالعراق هي: بغداد، النجف، أربيل، الفلوجة، ولا تزال محاولات أصحاب الفاعلية السياسية في ذي قار والبصرة للوصول إلى صناعة رمزية ومركزية لمدنهم في التأثير، وأما الموصل التي خسرت كثيرا من وزنها في التأثير السياسي، فلا أظن أنها سوف تعود في الوقت القادم".

ونوه إلى أن "الأحزاب السياسية في الموصل غالبا قياداتها وتنظيماتها تتبع كتلا وحركات سياسية بقيادة من خارج محافظة نينوى، وتاليا تأثيرهم بالتبعية وليس تأثيرا بالريادة والأصالة الفاعلة، هذه الملاحظة يمكن أن تنطبق إلى حد كبير على السليمانية التي ضعف دورها في التأثير بعد رحيل الرئيس جلال الطالباني".

"مدعوم أميركيا"

بعيدا عن محافظة الأنبار وأهميتها السياسية والجغرافية التي تحد 3 دول: السعودية، الأردن، سوريا، فإن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي يسارع الخطى ليصبح زعيما للمكون السني، بدعم أميركي ودول خليجية حليفة معها.

الباحث السياسي عادل عمر قال: "زعامة الحلبوسي واقع لا مفر منه بحكم منصبه الحالي ونجاحه في إعادة إعمار الأنبار، وذلك بدعم من الولايات المتحدة، والدول الخليجية القريبة منها، ولا سيما السعودية والإمارات، وتفاهمه مع إيران إلى حد كبير".

ويبدو أن تحول الحلبوسي نحو جعل الفلوجة مركزا للتأثير السياسي السني، يأتي بعد فشل مشروع إقامة إقليم سني عاصمته الأنبار، بدعم من الإمارات التي استضافت اجتماعا للقوى السنية في يناير/ كانون الثاني 2020.

وفي حديث سابق لـ"الاستقلال" كشفت مصادر سياسية طلبت عدم كشف هويتها لحساسية الموضوع، أن "حديثا يدور في الأروقة السياسية عن دعم تقدمه الإمارات للحلبوسي، لإعادة إعمار محافظة الأنبار وتهيئتها لتكون إقليما منفصلا".

وأكدت المصادر، أن "الحلبوسي زار الإمارات عبر الأردن، ثم انطلق إلى الولايات المتحدة بشكل سري، والتقى بكبار المسؤولين في الإمارات، دون الكشف عن تفاصيل الزيارة".

لكن الحلبوسي هاجم من تحدث حينها بالموضوع، وتحديدا منافسيه من البيت السياسي السني، وكتب تغريدة على "تويتر" قال فيها: رسالتي إلى مخلفات العملية السياسية من (الخرفين) لا تزاودوا على المؤمنين بوحدة العراق وشعبه، الذين يملكون من الوطنية ما لا تملكونه. ولا تحاولوا أن تجدوا لأنفسكم (شأنا) بتصريحاتكم ورسائلكم، فلم يبق لكم قدر سوى روائح فشلكم التي أزكمت أنوف الشعب".

منافسون آخرون

يواجه الحلبوسي منافسة شرسة مع قيادات سنية أخرى، ولا سيما رجل الأعمال والسياسي خميس الخنجر، الذي ينحدر أيضا من مدينة الفلوجة، وبذلك يمثل ربما التهديد الأكبر له في محافظة الأنبار ومدن المكون السني بشكل عام.

ولعل ما يثبت ذلك، هو إنشاء الخنجر لكتلة برلمانية جديدة أطلق عليها "تحالف المدن المحررة" (المحافظات استعيدت من سيطرة تنظيم الدولة) بواقع (25 مقعدا)، ليكون منافسا لتحالف القوى العراقية (40 مقعدا) الذي يقوده الحلبوسي، ويفاوض القادة السياسيين من خلاله، وخصوصا فيما يتعلق بأمر تشكيل الحكومة المقبلة".

وليس ببعيد عن الخنجر الذي يعتبر قريبا من محور قطر وتركيا، فإن نائب الرئيس العراقي السابق أسامة النجيفي زعيم "جبهة الإنقاذ والتنمية" يعتبر منافسا آخر للحلبوسي، والذي كان يمثل لسنوات الزعامة السنية قبل اجتياح تنظيم الدولة للموصل التي ينحدر منها النجيفي.

ففي قضية الإقليم السني واجتماع قيادات سنية بالإمارات، صرح شقيق أسامة، أثيل النجيفي القيادي في "جبهة الإنقاذ" ومحافظ نينوى السابق (مركزها الموصل) بالقول: "كنا ولازلنا نرفض الأقاليم المذهبية ونؤيد الأقاليم الإدارية لتحسين مستوى الأداء الإرادي في العراق".

وأضاف النجيفي عبر تغريدته على "تويتر" في 13 يناير/ كانون الأول 2020، قائلا: "لكننا نعطي الأولوية لدعم المطالبة بالتعديل الشامل لمسار الوضع السياسي وعدم تشتيت الجهود في إثارة قضايا خلافية لا يمكن حلها إلا في ظل حوار هادئ بين ممثلين يقبل بهم الشعب العراقي".

"اتهامات عدة"

خصومه من السياسيين السنة، يتهمون الحلبوسي بأنه يجامل على حساب دماء أهالي المناطق السنية، ففي حادثة انتشار الجثث مجهولة الهوية في محافظة بابل، والحديث عن أنها تعود لسُنة اختطفتهم المليشيات الشيعية من المحافظات السنية منذ المعارك مع تنظيم الدولة، خرج الحلبوسي ليعلن أن حادثة العثور على الجثث ليست طائفية، ولا يمت لها بصلة، وهي عبارة عن حوادث عرضية متفرقة.

وردا على ذلك هاجم النائب طلال الزوبعي، الحلبوسي ضمنيا متهما إياه بعدم النضج السياسي على خلفية موقفه الأخير "المستعجل"، قائلا: "من واقعنا السياسي، لا بد للإنسان أن يمر بالمراحل الأولى حتى يصل إلى الأخرى، ولا بد له من بدايات حتى يتدرج إلى النهايات، وإذا ما أراد القفز فوق المراحل وتخطى البدايات فيقال له: (أصبح زبيبا قبل أن يحصرم) والحليم تكفيه الإشارة".

وعزز موقفه بتغريدة أخرى قال فيها: "إذا كنت غير قادر على الحفاظ على مستحقات ومكتسبات أهلك تنحّ جانبا، إذا كنت تعتبر السياسة مجاملة وفهلوة حتى على حساب زهق الأرواح فسوف تلعنك الأجيال القادمة، لا تجامل على حساب أرواح الناس".

وتطال الحلبوسي اتهامات بالفساد المالي، فعقب إعلان فوزه برئاسة البرلمان، كشف نواب ومسؤولون سابقون عن شرائه للمنصب عبر صفقة فساد كبيرة، بلغت 30 مليون دولار، دفعها لمنافسيه في كتلة تحالف "المحور الوطني"، مقابل انتخابه.

وكتب النائب السابق مشعان الجبوري على صفحته في "فيسبوك"، أن القيادي في تحالف "المحور الوطني" النائب محمد الحلبوسي "دفع 15 مليون دولار لشراء منصب رئيس مجلس النواب".

وأوضح أن "صفقة بين ثنائي الفساد والمحافظين السابقين (صلاح الدين والأنبار) أحمد الجبوري ومحمد الحلبوسي عقدت في منزل نائب يدفع بموجبها الأخير 15 مليون دولار للجبوري إضافة لترشيحه لتولي وزارة سيادية مقابل انسحابه من الترشح ليصبح هو مرشحا وحيدا لرئاسة البرلمان".

وبعد ذلك، غرد منافس الحلبوسي على رئاسة البرلمان وزير الدفاع السابق خالد العبيدي، قائلا: "لتفرح العائلة الفاسدة ببضاعتها التي اشترتها بـ 30 مليون دولار (كما يقال)، وليفرح الفاسدون الذين بدؤوا يتبادلون التهاني، وللعراق والعراقيين أقول: لكم الله فهو خير معين".