تركها وحيدة.. هل تغادر روما الاتحاد الأوروبي بعد أزمة كورونا؟

أحمد علي حسن | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

هو اتحاد لكنه ليس كذلك منذ شهر تقريبا، فأزمة وباء كورونا الفتّاك قطعت أوصال القارة الأوروبية، وجعلت كل دولة فيها بمعزل عن الأخرى ومشغولة بنفسها في محاولة للنجاة من الكارثة العالمية.

إيطاليا إحدى دول هذا الاتحاد، والتي تصدرت المشهد بعد أسابيع من تفشي الوباء في الصين، وأصبحت من أكثر دول العالم تأثرا بالفيروس الذي ضرب نظامها السياسي والاقتصادي والصحي.

بعض مواطني تلك الدولة لم يروا من المشهد إلا صورة ما سموه "تخلي الاتحاد عن بلادهم"، مع أن دولا أوروبية كانت وما زالت تشرب من نفس الكأس الذي تجرعت منه إيطاليا، بل إنها تحاول السيطرة على أوضاعها.

الموقف السابق دعمته صحف إيطالية ذات توجهات مختلفة، والتي بدورها شنت هجوما عنيفا على الجسم الأوروبي بعد أن رفضت دول فيه مناشدة عاجلة وجهتها روما وعواصم أخرى.

شعور هؤلاء بالتخلي عنهم دفعهم إلى التعبير عن غضبهم بتمزيق أعلام الاتحاد الأوروبي على أنغام أغان قومية إيطالية، وهو ما قدره البعض بأنه استعداد للمغادرة على غرار خروج بريطانيا (المعروف باسم بريكست) مؤخرا.

لكن في مقابل ذلك، يبدو الحديث عن الانفصال أمرا مبالغا فيه وربما بعيدا عن الواقع، نظرا لحاجة إيطاليا إلى دعم أكثر بكثير في فترة ما بعد "كورونا" مقارنة بالمرحلة الحالية.

مشاهد فُرقة

ملامح فرقة بدأت تتفشى في الاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 دولة، وذلك عند أول اختبار له منذ تأسيسه بموجب اتفاقية "ماسترخت" التي وُقعت عام 1992.

فإلى جانب تمزيق الأعلام الأوروبية، ظهرت عناوين قوية أبرزها في صحيفة "فاتو كوتيديانو" الإيطالية التي صدّرت صفحتها الأولى بعنوان "أوروبا ميتة فلتذهب إلى الجحيم"، فضلا عن "أوروبا القبيحة" في صحيفة "لا ريبوبليكا".

أما صحيفة "كورييري ديلا سيرا" فذكرت في أحد أعدادها التي صدرت تزامنا مع بلوغ الوباء ذروته في إيطاليا، أنه "في حال افتقد الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق، فإن هذا يعني أن المشروع الأوروبي نفسه قد انتهى".

وأظهرت الأزمة ضعفا في مبدأ التضامن الذي يشكل أساس الاتحاد الأوروبي، كما أظهرت مؤسساته عدم فعالية في حل هذه المعضلة الخطيرة، مُفضّلة "المنافع القومية" على مصالحه.

سفير إيطاليا لدى الاتحاد الأوروبي، ماوريتسو ماساري، قال بدوره: إن "على الاتحاد أن يتخذ خطوات ملموسة مؤثرة وعاجلة، وألا يكتفي فقط بالاجتماعات وتبادل وجهات النظر".

وأضاف في مقال له: "يجب ألا تترك إيطاليا وحيدة في مواجهة هذه الأزمة العالمية التي تتطلب تحركا عاجلا من أوروبا قبل كل شيء (..) وهذا الموقف يعد مؤشرا سيئا على التضامن بين بلدان الاتحاد الأوروبي".

الأمر أكده الكاتب والمحلل في الشؤون الأوروبية والدولية، حسام شاكر، إذ يقول: إن "الوحدة الأوروبية بالنسبة لجماهير القارة الموحدة تبدو معطلة؛ لأن البلدان بطبيعة الحال معزولة عن بعضها البعض".

ويضيف شاكر في حديث لـ "الاستقلال" أن التنقل بين الدول الأوروبية غير قائم، وشعور الناس بمنافع النمطية التقليدية متعطل الآن، وبالتالي فإن هذا الأمر يفقدهم شعور العيش في الوحدة الأوروبية.

إذكاء الغضب

يرى شاكر أن مشاهد التذمر من التكتل الأوروبي ناجمة عن "بعض الأصوات التي لديها بالأصل مشكلة مع الوحدة الأوروبية، وهي تغتنم هذا الموقف لإذكاء الغضب تجاه أوروبا".

لكنه يشير إلى رسائل أخرى تتضمنها التكتيكات المتبعة، فهي تستخدم لتخفيف المسؤولية الذاتية عن قصور محتمل أو أزمة ذاتية في التعامل مع الجائحة، وبالتالي فإن الأمر يأخذ خلفيات سياسية محتملة.

ومع ذلك، فإنه لم يخف وجود انزعاج من الوحدة الأوروبية، خاصة في مسألة عدم وقوفها إلى جانب بعض الدول الأعضاء بشكل خاص، لكن ذلك فيه مبالغة من الناحية الواقعية لأن الظرف طارئ.

حالة التذمر ستؤدي، وفق شاكر، إلى تعزيز الأصوات والتيارات المناهضة للوحدة الأوروبية، مضيفا: أنه "ربما نشهد مطالبات واضحة ضد أوروبا الموحدة (..) في مرحلة ما بعد كورونا".

لكن هذه الأصوات مهما علت فستكون بعيدة عن سيناريو الانفصال، ويعزو أصحاب هذا الرأي السبب إلى أن إيطاليا لاحقا لن تستطيع وحدها أن تستقل عن النسق الأوروبي، إلا إذا تجردت من كل التزاماتها وقيودها.

"بريسكت" إيطالي؟

الحديث عن خروج روما من الجسم الأوروبي أمر بعيد، وهو ما أكده صراحة وزير إيطاليا للشؤون الأوروبية، فينتشينسو أميندولا، في حديث مع قناة "الجزيرة"، يوم الأربعاء 1 أبريل/نيسان 2020.

ونفى الوزير أن يكون لدى بلاده سيناريو للخروج من الاتحاد على خلفية الانتقادات الواسعة لموقف الدول الأوروبية من انتشار الوباء الذي أودى بحياة نحو 10 آلاف شخص، وأصاب أكثر من 86 ألف إيطالي.

وفي قراءة لأسباب السيناريو البعيد، يقول الكاتب والمتخصص بالشأن الأوروبي حسام شاكر: إن إيطاليا التي كانت تتلقى حزم الدعم الأوروبية، من المؤكد أن اقتصادها سيتأثر بالأزمة، وبالتالي فإنه لن يكون بوسعها الانصراف عن الاتحاد.

ويشير إلى أن إيطاليا كانت تواجه أساسا متاعب اقتصادية قبل أزمة كورونا، وخاصة بشأن الدين العام، لكنها استطاعت تجاوزها بصعوبة قبل الأزمة بنقاش مع الاتحاد الأوروبي.

ويضيف شاكر: "الآن، من المؤكد أن إيطاليا تدخل أزمة اقتصادية عميقة جدا، ولهذا فهي بحاجة إلى أوروبا"، مستدركا: "لكن سنشهد نبرة ضد أوروبا الموحدة".

ويلفت الكاتب إلى مسألة مهمة تتمثل في أن إيطاليا ستحتاج الاتحاد لمواجهة نزاعات مناطقية بين شمالها وجنوبها، كما أنها بحاجة إلى حزمة إنقاذ في شبكة أمان اقتصادية أوروبية للعبور من الأزمة الخانقة.

وبالاستناد إلى رؤية شاكر فإن رحيل إيطاليا عن التكتل الأوروبي على غرار بريطانيا التي انفصلت قبل الأزمة العالمية، أمر مستحيل بالنظر إلى حاجة الأولى للأخيرة.

الاتحاد معذور

وأنصف شاكر الاتحاد الأوروبي، مبررا موقفه من ترك إيطاليا في مأزقها، إذ يقول: إن العالم يمر بظرف طارئ صحيا وجاء بشكل مفاجئ، ومن غير المتوقع أن تساند الدول جارتها المنكوبة في اللحظة الأولى.

ويوضح هنا أن أي خطوة على المستوى الأوروبي تحتاج إلى تنسيق مسبق وترتيبات، ناهيك عن أن كل الدول الأوروبية تقريبا في مرمى التهديد.

وأوروبا، برأيه، تعيش حاليا صدمة عميقة مكتومة ستنعكس عليها لاحقا، بسبب ارتفاعات محتملة لنسب البطالة، وانهيارات اقتصادية في قطاعات مختلفة.

أيضا يواجه الاتحاد النقدي الأوروبي وعملة اليورو تحديا كبيرا، وإذا سقطت دولة واحدة في المنطقة، فذلك سيهوي بالاتحاد النقدي ملحوقا بـ "تأثير الدومينو" على اقتصادات أخرى، وفق شاكر.

وبكل الأحوال فإن أوروبا الآن تعيش انهيارات اقتصادية، وبمجرد فتح أسواق المال مجددا، وعودة الحياة الاقتصادية، سيتبين أن الأضرار واسعة جدا، وأن احتواءها لن يكون سهلا.

ويزيد من قوله: "لن يكون بوسع بلد مثل إيطاليا -على سبيل المثال تحديدا- احتواء الأضرار وحدها، وبالتالي هي أحوج ما يكون إلى أوروبا الموحدة في مرحلة ما بعد كورونا".

مستقبل الاتحاد

برأي محلل الشؤون الأوروبية، فإن الاتحاد الآن أمام امتحان عميق جدا يتجاوز اختبار خروج بريطانيا منه (بريكست)، موضحا أنه الاختبار "بين مزاج جمهور متذمر، وإدارة أزمة إلى مرحلة ما بعد كورونا".

ويرى أن الحاجة القائمة للوحدة الأوروبية بعد موسم كورونا ستكون بشكل أكبر، وهذا لاعتبارات مختلفة، أبرزها اقتصادية، فضلا عن مدى استغلال القوى الشعبية في أوروبا للحالة من أجل الإمساك بصناعة القرارات هناك.

ويقول: إنه "بعد هذه المرحلة التي قد تستغرق شهورا وربما تزيد أو تنقص، سيكون ثمة نقاش مجتمعي وتيارات تدفع بمقولات متعددة متضاربة في شأن مستقبل الاتحاد".

وينصح بضرورة النظر إلى إخفاق الولايات المتحدة الأميركية في نيويورك، لأن ذلك لا يكون بمنأى عن الواقع، وهو بالتالي معطى جيد يؤخذ بعين الاعتبار.