في ظل عقوبات أميركية خانقة.. خيارات إيران لمواجهة جائحة "كورونا"

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم تفشي فيروس كورونا بشكل واسع فيها واستغاثة طهران بالعالم لرفع العقوبات عنها حتى تتمكن من مواجهة الوباء القاتل، لا تزال الولايات المتحدة تستخدم حملة "الضغط الأقصى" التي تشنها ضد إيران للحد من أنشطتها النووية والصاروخية وتدخلاتها الإقليمي.

آخر العقوبات الأميركية طالت إيران في 19 مارس/آذار 2020، وفرضتها وزارة الخزانة، على 5 شركات مقرها في الإمارات، و3 في البر الرئيسي للصين، و3 في هونج كونج وواحدة في جنوب إفريقيا للتجارة في البتروكيماويات الإيرانية.

وقال برايان هوك الممثل الأميركي الخاص للشؤون الإيرانية للصحفيين في 17 مارس/آذار 2020: إن سياسة بلاده في ممارسة "الضغوط القصوى" على النظام مستمرة، لكن العقوبات الأميركية لا تمنع وصول المساعدات إلى إيران. وأكد أن واشنطن أرسلت مذكرة دبلوماسية إلى طهران تعرض فيها المساعدة في مكافحة كورونا "وقوبلت بالرفض السريع".

وفي ظل الحصار الأميركي الخانق على إيران، وما تعانيه من إصابات بفيروس كورونا تقترب من 25 ألف شخص ووفيات لأكثر من 2000، فإن من أهم التساؤلات المطروحة هي: لماذا ترفض طهران مساعدة واشنطن لمكافحة الوباء، وكيف تخرج إيران نفسها من هذه الأزمة، وما خياراتها المتاحة لمواجهتها؟.

رفض المساعدة

مع انتشار فيروس كورونا عرضت واشنطن على طهران لأكثر من مرة تقديم المساعدة، لكن إيران ردت عليها بالرفض القاطع والهجوم على قادة الإدارة الأميركية، واتهامهم بـ"الكذب" و"الدجل"، كما ورد على لسان رئيس إيران حسن روحاني والمرشد الأعلى علي خامنئي في كلمتين متلفزتين بمناسبة رأس "السنة الفارسية" في 21 مارس/آذار 2020.

الخبير في المجلس الروسي للشؤون الخارجية، نيكيتا سماغين، يفسر الرفض الإيراني للمساعدة الأميركية، بأن طهران تريد رفع العقوبات عنها، وقال: إن "ما يقلق إيران جديا الصعوبات الاقتصادية التي تعانيها، فأساس الاقتصاد الإيراني في ظل العقوبات، ومع تضاؤل فرص التصدير، هو الاستهلاك الداخلي".

وأوضح في حديثه لصحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية: "عندما يجلس السكان في منازلهم، ولا يتنقلون في أنحاء البلاد، ولا يرتادون المقاهي والمطاعم، فهذا يضرب الاستهلاك المحلي ويتداخل مع وضع اقتصادي لم يكن الأفضل في العامين الأخيرين. وهكذا، فإيران في وضع أسوأ، مقارنة بالدول الأخرى، وها هي تتلقى هذه الضربة من كورونا".

أما الدكتور إدموند غريب، المحلل السياسي المقيم في واشنطن، فرأى أن "القرار الأميركي الذي أعلنه ترامب بأنه مستعد لمساعدة لإيران في مكافحة فيروس كورونا، جاء لعدة أسباب جزء منها يتعلق بالخوف من انتشار الوضع بشكل مخيف، والرغبة في مكافحة الوباء في أي مكان بالعالم".

وأوضح غريب في حديث لوكالة "سبوتنيك" الروسية: أن "رفض إيران جاء للتشكيك في النوايا والأهداف الأميركية".

لكن المحلل السياسي الإيراني محمد غروي، قال: إن "أميركا تريد أن تلعب لعبة قذرة، حيث تظن أن إيران في مأزق بسبب كورونا وتريد طرح أفكار للمساعدة ليظهر النظام الأميركي على أنه متضامن وإنساني مع الشعب الإيراني"، حسبما تحدث للوكالة الروسية.

ورأى محمد غروي، أن "ما يحاول الرئيس الأميركي تسويقه مجرد فقاعات، ليس لها أي أساس، وإن كانت واشنطن جادة في مساعدة طهران لمواجهة فيروس كورونا لكانت بادرت برفع جزء من العقوبات الاقتصادية المفروضة، أو كلها".

وحسب رأي المحلل الإيراني، فإن "أميركا لا تريد المساعدة، بل وتمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى طهران، ليس اليوم فقط، لكن منذ وقت طويل، كما حدث في أزمة السيول والزلازل، والتي وقفت أمام الدول التي كانت تريد المساعدة. أتصور لو أن أميركا كانت جادة في تلك المساعدات، لما رفضتها إيران".

ورقة المحتجزين

وتحت أجواء التشكيك في النوايا، والاتهامات المتبادلة بين الطرفين، رأى مراقبون أن إيران لديها خيار يمكن أن تستخدمه كوسيلة للضغط على الولايات المتحدة، وربما قد تسهم في تخفيف أزماتها لمواجهة كورونا، ألا وهو ورقة المحتجزين الأميركيين لديها، والتي تضغط واشنطن لإطلاق سراحهم.

وفي هذه النقطة تحديدا، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو: إن إدارة الرئيس دونالد ترامب عرضت على السلطات الإيرانية المساعدة في مكافحة كورونا، لكنها في الوقت نفسه ذكّرت طهران بضرورة إطلاق سراح المواطنين الأميركيين المحتجزين في البلاد.

ويرى الكاتب الروسي إيغور سوبوتين، في مقال له بصحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا"، أن تصريحات بومبيو بخصوص المحتجزين الأميركيين، تعني أن القيادة الإيرانية "تدرس الاقتراح بجدية".

وأشار سوبوتين إلى أن أهم ما تنتظره إيران من الولايات المتحدة على خلفية الجائحة هو رفع العقوبات. وفي الوقت نفسه، ترفض إيران تخفيف خطابها ضد الولايات المتحدة.

وفي السياق، قالت وكالة "رويترز" في تقرير لها 20 مارس/آذار 2020: إنه فيما قد يمثل بادرة مهمة باتجاه واشنطن، أفرجت طهران عن المواطن الأميركي مايكل وايت من الاحتجاز، لكن لا يزال يتعين عليه البقاء في إيران.

ونقلت عن سوزان مالوني، من مركز أبحاث معهد "بروكينجز"، قولها: "إيران ربما تنال استحسان الرئيس دونالد ترامب عندما تسمح لوايت أو لأي محتجزين أميركيين آخرين بالعودة إلى بلادهم".

وأضافت: "ما زال من غير الوارد في اعتقادي أن هذه الإدارة تريد إتاحة مساحة كبيرة للسلطات الإيرانية، لكن هذا لا يعني أنها غير قادرة أو لا ينبغي لها أن تتحين الفرص لإدخال الإمدادات الطبية إلى إيران".

وفي بيان سابق، قال بومبيو: "وايت مايكل بات حاليا في عهدة سفارة سويسرا"، التي تمثل المصالح الأميركية في طهران في ظل غياب العلاقات الدبلوماسية بينهما، حيث يخضع للاختبارات المطلوبة. ودعا أيضا إلى الإفراج "النهائي" عنه وعن كل الأميركيين المحتجزين بشكل "غير عادل" في إيران.

Michael White, who has been wrongfully detained by the Iranian regime since 2018 and is serving a 13-year sentence, was released today on a medical furlough. His release on humanitarian grounds was conditioned upon him staying in Iran.

— Secretary Pompeo (@SecPompeo) March 19, 2020

وقبل ذلك، قال بومبيو، خلال بيان للخارجية الأميركية في 11 مارس/آذار 2020: إن "الولايات المتحدة ستحمل النظام الإيراني المسؤولية المباشرة عن وفاة أي أميركي هناك بسبب كورونا. ردنا سيكون حاسما".

ولأهمية المحتجزين بالنسبة لواشنطن وأزمتها مع طهران، كانت صحيفة "وول ستريت جورنال" قد ربطت خلال تقرير لها نشرته في مايو/ أيار الماضي، موضوع الإفراج عنهم وانعكاسه على المفاوضات بين الجانبين، كما حصل مع واشنطن وبيونغيانغ، والذي أعقبه لقاء تاريخي جمع الرئيسين دونالد ترامب وكيم جونغ أون.

وقالت الصحيفة: المسؤولون الأميركيون ليسوا مستعدين للتفاوض بشأن العقوبات، لكنهم يشيرون إلى حادثة إطلاق كوريا الشمالية للرهائن الأميركيين، في مايو/ أيار 2018، وتسليمهم لوزير الخارجية، مايك بومبيو، وبعد شهر من ذلك التقى الرئيس ترامب بالرئيس كيم جونغ أون، لإجراء محادثات في سنغافورة.

وتنقل الصحيفة عن مسؤول أميركي قوله: "إذا أرادت إيران تغيير الأجواء فعليها الإفراج عن الرهائن. إطلاق سراح شخص ما، من شأنه أن يساعد في خلق جو يسهم في نزع فتيل الأزمة".

وكان وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، قال حينها: إنه يستطيع مناقشة تبادل الأسرى، لكن المسؤول الأميركي قال إن ظريف لم يتصل بالولايات المتحدة مباشرة أو من خلال سويسرا لمناقشتها.

التصعيد العسكري

تصعيد الهجمات التي تطال القوات والمصالح في منطقة الشرق الأوسط، يدخل أيضا من ضمن خيارات طهران في المفاوضات مع واشنطن للخروج من الأزمة، فقد شهدت خلال فبراير/شباط، ومارس/آذار 2020، تزايدا ملحوظا ولا سيما في العراق.

وفي الآونة الأخيرة، قال الجنرال فرانك ماكينزي، المسؤول عن القوات الأميركية في الشرق الأوسط، أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ: إن انتشار فيروس كورونا سيجعل إيران الضعيفة "أكثر خطورة"، حسبما نقلت "بي بي سي".

ولأن الولايات المتحدة لا تريد المجازفة، يضيف تقرير "هيئة الاذاعة البريطانية" فقد قررت الإبقاء على حاملتي طائرات في المنطقة. وبطبيعة الحال هناك خلاف دائم بشأن المسؤولية غير المباشرة لإيران عن مثل هذه الهجمات، حتى بين الإيرانيين.

الأمر ليس مثل صنبور يمكن لإيران أن تفتحه وتغلقه وقتما تشاء، فالكثير من الفصائل الشيعية الموالية لطهران لها أهداف ومخاوف محلية، فهي تسعى إلى إخراج القوات الأميركية، ولكن إيران قد تكون قادرة على تخفيف حدة ما تقوم به هذه الفصائل.

لكن مارك دوبويتز، من مجموعة "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" وهو أحد صقور التشدد تجاه طهران، قال في تصريحات نقلتها "رويترز": "بإمكان واشنطن إرسال مواد طبية إلى إيران عبر مجموعات خاصة، مع ذلك لا ينبغي تخفيف العقوبات".

وأوضح: "في وقت تقتل فيه جماعات شيعية مدعومة من إيران الأميركيين والبريطانيين وغيرهم بالعراق، سيكون هذا توقيتا خاطئا تماما لتقديم أي نوع من المساعدة الاقتصادية للنظام"، في إشارة للهجوم الذي وقع في 11 مارس/آذار 2020، على معسكر التاجي بالعراق قتل فيه بريطاني وأميركيان.

وتابع دوبويتز: "ينبغي أن نرسل الإمدادات الطبية مباشرة إلى الإيرانيين من خلال منظمات غير حكومية متجاوزين النظام".

أما الخبير الأمني أحمد الشريفي، فرأى في تصريحات صحفية أن "الضربات التي تشنها فصائل موالية لإيران ضد الولايات المتحدة، هدفها الدفع للتفاوض مع طهران، وليس تسريع الانسحاب الأميركي من العراق".

وأكد الشريفي أن "الأطراف العراقية جميعها تعلم أن الولايات المتحدة لم تدخل العراق لتنسحب بسهولة، لذلك هناك ضغط على الأميركيين للتفاوض، إما في قضية 5 + 1 بموضوع النووي، أو لرفع الحصار عن إيران"، لافتا إلى أن "الرد العسكري الأميركي كان بمثابة رفض التفاوض مع إيران".

الباب الأممي

مع وجود الخيارين السابقين، فإن البعض يطرح خيارا ثالثا قد ينفس عن إيران حربها ضد فيروس كورونا، حيث صدرت تصريحات مختلفة من طهران تطالب بطرق أبواب الأمم المتحدة ومحاولة الحصول على قرار يوقف سيل العقوبات الأميركية.

وبالفعل بدأت إيران خطوتها بهذا الاتجاه، إذ أعلن التلفزيون الحكومي الجمعة 20 مارس/آذار 2020، أن إيران تطلب من المجتمع الدولي دفع الولايات المتحدة لرفع جميع عقوباتها "غير القانونية" عن إيران في الوقت الذي تواجه فيه البلاد تحديات تفشي كورونا.

ونقل عن ماجد تخت رافنشي، مبعوث إيران لدى الأمم المتحدة، قوله: "العقوبات غير الإنسانية وغير القانونية ستعرض صحة وحياة الإيرانيين إلى الخطر.. من خلال إعاقة قدراتنا على منع الانتشار السريع للفيروس إلى دول أخرى".

وأوضح في بيان أن السياسات الأميركية تقوض قدرات بعض الدول المتضررة التي تحاول محاربة هذا المرض، لافتا إلى أن "عواقب العقوبات غير الشرعية.. لا تدع مجالا للشك بأنها تصل إلى حد وصفها بأنها جرائم ضد البشرية".

بغض النظر عن فاعلية أي قرار يصدر عن الأمم المتحدة إن حصل، فإن هناك من يذهب إلى أنها قد تكون خطوة ضغط إضافية، إذ رأى إيدموند غريب أن "إبداء الولايات المتحدة استعدادها للمساعدة، جاء بسبب انتقادات كبيرة وجهت لإدارة ترامب حتى من داخل أميركا بسبب العقوبات القاسية المفروضة على إيران".

وتابع: "هذه الاتهامات تقول إن العقوبات الأميركية حالت دون تمكن النظام الإيراني من مكافحة وباء كورونا، وساهمت في انتشاره بشكل كبير"، لافتا إلى أنه "إضافة إلى الضغوط التي تمارس على الرئيس الأميركي بعدما قدمت الكثير من الدول مساعدتها لطهران، فإن الضغوط دفعت ترامب للإعلان بأنه مستعد للمساعدة أيضا".

وفي أيار/ مايو 2018 ألغى ترامب الاتفاق النووي مع إيران الذي أبرمته في يوليو/تموز 2015، موقعا على مرسوم يعيد العمل بالعقوبات على طهران، ومنها التعامل بالدولار الأميركي.