شبح التعذيب يخيم على سجون المغرب.. هل عادت "سنوات الرصاص"؟

12

طباعة

مشاركة

"تقرير احتجاجات الحسيمة"، هكذا عنون المجلس الوطني لحقوق الإنسان (حكومي) في المغرب وثيقته التي أصدرها مطلع مارس/ آذار 2020، ووقف من خلالها على التعذيب الذي طال معتقلي "حراك الريف" (شمال غرب)، المنطقة التي عاشت احتجاجات شعبية عام 2016 بمطالب حقوقية واقتصادية واجتماعية.

التقرير أفاد بأن المعتقلين لم يتعرضوا للتعذيب داخل السجون، حيث يواجه العشرات منهم أحكاما ثقيلة بالسجن تصل إلى 20 عاما، بتهم مختلفة، أما عن الصور التي خرجت توثق لآثار التعذيب على أجساد البعض منهم، فبررها المجلس بكونها "آثارا لاستخدام القوة أثناء الاعتقال".

الوثيقة أثارت غضب هيئات حقوقية أخرى وفاعلين اعتبروا أن المجلس انتصر لرواية الدولة على حساب المعتقلين وأسرهم، وأن التقرير تضمن "الكثير من المغالطات"، أهمها أن "محاكمة المعتقلين كانت عادلة".

تقرير المجلس بحديثه عن التعذيب في السجون أعاد إلى الأذهان "سنوات الرصاص"، التي امتدت من عام 1956 إلى عام 1999، وعرفت انتهاكات جسيمة في مجال حقوق الإنسان مارسها النظام السابق، وكان المغرب قد أكد على أنه طواها.

من جهتها اعتبرت الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، خديجة الرياضي، أن التقرير "صدى لصوت الأجهزة الأمنية"، مضيفة: "أعتبره تقريرا أمنيا، فضيحة أن يخرج تقرير من هذا النوع من مؤسسة تعتبر نفسها تحمي حقوق الإنسان".

"الأمعاء الخاوية"

بدأ قائد "حراك الريف" ناصر الزفزافي وزميله نبيل أحمجيق (المحكوم عليهما بالسجن 20 سنة) يوم 19 فبراير/ شباط 2020 إضرابا مفتوحا عن الطعام بسبب "المعاملة السيئة" التي يتعرضان لها داخل المعتقل. 

المعتقلان صرحا على لسان أسرهما بأن "حراس السجن يغلقون عليهما أبواب الزنزانة بشكل دائم، ما يجعل نسبة الهواء المتدفق إلى داخلها شبه منعدم، ما يؤثر على صحتهما ويصيبهما بالحساسية المفرطة، كما يطالبان إدارة السجن بالاستفادة من الفسحة لوقت أطول خلال اليوم". 

وطالب الزفزافي وأحمجيق إدارة السجن بـ"الاستفادة من الحق في المكالمات وزيارة الأقارب والأصدقاء، فضلا عن مراجعة أثمنة المشتريات داخل السجن، وعدم انتقائية الكتب والجرائد والمجلات والسماح بدخولها كلها".

واعتبرت المنظمة العالمية الحقوقية "هيومن رايتس ووتش" أنه انتهاك صريح لمعايير الأمم المتحدة، ودعت إلى وقف هذه الممارسات واصفة إياها بـ"القاسية واللا إنسانية".

قائد الحراك الذي لجأ لمعركة الأمعاء الخاوية من قبل احتجاجا على ما يتعرض له داخل السجن، قال: إنه "مستمر في إضرابه عن الطعام بمعية زميله، في ظل عدم استجابة إدارة السجون لأي من مطالبهما".

وأضاف الزفزافي، على لسان والده أحمد الزفزافي: أنه "يفضل الشهادة على رفع الإضراب"، مطالبا بـ"مزيد من الدعم لوضع حد لظروف عيشهم المزرية".

إثبات التعذيب

في الوقت الذي يؤكد فيه ناصر الزفزافي ونبيل أحمجيق دخولهما في إضراب عن الطعام، تنفي المديرية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج الأمر بشكل قاطع.

في أبريل/ نيسان 2018، كشف الزفزافي أمام هيئة المحكمة تعرضه للتعذيب والإهانة، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 كشف زعيم "حراك الريف" تعرضه للتعذيب في تسجيل صوتي مسرب من سجنه.

"أيقونة الحراك" المدان بجملة تهم منها "المساس بأمن الدولة"، قال في التسجيل المسرب: إنه تعرض "للضرب والركل والرفس" و"اغتصاب بعصا" أثناء مداهمة البيت الذي أوقف فيه في مايو/ أيار 2017.

المندوبية العامة لإدارة السجون أعلنت أنها "فتحت تحقيقا إداريا معمقا في الموضوع، خلصت نتائجه إلى وجود تقصير مهني جسيم من طرف مدير السجن"، قبل أن تشير في وقت لاحق إلى أنها أعفته من مهامه. 

مع التصعيد الذي شهده الملف، قالت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، أواخر 2019: إن وفدا يمثل المجلس سيزور جميع المعتقلين المعنيين بالتصعيد الذي طرأ إثر نشر تسجيل لقائد الحراك، إلى جانب الحراس الذين قالت المندوبية العامة لإدارة السجون إنهم تعرضوا لاعتداءات من جانب السجناء.

التقرير الأخير أثار الكثير من الجدل وسط الحقوقيين وأسر المعتقلين، فقال عنه المعتقل نبيل أحمجيق: إنه سيرد على "مغالطات وافتراءات يتضمنها"، وورد على لسان شقيقه أن "أحمجيق اطلع على بعض الملاحظات الأولية، وأنه يصر على الرد على التقرير المنحاز للرواية الأمنية".

فيما اعتبرت مصادر صحفية أن "اللحظات الوحيدة التي ارتفعت فيها نبرة التقرير، هي التي يتوجه فيها بالنقد إلى الحكومة، التي يعلم الجميع حالة التيه والجمود التي كانت عليها في تلك الفترة".

تقرير مسيء

في عام 2018، وحسب القانون 15/76، تعهد المجلس الوطني لحقوق الإنسان بتطبيق الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، وممارسة صلاحياته في مراقبة السجون وظروف وحالة السجناء وكل أماكن الاحتجاز، ودراسة أوضاع ومعاملة الأشخاص المحرومين من حريتهم.

إلا أن التقرير الذي أصدره، بحسب حقوقيين مغاربة، "يسيء للمؤسسة عبر إصراره بشكل غريب على إدانه المعتقلين، وتحديدا أيقونة الحراك ناصر الزفزافي، وكذا تبرير ممارسات رجال السلطة دون الحديث عن أي مساءلة لهم بعد الانتهاكات التي ارتكبوها".

وفي تقريره لعام 2018، أوضح المرصد المغربي للسجون أن الشكايات والتظلمات الواردة، والمتعلقة بسوء المعاملة والتعذيب، ثمثل 27 % من مجموع الشكايات، وقد ارتكبت هذه الخروقات بنسبة تقترب من 80 % من طرف الحارس وبنسبة تفوق 12 % من طرف مدير المؤسسة السجنية، وبنسبة تفوق 8 % من طرف رئيس المعتقل حسب مضامين الشكايات.

وفي تصريح لـ"الاستقلال" قالت الحقوقية خديجة الرياضي: "المقياس الذي يظهر هل التعذيب يزيد أم ينقص، هو معرفة هل هناك إفلات من العقاب أم أن الدولة تعاقب المتورطين فيه؟".

ولم تنف الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن الدول الديمقراطية أيضا تعرف تجاوزات وتعرف حالات، لكن القضاء يلعب دوره فلا يكون هناك إفلات من العقاب، طبعا هناك بعض الحالات مثل تعذيب السود في أميركا والمغاربة في أوروبا، بحسب المتحدثة.

أما بالنسبة للمغرب، تتابع الحقوقية: "فقد خفّت وتيرة التعذيب في السجون فترة التسعينيات، خلال الانفراج السياسي على جميع المستويات".

وزادت: "لمسنا أن مجموعة من الحالات التي كانت تشتكي من تعذيب السجناء، يرافقها فتح تحقيق ومتابعة المتورطين، وإن كان يتم الإفراج عنهم فيما بعد".

اليوم، تقول الرياضي: "عاد التعذيب في السجون بشكل كبير، وتحديدا في الفترة التي سمي فيها بمناهضة الإرهاب، إذ بدأت الاعتقالات العشوائية وسط الإسلاميين والأحكام الجائرة والاختطاف والتعذيب في سجون سرية، وأصبحت السجون أماكن تتدخل فيها الأجهزة الأمنية أيضا، بعد أن كانت لها مقرات خاصة للاختطاف والاحتجاز".

محاسبة الكبار

آخر دراسة أجريت أثبتت وجود حالات اغتصاب بشكل كبير داخل السجون، ذلك بالإضافة إلى حالة الاكتظاظ، وبالتالي فإن الوضعية في السجون غير سليمة وغير مطمئنة.

ما جعل الرياضي تقول: "عاد التعذيب بقوة ولم ينخفض مجددا بدليل أن المغرب ومنذ 2011 لم يصدر تقريره الذي من المفروض أن يقدم كل 5 سنوات كما تنص على ذلك الاتفاقية التي صادق عليها في 1993، والذي يرصد فيه الوضع والتدابير التي يقوم بها للحد من التعذيب".

المفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، نافي بيلاي، التي زارت المغرب بداية 2014، قالت: إن القضاء على التعذيب يحتاج إلى محاسبة الكبار، فلا يمكن معاقبة الموظفين الصغار الذي يمتثلون للأوامر، مع أنهم أيضا يجب أن يعاقبوا لأنهم في الاتفاقية مسؤولون، لكن لا يمكن الاكتفاء بهؤلاء.

وقالت المتحدثة لـ"الاستقلال": "يجب أن تشمل المساءلة المسؤولين الكبار في الأجهزة، حينها نتمكن من القضاء على التعذيب، الذي يمارس أيضا في حق معتقلي الحق العام، لكن فقط المعتقلين السياسيين من يصرحون بذلك ويفضحون تلك الممارسات، وأسرهم أيضا تقوم بالشيء نفسه لكن من الخارج، لكونهم يوجدون داخل السجون من أجل كرامتهم وكرامة الشعب. كما أن الصحافة والمؤسسات الحقوقية تسلط عليهم الضوء بشكل أكبر".

أما معتقلي الحق العام فإن التعذيب يمارس في أوساطهم بشكل كبير ويتعرضون لسوء المعاملة والعنف وممارسات تحط من الكرامة الإنسانية داخل السجون، ويخوضون هم أيضا إضرابات عن الطعام.

انفراجة سياسية

وفي أول سنة من اعتلائه العرش عام 1999، أوصى ملك المغرب محمد السادس بإنشاء هيئة التحكيم المستقلة (غير قضائية) لتصفية ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي مارسها والده الحسن الثاني الذي توفي في نفس السنة، وذلك لتحقيق انفراجة سياسية داخل البلد وتحسين صورته وسط المجتمع الدولي.

وخرجت الهيئة بقرار استخراج تعويضات مالية للضحايا وأسرهم، وفي عام 2004 عين الملك أعضاء هيئة الإنصاف والمصالحة للتحري حول الانتهاكات التي ارتكبت فيما سمي بـ"سنوات الرصاص".

قدمت الهيئة تقريرها في 2005 إلى الملك الذي أوكل إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي يعتبر لسانا للدولة، متابعة تنفيذ توصيات الهيئة.

وحددت الحالات التي مورست في حقها الانتهاكات بالمئات بين إخفاء قسري واعتقالات وأشد أنواع التعذيب، بل تحدث البعض عن مقابر جماعية لم تعترف بها الهيئة، إلا أن الدولة لم تصدر اعتذارا رسميا عن هذه الانتهاكات واعتبرت أنها طوت صفحة الماضي عبر التسوية غير القضائية.