سقوط الجوف بيد الحوثيين.. هكذا فضح مؤامرة الرياض على اليمنيين

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

سقوط مدينة الجوف الإستراتيجية بيد الحوثيين مؤخرا، رسخ قناعات لدى كثير من اليمنيين والمتابعين، بأن التحالف السعودي الإماراتي لم يأت إلا ليغدر بالقوى الثورية، ويلتف على الشرعية ليقضي على أحلام الشعب اليمني بالتغيير والطموح نحو مستقبل أفضل.

لا يتم النظر إلى المعركة في الجوف وغيرها من المدن اليمنية على أنها معركة بين الحوثيين وقوات الشرعية، بل بين الحوثيين والقوات السعودية، لأن الأخيرة كبّلت القوات الشرعية، وقوضت سلطتها خلال السنوات الماضية، وأجبرتها على الإقامة في الرياض دون السماح لها بالعودة تحت عدة ذرائع ومبررات غير مقنعة.

أضف إلى ذلك، أن القوات العسكرية بالجوف تخضع للقيادة السعودية بشكل مباشر ولا تتبع وزارة الدفاع اليمنية، وبالتالي فإن الرياض بترسانتها العسكرية الهائلة مقارنة بما تمتلك جماعة الحوثي، كانت قادرة على حسم المعركة في ساعات، خصوصا في بيئة صحراوية مكشوفة مثل الجوف.

رئيس دائرة التوجيه المعنوي المقال من الجيش الوطني محسن خصروف علق على سقوط الجوف قائلا: "إسقاط الجوف نتيجة وليس سببا، فقيادة وزارة الدفاع اليمنية لم تكن لها أي صلة أو ارتباط بمحور الجوف والمحافظة بالكامل، فهي تتبع أبو تركي (ضابط سعودي) في نجران".

خصروف أضاف في حديث متلفز مع قناة بلقيس: "قائد العمليات العسكرية في نهم من قاد عملية نصر1 ونصر 2 ونصر3، هو الآخر لا يتبع وزير الدفاع، وفشل حيث فشل. أبناء الجوف قاتلوا قتال الأبطال، وقدموا التضحيات، واللواء أمين العكيمي (محافظ الجوف ومن أبناء الجوف) استشهد ابنه الأول، ثم استشهد ابنه الثاني، وهم يقاتلون وينتصرون".

اللواء خصروف تابع: "جرى العبث بالسيادة اليمنية، وأصيب الجيش الوطني بشلل عدم وحدة القيادة والقرار، لتعدد الرؤوس والولاءات التي تعمل خارج السيادة الوطنية، وبدلا من أن يحركوا بقية الجبهات في نهم وصرواح والبيضاء وتعز والساحل الغربي وصعدة، تم تجميد هذه الجبهات ليتفرغ الحوثي لمعركة الجوف ويحشد لها جميع الأسلحة".

خصروف أكد أن "التحالف إذا أراد وكانت لديه نوايا صادقة ومخلصة وأخوية وعروبية وإسلامية، فالجوف منطقة صحراوية مكشوفة للطيران لا تحتمل غارات جوية للأباتشي أكثر من 3 إلى 4 ساعات لتتحرر جميعها".

مضيفا: "لكن الانتصار والحسم واستعادة الدولة والشرعية الحقيقية ووحدة القرار السياسي والسيادة الوطنية، كلها أمور ممنوعة في اليمن، ما يجري الآن هناك تصفية حسابات داخلية، ولم يتفق الشركاء في التحالف فيما بعد على تقسيم الغنيمة".

أهمية إستراتيجية

تتمثل الأهمية الإستراتيجية لمحافظة الجوف في كونها متاخمة للأراضي السعودية، بالإضافة إلى كونها تمثل خزانا ضخما للنفط في البلاد، وهي أكبر المحافظات الشمالية مساحة، حيث تبلغ مساحتها نحو 40 ألف كيلو متر مربع.

جغرافيا، تقع الجوف شمال غربي اليمن على الحدود مع محافظة مأرب النفطية، وهي المحافظة التي تمثل المعقل الأهم للقوات الشرعية وقوات الجيش الوطني، وتعد خزانا بشريا هائلا للنازحين من بطش جماعة الحوثي، لهذا فإن السيطرة على الجوف، يمثل تهديدا على محافظة مأرب.

في المقابل، فإن الجوف تشترك في حدود مفتوحة إلى الغرب مع محافظة صعدة، معقل جماعة الحوثي، وبقاء سيطرة الشرعية عليها، يشكل تهديدا على جماعة الحوثي في معقلهم، إذا ما تحركت المعركة باتجاه الغرب نحو صعدة.

 من ناحية أخرى، تشترك الجوف مع محافظة عمران وهي الخزان البشري الهائل والحاضنة الجغرافية لجماعة الحوثي، حيث ينحدر معظم مناصري الجماعة من عمران، لذا فإن سيطرة الحوثي على الجوف، بالقدر الذي يمثل تهديدا لمأرب، بالقدر الذي يعزز من فرص الحوثي في تأمين معاقلها في صعدة وعمران.

الأهمية الإستراتيجية للجوف تمتد إلى ما يتعدى الأراضي اليمنية، حيث تشترك الجوف من الناحية الشمالية بحدود مع السعودية بطول 266 كلم، ما يجعل الأراضي السعودية عرضة لاستهدافها من قبل الحوثيين بشكل مركز.


نتيجة منطقية

سقوط نهم، المدخل الشرقي لصنعاء، كان مؤذنا بسقوط الجوف، وكانت المسألة مسألة وقت، طالما أن السعودية هي من تدير تلك المعارك، في حديث للاستقلال يقول المحلل ياسين التميمي: "وقائع معركة الجوف منذ أكثر من شهر، شكلت مقدمات منطقية لسقوطها بيد الحوثي".

وأضاف التميمي: "سقوط مدينة الحزم (مركز محافظة الجوف) لا يشكل تحولا إستراتيجيا في مسار المعركة، بقدر ما يشكل محطة من محطات التعاطي الذي اتسم بالغدر من جانب التحالف السعودي الإماراتي مع الشرعية اليمنية".

التميمي أكد أنه "في الوقت الذي يعمل التحالف على تفكيك الشرعية وإضعافها وتجريف مشروعيتها، يعمل أيضا على محاولة خلق وقائع جديدة، وبالتالي ليس من المستغرب عدم حدوث انتصارات عسكرية للشرعية في ظل ما نراه من تآمر وحصار وتوجه واضح لهزيمة الشرعية، التي تعد رمزا لحالة التغيير الذي مثلته ثورة 11 فبراير/شباط 2011 في اليمن".

التميمي يرى أن السعودية عندما استعانت بالحوثيين في 2015، وأدخلتهم إلى صنعاء، "كانت بهدف القضاء على التجمع اليمني للإصلاح، باعتباره أحد أهم الحوامل السياسية لثورة التغيير، والإصلاح وبقية الأحزاب وجدوا أنفسهم مضطرين للتعاطي مع الموجة الشعبية التي طالبت بالتغيير، ومثلوا طيلة هذه الفترة ضمانة أساسية للتغيير بأقل ما يمكن من الخسائر في مقدرات اليمنيين وأرواحهم ودمائهم".

لكن، وحسب التميمي: "ثمة من عمل وضخ كما هائلا من التحريض في الفضاء الإعلامي ضد الإصلاح، طيلة الفترة الماضية، وتبين فيما بعد أن هذا التحريض ممول من الإمارات والسعودية، فجرى تحول كبيرة في السياسة السعودية من دعم للسلفيين إلى سحب للسلفيين من ساحة المواجهة بشكل كامل، ما سمح للحوثيين بإسقاط دماج (معقل السلفيين) بكل سهولة، والتوجه إلى حاشد ومن ثم إلى عمران وصنعاء".

يؤكد التميمي: "بعد ذلك عملت السعودية على محاولة التخلص من التزاماتها تجاه الشرعية، ومحاولة استبدالها بالشق الثاني من الانقلابيين وهم المؤتمر الشعبي العام (حزب الرئيس الراحل علي عبدالله صالح)، للتخلص من الشرعية التي تشمل في صفوفها قيادات إصلاحية كانت إحدى تلك الحوامل الثورية المهمة.

متغيرات الصمود

وفي حين يتوقع البعض أن الدور بعد الجوف آت على مأرب، يؤكد آخرون أن هناك متغيرات تحول دون سقوط مأرب، ذلك لأن مأرب تمثل كتلة بشرية هائلة من القبائل المسلحة، الذين أثبتوا في وقت سابق أنه ليس من السهولة اختراق هذه المحافظة.

في أبريل/نيسان 2015، وفي ظل تقدم الحوثيين مدعومين من قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، أعلنت النفير العام، وتصدت قبائل مأرب لجماعة الحوثي في كل من "مراد" و"عبيدة" و"الجدعان"، وتمكنت من هزيمتهم ودحرهم إلى ما وراء حدود المحافظة.

علاوة على ذلك، تمكنت القبائل المسلحة من أبناء مأرب من قلب موازين المعركة، وإحداث تحول مهم في مسار المواجهات  في عدد من الجبهات والمواقع الإستراتيجية، فاستعادت مواقع مهمة كانت قد سقطت بيد الحوثي، وقامت بطردهم من مركز مديرية صرواح، المديرية الأهم المحاذية لمحافظة صنعاء، من الجهة الشرقية، وسقط خلال تلك المعارك قيادات حوثية مهمة، بالإضافة إلى عشرات الجرحى.

وفق مراقبين، فإن عوامل مهمة سوف تسهم في صمود قبائل مأرب، في وجه الحوثيين، والقوات الموالية لصالح، من تلك العوامل عدم وجود حاضنة شعبية لجماعة الحوثي في مديريات مأرب، والرفض المجتمعي للجماعة وأفكارها، بالإضافة إلى تماسك القبائل واحتكامهم لمرجعيات قبلية، قررت الانحياز للشرعية وقوات الجيش الوطني.

إضافة إلى ذلك، فإن مأرب تحولت إلى قوة رأسمالية كبيرة خلال السنوات الماضية، بسبب عملية التهجير التي قام بها الحوثيون لآلاف المواطنين والتجار من المحافظات الخاضعة لسيطرتهم، وهذا سبب آخر سوف يدفع أبناء المحافظة للدفاع والقتال عن أموالهم وممتلكاتهم، ولن يجعل من السهل التسليم للحوثي.

بدائل الشرعية

يضع بعض المراقبين أطروحات تتحدث عن بدائل يمكن أن تشرع باتخاذها القيادات الوطنية اليمنية وهي الإعلان عن مجلس يضم قيادات عسكرية ومدنية من داخل معسكر الشرعية، يعلن قطيعته مع السعودية والإمارات، بشكل كامل، ويسحب التفويض الذي كانت الشرعية اليمنية قد منحته للتحالف من أجل التدخل في اليمن.

الأطروحة السابقة هدفها في الأساس الحفاظ على ما تبقى من المدن اليمنية، وكشف أن ما تقوم به السعودية والإمارات في اليمن هو عدوان لا يختلف عن العدوان الذي تمارسه جماعة الحوثي، على أن يطالب المجلس المرتقب، المجتمع الدولي بالتدخل لإيقاف التدخل السعودي الإماراتي.

غير أن ذلك الطرح لن يكون قابلا للتطبيق، ما لم يحصل ذلك المجلس على دعم واعتراف إقليمي على الأقل، للقدرة على مقاومة العدوان الخارجي المتمثل بالتحالف السعودي الإماراتي، والعدوان الداخلي المتمثل بعدوان جماعة الحوثي. 

في تقدير البعض، فإن أي حل يأتي من خارج معسكر التحالف، ويصنف التحالف والحوثي، كعدوين لليمنيين، فإنه سيحظى بتأييد شعبي واسع، خصوصا بعد أن فقد كثير من اليمنيين الأمل في قدرة الشرعية على استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب، بعد أن قامت السعودية بتفكيك سلطتها وإضعاف قوتها.

واقع الأمر يؤكد أن تلك الخطوة ستخلق ممثلا للحكومة الشرعية بديلا عن الحكومة اليمنية المقيمة في الرياض وتفشل مخطط السعودية الذي تعمل عليه منذ أشهر، فبحسب عضو البرلمان اليمني عبدالكريم الأسلمي، في تدوينة على فيسبوك، فإن السعودية تسعى إلى تفكيك ما تبقى من الشرعية، وخلق شرعية بديلة، تخضع كلية للقرار السعودي.

وتسعى الرياض في تحركاتها الأخيرة إلى إعادة المؤتمر الشعبي العام، إلى المشهد السياسي كممثل وحيد للشرعية يمثله حاليا طارق صالح، ابن شقيق الرئيس السابق علي عبدالله صالح، حيث يتولى قيادة ألوية عسكرية مدعومة من الإمارات في الساحل الغربي، بالإضافة إلى أحمد علي نجل صالح المقيم في أبوظبي.

محاولة إعادة النظام السابق إلى الواجهة من جديدة، أكده المحلل السياسي ياسين التميمي في حديث سابق له مع الاستقلال، مؤكدا أن ذلك هو الجزء الأهم الذي تسعى له دول الثورات المضادة، كإجراء يسعى إلى إعادة الأنظمة السابقة والتخلص من القوى الثورية وقوى التغيير في اليمن ودول الربيع العربي إجمالا.