في الذكرى 28 لاستقلال البوسنة.. كيف دعمت إسرائيل مذابح الصرب؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يصادف الأول من مارس/آذار 2020، الذكرى 28 لاستقلال البوسنة والهرسك عن يوغسلافيا الاتحادية، إثر اندلاع حرب أهلية استمرت أكثر من 5 سنوات وانتهت بمذبحة هي الأشد فظاعة منذ الحرب العالمية الثانية.

ترتبط بتلك الذكرى قصة المذبحة الأليمة التي ارتكبتها القوات الصربية في يوليو/تموز 1995، أثناء الحرب التي اندلعت إثر مطالبة البوسنة بالاستقلال من جمهورية يوغسلافيا الاتحادية (كرواتيا، صربيا، البوسنة والهرسك، سلوفينيا، الجبل الأسود، مقدونيا وكوسوفو).

ورغم مرور نحو 28 عاما، ما زالت إسرائيل ترفض الكشف عن دورها خلال سنوات الحصار والحرب الأهلية، كما ترفض أيضا الاعتراف بدورها في المذبحة، التي قُتل فيها قرابة 8 آلاف مسلم من سكان البوسنة (البوشناق) خلال أيام قليلة في مدينة سربرنيتشا، حسب إحصائية اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

شاركت إسرائيل في إمداد القوات الصربية، بقيادة راتكو ملاديتش الملقب بـ"جزار البلقان"، بالسلاح، وتحريض الزعيم السياسي السابق لصرب البوسنة رادوفان كراديتش الذي تم توقيفه عام 2008.

ورغم صدور قرار مجلس الأمن الدولي عام 1991 الذي يحظر توريد الأسلحة إلى يوغسلافيا، إلا أن إسرائيل استمرت طوال أكثر من 5 سنوات بمد القوات الصربية بالسلاح، والمشاركة في جرائم ترقى لمستوى الإبادة وفقا للقوانين الدولية.

بمشاركة إسرائيل، جرت أبشع عملية قتل جماعي في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حسب توصيف الأمم المتحدة، حيث عمدت تلك القوات إلى فصل الرجال قبل قتلهم عن النساء والأطفال والمسنين، الذين تم ترحيلهم، كما قامت باغتصاب العديد من النساء، ودفنت الجثث في مقابر جماعية تم نبشها لاحقا وتوزيع الرفات.

تسليح وتدريب

في 2016، أكد كل من المحامي الإسرائيلي البروفسور يائير أورون، ومحامي حقوق الإنسان الإسرائيلي إيتاي ماك، أن تل أبيب أمدت الصرب بأسلحة متنوعة إبان سنوات الحرب الأهلية في التسعينيات.

وأوضح البروفيسور أورون لشبكة البحوث البلقانية في البوسنة والهرسك أن هناك وثائق تثبت تورط إسرائيل في دعم الصرب في المجزرة بحق المسلمين، وانتهاكها لقرار مجلس الأمن الدولي الصادر في 1991.

قدم المحاميان إثر ذلك التصريح طلبا للمحكمة الإسرائيلية العليا بإدانة تل أبيب لانتهاكها القرار الأممي، وقال يائير: إن إسرائيل، ودون شك، شاركت في الإبادة الجماعية، وشكلت النموذج الأسوأ لأخلاق البشر، غير أن المحكمة الإسرائيلية رفضت طلبهما، مبررة ذلك بأن هذا الملف يهدد الأمن القومي الإسرائيلي وعلاقاتها الخارجية.

وفقا للبروفيسور الإسرائيلي يائير أورون، فإنه "ليس هناك أي شك تقريبا" في أن القذائف التي سقطت على سوق ماركيل في أغسطس/آب 1994، وتسببت بمقتل 68 شخصا وإصابة 142، فيما أصبح يعرف باسم مذبحة سراييفو، كانت من صنع إسرائيل.

شملت الأدلة التي قدمها المحاميان شهادات من ناشطين في المجال الإنساني وصحفيين كانوا في البوسنة خلال الحرب، ومقالات متاحة للجمهور تتحدث عن أسلحة قدمتها الحكومة الإسرائيلية للقوات الصربية.

وحسب موقع "سيحا ميكوميت" الإسرائيلي، فإن المحاميين قدما للمحكمة سلسلة من الإثباتات والدلائل حول تصدير إسرائيل أسلحة للقوات الصربية، خلال تلك الفترة، بما في ذلك قذائف وبنادق، ولم يقتصر الدعم على التزويد بالأسلحة، بل تضمن أيضا تدريب القوات الصربية على استخدامها.

ووفق المحامي ماك، فإن المحكمة الإسرائيلية العليا لم تنكر وجود صادرات إلى يوغسلافيا السابقة، لكنها قالت إن فتح ذلك الملف سوف يضر بالأمن القومي الإسرائيلي ويعرض العلاقات الخارجية للخطر، وهو ما يؤكد سلامة تلك الأدلة، حد قوله.

وسبق للمحامي "أورون" أن أدان ما سماه "فشلا أخلاقيا غير مقبول" للحكومة الإسرائيلية، خاصة وأن اليهود كانوا ضحايا للإبادة الجماعية، في إشارة إلى محرقة الهولوكست بحق اليهود في ألمانيا النازية إبان الحرب العالمية الثانية.

إجلاء اليهود

خلال سنوات الحصار للمسلمين البوشناق في البوسنة، سهلت القوات الصربية خروج اليهود الألبان من تلك المدينة، إلى مستشفى يهودي تابع للجيش الإسرائيلي في مقدونيا تمهيدا لنقلهم إلى تل أبيب.

تقرير أصدره المعهد الهولندي لتوثيق الحروب عام 2002، كشف أن إسرائيل زودت القوات الصربية بصفقة أسلحة، مقابل السماح لأعداد كبيرة من الجالية اليهودية في سراييفو بمغادرة المدينة عام 1992، وهو العام الذي بدأ فيه الحصار لمسلمي البوسنة.

وكالة أسوشيتد برس ذكرت في تقرير لها، أن معظم اللاجئين اليهود وصلوا من مقدونيا (إحدى دول جمهورية يوغسلافيا الاتحادية) وأن الجيش الإسرائيلي أنشأ  هناك مستشفى ميدانيا للاجئين من أصل ألباني، الذين أجبروا على الخروج من مقاطعة كوسوفو بسبب العمليات العسكرية الصربية.

ويضيف تقرير المعهد الهولندي أن من بين الأدلة على تورط إسرائيل، أن تحقيقا في بقايا قذيفة هاون سقطت على مطار سراييفو نهاية 1994، كان مكتوبا على هيكل القذيفة كتابات باللغة العبرية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن برنامجا إخباريا على التلفزيون الإسرائيلي في أغسطس/آب 1995، ذكر أن تجار الأسلحة الإسرائيليين كانوا يزودون القوات الصربية بالأسلحة، وأن ذلك قد تم بموافقة الحكومة.

مذكرات ملاديتش

لم تكن تلك الأدلة وحدها هي ما تشير إلى تورط إسرائيل في دعم مذابح الصرب في البوسنة، بل دل على ذلك المذكرات اليومية التي كتبها الجنرال راتكو ملاديتش، قائد القوات الصربية.

ملاديتش أصدرت المحكمة الدولية الخاصة بجرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة قرارا بإدانته بارتكاب جرائم حرب، كما أصدرت بحقه مذكرة اعتقال عام 1995، وتم اعتقاله في 26 مايو/أيار 2011، بعد أكثر من 16 عاما من الهروب والتخفي، وتوجيه الاتهام له بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خاصة ضد المدنيين بمدينة سربرنيتشا في البوسنة.

ملاديتش أشار صراحة في مذكراته اليومية إلى صفقات السلاح الضخمة التي تلقتها صربيا من إسرائيل في تلك الفترة، وكتب ملاديتش أيضا بأن إسرائيل عرضت عليه قتالا مشتركا ضد الإسلام المتطرف، وعرضوا عليه تدريب القوات الصربية في اليونان على نفقتهم، وقال ملاديتش: عرضوا علينا تقديم أسلحة خاصة مكتملة لـ 500 قناص بشكل مجاني.

وتضمن الحكم الذي صدر عام 2011 عن المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، إشارات إلى المساعدة المحتملة من إسرائيل في مذكرات قائد الجيش الصربي البوسني راتكو ملاديتش، إلا أن المحكمة قالت إنه لا يمكن التحقق من تصريحات ملاديتش.

علاوة على ذلك، تضمن الحكم الذي صدر في القضية المرفوعة ضد الجنرال الصربي البوسني السابق مومتشيلو بيريسيتش، أدلة قدمها دوسان كوفاسيفيتش، وزير الدفاع الصربي البوسني السابق، بأن الموساد الإسرائيلي اتصل به في مارس / آذار 1995 "حول إرسال عدد كبير جدا من المجاهدين (مقاتلون إسلاميون أجانب) إلى البوسنة والهرسك".

وقال نص الحكم: إن كوفاسيفيتش حدد أن عرض إسرائيل للمساعدة لا ينطبق إلا على قتال جيش الصرب البوسنيين ضد المجاهدين، لكنه لم يقدم أي دليل على أنه قد تحقق بالفعل، حد قول المحكمة. 

 

امتنان وعرفان

وكنوع من العرفان والامتنان، فإن قذيفة مدفعية من نوع "155 مم – م 107" ما تزال معروضة في مكتب البروفيسور بيركة زيتشيفيتش بكلية الهندسة الميكانيكية في سراييفو، ومكتوبا عليها كلمات باللغة العبرية، للترميز على الدعم الذي حصلت عليه القوات الصربية من إسرائيل خلال تلك الحرب.

في 2008 وقبل فترة وجيزة من إعلان الاستقلال عن صربيا، صرح رئيس كوسوفو هاشم ثاتشي قائلا: "أنا أحب إسرائيل، يالها من دولة عظيمة، كوسوفو صديق دائم لإسرائيل"، ما يؤكد أن النخبة الحاكمة في كوسوفو تستمر في دعم الدولة الإسرائيلية.

وفي أبريل/نيسان 2019، رحب رئيس الوزراء الكوسوفي راموش هاراديناي بستة مستثمرين أمريكيين، واستقبلهم في مكتبه حيث كان مزينا بأعلام كوسوفو وإسرائيل والولايات المتحدة، وقال لضيوفه: "نحن فخورون جدا لتعاوننا مع الولايات المتحدة والشعب اليهودي، وإسرائيل كدولة تعد نموذجا جيدا جدا يحتذى به".

وفي يوليو/تموز 2019، وأثناء رحلة إلى إسرائيل نظمتها اللجنة اليهودية الأمريكية، قالت سفيرة كوسوفو في الولايات المتحدة، فلورا سيتاكو: إنها مولعة بالدولة الصهيونية، وأن الشعب الكوسوفي ينظر إلى إسرائيل كمثال لكيفية بناء الدولة.

وكتب الصحفي الدكتور دينيجال جيجيك معلقا على هذا التصريح، لم يزعج السفيرة قيام دولة إسرائيل على أساس التطهير العرقي المستمر للشعب الفلسطيني، ولم يزعجها أنها أصبحت ذات يوم لاجئة نتيجة لحملة تطهير عرقي مماثلة.