رغم الاستقلال.. لهذه الأسباب لم تتحقق وحدة المغرب العربي

12

طباعة

مشاركة

نشر معهد البحر المتوسط للدراسات الإستراتيجية العليا، مقالا للمُحاضر في الكلية العسكرية الدولية لمنظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، الدكتور مصطفى بنشنان، تناول التحديات التي تواجه اتحاد المغرب العربي، منذ استقلال دوله وحتى اندلاع الثورات العربية.

ويرى المحاضر، المتخصص في العلوم السياسية، أن "الربيع العربي لم يبدأ في تونس سنة 2011، ولكنه بدأ في الجزائر، في أكتوبر/ تشرين الأول 1988، عندما أطلق الجيش الشعبي الوطني النار على المتظاهرين.

الحريات والديمقراطية في دول المغرب العربي

وقال بنشنان، وبفوز "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" عام 1991 بالأغلبية في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، تدخل الجيش لمنع الإسلاميين من الفوز بالمزيد في الجولة الثانية، واعتقل أعدادا كبيرة منهم في مخيمات في الصحراء. ولكن بمجرد الإفراج عنهم، ذهب العديد منهم إلى الأدغال، واختاروا النضال المسلح. وتكونت النواة الصلبة لهذه الحركة من العائدين من أفغانستان والذين حاربوا مع "الفيلق الإسلامي" ضد القوات السوفيتية التي غزت أفغانستان في 1979".

"ولا تمثل حرية التعبير في الجزائر، إلا صمام أمان للسلطة، لأن الكلام يفرغ غضب المواطنين ثم يعودون إلى منازلهم لمشاهدة التلفزيون"، على حد تعبير الكاتب.

وأكد دكتور العلوم السياسية، أن "استمرار عبدالعزيز بوتفليقة في الحكم، رغم شدة مرضه وعدم قدرته على الحكم، لا تتم وفقا للدستور ولكن وفقا لموازين القوى بين العشائر والجيش المنقسم على نفسه".

وفي تونس، قال الكاتب، "قامت ثورة في 2011 ضد ديكتاتورية الرئيس بن علي، وكما حدث في الجزائر، فإن الانتخابات الأولى التي نظمت بعد مرحلة الديكتاتورية فاز بها حزب "النهضة" الإسلامي. ومع ذلك تخل هذا الحزب -مؤقتا- عن ممارسة السلطة لكنه مارسها من خلال ائتلاف يشارك فيه".

"في 20 فبراير/ شباط 2011، انطلقت في المغرب حركة احتجاجية ذات طابع سياسي تدعو إلى إجراء إصلاحات جذرية في النظام وشجب الظلم. ولكن الملك محمد السادس كان بارعا في التعامل معها حيث وافق على الفور على تعديل الدستور. كما تعهد باختيار رئيس الوزراء من الحزب الفائز بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية"، بحسب المقال.

ووصف بنشنان حرية التعبير في المغرب بـ"المحدودة"، وأضاف "ليس للمغاربة الحق في التشكيك في الطابع الملكي للنظام أو انتقاد الملك. وهناك "خط أحمر" آخر اسمه "مغربية" الصحراء الغربية. لكن علي أي حال لم يعد المغاربة يعيشون تحت القمع الذي كان سمة نظام الحسن الثاني".

واعتبر الدكتور أن "الأنظمة السياسية لبلدان المغرب العربي الثلاثة لم تعد ديكتاتورية ولكنها أيضا ليست ديمقراطية، فهي تفتقر إلى العناصر الأساسية للديمقراطية التي استعرضها:

  • التنافس السلمي المفتوح على السلطة وفقا لقواعد مقبولة ومحترمة.
  • سيادة القانون، وهذا يعني وجود عدالة مستقلة بعيدة عن السلطة.
  • أن تخضع هذه السلطة للقانون نفسه.

وتابع الكاتب، هذه الشروط لا يمكن استيفائها لأن الثقافة الديمقراطية ليست متجذرة لا في هذه البلدان الثلاثة ولا في أي مكان آخر في [العالم العربي-الإسلامي]".

"اتحاد المغرب العربي بلا أثر"

وأوضح دكتور العلوم السياسية، أن "المغرب الكبير" يتكون من الجزائر والمغرب وتونس، ويقع في بين غرب البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق، وتفصله عن أوروبا 14 كيلومترا. ومن خصائصه، أن الملايين يتكلمون اللغة الفرنسية، لذا يجب اعتبارها أحد مكونات هوية هذه الشعوب.

من الناحية التاريخية، قال المقال إن "هذه المنطقة كانت أمازيغية حتى وصول الإسلام في نهاية القرن السابع وبداية القرن الثامن. وبما أن القرآن مكتوب بالعربية، حدثت  تحولات عميقة في الشخصية المغاربية وأيضا في ثقافة المنطقة، التي أصبحت عربية-أمازيغية".

وتابع بنشنان في رصد الوقائع التاريخية، قائلا، إن "المغرب وتونس حصلا على استقلالهما في 1956، أما الجزائر استقلت في 1962. وهذه البلدان الثلاثة لا يمثل التبادل التجاري بينها أكثر من 2% من تجارتهم الخارجية. فيما تجتذب ثلاثتها أقل من 1 % من استثمارات الاتحاد الأوروبي. ويبلغ عدد سكان المنطقة حوالي 90 مليون نسمة. ويمثل الشباب في السن الأقل من 30 عام 70% من إجمالي عدد سكانها".

تشكل البلدان الثلاثة جزءا من "اتحاد المغرب العربي" الذي أنشأته معاهدة مراكش في فبراير/ شباط 1989. ويشمل أيضا موريتانيا وليبيا، "ولكن بعد 30 عام من نشأته لم يكن له أي أثر فعلي"، بحسب رأي الكاتب.

التحديات بعيدة المنال

ورأى دكتور العلوم السياسية أن "التكيف مع اقتصاد السوق العالمي هو التحدي الأكبر على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، ولكي يجتاز المغرب العربي هذا التحدي يجب إجراء إصلاحات جذرية في هياكل المؤسسات. وأهم هذه الإصلاحات، وضع نظام تعليمي فعال".

وواصل شرح فكرته، قائلا "هذا يعني أساتذة أكفاء مندمجين في المجتمع ومتخصصين وقادرين على نقل التفكير العقلاني بأشكاله الثلاثة: النظريات والنقد والنقد الذاتي. ويجب أن تنعكس هذه العقلانية في كل المجالات: في البرامج والأساليب التربوية والسلوكيات. وقد أتاحت هذه المنهجية لبلدان أخرى مواجه تحديات المنافسة العالمية".

واستعرض الكاتب بعض الأرقام التي تشير إلى ما رآها "صعوبات لا يمكن للمغرب الكبير أن يتخطاها". "ففي حين أن معدل النمو كان يجب أن يصل إلى 8% على مدى 40 سنة لمواجهة العجز في قطاع العمالة، لم يحقق النمو إلا 3.5% في المغرب، و2.8 % في تونس و3% في الجزائر"، بحسب المصدر ذاته.

وأفاد المقال أن "ديون تونس مثلت 24% من الناتج المحلي الإجمالي في 2018، فيما طالب صندوق النقد الدولي بإصلاحات هيكلية ستكون عواقبها الفورية مؤلمة جدا للفئات الاجتماعية الأكثر فقرا. في الوقت الذي تصل فيه نسبة البطالة إلى 35% من الخريجين. كما أن الفوضى السائدة في ليبيا تمثل مشكلة إضافية للتونسيين من حيث الأمن وإدارة الاقتصاد".

واستند المقال إلى إحصائية صندوق النقد الدولي، التي تفيد أن "واحد من كل أربعة شباب في المغرب، تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة (ما يعادل مليون ونصف شاب) عاطلون عن العمل، ولا يدرسون ولا يتابعون أي تدريب".

وأفاد المصدر ذاته، أن "هذه النسبة تصل إلى 44% بين النساء (ما يعادل مليون و319 ألف امرأة). ووفقا للبنك الدولي، بلغت معدلات البطالة بين الشباب في المناطق الحضرية 38.6% في 2016. و تنذر ثورة الريف (اسم منطقة في المغرب) المهمشة من طرف السلطة، بخطر الانفجار المحتمل"

أما في الجزائر، فأشار المقال إلى أنها "تصدر -بعد 56 سنة من الاستقلال- النفط والغاز فقط، ويمثلان 97% من العائدات. ومنذ 2014، خسر الدينار الجزائري 48% من قيمته مقابل الدولار الأمريكي (1 دولار = 118 دينار جزائري)".

المجال الأمني

وأوضح المقال أن "الفوضى الناجمة عن تدخل حلف الناتو ضد القذافي أتاحت للحركات الإرهابية بمختلف مذاهبها حرية التحرك، مما يعرض تونس وجنوب الجزائر لتهديدات دائمة".

"أما في الغرب، فإن قضية الصحراء الغربية، تبلور الصراع  بينه وبين الجزائر. والمجتمع الدولي عاجز عن فرض احترام القانون الدولي الذي يدعو إلى إجراء استفتاء لتقرير حق المصير مما يمكن الصحراويين من تقرير مصيرهم بأنفسهم"، بحسب المصدر ذاته.

وأضاف الكاتب أن "الميزانيات الدفاعية للبلدان الثلاثة آخذة في الارتفاع دون أن تصل فاعلية جيوشها إلى المستوى المطلوب للتعامل مع خطورة التهديدات".

قلق أوروبي

وقال بنشنان، في مقاله إنّه "بعد عدة عقود من استقلال دول المغرب العربي، تبيّن أنّ هذه البلدان لم تستطع إدارة شؤونها بفعالية أو حتى التعاون فيما بينها. وأهم مؤشر على ذلك هو إغلاق الحدود البرية بين المغرب والجزائر منذ 1994".

وأوضح المحاضر، المتخصص في العلوم السياسية، أنّ "التحديات والإخفاقات التي تواجه دول المغرب العربي، ستزيد حتما تدفقات المهاجرين من جنوب إلى شمال البحر المتوسط. فمعظم الشباب المغربي يريدون الهجرة إلى أوروبا، مخاطرين بحياتهم في كثير من الأحيان".

وشدد على أنّ، "الصعوبات التي تواجه المغرب العربي وعواقبها التي لا يمكن تجاوزها، ولّدت لدى أوروبا، وفرنسا على وجه الخصوص، قلقا مشروعا من عدم استقرار المنطقة الأورو- متوسطية".