لقاءات سنية شيعية.. هل تذيب المصالح السياسية الخلافات الطائفية؟

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في الثامن عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كشفت صحيفة "ذا إنترسبت" الأمريكية عن وثائق إيرانية مسربة، لقاء جرى في تركيا عام 2014، جمع وفدا بارزا من جماعة الإخوان المسلمين، وقيادات من الحرس الثوري الإيراني، للتباحث حول عدة قضايا مشتركة بين الجانبين، أهمها مواجهة نظام الانقلاب العسكري بمصر، والنظام الوهابي في السعودية.

ورغم أن الإخوان اعترفوا باللقاء، لكنهم نفوا في الوقت نفسه ما جاء في التسريبات عن فحواه، بشأن التعاون المشترك واستهداف السعودية، إلا أن أهميته تأتي لأنه كان تدشينا لمرحلة مغايرة عن فكرة الصراع السني الشيعي في منطقة الشرق الأوسط.

وبعيدا عن التحليلات التي تعاملت مع الموضوع بشكل أيدولوجي، هناك قراءات أخرى تناولت اللقاء من منظور مختلف، في إشارة إلى أن خلافات الماضي يمكن أن تتحطم على أعتاب المصالح السياسية حول قضية من القضايا، وأن اللعب بورقة السنة والشيعة لإشعال الحروب في المنطقة أصبحت خارج إطار التاريخ، في ظل المصالح السياسية والإقليمية والدولية التي تفرض نفسها على الأطراف المعنيين في كل قضية على حدة.

القضية كما رآها بعض المختصين لم تكن في لقاء جمع بين واحدة من أكبر الجماعات التي تمثل السنة على مستوى العالم، وبين الدولة الشيعية الوحيدة في العالم أيضا، ولكنها في علاقات أخرى جمعت بين تركيا وقطر السنيتين، مع إيران، وفي بعض الأوقات كانت هذه العلاقة ضد دول سنية أخرى مثل مصر والسعودية والإمارات.

فهل أصبحت المصالح إذن أكبر من الخلافات الأيديولوجية والعقائدية والطائفية، وهل اقترب صنم وأسطورة الصراع السني الشيعي، في التحطم والانهيار، نتيجة سياسات صنعتها الحكومات والأنظمة لأهداف ومصالح مرتبة بكل دولة.

نظرة مختلفة

ففي الوقت الذي تعاملت فيه التحليلات السياسية والإعلامية العربية والدولية، مع اللقاء الذي جمع بين قيادات الإخوان والحرس الثوري، من منظور أنه اجتماع بين كيانين مصنفين على أنهما إرهابيان، فإن الباحث والأكاديمي الأمريكي "سيث فرانتزمان" كانت لديه نظرة مغايرة، حيث اعتبر هذا الاجتماع انعكاسا للتغيرات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

ووفق تحليل موسع نشره "فرانتزمان" بصحيفة "ذا هيل" الأمريكية تعليقا على اللقاء السابق، فإن القوتين السنية والشيعية اجتمعتا في تركيا عام 2014، لرسم إستراتيجية إقليمية ورؤية مشتركة تمكنهم للعمل معا، بعد أن أدركوا أن لديهم أعداء مشتركين، مثل النظامين في السعودية ومصر، بالإضافة للعدو المشترك بينهما وهي إسرائيل.

وحسب الأكاديمي الأمريكي فإنه قبل أكثر من عقد من الزمان، وفي الوقت الذي غرق فيه العراق داخل حلقة مفرغة من القتل بين عناصر تنظيمي الدولة والقاعدة والمليشيات الشيعية، كان التعامل وقتها مع هذا الصراع، باعتباره تقليديا يتغذى على الخلاف العقائدي الموجود بين السنة والشيعة.

ويؤكد "فرانتزمان" أنه أمام هذه الأحداث بدأت تتشكل قوى سنية مقابل المحور الشيعي، إلا أنه سرعان ما تغير الوضع، وبدأ البعض ينظر للصراع على أساس أنه عصري في دول فاشلة يغذيها التنافس السياسي والقومي والجيو-إستراتيجي"، وأن الخلافات في ظاهرها طائفية ولكنها تحمل في باطنها أسبابا أخرى.

ويتفق تحليل "فرانتزمان"، مع رؤية أخرى قدمها معهد "بروكينجز"، عندما تحدث في دراسة مفصلة بعنوان "احتواء الميلشيات الشيعية.. المعركة من أجل الاستقرار في العراق"، حيث دعت الدراسة لضرورة دمج المليشيات داخل منظومة الدولة، والتعامل مع مشاكلهم من منظور قانوني وإنساني، وفي إطار الحوكمة، وليس الخلافات العقائدية والطائفية.

وفي وجهة نظر تحذيرية، قال مركز "عين أوروبية على التطرف": إنه رغم تصاعد الانقسام الطائفي في الشرق الأوسط، خلال السنوات الأخيرة، فإن لدى الإسلاميين السياسيين قواسم مشتركة مع بعضهم البعض، وربما تكون أكثر مما لديهم مع الغرب.

ولذلك سيبقى احتمال التعاون كبيرا، وينبغي على صانعي السياسات أخذ هذا في الاعتبار، عند وضع إستراتيجيةٍ لاحتواء النظام الإيراني والتطرف السني، وفق تعبير المركز.

المصالح أقوى

وفي إطار التعاون السني الشيعي، كان لمجلة "المجلة" التي تصدر من لندن، وجهة نظر في التقارب التركي الإيراني، خلال السنوات الأخيرة، واعتبر محللون تحدثوا للمجلة، أن المصالح المشتركة بين الدول، أصبحت المحرك الأساسي في العلاقات الثنائية، ولم تعد فكرة الطائفية هي الأساس فى توجيه العلاقات بين الدول، حتى لو اتفقوا في ملف واختلفوا في آخر.

ورغم أن المجلة التي تمولها السعودية، وصفت التقارب التركي الإيراني بأنه تحالف الشر، إلا أن الخبراء الذين تحدثوا لها، اعتبروا أن هناك العديد من الأسباب السياسية والاقتصادية دفعت لهذه العلاقة.

ومنها الموقف الأمريكي من النظامين في تركيا وإيران، حيث كانت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الحكومتين، سببا في دعم كل دولة للأخرى، بالإضافة لوجود طرف ثالث داعم وهو روسيا، ما نقل العلاقات بين الدولتين من كونهما سنة وشيعة، إلى علاقات مصالح سياسية ودولية واقتصادية أيضا.

وحسب نفس الخبراء، هناك قضايا أخرى مشتركة جمعت بين الدولتين منها الموقف العدائي من إسرائيل، ودعم المقاومة الإسلامية، والحالة الجديدة التي أحدثتها التغييرات السياسية في السعودية بصعود نجم ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يحظى بعداء مشترك من الدولتين.

وبالعودة لتحليل "فرانتزمان" في صحيفة "ذا هيل"، فإن هذا التقارب، ليس معناه أن هناك اتفاقا كاملا بين الأطراف السنية والشيعية الذي جرى بينها التقارب، لأنه في الوقت الذي اتفقت فيه الأطراف على محاربة تنظيم الدولة في سوريا والعراق، اختلفت آراؤهم فيما يحدث باليمن، وهو ما كان مجال حديث واضح بين قيادات الإخوان ووفد فيلق القدس في لقائهما عام 2014.

ويرى الباحث الأمريكي أنه في الوقت الذي اضطهدت فيه حركة طالبان أثناء حكمها لأفغانستان، الشيعة الموجودين في البلاد، فإن الحركة الآن على وفاق سياسي مع طهران ضد الولايات المتحدة.

وهذا الأمر ينطبق على علاقة إيران وقطر، ضد التحالف السعودي الإماراتي البحريني، ونفس الوضع مع دعم حركات المقاومة في فلسطين.

وجميعها حركات سنية أبرزها حركة المقاومة الإسلامية حماس، الأقرب لجماعة الإخوان المسلمين، وحركة الجهاد الإسلامي، وكلاهما يتمتعان بدعم عسكري ومالي من إيران، وإسناد سياسي من تركيا وقطر، وعداء واضح من السعودية والإمارات.

اختلاف المواقف

ووفق "فرانتزمان" فإن أهم ما جاء في الوثيقة المسربة عن اللقاء الذي جرى عام 2014، بين الإخوان والإيرانيين، أن الجماعة رفضت وضع كل قضايا الشرق الأوسط في صورة ثنائية بسيطة، وأن يتم التعامل مع كل قضية وفقا لنقاط الاتفاق بين الطرفين.

ففي الوقت الذي يتفق فيه الطرفان على دعم القضية الفلسطينية، والتصدي للتحركات السعودية الإماراتية، فإنهما يختلفان في الموقف الإيراني من اليمن ولبنان وسوريا.

جانب آخر من القضية، كشفت عنه صحيفة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، في تحليل لها، ارتبط بالحملة الأمريكية التي كانت تهدف لمحاربة إيران في يوليو/تموز الماضي، حيث وجهت الصحيفة الأمريكية نداء لإدارة ترامب بعدم محاربة إيران، لأنها صديق وليست عدو كما يردد بعض المتشددين بالبيت الأبيض.

ووفق الصحيفة فإن الدافع لشن حرب ضد إيران داخل الإدارة الأمريكية، كان يختلف من عضو لآخر داخل إدارة ترامب، حيث كان يرى البعض أنها حتمية بسبب دعم إيران الشيعية لتنظيم القاعدة السني.

في حين يعتبر آخرون أن الحرب ضرورية لحماية السعودية السنية من الخطر الشيعي الإيراني. وكان لفريق ثالث رأي مغاير، حيث اعتبر أن إيران تريد امتلاك سلاح نووي لمواجهة إسرائيل الحليفة لأمريكا والغرب.

ويتحدث السفير الأردني السابق في اليمن فؤاد البطاينة، عن بعد آخر بعيدا عن المصالح التي تحدث عنها الخبراء لمجلة "المجلة" التي سبق الإشارة إليهم، حيث يعتبر البطاينة أن التحالف التركي الإيراني، ليس بين السنة والشيعة، وإنما بين المعسكر الرافض لإسرائيل، والداعم له.

وحسب البطانية الذي نشر مقالا مطولا في صحيفة "رأي اليوم"، فإن التحالف التركي الإيراني، هو النواة لجبهة إقليمية في وجه المعسكر الصهيوني، مشيرا إلى أنه يتحدث في هذا الموضوع وهو ليس إيرانيا ولا تركيا، ولا هم عربا، ولكن هناك قضية واحدة تجمع الجميع وهي دعم القضية الفلسطينية ومواجهة إسرائيل التي تزداد شراسة داخل الوطن العربي.


المصادر