السعودية تواصل دعم "قوات سوريا الديمقراطية".. هذه أهدافها

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

أعادت زيارة أجراها وفد من قوات سوريا الديمقراطية "قسد" إلى السعودية، إثارة التساؤلات مجددا عن أسباب وطبيعة الدعم الذي تقدمه الرياض لمنظمات تصنفها تركيا على لوائح الإرهاب، وتشن عليها أنقرة مع الجيش الوطني السوري عملية عسكرية شمالي سوريا.

الدعم السعودي لـ"قسد" كان متنوعا وعلى مراحل عدة، لعل آخرها زيارة أجراها وفد ما يطلق عليه "الإدارة الذاتية" التابعة لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" إلى العاصمة السعودية الرياض.

الوفد الذي يضم قياديين عسكريين ومدنيين من بينهم رئيس مجلس دير الزور المدني التابع لـ"قسد" غسان يوسف، غادر سوريا في 25 نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، باتجاه كردستان العراق، وانتقل بعدها إلى السعودية بهدف لقاء مسؤولين هناك لبحث "أوضاع المنطقة والتهديدات الإيرانية".

لكن أنباء أخرى، تحدثت عن أن الوفد لم يتوجه إلى إقليم كردستان العراق، وإنما غادر إلى الأردن قبل السفر إلى السعودية، لكنها لم تتبين ما إذا كان الوفد سيعقد اجتماعات في الأردن أم أنها مجرد محطة للعبور نحو السعودية.

ورغم التعتيم الإعلامي على تلك الزيارة، فإن تقارير صحفية كشفت أنها جاءت بطلب من واشنطن، في إطار ترتيب أوضاع المنطقة بعد انحسار الوجود الأمريكي العسكري المباشر فيها، موضحة أن "السعودية تعتقد أن تمكين المجلس المحلي التابع لـ"قسد"، من شأنه التقليل من حدة الصراع بين مكونات التنظيم.

ظهور الوزير السعودي ثامر السبهان في الرقة

أهداف الزيارة

التقارير أشارت إلى أن الزيارة تأتي في إطار رغبة السعودية بتفعيل دور العشائر العربية، لمواجهة النفوذ الإيراني المتنامي شرقي سوريا، لافتة إلى أن المشروع أمريكي بتمويل سعودي، وواشنطن تريد دعم المكون العربي المنضوي في "قسد"، مستفيدة من الروابط العشائرية بين الرياض وعشائر سوريا.

الزيارة على ما يبدو، تأتي استكمالا لمشروع بدأه وزير الدولة لشؤون الخليج العربي في وزارة الخارجية السعودية ثامر السبهان، الذي زار مناطق "قسد" مرتين، كان آخرها في يونيو/حزيران الماضي.

وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، زار السبهان قرى عدة بريف الرقة، والتقى وجهاء من المنطقة ومسؤولين في "قوات سوريا الديمقراطية".

وحسب معلومات أوردتها وكالة "الأناضول" فإن 3 مستشارين عسكريين سعوديين زاروا، القاعدة الأمريكية في "خراب عشق" جنوبي مدينة عين العرب (كوباني)، في مايو/أيار الماضي، والتقوا مسؤولين في "قسد"، وكان الهدف من اللقاء هو تأسيس وحدات عربية في المنطقة نواتها فصيل "الصناديد" أحد الفصائل المنضوية تحت لواء "قسد".

وسيطرت "قسد" التي تهيمن عليها "وحدات حماية الشعب" على معظم المناطق السورية شرق نهر الفرات وذلك بفضل دعم واشنطن، التي قدمت مساعدات مالية وعسكرية للأولى، رغم مطالبة أنقرة بوقف دعم التشكيل العسكري الذي تعتبره الفرع السوري لـ "حزب العمال الكردستاني" المحظور في تركيا.

وطالب المبعوث الأمريكي بالتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة، في يوليو/تموز 2018، الدول الأعضاء بزيادة مساهمتها المالية ونشر مزيد من قواتها في مناطق سيطرة "قسد"، تمهيدا لانسحاب القوات الأمريكية من هناك.

دعم مالي

الدعوة الأمريكية هذه سرعان ما استجابت لها الرياض، إذ أعلنت في أغسطس/آب 2018 تقديم 100 مليون دولار لدعم المناطق التي تسيطر عليها قوات "قسد".

وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس"، أن المساهمة تعتبر "امتدادا للعهد الذي قطعه وزير الخارجية عادل الجبير خلال المؤتمر الوزاري للتحالف الدولي في بروكسل 12 حزيران/يونيو 2018، واستضافه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو".

وأضافت أن الأموال ستذهب لدعم جهود التحالف في "إعادة تنشيط المجتمعات المحلية، مثل مدينة الرقة، كما ستركز على مشاريع استعادة سبل العيش والخدمات الأساسية في مجالات الصحة، والزراعة، والكهرباء، والمياه، والتعليم، والنقل".

بدورها رحبت واشنطن بالمبلغ وقالت وزارة الخارجية في بيان: إن "هذه المساهمة المهمة ضرورية لإعادة الاستقرار وجهود التعافي المبكرة في وقت مهم في الحملة".

ودعت واشنطن ما سمتهم الشركاء والحلفاء الأمريكيين إلى "القيام بنصيبهم في هذا الجهد الذي يساعد في جلب قدر أكبر من الاستقرار والأمن إلى المنطقة".

وفي دعم مالي آخر، منحت السعودية 100 مليون دولار أخرى إلى قوات سوريا الديمقراطية في يوليو/تموز 2019، بحجة تعويض الفلاحين الذين تعرضت محاصيلهم إلى التلف بسبب حرائق التهمت أكثر من 382 ألف دونم شمال شرقي سورية فقط، بخسارة فاقت 17 مليار ليرة سورية (الدولار يعادل نحو 600 ليرة).

السبهان التقى شيوخ العشائر في دير الزور

ونقلت مواقع محلية عن شيخ عشيرة العكيدات سليمان الخلف، قوله: إن "الأخ ثامر السبهان وزير الدولة في وزارة الخارجية السعودية، أكد مشكورا خلال لقائنا به أنهم سلموا الإدارة الذاتية وقوات قسد 100 مليون دولار لتعويض الفلاحين المتضررين من الحرائق وأبناء العشائر العربية في الرقة ودير الزور ومناطق من الحسكة، ونحن بدورنا طلبنا من أبناء عشيرتنا تقديم لائحة بأسماء المتضررين ليتم تعويضهم بأقرب فرصة".

إلا أن الناطق باسم مجلس القبائل والعشائر، مضر الأسعد، قال في تصريحات صحفية: إن زيارة السبهان كانت لحشد تأييد العشائر لمليشيا "قسد" وذهبت أموال السعودية لشراء ولاءات شيوخ ووجهاء القبائل لصالح التنظيم الكردي "بي يي دي".

وأضاف: "للأسف لم يصل إلى المزارعين المتضررة حقولهم، سوى جزء من التكاليف، أو ما دفعوه على حقولهم المحروقة، وهناك فارق كبير بين تكاليف الإنتاج الزراعي وثمنه فيما لو لم يحرق، في حين تم منح الأموال للقيادات العسكرية والإدارة الذاتية، كتعويض لهم على حرائق الحقول، رغم أنهم- "الوحدات الكردية"- المتهم الأول بحرق المحاصيل الزراعية".

وما يشير أيضا إلى أن الأموال السعودية ذهبت إلى "قسد"، هو إعلان الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، أنها ستعوّض المتضررين جراء حرائق المحاصيل الزراعية من خلال جمع التبرعات.

وقالت عقب اجتماع مع المجالس التنفيذية لـ"الإدارات الذاتية المدنية" في شمال سورية وشرقها: إن "مصدر التعويض سيكون عبر تبرع موظفي الإدارة الذاتية بشكل طوعي بمبلغ 1000 ليرة من رواتبهم".

وأثار هذا القرار غضب الموظفين، معتبرين أنه سيكون "إجباريا" لا طوعيا، وقال واحد منهم: إنه "قرار خاطئ ومجحف وغير واقعي، كون غالبية الموظفين هم أيضا فلاحون احترقت أراضيهم".

وعن حجم الدعم السعودي لقوات سوريا الديمقراطية، قال مضر الأسعد: إنه بالنظر إلى حجم الأسلحة المقدمة للمليشيات الكردية، فهناك أرتال من السيارات والدعم العسكري الذي يأتي من العراق إلى مليشيا الوحدات الكردية، وهذا ما يتطلب ملايين الدولارات، وبالتالي أعتقد أن السعودية قدمت أضعاف أضعاف هذا المبلغ (100 مليون دولار).

ونوه إلى أن هذه الملايين لم يصل حتى جزء منها إلى العشائر العربية، بل على العكس من ذلك تماما، فهذه الأسلحة يُقتل بها العرب وتدمر مساكنهم وبيوتهم، مؤكدا أن أغلبية المساعدات المقدمة للمنطقة تذهب إلى "قسد" لتنفيذ أجندتها الخاصة التي لا تخدم السكان العرب في المنطقة ولا تخدم سوريا.

وأردف: "كنا نتمنى أن تقف السعودية ودول الخليج مع العرب في شرق سوريا الذين يشكلون 90 بالمئة من السكان، و100 بالمئة في دير الزور، لأن الوقوف مع العرب يعد مصلحة مشتركة بين السعودية وتركيا، باعتبار أن الجانبين لهما هدف واحد مشترك، وهو رفض إقامة كيان كردي أو نظام فيدرالي من شأنه تقسيم سوريا.

إضعاف تركيا

تأتي زيارة وفد قوات سوريا الديمقراطية إلى السعودية، في وقت تتعرض فيه إلى هجوم من "الجيش الوطني السوري" والجيش التركي، أسفر مؤخرا عن خسائر كبيرة في صفوفها وتراجعها عن مناطق واسعة.

وتعد السعودية من أبرز الداعمين لميليشيات "قسد" ومكونها الرئيسي "الوحدات الكردية"، نكاية في تركيا في ظل الخلافات القائمة بين البلدين.

وبزر الدعم السياسي السعودي لقوات سوريا الديمقراطية، حين أدانت الرياض عملية "نبع السلام" التركية، شمال شرقي سوريا، والتي تهدف إلى إزاحة المليشيات الكردية عن الحدود معها.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية "واس" عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية، قوله: "المملكة تدين العدوان الذي يشنه الجيش التركي على مناطق شمال شرق سوريا، في تعد سافر على وحدة واستقلال وسيادة الأراضي السورية".

وعبر المصدر عن "قلق المملكة تجاه ذلك العدوان، بوصفه يمثل تهديدا للأمن والسلم الإقليمي"، مشددا على ضرورة ضمان سلامة الشعب السوري الشقيق، واستقرار سوريا وسيادتها ووحدة أراضيها.

ونبه إلى أنه "بصرف النظر عن الذرائع التي تسوقها تركيا، فإن خطورة هذا العدوان على شمال شرق سوريا له انعكاساته السلبية على أمن المنطقة واستقرارها، خاصة تقويض الجهود الدولية في مكافحة تنظيم الدولة في تلك المواقع".

وردا على ذلك شن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هجوما حادا على السعودية، وقال: "على المملكة العربية السعودية أن تنظر في المرآة، من الذي أوصل اليمن إلى هذه الحال.. ألم يمت عشرات الآلاف؟".

وأضاف الرئيس التركي، مخاطبا ولي العهد محمد بن سلمان، الذي شن حربا على اليمن بعد تسلمه منصب وزير الدفاع السعودي عام 2015: "عليكم أن تحاسَبوا أولا على هذا، لا يمكن لمن يقتل آلاف اليمنيين أن يندد بعملياتنا".

ورأى مضر حماد الأسعد المتحدث باسم مجلس القبائل والعشائر السورية، أن قيام السعودية بتقديم الدعم المادي والعسكري للمليشيات الكردية السورية "قسد" هو لمواجهة تركيا، مشيرا إلى أن ثامر السبهان في لقائه مع شيوخ العشائر طالبهم بالتصالح مع المليشيات الكردية الإرهابية وتجاوز جرائمهم السابقة.

من جهته، رأى الكاتب التركي خليل جليك في مقال نشرته وكالة "الأناضول" أن الرياض تذكرت مؤخرا السيادة السورية، وأن سوريا دولة عربية، فيما تتغاضى عن ظلم نظام الأسد ومجازره منذ مارس/آذار 2011 وحتى اليوم.

وأضاف: بل على العكس، قامت بتوفير الدعم المادي واللوجستي لتنظيم "الوحدات الكردية" تحت حجة محاربة تنظيم الدولة، موجهة بذلك طعنة من الخلف إلى العرب الذين يعيشون في تلك المناطق.

ولم تكتف بذلك، بحسب جليك، بل أجرى إعلامها مقابلات صحفية مع قياديين في حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" ونشروا مقالات لهم وكأنهم رجال دولة.

وأوضح الكاتب أن من يتابع تصريحات الإدارة السعودية أو ما تنشره وسائل إعلامها المرئية والمقروءة بخصوص عملية "نبع السلام" يظن أن تركيا أعلنت الحرب على الرياض.

وحسب قول جليك: فإنه "لا يمكن أن تفسر حملات التشويه والدعاية السوداء التي تشنها الإدارة السعودية على العملية، إلا في إطار محاولات إضعاف تركيا سياسيا واقتصاديا وعسكريا".