هذا ما تتوقعه إسرائيل بعد 8 سنوات على اندلاع الثورات العربية

عدنان أبو عامر | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ما زالت المتابعة الإسرائيلية حثيثة لتطورات المنطقة، لا سيما بعد مرور 8 سنوات على اندلاع الثورات العربية، وما قد تسفر عنه من تأثيرات متوقعة على الواقع الإقليمي عموما، وإسرائيل خصوصا، مما قد يعطي تفسيرات وإجابات عن بعض المواقف التي اتخذتها إسرائيل قبيل وخلال وبعد اندلاع هذه الثورات.

لم توحد إسرائيل بعد موقفها من هذه الثورات في سنواتها الثمانية، بين من يرى أن المنطقة ذاهبة نحو حالة من الاستقرار النسبي، شبيه بما كانت عليه الظروف قبيل اندلاعها، أو أن الوضع سيبقى في حالة من عدم الاستقرار، وأن الهزات الارتدادية للثورات ستبقى تلقي بظلالها على المنطقة عموما، في ظل أن المشاكل والتحديات التي انطلقت من أجلها الثورات لم تنتهِ، بل ما زالت قائمة.

ترى دوائر صنّاع القرار الإسرائيلي أن الخروج بموقف ذي صبغة إستراتيجية بعيدة المدى؛ إزاء تطورات المنطقة في ذكرى الثورات العربية لا يجب أن يكون مرهونا بالأحداث الحالية. ما يتطلب من إسرائيل اتباع ذات السياسة الحذرة إزاء تطورات المنطقة، ولا بأس من استغلال بعض الفرص السانحة.

تأثرت إسرائيل كثيرا بما حصل من ثورات خلال الـ8 سنوات الماضية: سياسيا في علاقاتها مع الدول التي شهدت الثورات، وأمنيا في طبيعة التخطيط لأي عمليات عسكرية في ضوء الوضع القائم في المنطقة.

تطرح السطور التالية جملة تساؤلات إسرائيلية مركزية مرتبطة بطبيعة الأجواء التي تتسم بها المنطقة: فهل الثورات ما زالت مستمرة؟ ما هو الترتيب الإقليمي المتوقع لها؟ كيف تركت الثورات تأثيرها على البنية الإقليمية والسياسية للمنطقة؟ كيف ستلقي بظلالها على إسرائيل؟

لذلك شكلت الذكرى السنوية الثامنة للثورات العربية مناسبة ملائمة لطرح جملة سيناريوهات مستقبلية للمنطقة، انشغلت بها معاهد الدراسات الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة بمشاركة عدد من كبار باحثيها الإستراتيجيين[1].

شرق أوسط جديد

طرح الإسرائيليون السيناريو الأول المتمثل بشرق أوسط جديد، بعد أن أنتجت الثورات: موازين قوى مختلفة، وأنظمة حكم متباينة، وشكلا جديدا لعلاقات الدول ليست كالسابق، فهناك دول قد تبقى كما هي. في حين اضطرت دول أخرى أن تسلّم بوجود سيادة محدودة لها على نطاقها الجغرافي، في ظل وجود لاعبين جدد فرضوا أنفسهم عليها، وهذه التغيرات لابد أن تترك آثارها على وضع المنطقة، وإسرائيل منها، في المرحلة المقبلة[2]. 

يمكن استلهام جملة من النماذج للتأكيد على مصداقية هذا السيناريو، فالعراق مثلا شهد احتلالاً أمريكياً، وحربا أهلية طاحنة، فيما بقيت السلطة المركزية ضعيفة نسبياً، قياساً بجهات داخلية فرضت نفوذها، وزادت من التأثير الإيراني على الدولة، في حين أن مصر لم تؤد ثورتها لإسقاط النظام العسكري الذي يحكمها منذ 1952، لكن منذ العام 2011 بات تحكّمه في شبه جزيرة سيناء أقل من ذي قبل[3].

وفيما أدت الثورات لتراجع التأثير الإقليمي للدول الكبيرة مثل مصر وسوريا والسعودية، زادت تأثير دول أخرى كإسرائيل وإيران؛ فالأخيرة باتت اليوم تحظى بموطئ قدم عسكرية وسياسية قوية في: سوريا واليمن ولبنان والعراق.

من جهتها وسّعت إسرائيل مدى تأثيرها الإقليمي بزيادة التعاون الأمني أكثر من السابق مع الأردن ومصر وجزء من دول الخليج العربي، في ظل تراجع مستوى الانشغال بالقضية الفلسطينية على سلم أولويات تلك الدول.

استمرار الهزات الأرضية

السيناريو الثاني يتمثل باستمرار الهزات الأرضية في الشرق الأوسط؛ لأنه ما زال يعيش المرحلة الانتقالية التي قد تستمر فترة طويلة من الزمن، وتبقى المنطقة في حالة من عدم الاستقرار وغياب اليقين، خاصة مع تطورات المدى القريب وتبعاته المستقبلية.

الفرضية التي تدعم هذا الاتجاه لدى إسرائيل أن المشاكل التي نبعت بسببها الثورات العربية، لا سيما الاقتصادية كالبطالة والفساد السياسي والاقتصادي، وعدم المساواة الاجتماعية، والعوامل الخارجية، والصراع الهوياتي الديني والطائفي والقبلي، كلها مشاكل لم تحل منذ 2011، بل زادت دون وجود حلول جدية.

ويمكن الإشارة هنا إلى اتساع التوقعات الإسرائيلية بحصول هزات ارتدادية جديدة، ستؤثر على هوية المنطقة السياسية، بين الدول والمعسكرات الناشطة فيها، خصوصا في سوريا واليمن وليبيا، التي تشهد صراعات عنيفة دون حسم حتى اليوم على سيادتها في المناطق الجغرافية الخاضعة لها.

بمزيد من التفصيل، فإن سوريا في ظل الانتصار الوشيك لبشار الأسد، ما زالت تواجه حالة من المواجهات الداخلية، مع تدخل جهات خارجية كإيران وروسيا وتركيا، وهم جميعا يشكلون عائقا أمام النظام السوري، وفي الوقت ذاته يتنافسون فيما بينهم[4]. 

في اليمن هناك تدخل خارجي من إيران والسعودية، مما يزيد من أمد الصراع، لعدم استعدادهما للتوصل لتسوية بينهما[5].  أما في ليبيا، فيستمر الصراع بين جملة لاعبين: حكومتان، عشرات الميليشيات، وبقايا تنظيم الدولة، دون وجود أفق لحل سياسي.

مع العلم أن هناك دولا شهدت هبّات شعبية منذ 2011، لم تتدهور إلى الحرب الأهلية، كالأردن ومصر ولبنان وإيران، لكن ذلك يطرح أسئلة عديدة حول حصانتها من تجدد تلك الهبّات مع ضيق الظروف وسوء الأحوال فيها. ما يجعل السنوات المقبلة مرشحة لأن تشهد جولات شعبية وجماهيرية أخرى، قد تفضي لتغييرات مفاجئة على غرار ما حصل في السنوات الـ8 الماضية.

العودة لما قبل الثورات

الفرضية الإسرائيلية الثالثة أن الشرق الأوسط سيعود لسيرته الأولى قبل اندلاع ثورات 2011، فتونس التي أطلقت الثورات لم تشهد تغييرا جوهريا في طبيعة النظام السياسي القائم، وشعارات المتظاهرين حول حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية لم تترجم إلى واقع على الأرض[6]. 

أكثر من ذلك، فإن حكام دول الشرق الأوسط ما زالت صلاحياتهم واسعة، ويتحكمون بمقدرات السلطة بشكل كبير، وبيروقراطية أجهزتهم الحكومية ما زالت كعادتها قبل اندلاع الثورات، بجانب تدخلات واسعة من الجيوش والأجهزة الأمنية في المنظومات السياسية والاقتصادية.

تسببت هذه الانتكاسة بعودة المواطن العربي لينشغل بمشاكله الشخصية الحياتية يوما بيوم، ولم تعد تسمع ذات الشعارات التي رفعت في 2011، ربما حذرا وخشية من تكرار نماذج الحروب الأهلية في بعض دول المنطقة، لكن المشاكل الأساسية ما زالت قائمة.

خلاصات إسرائيل

هذه التباينات الإسرائيلية بشأن التوجهات المستقبلية للشرق الأوسط في الذكرى الثامنة لثوراته، لا تلغي الإجماع على أن المشاكل الأساسية التي يعانيها المواطن العربي لم تحل منذ 2011، بل زادت خطورة. وفي ظل عجز الأنظمة القائمة، سواء من تغيرت بعد الثورات، أو من لم تصلها تلك الثورات بعد، فإننا قد نكون أمام ثورات أخرى قادمة في الطريق شبيهة بما عشناه في السنوات الماضية.

ولذلك يصعب ترجيح تقدير واحد إزاء مستقبل المنطقة؛ لأن هناك جملة مركبات تبدو متناقضة، وأهمها حالة عدم اليقين والاستقرار، مما قد يستدعي من صناع القرار الإسرائيلي مواصلة سياسة الحذر التي اتبعوها منذ 2011 تجاه التطورات الإقليمية.

يمكن الإشارة لمعالم السياسة الإسرائيلية القادمة مع دخول الثورات العربية عامها التاسع، وهي عدم التسرع بتوقيع الاتفاقيات بعيدة المدى مع دول المنطقة، وتفعيل التحالفات والشراكات الإقليمية والتعاون الأمني، واستغلال أي فرص تلوح في الأفق، والتصدي لأي مخاطر قد تنشب فجأة، والاستعداد الفوري لتفعيل القوة العسكرية إزاء أي تهديدات، وإيجاد تسويات محلية قابلة للتحقيق وقصيرة المدى مع الخصوم والأعداء[7].