"الشعب يريد".. هكذا يسعى التوانسة لتحويل الشعار لواقع عملي

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد الإعلان عن نجاح قيس سعيّد كرئيس منتخب، خرج التونسيون إلى شوارع المدن وساحاتها بالآلاف في مشهد أعاد إلى ذاكرتهم ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

لم تتوقف الاحتفالات على هذا الحد، حيث شهدت مواقع التواصل الإجتماعي في تونس إطلاق عدد كبير من المبادرات المواطنية عبر مجموعات فيسبوكية، تنوعت بين الدعوات لمقاطعة عدد من المنتجات بسبب الغلاء، إلى حملات نظافة واسعة، ودعوات للتبرع لميزانية الدولة بيوم عمل شهريا.

كما أطلق الشباب حملة للحث على استهلاك المنتج التونسي من أجل الحفاظ على العملة الوطنية، وأطلق على هذه الحملات مسمى "حالة وعي".

حملات النظافة

نجاح قيس سعيّد في الوصول إلى قصر قرطاج متفوقا على جميع مرشحي الطيف السياسي بث روح الأمل في الشباب وقدرتهم على تغيير المشهد السياسي والجمالي نحو الأفضل، فانطلقت أكبر تظاهرة نظافة في تاريخ تونس، وضجت مواقع التواصل بدعوات لدعم الانطلاقة الجديدة.

الأحد 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، شارك التونسيون بمختلف فئاتهم وأعمارهم على نطاق واسع في حملة تطوعية حاشدة لتنظيف الشوارع والأزقة وتزيينها برسوم جدراية، وجاءت المشاركة استجابة لدعوات أطلقها عدد من الشباب التونسي عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أسبوع من الحملة.

أطلق الشباب عددا من المجموعات على موقع فيسبوك، كانت عبارة على منتدى للتفكير العلني من أجل تحديد أولويات الحملات وطريقتها، وتثمين المبادرات وتبادل التجارب بين مختلف الشباب المتطوع في جل المدن التونسية.

حسب المهندس رضوان الحامدي أحد مؤسسي مجموعة "نحبوا بلادنا نظيفة& نحبوا نعيشوا بلقدا": أن المبادرة كانت تلقائية بين مجموعة من الشباب، مباشرة بعد الإعلان عن نتائج انتخابات الرئاسة، وأكد: أن المبادرة وبعد الاتفاق بين مطلقيها بعيدة عن أي طرف سياسي وليست لها علاقة بالحملة الانتخابية للرئيس قيس سعيّد.

وأضاف الحامدي لـ "الاستقلال": أن "ما عاشه الشباب من مواكبة للحالة الديمقراطية في تونس والانتخابات الأخيرة التي كانت محل إعجاب العالم بأسره بالتجربة التونسية كان دافعا للشباب من أجل التأكيد على أن بلادهم تستحق ما حققته من إنجازات سياسية".

واعتبر رضوان: أن "فوز شخص معين برئاسة الجمهورية أيا كان قيس سعيّد أو غيره، يعطي أهمية للشباب وللشعب عموما ويشعره بقيمته ومكانته ويحيي فيهم قيم حب الوطن والتطوع والبذل من أجله، وهو ما حصل فعليا، بأن التونسيين أصبح لهم قناعة أنهم إن أرادوا تحقيق شيء حققوه وهو معنى شعار (الشعب يريد)، وهكذا نجحت الشعوب المتقدة مثلما فعل الألمان بعد الحرب العالمية أو اليابانيين وغيرهم".

رضوان أكد: أن "حملة النظافة التي شهدتها تونس الأحد 20 أكتوبر/ تشرين الثاني ولدت شعورا رائعا لدى التونسيين الذي خرجوا منذ الصباح الباكر في مختلف المدن بشكل تطوعي حاملين أدوات التنظيم والطلاء من أجل التعاون لتنظيف أحيائهم ومناطقهم".

ويرى رضوان: أن "الحملة حققت نجاحا واسعا، أولا بسبب المشاركة الواسعة للمواطنين من مختلف الشرائح، وثانيا مبادرة المواطنين في أحيائهم ومناطقهم للتنظيم والتنسيق فيما بينهم والتواعد على تنظيم حملات أخرى في الأيام المقبلة، وثالثا التفاعل الإيجابي لمؤسسات الدولة وفي مقدمتها البلديات التي استجابت للحملة وقدموا يد العون والمساعدة".

ضد الغلاء

بعد أيام من إطلاقها، وصل عدد المشتركين في مجموعة "قاطع الغلاء باش تعيش بالقدا" (قاطع الغلاء لتعيش جيدا) على فيسبوك أكثر من مليون ونصف مشترك إلى حدود كتابة هذه الأسطر، وتهدف المجموعة لقيادة حملة مقاطعة مواد استهلاكية ارتفع سعرها بشكل ملحوظ.

في 30 سبتمبر/ أيلول الماضي أطلقت المجموعة حملة مقاطعة لسلعتي البطاطا (البطاطس) والموز، من أجل الضغط لخفض سعرها في الأسواق، قبل أن تبدأ حملة مقاطعة جديدة.

تهدف المجموعة التي لقيت تفاعلا من مختلف الطبقات الاجتماعية إلى: "ترسيخ ثقافة المقاطعة وتحسين القدرة الشرائية والمساهمة في تخفيض الأسعار ومقاطعة كل منتوج (منتج) متوفر في الأسواق يشهد ارتفاعا مشطّا (كبيرا)" بحسب تعريفها.

ويشترط الانضمام إلى الحملة: "الجدية التامة والالتزام بالاحترام المتبادل بين المشتركين وعدم التشهير بأي منتج وعدم تكرار المواضيع أو تداول الأمور السياسية".

وحسب المعهد الوطني للإحصاء: ارتفعت الأسعار عند الاستهلاك بنسبة 6.0 في المائة خلال سبتمبر/ أيلول 2019 مقارنة بشهر أغسطس / آب الفارط، في حين استقرت نسبة التضخم عند الاستهلاك العائلي في مستوى 6.7 %".

وبين شهري فبراير/ شباط، وسبتمبر/ أيلول 2019، مر المستوى الشهري العام لأسعار الاستهلاك العائلي من 124.6 إلى 126.4%، ودفع تدهور المقدرة الشرائية وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بعض المختصين في الاقتصاد للقول إنها دخلت الدائرة الحمراء في الأعوام الأخيرة.

الميزان التجاري

وفي خضم الحملات التي أطلقت بعد الإعلان عن فوز الرئيس الجديد قيس سعيّد، أطلق عدد من الشباب مجموعة على "فيسبوك"، تحث التونسيين على استهلاك المنتج المحلي، للحد من استيراد المنتجات الأجنبية والتي تمثل عبئا على الميزان التجاري التونسي الذي يعاني من خلل كبير، أثّر على قيمة الدينار مقابل العملات الأجنبية.

طالبت الحملة بالحد من الواردات العشوائية التي أغرقت السوق بعدة منتجات أغلبها غير ضرورية أو يوجد لها بديل من الإنتاج التونسي، وهو ما أدى إلى إهدار كبير من العملة الصعبة.

ولقيت هذه الحملة رواجا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي للتشجيع على دعم المنتج التونسي من مواد غذائية وألبسة بدلا من المواد المستوردة من الخارج، وذلك وسط شكوك حول مدى تجاوب التونسيين معها إلى حد الآن.

وصلت أكبر المجموعات لأكثر من نصف مليون تونسي، بالإضافة إلى إطلاق عشرات المجموعات المشابهة، وإطلاق هاشتاج #619 وهو رمز المنتجات التونسية، للحث على استهلاك المنتج المحلي الذي يحمل هذا الرمز عوضا عن المنتجات الأخرى المستوردة. 

 توقيت عفوي

واعتبرت مؤسسة الحملة هدى الناصري وهي مهندسة في الاتصال والشبكات وتعمل كرئيسة فريق بشركة عالمية أن الفكرة: "جاءت من منطلق ما تعانيه تونس من مشاكل اقتصادية متراكمة".

وقالت الناصري لـ "الاستقلال": إنها أسست المجموعة على فيسبوك يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وهو توقيت عفوي لا علاقة له بأي توجه سياسي، ولكن فقط من منطلقات وطنية صرفة".

وأضافت: "كنت أبحث من فترة عن أي فكرة يمكن دعم بلدي بها، ومن منطلق اختصاصي كمهندسة شبكات واتصالات جاءت فكرة الحملة والتي لاقت رواجا كبيرا بين التونسيين، في أقل من شهر وصلت المجموعة لقرابة نصف مليون تونس".

وتابعت: "الحملة حققت نجاحا وأنجزت خطوات كبيرة، حيث أصبح التونسي في المحلات والأسواق الكبرى يدقق في المنتج وهل هو تونسي أم لا، خاصة في المواد الغذائية وهي الأكثر استهلاكا، وشهدت المجموعة ترويجا لمنتجات تونسية بديلة عن منتجات أخرى مستوردة".

وفي حديثها عن مستقبل الحملة، قالت الناصري: "انطلاقا من يوم 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، ستكون هناك إستراتيجية منظمة للحملة، سيتم التركيز على القطاعات الأكثر عجزا، من ثم التوجه للعلامات التجارية التونسية والترويج لها، وكذلك تخصيص جانب كبير للسياحة الداخلية".

مضيفة: "الهدف الرئيسي هو أولوية استهلاك المنتج التونسي قبل أي منتج آخر، كما تستهدف الحملة المصنّع التونسي من أجل التحسين في منتوجه ومعالجة مشكلة الترابط بين السعر والجودة في المنتج المحلي من أجل ضمان قدرته على منافسة المنتجات المستوردة".