آبي أحمد.. هل يُحيي صاحب نوبل عهد الزعامات في القارة الممزقة؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد عقود من اختفاء زعامات إفريقية كان لها تأثير كبير خارج حدود القارة السمراء، سطع نجم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الذي ظهر في رداء يُحيي عهد الزعامات المرتكزة على قوة وجهود وشخصية وأفكار الحاكم، رغم الفرق الشاسع بينه وبين رموز القمع والديكتاتورية في الأزمان السالفة.

بإصلاحات داخلية سياسية وأمنية واقتصادية تجاوزت طموحات شعبه، وجهود إقليمية وضعت حدا لنزاعات دموية، وأخرى أرست سلاما طال انتظاره، وضع "أحمد" نفسه في مكانة رفيعة لم يسبقه إليها رئيس أو رئيس حكومة، في قارة لطالما اشتهرت بالانقلابات العسكرية والحروب الأهلية المدمرة.

خلاصة التجربة

كعادة العديد من الزعماء سواء كانوا في السلطة أو خارجها، في نشر مذكراتهم، رأى النور كتاب قدم فيه "آبي أحمد" خلاصة أفكاره، وقد طبع منه بالفعل مليون نسخة، وبدأ توزيعه قبل أيام في كل من إثيوبيا والولايات المتحدة، التي تضم مجموعة كبيرة من المغتربين الإثيوبيين.

تميز الرجل في كتابه بالحديث أكثر عن الفكرة والتجربة، وليس التمجيد في شخصه، فقد حمل الكتاب اسم "Medemer" وتعني "التآزر"، وهو المفهوم الذي سعى إلى ترسيخه في بلد يضم عشرات الجماعات العرقية، وعانى طويلا من الاضطرابات العرقية.

وبينما أكد السكرتير الصحفي لمكتب رئيس الوزراء الإثيوبي، عدم استخدام أموال الدولة في الترويج للكتاب، كشف أن: "جميع عوائد الكتاب ستستخدم في بناء المدارس في جميع أنحاء إثيوبيا".

يأتي إصدار الكتاب مع استعداد البلاد لإجراء انتخابات عامة العام المقبل، تعهد آبي أحمد بأنها ستكون حرة ونزيهة، كما يأتي بعد أيام من فوز "أحمد" بجائزة نوبل للسلام للعام الجاري، تقديرا لجهوده في تحقيق السلام مع إريتريا المجاورة، وتنفيذ إصلاحات سياسية في بلاده.

ينحدر أحمد من عرقية أورومو، أكبر مجموعة عرقية في البلاد، والتي كانت تقود الاحتجاجات المناهضة للحكومة السابقة على مدار ثلاث سنوات، وهو أول رئيس وزراء للبلاد من هذه العرقية.

ولد في 15 أغسطس/آب عام 1976، في بلدة بيشاشا، بمنطقة أغارو، قرب مدينة جيما بإقليم الأورومو، لأب مسلم وأم مسيحية، وحصل أحمد على عدد من الدرجات العلمية، هي شهادة الماجستير في القيادة التحولية، ودرجة ماجستير أخرى في إدارة الأعمال، والدكتوراة من معهد دراسات الأمن والسلام في جامعة أديس أبابا.

لم تكن بدايات عمله السياسي على نفس النهج السلمي الذي يتبناه في سياساته، إذ التحق بالعمل المسلح عام 1990 مع رفاقه في "الجبهة الديمقراطية لشعب الأورومو"، إحدى جبهات الائتلاف ضد الحكم العسكري لنظام الرئيس "مانجستو هايلا ماريام" حتى سقط حكم الأخير.

كما التحق رسميا بقوات الدفاع الوطنى الإثيوبية (الجيش) عام 1991، في وحدة المخابرات والاتصالات العسكرية، وتدرج بها حتى وصل إلى رتبة عقيد عام 2007، ورغم تجوله ما بين المؤسسة العسكرية وتطوير إمكاناته العلمية والأكاديمية، إلا أنه غادر وكالة أمن شبكة المعلومات الإثيوبية (إنسا) عام 2010، ليتفرغ للسياسة بصورة رسمية ومباشرة.

بدأ عمله السياسي التنظيمي عضوا في الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو، وتدرج إلى أن أصبح عضوا في اللجنة المركزية للحزب، وعضوا في اللجنة التنفيذية للائتلاف الحاكم في الفترة ما بين 2010 - 2012.

كما انتُخب عضوا بالبرلمان الإثيوبي عن دائرته في 2010، وخلال فترة خدمته البرلمانية، شهدت منطقة جيما بضع مواجهات دينية بين المسلمين والمسيحيين، وتحول بعضها إلى عنف، وأسفرت عن خسائر في الأرواح والممتلكات.

ولعب أحمد دورا محوريا، بالتعاون مع العديد من المؤسسات الدينية ورجال الدين، في إخماد الفتنة الناجمة عن تلك الأحداث وتحقيق مصالحة تاريخية في المنطقة.

وفي 2015، أعيد انتخابه في البرلمان، وبين عامي 2016 و2017 تولى أحمد، وزارة العلوم والتكنولوجيا بالحكومة الفيدرالية، قبل أن يترك المنصب ويتولى منصب مسؤول مكتب التنمية والتخطيط العمراني بإقليم أوروميا، ثم نائب رئيس إقليم أوروميا في نهاية 2016، ولاحقا، ترك أحمد كل هذه المناصب لتولي رئاسة الحزب.

الجبهة الداخلية

انتُخب آبي أحمد رئيسا لوزراء إثيوبيا في مارس/أذار 2018، واستهل عمله باتخاذ عدد من الإجراءات، شملت إلغاء حالة الطوارئ، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، والإقرار بوقائع التعذيب وإدانتها، والإفراج عن الصحفيين المعتقلين.

كما عقد حوارا مع قوى المعارضة والمجتمع المدني لبحث سبل الإصلاح السياسي ودعا المعارضين المقيمين في الخارج إلى العودة للبلاد.

وتشمل الإصلاحات التي يتبناها أحمد قطاعات الأمن والمخابرات والقضاء، وتعهد بالقيام بإصلاحات تضمن تحقيق العدالة وسيادة القانون، ووضع نظام محاسبة للمخالفين.

وفيما يخص المرأة، تبنت حكومة أحمد سياسة المناصفة بين الجنسين، فاختار نصف أعضائها من النساء، وتولت امرأة منصب وزيرة الدفاع لأول مرة في تاريخ البلاد، كما خفض عدد الوزارات من 28 إلى 20 وزارة، واستحدث وزارة للسلام تولتها رئيسة البرلمان السابقة، موفوريات كامي.

وتبنى أحمد عددا من المبادرات التنموية والعالمية، أبرزها مبادرة لزراعة 350 مليون شجرة في يوم واحد في أغسطس/آب الماضي، والتي أعلن أحمد عن نجاحها.

ساهمت هذه الإجراءات في تهدئة الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد منذ عام 2015، كما راقت هذه الإصلاحات لدول الغرب والمنظمات الدولية، لكنها غذت بعض الخلافات بين القوميات المتعددة في إثيوبيا.

دشن "أحمد" عملية إحلال للنخب الحاكمة في مفاصل الدولة، اقتضت التحالف مع بعض القوميات الأمر الذي تسبب في احتجاج القومية الصومالية، وبقايا النظام القديم في السلطة والجيش.

كما أجرى تغييرات في صفوف الجيش، وأجهزة المخابرات، أكسبته أعداء أقوياء، بينما تكافح حكومته للسيطرة على الشخصيات القوية في المجموعات العرقية الكثيرة في إثيوبيا التي تقاتل الحكومة الاتحادية.

الترجمة الحرفية تمثلت في تعرض أحمد لمحاولة اغتيال في يونيو/حزيران من العام الماضي، نتجت عن سياساته الإصلاحية في الداخل الإثيوبي، واتجهت أصابع الاتهام إلى يد داخلية تخشى على مصالحها من إصلاحات رئيس الحكومة.

كما تعرض لمحاولة اغتيال أخرى في العام نفسه عندما ألقى مهاجم يرتدي زي الشرطة قنبلة يدوية على تجمع حاشد حضره آبي، مما تسبب في انفجار قاتل، وذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن 9 من ضباط الشرطة اعتقلوا بعد الهجوم.

وفي أكتوبر تسبب الجنود الإثيوبيون المتمردون الذين يسعون إلى زيادة الرواتب في حادث أمني في العاصمة، وقال آبي في وقت لاحق: إن بعض الجنود الذين دخلوا مكتبه لمواجهته بشأن القضية أرادوا قتله.

جهود خارجية

في 9 يوليو/تموز 2018، أي بعد أشهر قليلة من توليه منصبه، أعلن آبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي انتهاء الصراع الدامي الذي استمر عشرين عاما، ووقعا إعلانا مشتركا للصداقة والسلام، تمهيدا لاتفاق سلام أُقر في سبتمبر/أيلول من نفس العام.

اندلع النزاع عام 1998، بشأن السيادة على منطقة حدودية بين البلدين. وراح ضحيته حوالي 80 ألف شخص، إضافة إلى أكثر من نصف مليون نازح ومُهجر على الجانبين، ووضع اتفاق السلام بين البلدين نهاية للصراع الذي أنهك السكان المحليين، الذين ينتمون لعرقيات وقبائل واحدة على جانبي الحدود.

وبفضل هذا الاتفاق، عادت شبكة الطرق والمواصلات للعمل بين البلدين، كما ازدهرت حركة التجارة بعد رفع القيود عن تبادل البضائع والأموال، وعودة شبكة الاتصالات للعمل.

وحقق هذا الاتفاق انفراجة لإريتريا، إذ وافق مجلس الأمن على رفع العقوبات عن البلاد، بجانب رفع حظر بيع الأسلحة، كما أُفرج عن الممتلكات المجمدة، ورفع الحظر المفروض على سفر مواطنيها.

"أحمد" كان له دور كبير أيضا في الوساطة لتطبيق اتفاق تقاسم السلطة في السودان، أغسطس/آب الماضي، واستقبل الحضور في مراسم توقيع الاتفاق كلمة آبي أحمد بحفاوة بالغة، ما يعكس حجم الشعبية التي يحظى بها الرجل في البلاد.

وكان لأحمد دور كبير في الوساطة بين المجلس العسكري الانتقالي وتحالف قوى الحرية والتغيير في السودان، مما سمح بانتقال البلاد نحو الديمقراطية، وعبر في أكثر من مناسبة عن دعمه للتهدئة بين جميع الأطراف، وتحقيق التحول الديمقراطي بشكل سريع.

إحياء الزعامة

ويعتبر كثيرون أن اتفاق تقاسم السلطة ما كان ليتم لولا تدخل أحمد لتقريب وجهات النظر بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، خاصة بعد تأزم الموقف وإلغاء المجلس للاتفاقات السابقة مع المعارضة.

ولم ينته التعاون بين الحكومتين الإثيوبية والانتقالية السودانية عند توقيع الاتفاق، إذ يعمل الطرفان على توطيد العلاقات السياسة والاقتصادية بين البلدين، واستضافت أديس أبابا، أكتوبر الجاري، الملتقى الاقتصادي السوداني الإثيوبي، برعاية مجلس الأعمال الإثيوبي السوداني المشترك.

يرى مراقبون أنه منذ رحيل "نيلسون مانديلا" الرمز الإفريقي التاريخي في النضال والتسامح والوحدة الوطنية، لم يظهر في عموم القارة من يخلفه في زعامتها، إلا أن "آبي أحمد" يبدو أنه الزعيم المنتظر.

تلك الزعامة ليست مجرد نشاط في عالم السياسة ولا دراية بدهاليز الحكم أو إحكام القبضة الأمنية، بل تتعلق بالصفات القيادية التي يملكها الشخص المؤهل للزعامة، ومقدار ما يبذله من جهود لنهضة بلاده.

ورغم اختلاف السياقات والسياسات والممارسات بين أحمد وغيره من الزعامات الإفريقية التي ظهرت إبان تأسيس حركة عدم الانحياز، إلا أنه يعيد بشكل أو بآخر الأذهان إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

حينها عزمت دول إفريقية لا تزال حديثة عهد بالاستقلال، على النأي بالنفس عن الاندماج في المعسكرين السياسيين والعسكريين والاقتصاديين الذين أفرزتهما الحرب العالمية الثانية، شيوعي في الاتحاد السوفييتي، ورأسمالي بالولايات المتحدة.

الثورة المضادة!

مراقبون رأوا أن النفوذ الذي خلفه نجاح الوساطة الإثيوبية في السودان، ينعكس على استقرار وتجربة جديدة لثورات الربيع العربي، الذي يواجَه بموجات عاتية من الثورات المضادة، يتزعمها محور يضم السعودية والإمارات ومصر.

اللافت في هذا الصدد أن فض اعتصام القيادة العامة في السودان يونيو/حزيران، سبقته زيارات ثلاث لمسؤولي المجلس إلى تلك الدول ولقاء قياداتها، الأمر الذي اعتبر بمثابة الضوء الأخضر لفض الاعتصام، ومن ثم السيطرة على الحكم والتراجع عن اتفاقات المجلس مع قوى الحرية والتغيير.

وكان لافتا ما ذهب إليه نشطاء بوسائل التواصل الاجتماعي، أعربوا عن قناعتهم بأن دولا عربية معينة تقف وراء الانقلاب الفاشل الذي شهدته إثيوبيا، أغسطس/آب الماضي، سعيا لإفشال الوساطة السياسية التي تقوم بها أديس أبابا لإنهاء الأزمة بالسودان.

كذلك فإن حكومة إثيوبيا المنتخبة ديمقراطيا قوة اقتصادية صاعدة في منطقة القرن الإفريقي التي باتت ساحة للصراع والنفوذ الإقليمي العسكري والتجاري، وهو ما يزعج مساعي دولة مثل الإمارات لإيجاد موطئ قدم لها في المنطقة عبر احتكار إدارة موانئها، بل وحتى بناء قواعد عسكرية تمنحها القوة والنفوذ في هذه المنطقة.

وكان لافتا في هذا السياق الصدام الذي وقع بين أحمد والإمارات، في يوليو/تموز 2018، عندما قال رئيس الوزراء الإثيوبي لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد: "لا حاجة لنا بأن تعلمونا الإسلام، فقد ضاع منكم.. ما نريده منكم أن تعلمونا اللغة العربية سريعا لنفهم الإسلام الصحيح جيدا، ثم نعيدكم أنتم أيضا إلى الطريق الصحيح".

أما مصر، فيكفيها أزمة سد النهضة، لتخلق مناخا غير مسبوق من التناحر والعداء، بعد إعلان الفشل المصري أمام إصرار إثيوبي، لعب "آبي أحمد" دورا بارزا فيه، على المضي قدما في تنفيذ أكبر مشروعات البلاد القومية.

وانعكس تفاعل المصريين مع حصول أحمد على جائزة نوبل، من خلال دخول وسم يحمل اسم رئيس الوزراء الإثيوبي، ضمن قائمة الأوسمة الأعلى تداولا بموقع تويتر في مصر خلال الساعات التي تلت الإعلان عن الجائزة.

وتعددت الأسباب التي دفعت المصريين للتفاعل مع فوز آبي أحمد بالجائزة، وكان من أبرزها النكاية برئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي والسخرية منه، باعتباره في موقع خصومة مع رئيس وزراء إثيوبيا.