مظاهرات العراق.. هل تستعيد زخمها بعد "أربعينية الحسين"؟

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على مدار الأيام الماضية، سجلت المظاهرات الشعبية في العراق تراجعا ملحوظا، وباتت الميادين والمناطق التي شهدت احتجاجا كبيرة في بغداد والمحافظات، خالية من أية مظاهرات، في وقت ألغت فيه الحكومة حظر التجوال وأعادت تفعيل خدمة الإنترنت.

تراجع الاحتجاجات جاء مع قرب زيارة أربعينية الحسين، والتي يُعطل فيها كل شيء تقريبا، ويذهب الشيعة فيها إلى كربلاء سيرا على الأقدام، وكذلك بعد حزمة إصلاحات وقرارات أطلقتها الحكومة العراقية.

تصريحات رسمية صدرت عن مكتب رئيس الوزراء العراقي، تؤكد وجود اتفاق مع تنسيقيات المتظاهرين على تعليق الاحتجاجات في البلاد إلى حين الانتهاء من "أربعينية الحسين" في 20 من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.

تعليق الاحتجاجات

وفي تصريح صحفي، قال مصطفى جبار، مسؤول خلية المتابعة بمكتب رئيس الحكومة: "تواصلنا مع جميع تنسيقيات التظاهرات في بغداد والمحافظات، وأعلنت (التنسيقيات) إيقاف تظاهراتها إلى ما بعد زيارة الأربعين لقدسية هذه الزيارة".

وأوضح جبار، أن التنسيقيات: "قدمت لهم مطالب بسيطة جدا (لم يذكرها)، وهم (خلية المتابعة) وعدوا بتنفيذ أغلبها".

ونقلت تقارير عن ناشط مدني (لم تذكر اسمه)، قوله: إن قبول التنسيقيات تعليق المظاهرات جاء بموافقة جميع الأعضاء. وأكد أن تعليق المظاهرات جاء احتراما وتقديرا لزيارة الأربعينية، ولتهيئة الأجواء لإقامة مراسم الزيارة من ملايين المشاركين.

إثر ذلك، عاد الهدوء والاستقرار إلى أغلب مناطق العاصمة العراقية بغداد والمحافظات الجنوبية، بعد موجة من الاحتجاجات الشعبية الدامية التي استمرت على مدار أسبوع كامل.

وآخر تلك الاحتجاجات، كانت مساء الإثنين 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، في مدينة الصدر شرقي بغداد، حيث تجمع مئات المحتجين وأغلقوا عدة طرق رئيسية وأشعلوا النار في إطارات السيارات الفارغة.

وصباح الثلاثاء 8 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أُعيد فتح "المنطقة الخضراء" المحصنة أمنيا وسط بغداد، بعد نحو أسبوع من إغلاق الأمن، جميع مداخلها وفرض إجراءات مشددة حول محيطها منعا لاقتحامها من المتظاهرين.

ووفقا لإحصائيات رسمية، قُتل ما يزيد على 110 عراقيين وأُصيب أكثر من 6 آلاف آخرين، على مدار الأسبوع الماضي بعد الاشتباكات التي اندلعت بين قوات الأمن والمحتجين المطالبين برحيل الحكومة وإنهاء الفساد.

مبادرات للتحشيد

وحول إمكانية عودة المظاهرات إلى زخمها بعد "الأربعينية"، أفادت تقارير بأن الشيعة الذين سيحيون أربعينية الحسين بن علي، سيندبون أيضا مقتل 110 شخصا، كلهم شيعة، قتلوا في التظاهرات الأخيرة.

وبحسب تقارير، فإن الشباب المحتجين في مدينة الصدر شرق العاصمة بغداد، عازمون على مواصلة الاحتجاجات ضد الحكومة بعد سقوط عشرات القتلى والجرحى من شباب وبنات هذه المنطقة الشعبية والفقيرة في بغداد على يد القوات الأمنية.

وذكرت، أن شباب مدينة الصدر ابتعدوا عن آليات التواصل والتحشيد القديمة بعد إقدام السلطات العراقية على قطع خدمة الإنترنت وحجب مواقع التواصل. والطريقة الجديدة، تتمثل بطباعة آلاف المنشورات الورقية وتوزيعها في المدينة للحث على الخروج في مظاهرات حاشدة في الأيام المقبلة.

ونقلت التقارير عن ناشط (لم تذكر اسمه) قوله: إن "اجتماعات مكثفة يقوم بها الناشطون للتحريض وحث الناس على عدم السكوت والضغط على السلطات لمحاسبة الجناة الذي قتلوا وأصابوا الكثير من شباب المدينة".

ويضيف الناشط: "صار لشباب عربات (التوك توك) الدور الرئيسي في إدامة زخم الاحتجاجات، وأصبحوا من أكثر الجماعات التي تساهم بشكل فاعل في المشاركة بالاحتجاجات والقيام بنقل المتظاهرين إلى أماكن التجمع".

وما يؤكد أن زمام المبادرة لا تزال بيد المتظاهرين، تصريح النائب في البرلمان العراقي عدي عواد، الذي توقع عودة المظاهرات خلال الأيام القليلة المقبلة، داعيا الحكومة إلى إحداث تغيير حقيقي وجذري.

عواد، أكد أن: "المتظاهرين انسحبوا من الساحات احتراما لقرب زيارة الأربعين، وليس بسبب القمع وقطع الإنترنت"، مشيرا إلى دعم "المرجعية الدينية" للمتظاهرين بتسمية قتلى المحتجين بالشهداء وألقت بالمسؤولية على "الحكومة ومجلس النواب".

إجراءات حكومية

حاولت الحكومة العراقية، احتواء المظاهرات الشعبية منذ اليوم الأول لانطلاقها، وذلك عن طريق استخدام العنف المفرط تجاه المحتجين، وفرض حظر للتجوال وقطع خدمة الإنترنت، وصولا إلى إجراء تعديلات وزارية، وإحالة مسؤولين كبار إلى القضاء بتهم الفساد.

قرارات رئيس الحكومة العراقية الإصلاحية التي قال إنها تأتي استجابة لمطالب المتظاهرين، كان من أبرزها تخصيص أراض سكنية للمواطنين، وإقامة مشاريع صغيرة، ومنح مبلغ 175 ألف دينار (ما يقارب 145 دولارا) لمدة 3 أشهر للمعطلين عن العمل.

ووجهت القرارات أيضا، بإطلاق سراح الموقوفين فورا، ممن هم قيد التحقيق، في حال لم تتوفر ضدهم أدلة بارتكاب قضايا جنائية تتعلق بالقتل أو الإضرار البالغ بالأشخاص والممتلكات أو الأمن العام، إذا تمت كفالتهم من أية جهة معروفة.

وتعهدت الحكومة ببناء أكثر من 100 ألف وحدة سكنية، مع إيلاء المحافظات الأكثر فقرا الأولوية، إضافة إلى توفير نحو 450 ألف فرصة عمل من خلال إنشاء مجمعات تسويقية تجارية.

وأمر رئيس الحكومة، بتحديد 600 ألف عائلة محرومة لمنحهم رواتب الرعاية الاجتماعية، مشيرا إلى أن الهدف هو ألا تبقى هناك أية عائلة عراقية بلا دخل يرفعُها فوق خط الفقر كحد أدنى.

يضاف إلى حزمة القرارات هذه، تعديلات وزارية أعلنها رئيس الحكومة تشكل 5 وزارات، صوت البرلمان على وزيرين منهما فقط هما للتربية والآخر للصحة.

حكومة عبدالمهدي أعلنت حزمة إصلاحات استجابة لمطالب المتظاهرين

صفقات ترضية

لكن هذه التعديلات الوزارية الأخيرة، لم تكن سوى صفقة لترضية أطراف سياسية تعاطفت مع المتظاهرين، حيث كشفت تقارير أن الكتل السياسية اتفقت على إجراء تعديل وزاري في 5 وزارات ضمن كابينة عبدالمهدي الحكومية، حيث وزّعت الكتل النافذة هذه الوزارات فيما بينها.

وبينت التقارير، أن: "وزارة الصحة التي كانت من حصة شخصية مستقلة، ذهبت إلى كتلة سائرون المدعومة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إضافة إلى وزارة التربية التي أصبحت مناصفة بين سائرون مع كتلة تحالف القوى بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي".

وأكدت أن وزارة الاتصالات، ذهبت إلى تحالف "النصر" بزعامة رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، فيما أصبحت وزارة الصناعة من حصة حزب "الجماهير" برئاسة النائب أحمد عبدالله الجبوري (أبي مازن)، باستثناء وزارة الهجرة والمهجرين كانت من حصة المكون المسيحي.

وأشارت إلى أن: "رئيس البرلمان محمد الحلبوسي كان وراء صفقة تقاسم المناصب هذه، إذ هو من أرجأ الوزارات الثلاث المتبقية، إلى ما بعد أربعينية الإمام الحسين".

التعديلات الوزارية جرت لترضية أطراف سياسية تعاطفت مع المتظاهرين

قرارات صورية

إلا أن معلومات أخرى تناقلتها تقارير محلية، ذهبت إلى أبعد من ذلك، فقد كشفت أن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي فرض على رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي شرطين، لإلغاء 50 توقيعا نيابيا لاستجواب الأخير داخل البرلمان.

وفي التفاصيل، أكدت أنه: "بعد قيام عدد من النواب بجمع أكثر من 50 توقيعا لاستجواب عبد المهدي، طلب الأخير من الحلبوسي إهمال التواقيع النيابية ومسألة الاستجواب".

ولفتت إلى أن: "الحلبوسي وافق على طلب عبدالمهدي لكنه فرض عليه شرطين أساسيين، الأول أن يرشح وزيرة التربية التي قدم اسمها له، والثاني أن يشطب اسم وزير الشباب والرياضة من قائمة الإقالة".

وحسب التقارير، فإن: "عبدالمهدي وافق على شرطي الحلبوسي (فورا) ورفع اسم وزيرة التربية المرشحة من كتلة (المشروع العربية) بزعامة السياسي خميس الخنجر، واختار مرشحة الحلبوسي للمنصب".

الحلبوسي طلب من عبدالمهدي الموافقة على شرطين لإلغاء استجوابه بالبرلمان

الخميس 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، طرح البرلمان التعديلات الوزارية للتصويت على أنها تأتي في إطار استجابة البرلمان والحكومة لمطالب المتظاهرين، إلا أنها بالحقيقة كانت ترضية لكتل سياسية تعاطفت مع الاحتجاجات الشعبية، ولا سيما "سائرون" و"النصر".

وقبل ذلك، قلل نواب في البرلمان من 20 قرارا صوت عليهم تلبية لمطالب المحتجين العراقيين، لأن جميعها كانت تتضمن قرارات مالية، وحسب النواب: "لا يحق للبرلمان إصدار قرارات للحكومة فيها التزامات مالية".

وأكد النائب في البرلمان رشيد العزاوي، أن قرارات البرلمان الأخيرة، كان هدفها امتصاص غضب المتظاهرين، ومن المتوقع أن ترفضها الحكومة، مؤكدا أن: "امتصاص غضب الشعب يجب أن يكون بالقانون وبشكل صحيح، وليس بالصورة التي جرت في البرلمان".