نجاح إضراب المعلمين في الأردن.. هل يفتح ملفات ساخنة أخرى؟

محمد سراج الدين | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يكن الإضراب الذي شهده الأردن لأكثر من شهر، وانتهى بتلبية مطالب المعلمين، عاديا، بعد أن كادت تصل الأمور لطريق مسدود بين نقابتهم التي وقفت قوية في الدفاع عنهم، وبين الحكومة التي أعلنت منذ بداية تشكيلها عن حزمة من الإجراءات التقشفية، ولكنها تخلت عنها في النهاية أمام إصرار المعلمين.

مراقبون تابعوا تداعيات الإضراب، طرحوا العديد من الأسئلة بعد نجاحه، من بينها، إمكانية تكراره في ملفات أخرى ساخنة مثل البطالة والوضع الاقتصادي المتأزم، وكذلك الشأن السياسي الذي يشهد جمودا واضحا منذ آخر انتخابات للبرلمان الأردني.

وبالإضافة لما سبق، كانت هناك مجموعة أخرى من التساؤلات، عن تقييم الحياة الحزبية الأردنية، ولماذا نجح إضراب المعلمين، بينما فشلت مظاهرات الباحثين عن العمل قبل أكثر من عام؟ 

الملك يتحدث

ورأى البعض أن تغريدة الملك عبد الله بن الحسين بعد انتهاء الإضراب، حملت أكثر من معنى، فالرجل ظهر وكأنه كان مرغما على الاستجابة لمطالب المعلمين، عندما قال صراحة بأنه كان: "لا بد من إنهاء الاستعصاء خدمة للعملية التعليمية"، وهي الجملة التي سبقتها كلمات أخرى اتهم فيها الملك منظمي الإضراب بأن لهم أجندات بعيدة عن مصلحة الطالب والمعلم والتعليم.

إلا أن أهم ما جاء في رسالة الملك هو تحذيره صراحة من تكرار الإضراب في مجالات أخرى عندما قال: "الثمن الأكبر كان تعريض مصلحة الطلبة للإعاقة وهذا يجب ألا يتكرر".

وفي تحليل موسع لكلمة الملك، ذهب الكاتب والمحلل السياسي الأردني عمر عياصرة، في مقال نشرته وكالة TRT التركية إلى أن العاهل الأردني أثار بتغريدته التي أعقبت إنهاء الإضراب، التساؤلات والنقاشات عن مبرراتها وأهدافها، وقدمت صورة لاتجاهات المملكة في تعاملها القادم مع المطالب الاقتصادية والسياسية.

وحسب عياصرة، فإن الإضراب كشف ضعف أدوات الحكومة، وأفشل محاولات شيطنة الإضراب، كما أن تحويل القضية إلى المحاكم أفاد المعلمين أكثر من أي وقت مضى، وفي النهاية تنازلت الحكومة، وقبلت بشروط نقابة المعلمين، مؤكدا أن الحكومة الأردنية، مع كل داعميها في الدولة، شعروا بالهزيمة، وبلعوا النتيجة بمرارة لا تخفى على أحد، بحسب تعبيره.

ونفذ المعلمون إضرابا عن العمل استمر شهرا وهو الأطول في تاريخ المملكة؛ للمطالبة بعلاوة مالية "مستحقة" واعتذار حكومي عن انتهاكات واعتقالات يقول المعلمون إنهم تعرضوا لها خلال احتجاج في العاصمة عمان، يوم 5 سبتمبر/ أيلول الماضي. وحقق المعلمون المطلبين، إذ اعتذرت الحكومة، ثم اعترفت بالعلاوة وتوصلت إلى اتفاق مع المعلمين بشأنها.

ويلفت الكاتب عياصرة لجانب آخر أفرزته تجربة المعلمين الأخيرة، وهو تكاتف كل فصائل الشعب الأردني مع الإضراب، في رسالة اعتبر أنها كانت دليلا على أن الإضراب ربما يكون اختبارا لتحركات أخرى تنظمها فئات عدة في المجتمع، خاصة وأن الحكومة باتت على قناعة بأنه لولا استجابة الأهالي للمعلمين وامتناعهم عن إرسال أبنائهم للمدارس، لما تم حسم الإضراب بهذه النتيجة.

وهذا يعني بحسب الكاتب أن الإضراب كان رسالة من عموم الشعب للحكومة، بأنه يجب عليها أن تُعيد حساباتها وتُغير من أجندتها الاقتصادية والسياسية، واعتبار الإضراب بحاضنته الاجتماعية والشعبية بمثابة الاستفتاء الشعبي على الحكومة وأدائها.

ماذا بعد؟

لم يجد المتابع للأحداث في الأردن أدنى صعوبة في الإجابة عن التساؤل السابق، خاصة وأن التحليلات والتقارير الإعلامية المحلية والدولية، لم تنظر للإضراب على أنه شأن داخلي أو أنه حدث فئوي يضم 100 ألف معلم، وإنما نظرت له باعتباره انعكاسا للأوضاع في المملكة الهادئة، والتي تمثل أهمية في الشرق الأوسط رغم صغر مساحتها وقلة عدد سكانها مقارنة بدول الجوار. 

ويرى البعض أن هناك بُعدا مهما يجب النظر إليه عند تقييم نجاح الإضراب، وهو الاتفاق على سوء الأحوال المعيشية، والذي كان سببا في تجنيب المعلمين الخلافات الحزبية والعشائرية، والاتفاق على مطلب واحد يمس حياتهم جميعا متمثلا بالجانب الاقتصادي، وهو النجاح الذي يمكن أن يتكرر مع أحداث أخرى وعلى يد فئات أو أحزاب أخرى.

وحسب مراقبين فإن إنكار المسؤولين الأردنيين وعلى رأسهم الملك نفسه، لوجود ضيق اقتصادي، سيكون له نتائجه السيئة على الحكومة، وربما على الملك كذلك.

ولذلك فإن محاولات الحكومة لصبغ الإضراب باللون السياسي والحزبي، وخاصة الإسلامي منه، لن يكون سببا في عدم تعاطف الشعب الأردني، الذي تجاوز غضبه حدود التحرك السياسي، وبات الوضع الاقتصادي يمثل عبئا كبيرا عليه، وهو العبء الذي يمكن أن يتحول لبرميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة.

وتشير الأرقام الرسمية للموازنة العامة للعام الجاري، إلى أن رواتب وأجور الموظفين العاملين في القطاع الحكومي بلغت لهذا العام حوالي 5.7 مليارات دولار، بارتفاع نسبته 4% عن 2018 حيث تشكل غالبية النفقات الجارية.

ولذلك جاءت تصريحات وزيرة الإعلام جمانة غنيمات، محذرة من الاستجابة لمطالب نقابة المعلمين، بزيادة الأجور لأنها ستؤدي لأزمة مالية، حيث تبلغ تكلفة زيادة الرواتب المطلوبة للمعلمين 160 مليون دولار سنويا.

وقدرت الموازنة العامة للمملكة الإيرادات لعام 2019 بمبلغ 12.1 مليار دولار، منها 850 مليون دولار منح خارجية، بينما تصل النفقات قبل الاستجابة للإضراب حوالي 13 مليارا و44 مليون دولار، بعجز يصل إلى 910 ملايين بعد المنح الخارجية بنسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي. أما قبل المنح فيقدر العجز بـ1.7 مليار دولار وبما نسبته 4% من الناتج المحلي الإجمالي.

تشجيع الآخرين

ويتوقع مراقبون واقتصاديون أردنيون، أن يشجع نجاح إضراب المعلمين، فئات أخرى من العاملين بقطاعات الحكومة، وغيرها، للمطالبة بزيادة رواتبهم، ولكن هذه المرة لن تكون الزيادة قاصرة على 100 ألف معلم، وإنما لأكثر من ضعف هذا الرقم، حيث يبلغ عدد الموظفين بالقطاعات الحكومية ما يزيد عن 220 ألف موظف، بخلاف العسكريين المتقاعدين، وغيرهم من العاطلين الباحثين عن فرص عمل.

ويدعم الرأي السابق تصريحات صحفية لرئيس مجلس النقباء ونقيب الصيادلة زيد الكيلاني، قال فيها إن: "النقابات المهنية تعمل على صياغة مشروع موحد ستقدمه للحكومة لزيادة العلاوات الفنية لأعضاء النقابات العاملين في القطاع العام، إلى جانب تقديم مقترحات محددة حيال نظام الخدمة المدنية الذي يحكم العمل في الجهاز الحكومي".

وبرر الكيلاني ذلك، بأن العاملين في القطاع العام يعانون من تردي أوضاعهم المعيشية، ولذلك فإنهم سيخاطبون الحكومة لتوفير مخصصات مالية لهم في موازنة الدولة للعام المقبل 2020، التي بدأ التجهيز لها بالفعل.

وحسب تعبير الكاتب والسياسي سيف الله الرواشدة: فإن الاقتصاد الأردني بحالته الراهنة أصبح داخل غرفة الإنعاش، مشيرا في مقال نشره بموقع الساعة الأردني، إلى أن رئيس الحكومة الحالي قد جاء بعنوان "التحول من دولة الريع لدولة الإنتاج"، وانسحاب الحكومة من دورها الأبوي في التوظيف لصالح التشغيل وتوفير البيئة المناسبة للإبداع والاستثمار، ليكون الهدف البعيد هو رفع نسب النمو التي ستخرج اقتصادنا من عنق الزجاجة.

ويرى الرواشدة: أن رئيس الحكومة اعتمد لتطبيق هذه التجربة على سياسة التقشف الحكومي والتوسع الضريبي ورفع التصنيف الائتماني للأردن لحيازة الثقة الاقتصادية اللازمة لاستقطاب الاستثمار وتحسين شروط الاستدانة، وخطط الإنقاذ الخاصة بالبنك الدولي التي أدت إلى ارتفاع مستوى الدين وتدني شعور الأردنيين بالعدالة الاجتماعية، أما الدين العام المرتفع فيؤدي إلى الأزمة التي تزيد التقشف، "لنعود لغرفة الإنعاش من جديد، ونحمل الأجيال القادمة وزر السياسات المالية".

ووفق تحليل الرواشدة فإن كل أردني مدين بما مقداره ٤٨٠٠ دينار تقريبا، وزد على ذلك تراجع قطاع التجارة وقدرته على المنافسة المحلية والإقليمية، وانهيار القطاع الصناعي وإغلاق أبواب عدد كبير من المصانع مع هجرة متزايدة لرؤوس الأموال والمستثمرين ومعهم الأردنيين أيضا لدول الجوار وغيرها.

أين الأحزاب؟

وفيما يتعلق بدور الأحزاب السياسية، وهل فضح نجاح إضراب نقابة المعلمين، ضعفها وغيابها عن المشهد السياسي، انقسم المراقبون لفريقين.

الأول يرى أن الأحزاب كانت غائبة عن المشهد، وأن نجاح إضراب النقابة، أسقط ورقة التوت التي كانت تتخفى تحتها الأحزاب، وهو الرأي الذي تبناه النقابي الأردني البارز بنقابة المهندسين ميسرة ملص، والذي أرجع نجاح المعلمين فيما فشلت فيه الأحزاب إلى أن نقابة المعلمين لم يتم اختراقها من قبل السلطات الرسمية وأجهزتها، وممارسة لعبة العصا والجزرة، وتقديم المصالح الشخصية على مصلحة الأحزاب.

بينما قال نائب الأمين العام لحزب الشراكة والإنقاذ الأردني سالم الفلاحات: إن الأحزاب والنقابات المهنية الأخرى، أصبحت خارج الخدمة، وتقوقعت داخل مجالسها، وكثير منهم يتبنون رأي الحكومة الرافض لأية خطوات إصلاحية على الصعيد السياسي.

إلا أن هناك فريقا آخر يرى عكس ذلك، ومنهم الكاتب والأكاديمي الأردني عمر عياصرة، الذي اعتبر تغريدة الملك بعد إنهاء الإضراب، حملت رسائل مبطنة للأحزاب السياسية التي كان لها دور في تحريك المشهد، وخاصة حزب العمل الإسلامي، مشيرا إلى أن تلك التغريدة ستشكل إشارة شديدة اللهجة موجهة إلى أجهزة الدولة الأردنية، بمراجعة نهج النعومة المتبع مع جماعة الإخوان المسلمين.

وحسب عياصرة فإن لدى الملك والحكومة، قناعة بأن إضراب المعلمين الأخير، لم يكن ليستمر بهذا الشكل الصلب لولا دعم الإسلاميين له، ولذلك فإن علاقة جماعة الإخوان المسلمين بالدولة، على محك تلك التبعات الناجمة عن نتائج "فوز المعلمين على الحكومة"، وستكون تلك العلاقة موضع فحص وضغط جديد.