رغم مظلوميتهم.. أسباب غياب سُنة العراق عن المظاهرات الشعبية

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من حجم المظلومية التي يواجهها السُنة في العراق، من تهميش وإقصاء في الحياة السياسية، والمناصب الحكومية، إضافة إلى كثرة المعتقلين والمغيبين منهم، لكن المظاهرات الأخيرة لم تدفعهم للخروج مع المحتجين، والمطالبة باستعادة حقوقهم المسلوبة.

كان واضحا غياب السنة عن المظاهرات التي انطلقت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ففي الوقت الذي شهد جانب الرصافة من بغداد تظاهرات لأيام متواصلة، كان جانب الكرخ الذي تقطنه غالبية سُنية أكثر هدوءا.

كذلك الحال بالنسبة للمحافظات الأخرى، إذ لم تمتد الاحتجاجات إلى غرب العراق وشماله، التي تمثل الثقل السني، كما حصل في محافظات الجنوب والوسط التي يتركز فيها المكون الشيعي.

وخرجت في بداية الشهر الجاري، مظاهرات في العاصمة العراقية بغداد للمطالبة بتحسين الخدمات العامة وتوفير فرص العمل ومحاربة الفساد، قبل أن تمتد إلى محافظات في الوسط والجنوب ذات الأكثرية الشيعية، ويتطور شعارها إلى المناداة بإسقاط الحكومة.

مظاهرات أكتوبر العراقية خلّفت 110 قتلى وأكثر من 6 آلاف جريح

تُهم جاهزة

على ما يبدو، فإن الخوف من اتهامهم بأنهم "بعثيين" (من حزب البعث)، أو من تنظيم الدولة، ثم ينتهي بهم الحال إما إلى القتل أو السجن، كان السبب الأبرز في غياب المكون السُني عن المظاهرات التي واجهتها قوات الأمن بالرصاص الحي، موقعة أكثر من مائة قتل ونحو 6 آلاف جريح.

وفي حديث لـ"الاستقلال" قال الإعلامي العراقي دريد الحسيني، إن: "المظاهرات في المناطق الشيعية شهدت زخما كبيرا، فلا تكاد تمر بالشوارع الرئيسة في جانب الرصافة من بغداد، إلا وترى جموع المحتجين، والوجود الأمني الكثيف بمختلف الصنوف، إضافة إلى الطرق المقطعة وإطارات السيارات المحترقة، وإطلاق النار الكثيف الذي يصم الآذان".

وأوضح الحسيني أن: "سكان الكرخ في بغداد، منقطعين تماما عما يجري في الرصافة، الذي يشهد منذ الصباح وحتى ساعات متأخرة من الليل، عمليات كر وفر بين القوات الأمنية، والمتظاهرين، الذين يسقط منهم قتلى وجرحى".  

ونقل الإعلامي العراقي مشهدا لمجموعة من الشباب تقدر بالعشرات، خرجوا للتظاهر قرب منطقة المنصور ببغداد (إحدى مناطق الكرخ) في اليوم الثاني من المظاهرات، فجاء إليهم أحد عناصر الشرطة المحلية، وقال لهم بالنص: "ننصحكم بالعودة إلى منازلكم، لأنكم إذا استمريتم فالتهم جاهزة، بأنكم دواعش وبعثيين".

ولعل ما تحدثت به القوات الأمنية، ينطبق على تصريح عضو مجلس محافظة الأنبار فرحان العبيدي الذي قال إن: "الصمت السني والامتناع عن المشاركة في المظاهرات هو الصواب تجاه ما يحدث اليوم، وأن المشاركة السنية ستنهي هذه الاحتجاجات، لأن التهم ستكون جاهزة كاتهامهم بأنهم أزلام النظام السابق أو البعثية والصدامية، وكذلك بالدواعش".

وفي إشارة إلى أن السلطات العراقية تكيل بمكيالين، أكد فرحان أن التعامل مع السنة سيكون على العكس مما حصل مع أتباع (مقتدى) الصدر عند دخولهم المنطقة الخضراء خلال آخر احتجاجات حصلت في بغداد، إذ انسحبوا دون أي تهمة أو محاسبة.

جانب من المظاهرات الكبيرة للسُنة في محافظة الأنبار عام 2013

جراحهم تنزف

ومن الأسباب الرئيسة التي منعت السنة من المشاركة في المظاهرات، كانت أزمة النزوح الكبيرة التي مرت بها المحافظات ذات الغالبية السنية (نينوى، الأنبار، صلاح الدين، ديالى، كركوك) عام 2014.

وبعد مرور عامين على استعادة المحافظات السنية من سيطرة تنظيم الدولة، الذي اجتاحها بالتزامن مع مظاهرات واعتصامات شعبية خرج بها أبناء هذه المدن ضد حكومة نوري المالكي عام 2013، لا يزال نحو مليون ونصف نازح لم يعودوا إلى ديارهم.

ويرى مراقبون، أن جراح المكون السني في العراق لم تندمل بعد وخصوصا في موضوع النازحين والمعتقلين والمغيبين، حتى يمكنهم الخروج في الوقت الحالي بمظاهرات أخرى قد تجر عليهم ويلات جديدة، في بلد لا تزال  فرص عودة تنظيم الدولة إليه قائمة.

وفي عام 2013 تركزت مطالب المحتجين السُنة، على إطلاق سراح المعتقلين الذين تجاوز عددهم 35 ألفا، ولا سيما النساء منهم، وإنهاء التهميش والإقصاء والتعسف والاضطهاد الذي يتعرض له أبناء هذا المكون في العراق.

ويقول رئيس لجنة المهجرين في البرلمان العراقي، رعد الدهلكي، إن: "السبب الرئيس لعدم عودة النازحين هو خلاف وطموح سياسيين لدى جهات سياسية للسيطرة على المناطق المحررة، إضافة إلى أجندات خارجية تمنع عودة بعض النازحين إلى مناطقهم".

ويؤكد سياسيون سُنة في العراق، إن أطرافا شيعية تعرقل عودة النازحين السُنة إلى مناطقهم، ضمن جهود لتغيير التركيبة الديموغرافية في تلك المناطق. ويضيف الدهلكي: "أما المعرقلات الأخرى تأتي بنسب بسيطة، كالخلافات العشائرية".

ومن أبرز المناطق التي لم يتمكن أبناؤها من العودة إليها، بحسب الدهلكي: "منطقة جرف الصخر في محافظة بابل بنسبة مئة بالمئة، وبعض مناطق محافظة ديالى، وخصوصا في مدينة المقدادية، وأيضا بعض مناطق محافظة صلاح الدين، وبعض المناطق المحررة في نينوى".

ويوضح النائب العراقي، أن: "عدد العوائل التي ما تزال في المخيمات يقدر بـ900 ألف نسمة، ومع العوائل التي تسكن خارج المخيمات، يقترب العدد من مليون ونصف المليون نسمة".

وبعد اجتياح تنظيم الدولة للمحافظات السنية التي تمثل ثلث مساحة العراق في يونيو/حزيران 2014، فر نحو 5.8 ملايين عراقي (من أصل 38 مليونا) إلى خارج مناطقهم أو خارج البلاد؛ ، ثم تحولت مناطقهم إلى ساحة حرب لمدة ثلاث سنوات بين عناصر التنظيم والقوات العراقية.

بعد اجتياح تنظيم الدولة للعراق نزح نحو 5.8 ملايين عراقي من مناطقهم

دعم إلكتروني

مع أن السُنة كانوا أبرز الغائبين عن المشاركة في المظاهرات الشعبية على الأرض، لكنهم كانوا من أهم الفاعلين والداعمين بشدة للاحتجاجات على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي عزز من صوت المتظاهرين.

بحسب موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، فإنه: "رغم حساسية مشاركة السنة في التظاهرات، إلا أن هناك من شارك في مظاهرات عبر الإنترنت على منصات التواصل الاجتماعي، جنبا إلى جنب لكل الذين يتوقون للتغيير في محافظات الأنبار، وصلاح الدين، وكركوك، والموصل".

ونقل الموقع عن ناشطين سُنة أن: "الجمهور السني في البلاد غاضب، ولكن الكثير منهم يخشى الظهور،  (..) أهل الموصل لا زالوا يعانون من حالة الدمار التي خلفها تنظيم الدولة، ولم تفعل الحكومة شيئا سوى إهمالنا، وإذا تظاهرنا فإننا نجازف بوصمنا واتهامنا بالتصرف على غرار داعش والبعثيين وما إلى ذلك".

ووفقا للتقرير، فإن المتظاهرين السُنة كانوا قلقين أيضا من أنهم قد "يؤثرون سلبا" على حركة الاحتجاجات، بتعريض الناشطين الآخرين لمثل هذه الاتهامات على يد الساسة وجماعات المصالح، الذين يودون إلقاء اللائمة عليهم وتصوير المظاهرات على أنها تخريبية.

وأكد الناشطون السُنة، أنهم مستمرون في الاحتجاج عبر الإنترنت، "حتى نتأكد أن رسالتنا واضحة، وأن الذين يعبرون عن أملهم سيكونون في أمان، ويمكننا التصرف على نحو مختلف، ولكن الأمر حينها سيكون أكثر خطورة".

ونقل التقرير عن الناشطين أيضا أن: "مجموعة تدّعي أنها تنتمي إلى مجلس الأمن الوطني العراقي في الأنبار أعدت قائمة بأولئك الذين يدعمون الاحتجاجات على مواقع التواصل الاجتماعي".

وأفاد أحد الناشطين عن محافظة الأنبار، بأن "ثلاثة ممن تعرضوا للتهديد أصدقاء شخصيون لي، وأُلقي القبض عليهم، اتُّهموا بأنهم إرهابيون لمجرد التعبير عن رأي لا يُعجب الحكومة".

وعلى نحو مماثل، أكد ناشط آخر من محافظة صلاح الدين تلقيه رسالة تهديد من الأمن الوطني: "قالوا إن لديهم صورا من كل منشوراتي التي أبديت فيها دعما للمظاهرات. وقد أخبروني أنني إذا واصلت نشر المزيد من مثل هذه الأشياء -ويقصدون أي شيء يتفق مع احتجاج بغداد- فسوف يُلقى القبض علي".