نيويورك تايمز: السيسي سيفشل في احتواء المصريين بأساليب مبارك

12

طباعة

مشاركة

بعد أن حُظر التظاهر منذ عام 2013، وتعرض آلاف المصريين إلى الإخفاء القسري، كما يقبع عشرات الآلاف من المعارضين خلف قضبان السجون بعد محاكمات غابت عنها  العدالة والشفافية، وفي ظل انهيار اقتصادي يقاسيه المصريون، جرت احتجاجات في مصر ضد سياسات حكم رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، وصفتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بـ"النادرة".

وقالت الصحيفة في تقرير لمراسلتها في الشرق الأوسط "فيفيان لي" شاركتها فيه الصحفية ندى رشوان المقيمة بالقاهرة، التي عملت سابقا في "بي بي سي": إن أجهزة الأمن المصرية اعتقلت المصريين بشكل عشوائي خلال الاحتجاجات الأخيرة، إذ تم اعتقال مجموعة من المراهقين أثناء شرائهم للملابس المدرسية، بالإضافة إلى ملمع أحذية في الشارع، كما تم اعتقال ثمانية أشخاص كانوا يتناولون الطعام من عربة طعام في الشارع، ومراجع مالي تم توقيفه من قبل الشرطة أثناء توجهه إلى سيارته، ورأت الصحيفة أن الاعتقالات الأخيرة التي طالت الآلاف كانت عشوائية.

انضافت هذه الأعداد إلى المعارضين من مختلف التوجهات السياسية الذين زجت بهم قوات الأمن المصرية في السجون المكتظة، في محاولة من حكومة السيسي لقمع الاحتجاجات التي اندلعت في القاهرة ومحافظات عديدة ضد سياسات رئيس النظام.

واعتبرت "نيويورك تايمز" حملة الاعتقالات الأخيرة، التي شملت ما يزيد عن 3000 معتقل، أعنف وأوسع حملة قامت بها أجهزة الأمن المصرية خلال عقود، في محاولة لوأد حركة الاحتجاجات الأخيرة ما ساهم كثيرا في تعثرها، حتى عادت قبضة السيسي الأمنية تسيطر على البلد في الوقت الحالي.

وأشار التقرير إلى أنه لم تتم الاستجابة لدعوات الاحتجاجات التي دعي إليها يوم الثلاثاء الماضي.

وأوضحت الصحيفة في تقريرها: أن التظاهر أصبح مجرما بموجب قانون التظاهر الذي صدر في عام 2013 خلال انقلاب عسكري قاده السيسي أطاح فيه بالرئيس المصري الراحل، محمد مرسي، أول رئيس مدني ينتخبه المصريون، خلال ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 ، وهو الانقلاب الذي مكن السيسي من السيطرة علي مقاليد السلطة في مصر.

نظام متوتر

وقال محللون للصحيفة: إن حملة الاعتقالات الشرسة التي قامت بها قوات الأمن، بالإضافة إلى تعليقات السيسي التي فشلت في تبرير الفساد، بل أكدته، بعد تصريحه ببناء قصور رئاسية، "يثبت أننا أمام حكومة متوترة تسارع إلى سد الثغرات وإغراء المصريين المتأزمين بعدم المشاركة في الاحتجاجات.

وقال مدير برنامج مصر بمعهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان محمد زارع: إن السيسي يبدو متماسكا في الظاهر إلا أن الغليان الداخلي يسيطر عليه.

وأوضحت الصحيفة: أنه على الرغم من إطلاق سراح بعض السجناء، إلا أنه لا يزال ما يزيد عن 2285 سجين تم اعتقالهم جراء الاحتجاجات الأخيرة في العشرين من سبتمبر/ أيلول الماضي، وفق تقارير لمحامين ومنظمات حقوقية.

وذكر المحامون أنه يتم التحقيق مع حوالي 400 معتقل يوميا، مما يضطر نيابة أمن الدولة العليا الاستعانة بحراسات مشددة خشية وقوع احتجاجات داخلها.

وكشفت تقارير حقوقية أن أقسام الشرطة تكتظ بالمعتقلين، مما اضطر سلطات الأمن إلى استخدام مراكز قوات الأمن، التي تقع على أطراف القاهرة الكبرى كمراكز للاحتجاز، حيث لا توجد دورات مياة كافية، كما يعاني السجناء من عدم تناول الطعام، وتم منعهم من الحديث مع عائلاتهم أثناء عرضهم على نيابة أمن الدولة العليا، بحسب الصحيفة.

اعتقلات عشوائية

وأشارت التقارير التي استندت إليها الصحيفة الأمريكية، إلى أن أغلب من تم اعتقالهم ليست لهم أي علاقة بالتظاهرات الأخيرة، إذ أن أحدهم، وهو صحفي، كان قد كتب تدوينة على موقع "فيسبوك" يؤيد فيه سياسات رئيس النظام عبدالفتاح السيسي قبل ساعات من اعتقاله.

وقالت زينب العجرودي عن شقيقها أحمد العجرودي (28 عاما)، وهو مراجع حسابات لشركة متعددة الجنسيات في القاهرة: إنه كان في طريقه إلى سيارته عندما اعتقل في ليلة الاحتجاجات الأول، مضيفة أنه: "لم يكن جزءا من أي شيء حدث، رغم أن من حقه المشاركة".

وفي حالات أخرى، تم اعتقال  سياسيين معروفين وأكاديميين ومحامين أو ناشطين معارضين، بمن فيهم علاء عبدالفتاح ، أحد الوجوه المعروفة لثورة مصر عام 2011، الذي تم اعتقاله صباح الأحد، بعد ستة أشهر فقط من إطلاق سراحه من سجن دام خمس سنوات. ولم يكن على الشرطة أن تبذل مجهودا للعثور عليه، فبموجب شروط المراقبة الشرطية كان يطلب من عبدالفتاح قضاء الليل في السجن، من الساعة 6 مساء إلى 6 صباحا.

وفي وقت لاحق من يوم الأحد تم اعتقال محاميه،محمد الباقر، أثناء وجوده في نيابة أمن الدولة لحضور التحقيقات مع علاء عبدالفتاح.

الانحناء للعاصفة

ورأت "نيويورك تايمز" في حشد السيسي وأجهزته للمواطنين من مختلف محافظات الجمهورية تحت إجبار العوز الاقتصادي، وفي مراجعة بعض القرارات التي أدت إلى أزمات اقتصادية يعانيها المصريون -ويُعتقد أنها السبب في اتساع رقعة الاحتجاجات الأخيرة- اعترافا بالتهديد تسببت فيه الاحتجاجات الأخيرة. 

وقال مكتب النائب العام، في بيان رسمي، بعد اعترافه بالتحقيق مع 1000 محتجز: إن المتهمين أشاروا إلى أسباب ودوافع اقتصادية دفعتهم إلى المشاركة في الاحتجاجات.

وقالت الحكومة في بيان لها هذا الأسبوع: أنها قررت إعادة 1.8 مليون مواطن إلى بطاقات التموين، كانت قد حذفتهم منها خلال الفترة الماضية، بدعوى أن دخلهم تحسن ولا يحتاجون للدعم الذي تقدمه.

وكتب السيسي على حسابه الرسمي في موقع "فيسبوك": "كونوا مطمئنين، فأنا أتابع بنفسي هذه الإجراءات"، مستعينا بلهجة اعتبرتها الصحيفة أقل قسوة من الماضي، إذ أكد أن الحكومة ملتزمة بتوفير الدعم للمواطنين وتخفيف آثار خطة التقشف الاقتصادي.

لكن هذه الخطوات تبدو غير كافية، بحسب الخبيرة في الشؤون المصرية في مشروع "الديمقراطية في الشرق الأوسط"، إيمي هوثورن، التي قالت إنهم: "يظهرون اعترافا بوجود الكثير من المعاناة بين المصريين، لكن الخطوات البسيطة التي يقومون بها غير كافية لتصحيح الوضع".

وقال محللون للصحيفة: إنه بدون إصلاحات أكثر جوهرية قد لا يتمكن السيسي من الحفاظ على الاستقرار، بسبب المقاول والفنان المصري، محمد علي، الذين يعيش في إسبانيا، إذ ساعدت مقاطع الفيديو التي بثها على مواقع التواصل الاجتماعي، حول ما وصفه بـ"الكسب غير المشروع للسيسي" في تأجيج الاحتجاجات. خصوصا وأن السيسي ودائرته الداخلية يرتبطون ارتباطا وثيقا في عقول بعض المصريين بالفساد والإهدار.

قمع غير مسبوق

ورغم التنازلات التي قدمتها الحكومة، إلا أنها اقترنت بقبضة أمنية تكاد تكون غير مسبوقة في القاهرة، بحسب الصحيفة الأمريكية، حيت أغلقت قوات الأمن شوارع وميادين القاهرة وفرقت المتظاهرين، في الجولة الثانية من الاحتجاجات التي كان مزمع حدوثها في السابع والعشرين من سبتمبر/ أيلول. وقال المحامون إن حملة الاعتقالات الأخيرة كانت عنيفة وعشوائية.

وأوضحت المحامية الحقوقية التي كانت راغبة في تمثيل المعتقلين، راجيا عمران: "غالبية الأشخاص المعتقلين ليسوا ناشطين سياسيا أو على دراية بالسياسة، لكن تم توقيفهم للتو من الشارع".

وزادت الصحيفة مؤكدة أنه تم القبض على بعضهم من منازلهم، لمجرد أنهم احتجوا في الماضي، وقال المحامون إن العديد من رجال الشرطة بملابس مدنية أوقفوا الكثير من المحتجزين عشوائيا وقاموا بتفتيش هواتفهم وحساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم اتهموهم بـ"إساءة استخدام" وسائل التواصل الاجتماعي، ومن المفارقات أن العديد من المعتقلين كانوا أميين لايعرفون القراءة أو الكتابة. 

وقال المحامي في اللجنة المصرية للحقوق والحريات، محمد سعيد: إن التهم تشمل أيضا الاحتجاج دون ترخيص ونشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة غير قانونية أو تمويلها.

وفي ظل صمت الحكومة حول هوية وظروف المعتقلين، تقوم مجموعات المراقبة والمحامون المصريون بتجميع قوائم المعتقلين معتمدين في الأساس على تقارير العائلات حول أقاربهم المفقودين.

تكتيكات مبارك

وقال محامون: إن بعض العائلات لم تعرف عن مكان وجود الأقارب إلا بعد الذهاب إلى مكتب نيابة أمن الدولة العليا وسؤال المحامين الذين يخرجون عما إذا كانت أسمائهم مدرجة في القوائم الرسمية، بالإضافة إلى أن بعض العائلات لم تعرف بعد مكان احتجاز أقاربها.

وقال محمد سعيد: إن المحامين لا يُسمح لهم بحضور التحقيقات مع المحتجزين في أغلب الحالات، كما يُمنع دخولهم إلى مكتب نيابة أمن الدولة.

وقالت العجرودي: إن أسرتها اكتشفت أنه تم اعتقال شقيقها فقط لأن بعض أصدقائه رأوه محتجزا. وشددت المتحدثة إلى الصحيفة، أنها خرجت للاحتجاج في عام 2011 لكن شقيقها لم يفعل، مضيفة: أنه نه لا يهتم بالسياسة.

وخلصت الصحيفة إلى أنه لا أحد يعلم مدى قوة قبضة السيسي الأمنية لإحكام السيطرة على غضب المصريين المتزايد، لكن قبضته الحديدية لم تمنع المصريين من الخروج في احتجاجات 20 سبتمبر/ أيلول.

وقالت هيرثون الخبيرة الشأن المصري: إن رد فعل السيسي خلال الأسبوع الماضي يشبه كثيرا تكتيكات مبارك الذي خرج المصريون متظاهرين لإسقاطه في يناير/ كانون الثاني 2011، فقد اتخذ إجراءات أمنية عنيفة من جهة، ومن جهة أخرى يقدم تنازلات اقتصادية للشعب، إلا أن هذه الأساليب التي استخدمها مبارك فشلت في احتواء غضب المصريين على المدى الطويل.