مرحلة ما بعد ترامب.. هذا مصير 5 ملفات بالشرق الأوسط

أحمد علي حسن | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يضيق الخناق على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شيئا فشيئا، حتى بات مهددا بالعزل، أو على أقل تقدير فإن الحظ لن يكون حليفه في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

جملة من القرارات اتخذها ترامب خلال 3 أعوام من حكمه الولايات المتحدة منذ يناير/كانون الثاني 2017، والتي انعكست بشكل أو بآخر على العالم عموما، ومنطقة الشرق الأوسط تحديدا.

صفقة كان يحلم من خلالها بإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، استبقها بقرارات كثيرة مثيرة للجدل، أضف إلى ذلك تنامي العلاقات مع السعودية محكومة بالمال، وانسحابه من الاتفاق النووي الإيراني في مايو/آيار 2018.

الخطر الحقيقي على مستقبل ترامب السياسي، بدأ مع إطلاق رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، إجراءات تحقيق تهدف لعزله، بعد تسريب مكالمة له طلب فيها من نظيره الأوكراني التحقيق مع نجل نائبه السابق، جو بايدن.

لكن قبل الحديث عن سيناريوهات ما بعد ترامب، يجب التذكير بأن ذلك يتطلب موافقة مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيّين، مع الإشارة إلى أن الأول قد يوافق على عزل الرئيس الحالي، لكن الأخير لن يفعل. 

السيناريوهات القادمة في الملفات الخمسة -بدءا بـ "صفقة القرن"، وقضية السلطة وإسرائيل، والعلاقات مع السعودية، والأنظمة العربية الداعمة، ومستقبل الاتفاق النووي الإيراني- تندرج تحت احتمالية عزل ترامب، أو إخفاقه في الانتخابات.

صفقة القرن

حالة من الارتياح بدأت تخيم على الساحة الفلسطينية  في ظل الحديث عن عزل ترامب، وهو أمر ينطبق على شقي النزاع الداخلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، فالتقديرات تشير إلى موقف إيجابي تبديه السلطة، وكذلك الأمر بالنسبة لحركة "حماس" التي ترى أن الرئيس الأمريكي قدم لإسرائيل خدمات تاريخية ونوعية.

"صفقة القرن" واحدة من أبرز القضايا التي جاء بها ترامب، إضافة إلى جملة من القرارات المثيرة للجدل الدولي، بدءا بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وعبورا بنقل سفارة واشنطن إلى المدينة المقدسة، ووصولا إلى التضييق المالي وقطع المساعدات عن الفلسطينيين.

فيما يتعلق بالصفقة التي أثارت الكثير من الجدل في الأوساط الدولية، فإنها اليوم أمام احتمال كبير بتجميدها في ظل الحديث عن السيناريوهات التي ستعقب عزل ترامب، وهو ما يؤكده الخبير في الشؤون الإسرائيلية، عدنان أبو عامر.

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، يفصح أبو عامر عن اعتقاده بأن الصفقة ستشهد حالة من التجمد حتى الأسابيع القليلة القادمة، وذلك تزامنا مع حالة شلل سياسية تشهدها إسرائيل في ظل غياب حكومة مستقرة.

وبتوقعات أبو عامر، فإن حدوث الصفقة في حال عزل  ترامب "أمر مستبعد"، لأن ذلك مرتبط بإجراءات قانونية ودستورية ليست سهلة، وإذا دخلت إدارة ترامب في اشتباك جدي مع الديمقراطيين ومجلس النواب فذلك يعني تجميدها.

وعن بديل يمكن أن يكمل ما بدأ به ترامب، يؤكد المحلل السياسي أن ذلك غير متوفر في هذه المرحلة، سواء كان سفيرا أو مبعوثا أو وزير خارجية. "ليس هناك شخص كفيل بأن يدير موضوع الصفقة في ظل غياب رأس البيت الأبيض".

وباختصار، فإن "هذه الصفقة لترامب"، بسبب غياب التوافق الأمريكي الداخلي حولها، فالبيت الأبيض غير متفق مع وزارة الخارجية، والأخيرة ليست كذلك مع البنتاغون، حتى المؤسسة الرسمية ليس لديها توافق كبير وضمان كامل في هذا الشأن.

ويشير أبو عامر إلى أن وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون لم يعط موافقة كبيرة على ذلك، وهذا أحد أسباب خلافه مع ترامب، مجددا التأكيد على أن الملف ذاهب نحو تجميد، إذا ما قُدر لترامب أن يبقى في حالة عزل سياسي. 

وتنقسم الآراء حول الصفقة إلى فريقين، الأول يرى أنها ماتت قبل أن تولد، والأخير يعتقد أنه تم فعليا تطبيقها من خلال نقل السفارة، ووقف الدعم الأمريكي للسلطة ووكالة الغوث الدولية، وورشة البحرين في يونيو/حزيران 2019.

ومنذ مطلع 2018 يتحرك صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنير ضمن جولات مكوكية في المنطقة العربية، ودول الخليج خصيصا، لتهيئة الأجواء والتمهيد لإتمام الصفقة التي ترفضها أطراف عربية عدة.

إسرائيل والسلطة

قبل الولوج في الحديث عن القرارات الأمريكية بشأن السلطة، وضع أبو عامر بعين الاعتبار الوقت المتبقى لنهاية ولاية ترامب، مؤكدا أنه إلى حين تغير الإدارة الحالية سيبقى كل شيء على حاله، فلا توجد بوادر حاليا على استئناف الدعم للسلطة.

وبفرضية عزل ترامب، يوضح المحلل السياسي أنه ليس من الوارد أبدا استئناف دعم السلطة، لأن ذلك  يحتاج إلى موافقة الكونغرس ومجلس النواب، وإخضاع الأمر إلى موازنة البيت الأبيض.

وفي شأن مواضيع أخرى كاستئناف دعم "أونروا"، فهذا أمر غير وارد أيضا، فهذه –كما يقول أبو عامر- قرارات اتُخذت كتحصيل حاصل مثل نقل السفارة الأمريكية، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لافتا إلى أن ترامب ثبّت ذلك على أرض الواقع وليس من السهل على أي إدارة انتقالية أو رئيس قادم أن يتراجع عنها. 

ونهاية أغسطس/آب 2018، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، قطع المساعدات المالية لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، بالكامل، بعد أن كانت تقدم 350 مليون دولار سنويا للمنظمة الدولية.

لكن البديل في ذلك من وجهة نظر أبو عامر، في حال وجود إدارة أمريكية انتقالية فإنه سيتم استدعاء حلفاء المنطقة لمنح السلطة الأكسجين المالي عبر استئناف الدعم من السعودية، والإمارات، والاتحاد الأوروبي، واليابان، "أما كواشنطن أستبعد ذلك إطلاقا".

وبالانتقال إلى شكل العلاقة التي تربط إسرائيل وأمريكا في حال غياب ترامب، يقول المحلل السياسي: إن الأخير كان الأكثر تعبيرا عن السياسة الأمريكية بالنسبة لتل أبيب، مستدركا: "لكن كواقعية لم يكن أكثر انحيازيا من باراك أوباما وجورج بوش الأب وابنه".

ويزيد القول: "ما زالت إسرائيل في نظر المؤسسة الأمريكية ثكنة عسكرية متقدمة، أو نسميها حاملة طائرات أمريكية في المنطقة، وما اختلف في عهد ترامب هو فقط محاولة إعطائه تصريحات وانحيازات في القناعات والأبعاد الدينية".

ويعود أبو عامر للتأكيد على أنه ليس من الضرورة أن يطرأ تغير جوهري على شكل العلاقة الأمريكية الإسرائيلية في حال قُدر لترامب أن يغادر، حتى وإن كان الرئيس القادم ديمقراطيا.

ويشير إلى أنه في حال وجود رئيس أمريكي جديد فإنه قد يعيد حالة التوازن السياسية الأمريكية إلى المنطقة، وليس بالضرورة عبر ممارسة الضغط على تل أبيب، لكن عدم الوقوف بجانبها على الأقل. 

ويقول أيضا: "هذا ما نلاحظه في الأشهر الأخيرة. هناك تراجع في التأييد الديمقراطي الأمريكي لإسرائيل. هناك نموذج مثل (النائبة المسلمة من أصل فلسطيني) رشيدة طليب"، مستطردا: "لكن مع وجود رئيس قادم جمهوري مثل مايك بينس، نائب ترامب (حاليا)، فسيكون الأمر على حاله".

ويختتم أبو عامر حديثه بالقول: إن "ترامب رئيس شعبوي غير سياسي، وليس قادما من المؤسسة الأمريكية، بل إنه رجل أعمال وأراد أن يخوض تجربة سياسية، ولهذا السبب قد يكون جملة اعتراضية عابرة في سياسية أمريكا".

العلاقات السعودية الأمريكية

بعد زيارة ترامب التي قلبت منطقة الخليج العربي في مايو/آيار 2015، تنامت العلاقات الأمريكية السعودية بشكل ملحوظ مقارنة بالفترات التي حكم فيها الديمقراطيون الولايات المتحدة، وهو ما تُرجم بتوقيع اتفاقيات بمبالغ طائلة.

ومما لا شك فيه أن السبب في العلاقة التي تطورت بشكل فجائي، خاصة مع صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يتمثل في تصريحات ترامب المتكررة التي أشارت بشكل صريح إلى أنه ينظر للسعودية على أنها مصدر قوي لتحصيل الأموال.

وفي مايو/آيار 2017، وقعت السعودية مع واشنطن اتفاقيات وصفقات تتجاوز قيمتها 400 مليار دولار، ثم تبعتها صفقات متفرقة بملايين الدولارات، ركزت معظمها على الجانب العسكري.

ترامب وعلى الدوام، يطالب الرياض بالدفع مقابل الحماية من "الخطر الإيراني"، وهي في قاموسه تعني مزيدا من إبرام الاتفاقيات بمليارات الدولارات، ولكنها اليوم مع الحديث عن عزله باتت خاضعة لسؤال حول إمكانية استمرارها مستقبلا. 

في إجابة هذا السؤال يقول ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر، "الولايات المتحدة الأمريكية ملزمة بالاتفاقيات الموقعة مع السعودية، خاصة في الجانب العسكري".

واستدرك الأنصاري في حديثه لـ"الاستقلال" بالقول: "لكن لا شك سيكون هناك مراجعة في حال عزل ترامب، خاصة في اتفاقيات الأسلحة، مع الإشارة إلى سلوك المملكة في هذا الإطار".

وبالمجمل، فإن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية تتحسن دائما مع وجود رئيس من الحزب الجمهوري، وتكون أقل من ذلك في حالة تقترن برئيس ديمقراطي، وفق الأنصاري.

في الحالة الأخيرة تحديدا، أوضح أن أي رئيس من الحزب الديمقراطي سيتجه إلى إبعاد الولايات المتحدة عن السعودية، وذلك لسببين، الأول يتمثل في ضمان التخلص من الصورة المسيئة التي التصقت بواشنطن نتيجة ممارسات الرياض.

تلك الممارسات بمعنى أوضح، تتعلق بجريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي على يد فريق سعودي مقرب من محمد بن سلمان، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، فضلا عن انتهاكات التحالف الذي تقوده الرياض في اليمن منذ مارس/آذار 2015.

أما الأمر الثاني، بنظر الأنصاري، فيتعلق بحالة من الانتقام تربّت لدى الديمقراطيين، فهم يرون في مراجعة العلاقات مع السعودية بمنزلة انتقام أيدولوجي من حلفاء ترامب.

وإذا ما ارتبطت الاتفاقيات بضرورة التزام واشنطن بها، فإنها ستستمر بلا شك، لكن أي نظام جديد في الولايات المتحدة سيُخضع أي اتفاقيات مقبلة لضوابط ومعايير محددة، وبالتالي ستكون على نحو أقل مقارنة بتلك التي أُبرمت منذ مجيئ ترامب.

الأنظمة الداعمة

نجحت الثورات العربية في 2011 بتغيير أنظمة عربية تربعت على عرش الحكم عقودا طويلة، لكن ربيع العرب اصطدم لاحقا بما سُمي "الثورات المضادة" التي وقفت وراءها أنظمة السعودية والإمارات خوفا على زحف الثورة إلى بلدانها. 

في الإمارات، كان ولي العهد محمد بن زايد يحارب الثورات العربية والإسلام السياسي، ودعمه في ذلك نظيره السعودي، وهو ما أفرز نظام عبد الفتاح السيسي في مصر، فضلا عن ضم البحرين إلى هذا التحالف.

تحالف الرباعي العربي الذي ذاع صيته في الآونة الأخيرة، حظي بدعم من إدارة البيت الأبيض الجديدة، خاصة بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية نهاية 2016، لتصبح تلك الأنظمة مفتاح العلاقة مع أمريكا.

لكن إذا ما أُخضع هذا التحالف لحسابات إجراءات الكونغرس الأمريكي الرامية إلى عزل ترامب، فإنه بلا شك ستتأثر علاقة تلك الأنظمة العربية بإدارة ترامب، وهو ما يؤكده الأنصاري.

ويقول: "بالنسبة للأنظمة وعلى رأسها النظام في مصر والإمارات، سيكون هناك تراجعا في العلاقة مع الولايات المتحدة، لكن لابد من التذكير بأن واشنطن لم تكن يوما على علاقات متغيرة بشكل إستراتيجي مع تغير الرؤساء".

ويضيف الأنصاري: "سيكون هناك انعطاف بوتيرة بالعلاقة مع هذه الأنظمة لكنها لن تتحول إلى داعم فعلي لمطالب الشعوب"، في إشارة إلى ثورات الربيع العربي والتظاهرات التي شهدتها بعض الدول العربية في المنطقة، كالسودان والجزائر ومصر.

ومن وجهة نظره، فإن الولايات المتحدة لها إستراتيجية في المنطقة، وهؤلاء (الرؤساء) يؤدونها بشكل أو بآخر، لكن ذلك الشكل العلني والفج في العلاقة بين السيسي وآل زايد وابن سلمان وترامب "سيتراجع بلا شك".

ورغم الشك الذي راود الأنصاري، فإنه يستبعد بأن يهدد ترامب عروش هذه الدول، مستدركا: "لكن بلا شك سيكون هناك تحديا في المنطقة، خاصة فيما يتعلق باليمن وليبيا وغيرها. سيكون هناك تحدٍ حقيقي". 

وفي شأن الأزمة الخليجية وتأثرها بعزل ترامب، فإن الأستاذ الجامعي لا يعتقد بأنه يمكن الحديث عن حل الأزمة الخليجية بشكل تلقائي، بل إنها ستستمر، لكنها بالنهاية ستخضع للتحالفات الجديدة".

ويوضح ما استدركه به قائلا: "سنرى أن علاقة السعودية بحليفها الأمريكي ستتأثر، في حين ستدخل قطر والكويت وعُمان في علاقة أفضل مع واشنطن، خاصة إذا كان هناك تقاربا أمريكيا مع إيران".

الاتفاق النووي

من القرارات التي أدخلت المنطقة في حالة توتر شديد، إعلان ترامب في 8 أيار/مايو انسحاب بلاده من الاتفاق الذي وقعته الدول الكبرى مع إيران في 14 تموز/يوليو 2015 حول برنامجها النووي، بعد 21 شهرا من المفاوضات الصعبة.

خطوة ترامب هذه لم ترُق للأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق (روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا)، وخاصة حلفاؤه الأوربيون الذين يرون بأن الخروج منه يعطي إيران ذريعة للتخلي عن تعهداتها واستئناف برنامجها.

وهو ما حدث فعلا، إذ أن إيران تمضي قدما الآن في خرق شروط الاتفاق، حيث بدأت أولا في تخزين يورانيوم مخفض التخصيب أكثر من الحد المسموح لها به، والآن ترفع مستوى التخصيب إلى مستويات تتجاوز نسبة 3.67% التي حددها الاتفاق.

 

إستراتيجية ترامب مع إيران، كما يراها الكاتب الأردني وليد عبد الحي، تستند إلى 3 ركائز، الخنق الاقتصادي إلى أقصى حد متاح، وتوظيف الحلفاء الإقليميين، لاسيما دول مجلس التعاون الخليجي، وعرض العضلات العسكرية.

وفيما يتعلق بغياب ترامب عن المشهد أو المجيئ برئيس جديد، فإنه لن يحدث أي تغيير في الموقف الأمريكي تجاه الملف الإيراني والاتفاق النووي، نظرا لحالة العداء الكبيرة بين دول الشرق الأوسط وطهران.

لكن إذا ما جاءت أمريكا برجل ديموقراطي يعيد التوازن إلى المنطقة، وينجح في إعادة العلاقات بين دول الخليج العربي، فإن ذلك ينعكس بشكل غير مباشر على العلاقات مع طهران.

هذا الاحتمال يؤكده الأستاذ الجامعي، ماجد الأنصاري، الذي يقول: إن أي إصلاح لما يحدث في الخليج سيعمل على تهدئة الوضع مع إيران، وبالتالي العودة إلى الاتفاقية النووية عبر برنامج مختلف.

خلاصة القول، إن الملفات الخمسة لن تشهد في معظمها تغيرا كبيرا، لأن ذلك محكوم بإجراءات ودساتير وافق عليها مجلسي النواب والشيوخ، لكن في حال المجيئ برئيس ديموقراطي ربما يشهد الشرق الأوسط هدوءا يأخذ الملفات إلى حسابات جديدة.