إثر توتر العلاقات بين واشنطن وأنقرة.. هل تعود المياه لمجاريها؟

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في مقابلة بتاريخ 26 سبتمبر/أيلول 2019، وفي رده على سؤال صحفي من قناة فوكس نيوز الأمريكية عن تأثير صفقة صواريخ أس 400 على مسار العلاقات التركية الأمريكية، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "يجب ألّا تفسد مسألة أس – 400 العلاقات التركية الأمريكية".

وفي 18 سبتمبر/أيلول 2019 كشف موقع "إنتلجنس أون لاين" الفرنسي الاستخباراتي، عن توجه أردوغان لتعيين رئيس الاستخبارات حقان فيدان سفيرا لتركيا في واشنطن، وذلك بعد شهرين من تعيين ديفيد ساتر فيلد سفيرا لواشنطن في أنقرة.

الموقع اعتبر أن ذلك الإجراء سيتسبب بفراغ في جهاز الاستخبارات التركية الذي ترأسه فيدان لمدة 9 سنوات، خاصة وأن الأخير طلب إعفاءه من المنصب عدة مرات، إلا أن أردوغان لم يوافق على طلب الاستقالة.

وحسب مركز المرصد الإستراتيجي، فإن تعيين ساتر فيلد في المنصب الذي ظل شاغرا لمدة 3 سنوات، علامة محتملة على حصول انفراجة في العلاقات الأمريكية التركية، وذلك عقب التوتر الذي طرأ نتيجة شراء تركيا منظومة الدفاع الجوي أس 400، من موسكو، وقرار واشنطن، إيقاف تزويد أنقرة بمقاتلة إف 35.

شعرة "معاوية"

كاد تدهور العلاقات التركية الأمريكية أن يصل إلى عنق الزجاجة، إثر صفقة منظومة الدفاع الجوي الروسية التي اشترتها أنقرة، وكذلك اتهامات أنقرة لواشنطن، بتعزيز دعمها لميلشيات وحدات حماية الشعب الكردية، الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني.

ورغم دخول تلك الأحداث كقضايا ساخنة على خط الأزمة بين البلدين، إلا أن أنقرة وواشنطن، حافظتا، فيما يبدو، على الحد الأدنى من العلاقات الدبلوماسية، حفاظا على ما يمكن تسميته بشعرة "معاوية".

أردوغان في مقابلته مع قناة فوكس نيوز الأمريكية قال: إن العلاقات التركية الأمريكية تتمتع بماض طويل وروابط قوية، وهناك شراكة إستراتيجية بين البلدين ضمن حلف شمال الأطلسي (الناتو).

الرئيس التركي لم ينكر وجود مشاكل في العلاقات بين البلدين، قائلا: "هي تحدث من حين لآخر جراء تطورات مختلفة في العالم، لكننا حرصنا دائما على استمرار هذه الشراكة وتعزيزها، ولم نسمح في أي وقت من الأوقات بتضرر علاقات الشراكة الإستراتيجية بيننا، ولن نسمح بذلك أبدا، وموقفنا ثابت في هذا الخصوص".

كارت احتياطي

يبدو أن إدارة ترامب تحتفظ بمسألة العقوبات على أنقرة كورقة تستخدمها عند الحاجة، فقد اتخذ ترامب من صفقة منظومة الدفاع الروسية مبررا للتلويح بفرض عقوبات أمريكية على تركيا.

وفي 9 سبتمبر/أيلول 2019، أعلن وزير الخزانة الأمريكية ستيفن منوتشين أن إدارة الرئيس دونالد ترامب مازالت تدرس فرض عقوبات على أنقرة، على خلفية اقتنائها منظومة الدفاع الجوي الروسية "أس-400".

بالتزامن مع ذلك، امتنع ترامب في يوليو/تموز الماضي عن الإجابة على أسئلة طرحها الصحفيون حول احتمالات فرض الولايات المتحدة عقوبات ضد تركيا استنادا إلى قانون احتواء خصوم الولايات المتحدة من خلال العقوبات (كاستا).

كانت أنقرة قد قالت في وقت سابق إن تركيا مستعدة لشراء منظومة باتريوت من الولايات المتحدة في حال حصولها على عرض يناسبها.

وقال أردوغان في مقابلته التلفزيونية مع شبكة فوكس نيوز: إن واشنطن وضعت العديد من العوائق أمام أنقرة عندما أرادت شراء منظومة باتريوت الدفاعية، فاضطرت تركيا لشراء منظومة أس – 400 من روسيا، وهذا من حق تركيا التي تحتاج إلى نظام دفاعي، ومع هذا مازالت تركيا مستعدة لشراء منظومة الباتريوت شريطة أن تبيع واشنطن المنظومة.

وإزاء تلك المرونة من الجانب التركي، أعلن ترامب في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض في يوليو/تموز الماضي، أنه لا يلوم تركيا على شراء منظومة "أس 400" للدفاع الجوي من روسيا.

وعزز ترامب ذلك التصريح خلال لقائه أردوغان في قمة مجموعة العشرين المنعقدة نهاية يونيو/حزيران الماضي في مدينة أوساكا اليابانية، حيث قال ترامب إن تركيا اضطرت لشراء منظومة الصواريخ الروسية، لأنه لم يسمح لها بشراء منظومة باتريوت الأميركية خلال فترة رئاسة باراك أوباما.

وأضاف: "نناقش حلولا مختلفة. إنها مشكلة ما من شك في ذلك". وأبدى ترامب تعاطفه مع نظيره التركي، ملقيا اللوم على إدارة سلفه في وضع شروط لشراء تركيا صواريخ باتريوت، وقال: إن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) "وصديق للولايات المتحدة منذ مدة وشريك تجاري كبير لا يجوز التعامل معها بالأسلوب الذي اتبعته إدارة أوباما".

وفي حين فسر البعض تلك التصريحات بأنها انفراجة في مسار الأزمة بين البلدين، فسرها آخرون بأنها تأتي في سياق الدعاية الانتخابية التي يطلقها ترامب، ضد الحزب الديمقراطي، تمهيدا لترشحه لفترة رئاسية قادمة.

لغة دبلوماسية 

رغم التصعيد الأمريكي الذي مارسته واشنطن إثر شراء أنقرة منظومة الدفاع الروسية، واعتبار ذلك أمرا يستحق فرض عقوبات وفقا لقانون مكافحة خصوم الولايات المتحدة (كاتسا)، إلا أن الرئيس الأمريكي قال في مقابلته التلفزيونية إنه لم ير في أي وقت من الأوقات الموقف الأمريكي حول منظومة أس – 400 تهديدا.

وفيما بدا أنه لغة دبلوماسية تهدف لكسر الحدة، عاد أردوغان وقال: لكن مسألة (تعليق) طائرات إف 35 أزعجتنا كثيرا، شعبي يسأل أين الطائرات؟ لماذا لم يتم تسليمها؟ ألم ندفع كافة المستحقات علينا حتى الآن؟ دفعنا حتى الآن مبلغ مليار و 400 مليون دولار في إطار هذا البرنامج.

وأضاف أردوغان: "نحن لسنا زبائن، بل نحن شركاء في إنتاجها من بين 9 دول، ونحن ننتج بعض قطع الطائرات في تركيا، وأضاف: إن العدول عن تسليم الطائرات إلى تركيا لا يليق بالشراكة الإستراتيجية، وأنا لا أراها خطوة صائبة".

كان السيناتور الجمهوري الأمريكي المقرب من ترامب ليندسي غراهام قد قال: إنه يحاول إعادة تركيا إلى برنامج مشترك لتصنيع الطائرة المقاتلة إف-35، الذي أُبعدت عنه أنقرة في يوليو/ تموز الماضي.

وشدد غراهام على أنه لا يمكن الاستغناء عن مساهمة تركيا في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومحاربة تنظيم الدولة شمال شرقي سوريا، وعدم السماح للأسد بالحسم العسكري على الأرض.

ثقة مفقودة

رغم التصريحات التي أطلقها الجانبان التركي والأمريكي، و التي توحي بوجود تقارب ينذر بانفراج الأزمة بين البلدين، إلا أن عودة توتر العلاقات بين الجانبين أمر وارد للغاية.

ففي طريق عودته من الولايات المتحدة التي شارك فيها ضمن الدورة 74 للجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة، صرح أردوغان للصحفيين على متن الطائرة، أن بلاده لن تتوقف عن شراء النفط والغاز الطبيعي من إيران رغم العقوبات الأمريكية، وأنه من المستحيل بالنسبة لتركيا التوقف عن شراء النفط والغاز الطبيعي من إيران، الأمر الذي قد يعيد احتمال فرض عقوبات اقتصادية على أنقرة.

إلى جانب ذلك فإن التصريحات التركية المناهضة لسياسة الولايات المتحدة إزاء المنطقة الآمنة في تركيا، قد تكون دليلا على استمرار عدم الثقة بين الجانبين، وكان وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو قد انتقد الولايات المتحدة ، قائلا: إن مواقف الولايات المتحدة من المنطقة الآمنة في سوريا لا تطمئن تركيا، وأضاف: أن الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة كانت "تجميلية" فقط.

وبحسب تقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإنه من المستحيل منع العداء بين أردوغان وواشنطن، بسبب سياسة واشنطن من الأكراد السوريين، خاصة وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدفع أردوغان نحو المواجهات والعنف مع الأكراد، لا سيما في إدلب.

مما يعزز من فرضيات عدم استمرار الثقة بين الجانبين أن مسؤولين أمريكيين عبروا عن شكوكهم في قدرة الجيش التركي على مواصلة هذه العملية المكثفة والمعقدة في شمال شرق سوريا، لكنهم في نفس الوقت ما زالوا قلقين من أن أي غزو تركي سوف يتعارض مع أهداف وجهود مكافحة الإرهاب الأمريكية وعلاقاتها مع الحليف الناتو.