وزيرة التربية بالجزائر.. شبهات حول أصولها وقرارات تستفز المجتمع

منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فجّرت وزيرة التربية الوطنية، نورية بن غبريط، موجة جدل واسعة في الجزائر، بعد مساندتها لقرار المدرسة الدولية الجزائرية في باريس بفصل إحدى التلميذات؛ بسبب أدائها للصلاة في باحة المدرسة.

موقف بن غبريط، لم يكن مغايرا لعدد من المواقف المشابهة، التي حوّلتها لأكثر وزيرة إثارة للجدل، في الولاية الرابعة الحالية، للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ورفع من حجم المعارضة لتوليها المنصب والمطالبة بإقالتها في كل مناسبة.

"مدارس للدراسة لا للصلاة"

هدد القائمون على المدرسة بفصل التلميذة نهائيا، في حال عودتها لفعلتها بعدما وقّع والدها على تعهد بذلك، وقوبلت الحادثة باستهجان واسع في صفوف الجزائريين، الذين زاد من غضبهم تصريحات وزيرة التربية، التي قالت في فبراير/شباط 2019: إنّ "المدرسة قامت بواجبها فقط، وهو معاقبة التلميذة. الصلاة مكانها المنزل وليس المؤسسات التعليمية"، مضيفة: "التلاميذ يذهبون إلى المؤسسات التربوية من أجل التعلم.. وأظن أن هذه الممارسات (الصلاة) تقام في المنزل، ودوْر المدرسة هو التعليم والتعلم فقط".

"أصل الجدل"

لم يكن الجدل الذي رافق تصريحات بن غبريط جديدا، إذ رافق تعيينها في منصب وزيرة التربية الوطنية بحكومة عبد المالك سلال، في مايو/ أيار 2014 جدلا، بشأن أصولها اليهودية، إذ راج بين الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي تأكيدات بأنّ لقب عائلة الوزيرة الجديدة "رمعون"، يعود لعائلة يهودية قديمة التواجد بالجزائر، كانت تعيش في منطقة تلمسان، على الحدود مع المغرب.

ورغم نفي الوزيرة نسبها إلى الأصل اليهودي في 11 مايو/ أيار 2014، بالقول: "أنا جزائرية مسلمة"، إلا أن عددا من الأحزاب المحسوبة على الإسلاميين عارضت تعيينها، فقالت حركة "النهضة": إن "إسناد دوائر وزارية هامة لها علاقة ببناء الهوية الوطنية لشخصيات مجهولة الوجهة السياسية؛ ينذر بمخاطر وتخوفات على مستقبل الناشئة الجزائرية، تربويا وثقافيا وتعليميا".

كما انتقد التعيين، رئيس حركة "الصحوة السلفية"، زيرواي حمداش، الذي قال: إن "التعيين مخالف لعقيدة الشعب الجزائري، ومغامرة بالأجيال، ومخاطرة بمستقبل التلاميذ والطلاب، وقطاع التربية".

"الوزيرة الفرنكفونية"

تُوصف بن غبريط من خصومها بأنها ذات توجه "فرانكفوني"، أي أنها تنتمي إلى التيار الذي يعمل على تكريس اللغة الفرنسية على حساب اللغة العربية في الجزائر، وأثّر هذا الانتماء على سياسات الوزيرة حتى من قبل أن تتولى منصبها،

ويستند خصوم بن غبريط، إلى أنها كانت جزءا من لجنة علي بن زاغو، وهو أستاذ جامعي محسوب على "التيار الفرانكفوني"، كما أنه جرى بعهدتها تقديم مشروع إصلاح التعليم، الذي قوبل باعتراض واسع من العروبيين والإسلاميين، جعلت نتائجه لا تظهر للعلن.

عُرف عن بن غبريط منذ توليها الوزارة، وظهورها الإعلامي في أكثر من مرة، عدم إتقانها للغة العربية، ما جعلها مادة للسخرية والانتقاد والخوف في نفس الوقت، لما يمثله ملف التربية من حساسية بالغة، إلا أنّ هذه التخوفات كانت في محلها خلال ندوة حول "تقييم الإصلاح التربوي" حضرتها الوزيرة وافتتحها رئيس الوزراء، عبد المالك سلال.

كما اقترح بعض الخبراء، خلال عهدتها، إدراج اللهجة الجزائرية العامية، كلغة للتدريس في المراحل الابتدائية من التعليم، عوضا عن اللغة العربية الفصحى، ما حوّل القضية من نقاش تربويّ إلى سياسيّ مفتوح، وصل إلى حد مطالبة عدد من النواب بإقالة الوزيرة من منصبها، معتبرين أن المقترح يمثل تعديا على الدستور وعلى قوانين الجمهورية.

من جهتها، كذّبت بن غبريط الحادثة من خلال تغريدة نشرتها عبر حسابها على موقع "تويتر"، قالت فيها إنّ "الإشاعات المتعلقة بالتدريس بالعامية، وكذا حذف بعض المواد من إمتحان البكالوريا، التي وردت في بعض الصحف الوطنية، كلها كاذبة".

من العامية إلى "البسملة"

لم يتوقف جدل الهوية مع بن غبريط عند اللهجة العامية، فقبل يومين من افتتاح السنة الدراسية 2017/ 2018، أعلنت الوزيرة على هامش افتتاح الدورة العادية لمجس النواب الجزائري عن قرارها حذف "البسملة" (بسم الله الرحمن الرحيم) من مقدمات الكتب المدرسية، باستثناء كتاب التربية الإسلامية، لتواجه اتهامات بعدائها لهوية الجزائر العربية الإسلامية.

وأثار قرار الوزيرة حفيظة جمعية "العلماء المسلمين الجزائريين" (أكبر تجمّع لعلماء الدين في البلاد)، حيث وصفت القرار في بيان لها بـ"الاعتداء على عقول الأطفال وهوية الشعب الجزائري تحت ذريعة الإصلاحات".

بينما قال عبد الرزاق مقري، رئيس حركة "مجتمع السلم" (أكبر الأحزاب الإسلامية المعارضة في البرلمان): "للذين يعتقدون أننا نظلم بن غبريط، من العلمانيين والسذج والانبطاحيين من غير العلمانيين، هناك دراسة لبن غبريط ذاتها عن المدرسة والدين تظهر فيها بوضوح رفضها وانزعاجها من وجود أي أثر للإسلام في المدرسة والكتاب المدرسي".

حظر النقاب

في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، فاجأت وزيرة التربية الجزائريين مرة أخرى؛ إذ اتخذت قرارا يمنع التلميذات والأساتذة والموظفات والعاملات من ارتداء النقاب في كل المؤسسات التعليمية بالبلاد، وجاء القرار من وزارة التربية بـ"منع ارتداء أي لباس يمنع التعرف على التلاميذ والموظفين داخل المؤسسات التابعة لها"، واعتبرته بن غبريط جزءا من خطة النهوض بالتعليم في الجزائر.

قوبل القرار برفض شديد، فاعتبرته تنسيقية أساتذة التربية الإسلامية التي تخوض صراعا مع الوزيرة، بأنه "يأتي استكمالا لمشروع تطهير النظام التعليمي من كل ما يتصل بالهوية والقيم الدينية",

أما بن غبريط، فقد ردت: "لا يمكن تسيير عملية التعليم والتعلم في المدارس من دون أن يرى التلميذ وجه معلمته"، وبعد ذلك قامت الحكومة الجزائرية بتعميم القرار على جميع المؤسسات الحكومية بمنع ارتداء النقاب فيها.

صراع مع النقابات

لم تغب الإضرابات عن السنوات الأربعة التي قضتها نورية بن غبريط بوزارتها، التي كادت أن تعصف بالسنة الدراسية في أكثر من مناسبة، بسبب تعنت الوزارة وإصرار النقابات على تحقيق مطالب أعضائها، ووصفهم لتعامل الوزيرة بن غبريط معها بـ"اللامبالاة والاستهتار".

واعتبر الأساتذة وممثليهم قرار الوزيرة خلال السنة الدراسية 2014-2015 بتزويد تلاميذ الأقسام النهائية بأقراص مدمجة تحوي بعض المناهج الدراسية، من أجل مواجهة إضراب الأساتذة وعدم الوقوع في خطر السنة البيضاء، بأنه "استهزاء بهم وبمطالبهم".

واتّخذ هذا الصراع مع الوزيرة منحى آخر في العام 2018، إذ أقدمت بن غبريط على فصل المئات من الأساتذة والمعلمين، عقابا لهم على خوضهم إضرابات وصفتها الحكومة بفير الشرعية.

فضيحة التسريبات

كل هذه المشكلات والأزمات داخل المؤسسة التعليمية الجزائرية، أدّت إلى وقوع أخطاء فادحة أثّرت على سير العملية التعليمية، ولعل أخطرها كانت فضيحة تسريب مواضيع امتحان البكالوريا لعام 2016، رغم الإجراءات الصارمة التي اتخذتها السلطات لمنع حدوث ذلك، فحجبت مواقع التواصل الاجتماعي، وأوقفت خدمة تقنية الجيل الثالث خلال فترة الامتحان.

على إثرها طالب مجموعة من نواب المجلس الشعبي الوطني، في لائحة قدموها للحكومة بإقالة بن غبريط، إلا أنّ الوزيرة لاقت مساندة واسعة من دوائر الحكم، إذ اعتبر رئيس الحكومة الجزائري، عبد المالك سلال، ما حدث خلال امتحان البكالوريا، مساسا بالأمن القومي، وأن المراد منه زعزعة استقرار الجزائر.

من جهته، دعا رئيس حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" مدير ديوان الرئيس بوتفليقة، أحمد أويحيى، إلى معاقبة المسؤولين عن تسريب الامتحانات، معربا عن أسفه "لتسييس البكالوريا في الجزائر".

واعتبر أويحيى أنّ عملية الاحتيال ليست مجانية، بل مؤامرة تستهدف الإصلاحات التي اقترحتها الوزيرة، في إشارة إلى الإسلاميين دون أن يذكرهم، قائلا: "وزيرة التربية كانت تسعى لتطبيق برنامج إصلاح يعود تاريخه إلى عام 2000، يعارضه المحافظون بشدة، هل يجب على 800 ألف طالب أن يدفع ثمن هذه المعارضة؟".

ما مصير بن غبريط؟

قد تضمن الانتخابات الرئاسية، المتوقع حصول بوتفليقة على عهدة خامسة فيها، استمرارا للوزيرة نورية بن غبريط في منصبها؛ فهي جاءت إليه لأسباب تعود لثقة الرئيس فيها.

أو كما يروّج خصومها، أن استمرارها سيكون بسبب انتمائها لمسقط رأس بوتفليقة، وأنّ مَن ضَمِن لها الاستمرار بعد فضيحة تسريب الباكالوريا عام 2016، سيضمن لها البقاء بعد الانتخابات، رغم أن هناك حادثة مشابهة عام 1992؛ أطاحت بالوزير علي بن محمد.

ووفقا لمراقبين، فإنّ المرحلة المقبلة في الجزائر، ستفتح الباب حتما أمام تغييرات في داخل السلطة، بسبب الصراع الدائر على النفوذ في الدولة، وتمهيدا لسيناريوهات انتقال السلطة ما بعد الرئيس العاجز، وكذلك من أجل ضمان استقرار سير عمل الدولة.

ويبدو أنّ السياسة التي انتهجتها بن غبريط، قد جمعت حولها العديد من المعارضين، أعانهم على ذلك تدني شعبيتها في أوساط الجزائريين؛ لذلك قد يكون التخلص منها وإقالتها أفضل لحكام الجزائر، وأضمن لانتقال في السلطة في جو من السلم الاجتماعي، وفقا للمراقبين.