"نجاحها مشروط".. لماذا توجهت أمريكا نحو الحل السياسي في ليبيا؟

محمد سراج الدين | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد 5 أشهر على مرور أكبر أزمة في ليبيا مُنذ سقوط العقيد معمر القذافي، بدأ مسؤولون أمريكيون بالتحرك لوقف الحرب التي يشنها اللواء المتقاعد خليفة حفتر ضد الحكومة الليبية المعترف بها دولياً، وسط تشكيك مستمر بموقف واشنطن الذي يشهد تناقضات متسارعة تجاه هذا الملف.

وفي 4 أبريل/نيسان الماضي، بدأت قوات حفتر عملية عسكرية للسيطرة على العاصمة طرابلس، وسط تنديد دولي واسع ومخاوف من تبدد آمال التوصل إلى أي حل سياسي للأزمة. ومُنذ 2011، تشهد ليبيا صراعاً على الشرعية والسلطة، يتمركز حالياً بين حكومة الوفاق في طرابلس (غرب)، وقوات حفتر الذي يقود قوات الشرق الليبي.

وبدأت التحركات الأمريكية بتعيين سفير جديد لواشنطن، ثم تعيين قائد جديد لقوات "أفريكوم"، تخللهما تصريحات تعكس رغبة الأمريكان بإنهاء الحرب الدائرة في طرابلس، والتأكيد على الحل السلمي للأزمة الليبية الراهنة.

لكن، ما أسباب التفاعل الأمريكي الجديد، وهل هو مرتبط بعودة تنظيم الدولة للمشهد الليبي مرة أخرى، أم أنَّ فشل حفتر في إنجاز مهمته بالسيطرة على طرابلس، دفع أمريكا لإعادة صياغة رؤيتها بشأن حل الأزمة؟، وهل يعكس هذا التحرك رغبة المجتمع الدولي في إنقاذ حفتر أم طيِّ صفحته للأبد؟

نشاط أمريكي

أكَّد الجنرال ستيفن تاونسند، رئيس القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا، "أفريكوم"، خلال لقائه برئيس حكومة "الوفاق" الليبية فايز السراج بالعاصمة التونسية نهاية شهر أغسطس/آب الماضي، على أهمية دعم الحلّ الدبلوماسي في ليبيا، ودعم جهود الأمم المتحدة لإنهاء النزاع الحالي.

وكان لافتاً للنظر حِرص "أفريكوم" على نشر بيان رسمي حول اللقاء أوضحت فيه موقفها من الأزمة الحالية، وأنَّ الجنرال تاونسند، سيلتقي قريبا رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا غسان سلامة، لمناقشة الطرق التي يمكن أن يواصل بها الجيش الأمريكي التعاون مع المنظمة الدولية لدعم التسوية السياسية في ليبيا.

وقد سبقت تصريحات الجنرال تاونسند، تصريحات أخرى للسفير الأمريكي الجديد في ليبيا ريتشارد نورلاند، والذي تسلَّم مهام عمله بعد 4 أشهر من رحيل سلفه القائم بالأعمال، حيث تعهَّد نورلاند بالعمل على إنهاء الصراع السياسي والعسكري الذي تشهده ليبيا مُنذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، معتبراً أنَّ حِرص بلاده على تعيينه في منصبه الجديد، يُشير لرغبة واشنطن في تكثيف النشاط الدبلوماسي مع جميع أطراف النزاع.

تحرك دولي

التصريحات الأمريكية تزامنت كذلك، مع تحركات أممية لعقد مؤتمر دولي في برلين لإنهاء الأزمة الليبية الراهنة، من خلال إلزام جميع الأطراف بإنهاء القتال ودعم حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج في القيام بمهام عملها، وهو ما كان سبباً في اللقاء الذي جمع المبعوث الأممي غسان سلامة بالأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، لإدخال الجامعة العربية كشريك في إنهاء الصراع الدائر بليبيا.

وتُشير تصريحات سلامة بعد لقائه بأبو الغيط في مقر الجامعة بالقاهرة صباح 3 سبتمبر/أيلول الجاري، إلى أنَّ المجتمع الدولي يبدو حريصاً هذه المرة على إنهاء الأزمة بجدية، وأنَّ جولته الحالية التي بدأها بالجامعة العربية، تأتي ضمن المشاورات الموسعة التي يقوم بها لتعظيم فرص الحل السياسي للأزمة، فضلاً عن رغبته في تحقيق توافق إقليمي ودولي على دعم العملية السياسية، ووقف إطلاق النار في طرابلس.

ويربط البعض بين تحركات سلامة وتصريحات المسؤولين الأمريكيين، بما دار في قِمة الدول الصناعية الكبري التي عُقدت مؤخراً بفرنسا، ودعا فيها القادة السبع الكبار، لعقد مؤتمر دولي تشارك فيه كافة الأطراف المعنية بالملف الليبي على المستويين المحلي والإقليمي، بهدف دعم الجهود الأممية، والجهود الأخرى التي يقوم بها الاتحاد الأفريقي لإقامة مؤتمر ليبي – ليبي.

لماذا الآن؟

ووفق المعطيات السابقة فإنَّ التساؤل عن سبب هذا النشاط الأمريكي والدولي لإنهاء الأزمة الليبية في هذا التوقيت، يبدو تساؤلاً مشروعاً ومطلوباً، وقد ربطت تقارير عربية وغربية بين هذه التحركات، وسقوط مدينة "غريان" الاستراتيجية بالنسبة لقوات حفتر، في نهاية شهر يونيو/ حزيران الماضي، والتي مثَّلت له انتكاسة في حملته العسكرية للسيطرة على طرابلس، وترى الصحيفة أنَّ المجتمع الدولي بدأ بعدها السعي في اتجاه حثِّ "الأطراف الليبية" لإحياء العملية السياسية.

وهزيمة حفتر في غريان ليست نكسة عسكرية له فقط، بل هي مؤشر أيضاً على خسارته لمعركة طرابلس، التي أجمع المجتمع الدولي والأمم المتحدة على "الصمت" حيالها طيلة شهرين، وتجنبت بياناتهم المتكررة الإشارة حتى باللوم على حفتر لقصف الأحياء والمنشآت المدنية، على الرغم من تأكيدهم بأنّ التجاوزات ترقى لمستوى "جريمة الحرب".

ويرى البعض أنَّ مساعي إحياء العملية السياسية له معانٍ عدة، أبرزها إحياء وضع حفتر الميت، سياسياً وعسكرياً، بما يعني إفساح مجال كاف له لاسترداد مواقعه في جنوب طرابلس، ولا سيما غريان، ليتمكن من وضع أوراق للتفاوض في يده قبل الجلوس إلى طاولة واحدة مع حكومة الوفاق، كما يعني إيجاد صيغ مقنعة لخصومه في طرابلس من خلال إيجاد شركاء لحفتر يمكن أن يشغلوا كرسيه على طاولة التفاوض للحديث باسمه، كما كان يفعل البرلمان المنعقد بطبرق (غير معترف به) أيام محادثات الصخيرات.

مواقف متأرجحة

ولذلك فإنَّ السياسة الأمريكية إلى جانب فرنسا، تجاه الملف الليبي ما تزال موضع شك، حيث كانت واشنطن تدعم الحكومة المعترف بها هناك، قبل أن تُغيِّر موقفها إلى دعم حفتر، وسط حديث عن تدخُّل عدد من دول الإقليم أبرزها مصر والإمارات اللتان تريدان حكماً دكتاتورياً بليبيا، ما ساهم في تباين المواقف داخل أمريكا.

وفي 30 أبريل/ نيسان الماضي، قال رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري (هيئة نيابية استشارية): إنَّ السياسة الأمريكية تجاه الأزمة في بلاده "تفتقر إلى الوضوح ونحن نبحث عن توضيح".

ويرى مراقبون أنَّ ما يهُم أمريكا هو مكافحة الإرهاب، لأنَّ الرئيس دونالد ترامب نصَّبَ نفسه المحارب الأول للإرهاب ويُروِّج لذلك، خاصة وأنَّه بالرجوع للتاريخ الليبي فإنَّ النفوذ فيها لروسيا وإيطاليا، خصوصاً أنَّ القذافي كان يقيم علاقات جيدة مع الروس، ولم يكن لأمريكا أي نفوذ هناك.

وعزَّز هذه النظرية، إجراء ترامب اتصالاً هاتفياً مع حفتر، في أبريل/ نيسان الماضي، حيث أثنى "على الجهود التي يبذلها المشير حفتر في محاربة الإرهاب وتأمين المصادر النفطية الليبية"، وفقاً لبيان للبيت الأبيض.

ولم يتطرق بيان البيت الأبيض والحديث الذي جرى بين ترامب وحفتر إلى العمليات التي يقوم بها الأخير ضد حكومة الوفاق الوطني، فيما اعتبرت تصريحات ترامب تحولاً مخالفاً لموقف واشنطن المُعلن مطلع نفس الشهر والذي جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، حيث قال حينها: "أوضحنا أننا نعارض الهجوم العسكري لقوات خليفة حفتر على الحكومة في طرابلس ونحث على وقفها فوراً".

وفي رد على سؤال حول المكالمة بين ترامب وحفتر، قال باتريك شاناهان، القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي: "إنَّ البنتاغون و"السلطة التنفيذية متوازيان حول ليبيا"، مُؤكِّداً على أنً "الحل العسكري ليس ما تحتاجه ليبيا".   

ويعتقد كثيرون أنَّ واشنطن غير مهتمة بليبيا، وأنَّ دعم ترامب السابق لحفتر، هو نتيجة إعجاب الأول بالقيادة السلطوية في المنطقة على غرار رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، وأنَّ الهوس بمحاربة الإرهاب عند أمريكا وفرنسا عزَّز من تحركات حفتر.

في حين أنَّ الرؤية الإيطالية والألمانية تجاه ليبيا مضادة للموقفين الأمريكي والفرنسي لأنَّ روما مُتضررة من الهجرة غير النظامية، وبرلين مستورد أساسي للنفط الليبي، ولذا فإنَّ هاتين الدولتين تريان أنَّه من المهم استتباب الأمن في ليبيا.

فتش عن تنظيم الدولة

إلا أنَّ محللين آخرين رأوا أنَّ النشاط الأمريكي والدولي لإنهاء الحرب الدائرة في طرابلس، يعود في الأساس لتمدُّد "تنظيمي "الدولة" و"القاعدة" في جنوب ليبيا ودول الساحل والصحراء مُستفيدتين من الحرب الدائرة في طرابلس، وهو ما كان سبباً في شن القوات الأمريكية عِدَّة هجمات على تنظيم الدولة، وإعلان "أفريكوم" عن نية البنتاغون إعادة القوات الأمريكية لليبيا مرة أخرى.

وهذا ما ذهب إليه رشيد خشانة المحلل السياسي، والذي اعتبر أنَّ هذا التمدُّد لتنظيمي الدولة والقاعدة، شكَّل عنصراُ حاسماً في جنوح الأطراف الغربية، المُؤثرة في المشهد الليبي، نحو الحل السياسي، خاصة وأنَّه على مدى أربعة أشهر من القتال في الضواحي الجنوبية لطرابلس، ظلت العواصم الغربية ترفع صوتها، في الإعلام فقط، مطالبة بحل دبلوماسي، فيما هي تمُدُّ الأطراف المتقاتلة بالأسلحة تحت الطاولة.

وحسب موقع "يورونيوز" الأوروبي، فإنَّ عناصر تنظيم الدولة بدأت تظهر في مدينة الفقهاء بالجنوب الليبي، وأنَّ عناصر غير ليبية من دول الجوار انضمت إليها، خاصة من تشاد والنيجر، مما يرجح أن يعلن التنظيم ولاية جديدة في ليبيا بعد الأزمة التي ألمَّت به في العراق وسوريا، وهو الأمر الذي يشعر الأمريكيون معه بالقلق في ظِلِّ اتساع نفوذ التنظيم وجماعات متطرفة أخرى في الجنوب الليبي.

لا لحفتر

ووفق التحليل السابق فإنَّ التباعد بدأ يتكرس ويتعمق بين حفتر والدول الأوروبية التي كانت تحميه، لكن لا شيء يُؤكد حتى الآن، أنَّها تتجه لنفْض أيديها منه، بعدما عجز عن الإيفاء بوعوده، بالقضاء على "الإرهاب" في ليبيا، وقد باتت تلك العواصم على قناعة بأنَّ الجنرال وقف عند أبواب طرابلس، ولن يستطيع التقدُّم بعد المعارك التي أنهكت قواته واستنزفت أسلحته وعتاده.

ويستدل خشانة برأي الباحث الليبي طارق مقريسي، الذي أكَّد فيه أنَّ إخفاق حفتر في معركة طرابلس، نزع عنه الصفة التي كان يحاول ترسيخها، باعتباره الجدار الأقوى أمام انتشار التطرف والإرهاب، كما أفرغ شعارات أخرى من مضمونها، مثل قولهم إنَّه الرجل القوي في الشرق، وهو لقب ثبت أنَّه لا يستحقه.

في المقابل كان موقف حكومة الوفاق واضحاً من هذه الدعوات، وهو أنَّه لا سلام ولا حل سياسي للأزمة في ليبيا في ظل وجود حفتر في المشهد، وهي التصريحات التي خرجت عن أكثر من مسؤول في المجلس الرئاسي والحكومة المعترف بها دولياَّ.

ويرى المتابعون أنَّ حكومة الوفاق كانت حريصة على توجيه هذه الرسالة بشكل لا يمثل لبساَّ للأمريكان، وهو ما تَمَثَّل في تصريحات خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خلال لقاء جمعه بالسفير الأمريكي بعد 24 ساعة من لقاء السراج برئيس القيادة العسكرية الأمريكية بإفريقيا "أفريكوم".

وأكَّد المشري بأنَّ عدوان قوات حفتر على العاصمة طرابلس، "جمّد" العملية السياسية، وتسبب في حمام دم بالمنطقة الغربية لم يسلم منه حتى المدنيون، الذين كانوا مرمى نيران قوات حفتر الخارجة عن الشرعية والقانون، حسب تعبيره.

هل تستطيع أمريكا؟

ووفق المتابعين فإنَّ الولايات المتحدة بإمكانها الضغط لإنجاح العملية السياسية، خاصة إذا اقتنعت أنَّ حفتر فشل في مهمته، وأنَّ الدعم المصري والإماراتي له، لم يَعُد يُجدي نفعاً. 

ويرى مراقبون أنَّ المرونة التي طرأت على الموقفين الفرنسي والأمريكي خلال قمة الدول السبع الكبرى بفرنسا، قد يعكس تحولهما عن الانحياز المكشوف الذي كانوا يقدمونه لحفتر سياسياً وعسكرياً.

وأنَّه في حال تخلَّت فرنسا عن حفتر، وتغير موقف الولايات المتحدة تجاه العملية العسكرية في طرابلس، فإنَّ الجميع سيعمل على إنجاح الحل السياسي الذي تسعى الأمم المتحدة لأن يكون له أرض صلبة يقف عليها، قبل أن تدخل ليبيا في دوامة حرب أهلية متسعة، كما حذَّر من ذلك الأمين العام للأمم المتحدة قبل أيام.


المصادر