جزائري ينسحب ومصري يرفض المصافحة.. الشعوب العربية ضد التطبيع

محمد صلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مُنْذُ أكثر من نصف قرن بدأت أنظمة عربية عدة سباق الهرولة نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، لدمجه في المنطقة إيذاناً بتصفية القضية الفلسطينية في نهاية المطاف.

ورغم الدعم الأمريكي الإسرائيلي الغربي الهائل الذى حظي ويحظى به هذا التوجه الرسمي العربي، لم تفوّت الشعوب العربية فرصة إلا اقتنصتها، للتعبير عن رفضها لهذا المشروع، مهما اختلفت صوره، والإصرار على مقاومته على كل صعيد سياسي أو تجاري، علمي أو أكاديمي، فني أو رياضي.

الثلاثاء 27 أغسطس/ آب الماضي، رفض المصارع الجزائري فتحي نورين، خلال الجولة الثالثة من البطولة العالمية للجودو، في وزن 73 كيلوغراماً، والمقامة في اليابان، مواجهة خصمه الإسرائيلي "بوتبول طاهار"، بعد أنْ وضعتهما القرعة وجهاً لوجه، وأظهر الاتحاد الدولي للعبة في فيديو عبر موقعه الرسمي غياب المصارع الجزائري عن المنصة وحضور الخصم فقط.

نورين الذي فاز على مصارع من ليختنشتاين في الدور الأول، وتأهل في الجولة الثانية على حساب خصم من هايتي، لم يتردد لحظة في انسحابه أمام خصمه الإسرائيلي انسجاماً مع التزام الرياضيين الجزائريين بموقف بلادهم الداعم للقضية الفلسطينية، والرافض لأي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل.

يُعد نورين من أبرز لاعبي الجودو في الجزائر وإفريقيا، سبق له الفوز بالميدالية الذهبية في بطولة إفريقيا للجودو عام 2018، ويلعب في نادي المجمع الرياضي البترولي بالجزائر، وهذه هي المرة الثانية التي ينسحب فيها رافضاً اللعب مع الإسرائيلي بوتبول في منافسات دولية.

في نفس السياق، وفي الدور نصف النهائي لبطولة العالم للجودو وزن 81 كيلوغراماً، المقامة في اليابان، رفض المصري محمد عبد العال مصافحة نظيره الإسرائيلي ساجي موكي.

فور إعلان الحكم خسارة عبد العال، توجه الإسرائيلي نحوه لمصافحته إلا أنَّ الأخير رفض وقَرَّرَ مغادرة الملعب، علماً بأنَّ لوائح الاتحاد الدولي للجودو تنص على ضرورة انحناء اللاعبين المتنافسين ومصافحة بعضهما البعض بالأيدي عقب نهاية المباراة.

بعدها وفي تغريدة على حساب "إسرائيل بالعربية" بتويتر، انتقدت الخارجية الإسرائيلية رفض لاعب المنتخب المصري، مصافحة منافسه الإسرائيلي، قائلة: "ساغي أراد أن يصافح محمد في ختام المباراة إلا أنَّ الأخير لم يلتزم بالروح الرياضية ورفض المصافحة، رغم أنَّ الرياضة هي لغة التقارب بين الشعوب".

كما علقت السفارة الإسرائيلية على تويتر، مستعنية بصورة عبد الفتاح السيسي وهو يصافح نتنياهو، بأنَّ "رفض المصافحة جاء بعد 40 عامًا من السلام وبعد عدد لا يحصى من المصافحات".

أما أوفير غندلمان المتحدث باسم نتنياهو، فكتب على تويتر: "ساغي أراد أن يصافح محمد في ختام المباراة إلا أنَّ الأخير هرب من البساط، هناك سلام بين البلدين، ورفض المصافحة من قبل المصري ليس إلا إساءة لسمعة مصر في الرياضة".

انهالت التعليقات المصرية على مواقع التواصل الاجتماعي، مهاجمة الردود الإسرائيلية، ومُؤكدة أنَّه لا سلام بين الشعوب العربية، خاصة المصريين وبين إسرائيل، ووصف المغردون السلام بين مصر وإسرائيل بأنَّه "سياسي"، وأنَّ الشعوب ستظل تنظر لإسرائيل على أنَّها "محتلة وأيديها ملطخة بدماء الفلسطينيين".

انسحابات سابقة

منذ أنْ انطلق قطار التطبيع الرسمي العربي مع دولة الاحتلال، لم تتوقف انسحابات الرياضيين العرب أمام خصومهم الإسرائيليين في بطولات دولية، معبرين عن موقف جمهورهم العربي الرافض للتطبيع الرياضي باعتباره لا يقل شأناً عن التطبيع السياسي والاقتصادي بل ويعطي شرعية للاحتلال أمام العالم، وقد يكون في مراحل مستقبلية تكريساً لدخول إسرائيل من الباب الرياضي الواسع إلى الدول العربية.

في عام 2009، رفض مروان الشماخ لاعب كرة القدم المغربي في فريق بوردو الفرنسي آنذاك، اللعب في إسرائيل أمام فريق مكابي حيفا.

وفي بطولة العالم للجودو المقامة في روما عام 2011، وزن  52 كغ، لم تكترث الجزائرية مريم موسى بحلمها الأوليمبي، وضحت بالتأهل لأولمبياد لندن 2012، ورفضت مواجهة اللاعبة الإسرائيلية شاهار ليفي.

وفي نفس البطولة، ضحَّتِ المبارزة التونسية عزة بسباس بالمباراة النهائية، ورفضت التتويج العالمي بالذهب، على مبارزة الإسرائيلية نعوم ميرتس، وعزت بسباس قرارها إلى أنَّه: "من أجل لعيون أطفال فلسطين".

وفي بطولة العالم للجودو المقامة في مدينة دوسلدورف الألمانية، والمؤهلة لأولمبياد لندن 2012 ، سجَّل البطل اليمني علي خصروف، الثائر الذي أُصيب خلال الحراك اليمني السلمي، موقفاً وطنياً برفضه النزال ضد خصمه الإسرائيلي.

وفي بطولة العالم للتايكوندو المقامة في مدينة غونغو الكورية الجنوبية 2011، رفض المصارع الجزائري زكريا شنّوف (18 عاما)، منازلة منافسه الإسرائيلي آدم ساجير، في وزن أقل من 36 كلغ، وفضّل الخروج من الدور الأول للبطولة.

وفي بطولة رومانيا المفتوحة للمعاقين 2012، انسحب الكويتي عوض الحربي بطل تنس الطاولة للمعاقين، من نصف النهائي رفضاً للعب أمام منافسه الإسرائيلي جيفا ليران.

ومن الكويت أيضاً، وفي 2013 انسحب لاعب التايكوندو الكويتي، عبد الله الفرهود، من بطولة السويد الدولية، بعدما رفض مواجهة لاعب إسرائيلي، ضمن منافسات الدور الثاني للبطولة، قائلاً: "انسحابي أمام الكيان الصهيوني فخر لي، بعدم اعترافي بدولة إسرائيل، وشرف لي في مسيرتي الرياضية."

"نحن نربي أجيالا"

وفي عام 2014 رفض النجم محمد أبو تريكة، نجم المنتخب المصري الأسبق، المشاركة في مباراة ودية مع نجوم العالم، بدعوة من بابا الفاتيكان، بسبب مشاركة الإسرائيلي يوسي بنايون، واكتفي في تعليقه على الرفض بالقول: "نحن نربي أجيالاً".

وفي 2014 أيضاً رفض محمد صلاح، مهاجم نادي ليفربول الانجليزي، مصافحة لاعبي فريق مكابي تل أبيب، عندما كان لاعباً في فريق بازل السويسرى، وتعلل وقتها بربط حذائه، وفي نهاية المباراة أسرع "صلاح" إلى غرفة خلع الملابس دون أنْ يصافح أو يبدل قميصه مع أي من لاعبي الفريق الإسرائيلي، كما جرت العادة في مثل هذه اللقاءات.(11).

وفي عام 2015، انسحب البطل الليبي في لعبة الجودو محمد الهادي الكويسح، من بطولة العالم للجودو المقامة في كازاخستان، وذلك بعد أنْ أسفرت قرعة منافسات وزن 60 كيلو جرام، عن مواجهته للاعب إسرائيلي، وذلك للتعبير عن مساندته للقضية الفلسطينية.

وفي بطولة العالم للشطرنج، رومانيا 2016، قرَّر التونسي محمد حميدة (10 سنوات) الانسحاب من البطولة رافضاً ملاقاة لاعب اسرائيلي، قائلاً: "لن أواجه قاتل أخوتي في مجرد لعبة، الأصح أنْ أواجهه على أرض القدس"، وأكَّد حميدة أنْ انسحابه جاء تضامناً مع أطفال فلسطين ومساندة لأطفال غزة المحاصرين.

وفي دورة الألعاب الأولمبية المقامة في البرازيل عام 2016، في وزن فوق الـ 100 كيلوغرام، فضل لاعب الجودو المصري إسلام الشهابي تحمُّل التوبيخ من اللجنة الأوليمبية على أن يصافح خصمه الإسرائيلي أور ساسو، بعد أنْ خسر أمامه، ليودع البطولة من الدور الأول.

وفي نفس الدورة، قرَّرت بطلة الجودو السعودية جودي فهمي الانسحاب من الدور الثاني، ضمن منافسات الجودو في الوزن 52 كيلو، بعد أنْ وضعتها القرعة بمواجهة اللاعبة الإسرائيلية "جيلي كاهن". وأعلن الحساب الرسمي للجنة الأولمبية السعودية أنْ اللجنة الطبية أوصت بعدم مشاركة فهمي بسبب الإصابة، لكنَّ البعثة الإسرائيلية لم تصدِّق ذلك، واعتبرت أنَّها انسحبت لعدم رغبتها بمواجهة منافستها الإسرائيلية.

(آي إف جي)

وفي البطولة الدولية للجودو في أبو ظبي 2017، رفضت المغربية عزيزة شكير تحية منافستها الإسرائيلية شيرا ريشوني، وانسحبت فور انتهاء نزالهما، ما دفع لاعبي الجودو الإسرائيليين، إلى تغيير ملابسهم الرياضية التي تحمل الحروف الأولى لإسرائيل ( آي إس آر) واستبدلوها بِـ (آي إف جي) وهي الحروف الأولية للفيدرالية الدولية للجودو.

وضمن بطولة العالم للجودو التي أُقيمت في مدينة أغادير المغربية 2018، فضَّلت المصارعة الجزائرية أمينة بلقاضي بطلة إفريقيا بوزن أقل من 63 كلغ، الانسحاب من البطولة بعد أنْ أوقعتها القرعة بمواجهة لاعبة إسرائيلية.

وفي بطولة العالم لرياضة "المواي تاي بوران" 2019، المقامة في تايلاند، فضّل الملاكم اللبناني يوسف عبود الاستغناء عن المنافسة على الميدالية الذهبية منعاً للتطبيع، وقرَّر الانسحاب بعد أنْ تأهل لمواجهته لاعب إسرائيلي، واكتفى عبود (23 سنة) بالميدالية الفضية والتي تسلمها في الكواليس لئلا يرفع العلم اللبناني بجانب علم دولة الاحتلال. 

كما قرَّر لاعب المنتخب العراقي لرياضة "المواي تاي بوران" علي الكناني، الانسحاب من نفس البطولة، بعد أنْ أوقعته قرعة الدور نصف النهائي في مواجهة خصم إسرائيلي.

وفي البطولة الدولية للملاكمة 2019، المقامة في روسيا، لوزن أقل من 69 كغ، وبعد أنْ اختارتها القرعة لمواجهة لاعبة إسرائيلية، رفضت الملاكمة التونسية ميساء العباسي (20 عاماً)، النزال وفضَّلت الانسحاب، قائلة: "لأننا عرب ولا نريد التعامل مع الإسرائيليين".

لائحة الشرف التي تضم رياضيين فضَّلوا وطنيتهم على اللعب مع إسرائيليين تطول في شتى الألعاب، وهو سلوك عائد إلى اقتناع شخصي ومنطلق وطني، بأنَّ المصافحة تعني الاعتراف.

فجوة عميقة

وعلى النقيض من هذه المواقف الوطنية تشهد المنطقة، لاسيما مُنذ صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومن خلفه محور الثورة المضادة، ارتفاعاً ملحوظاً في وتيرة الدفع الرسمي باتجاه التطبيع مع العدو الصهيوني سياسياً وإعلامياً وتجارياً وفنياً، وتسخير كافة الإمكانات المادية والبشرية لتحقيق تقدم في هذا المشروع، وهو ما يعبر عن وجود فجوة هائلة بين الموقفين الشعبي والرسمي. 

هذه الفجوة، يفسرها د.صالح النعامي ، الباحث في الشأن الإسرائيلي بقوله: "لا شك أنَّ هناك فجوة عميقة بين موقف الشعوب العربية ونُظم الحكم من الكيان الصهيوني، فمنطلقات الشعوب في مواقفها من هذا الكيان قِيمية وأخلاقية وقبل كل ذلك أيدلوجية تُغذيها تجربة الصراع، التي تضمَّنت سلب الأرض العربية وتشريد الشعب الفلسطيني لبناء هذا الكيان على أنقاض فلسطين.. في حين تنطلق هذه الأنظمة من حسابات البقاء المتعلقة بها، لكونها تفتقد الشرعية الديموقراطية والشعبية".

وعن تأثير هذا التناقض بين الموقفين الشعبي والرسمي على الكيان الصهيوني، يقول النعامي: "رغم العوائد الهائلة التي يجنيها الكيان الصهيوني من الشراكات الإستراتيجية مع عدد من الأنظمة العربية، إلا أنَّه يبدي قلقاً بالغاً من مظاهر الرفض الشعبي التي يعكسها سلوك العرب، سيما في المحافل الرياضية والعلمية الدولية".

مضيفاً: "الكيان الصهيوني المعني بأنْ يحوز على شرعية من الشعوب العربي يدرك تماماً أنَّ طابع نُظُم الحكم العربية الديكتاتوري يعني أنَّ علاقته بالدول العربية يمكن أن تنتكس بمجرد أنْ تمَّ إسقاط هذا النظام أو ذاك، لذا تعمد تل أبيب إلى تنفيذ عشرات البرامج الهادفة لبناء جسور تواصل تقود إلى محاولة التطبيع مع بعض الأوساط، من أجل توظيف التواصل معها في محاولة الوصول إلى قطاعات أخرى".

وعن رد فعل الأنظمة في مواجهة هذا الرفض الشعبي المتصاعد، يقول النعامي: "هناك تفاوت في تعاطي أنظمة الحكم مع رافضي التطبيع أو أولئك المتهافتين عليه، وذلك استناداً إلى الاختلاف في الواقع الداخلي في كل دولة عربية، ففي مصر على سبيل المثال، ورغم حشد وسائل الإعلام وتوظيفها في مراكمة شرعية التطبيع، وارتباط النظام بشراكات إستراتيجية عميقة مع الكيان الصهيوني، إلا أنَّه لم ينجح، بل ما زالت النظرة إلى أشكال التطبيع في مصر على أنَّها عمل منبوذ، وهذا ما ينطبق على الأردن أيضاً".

ويستمر نضال الجماهير العربية في مواجهة مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني، وسواءً حدث هذا بشكل جماعي منظم أو فردي رمزي، فإنَّه يُحدث أثراً محلياً وعالمياً مدوياً يُربك (إسرائيل) والمُطبعين معها، كما تفعل المواقف المُشرفة للرياضيين العرب، والتي يبدو أنَّها لن تتوقف.


المصادر