متى تفتح أسوار "المنطقة الخضراء" أبوابها للعراقيين؟

5 years ago

12

طباعة

مشاركة

كانت آخر مرة عبر فيها سلام الطائي، جسر "14 تموز"، والمعروف بالجسر المعلق في بغداد حينما كان عمره 13 عاما، والان يعاود العبور عليه باتجاه الرصافة بعد أن أصبح عمره 28 عاما، هذا الجسر يقع ضمن الرقعة الجغرافية التابعة للمنطقة الخضراء المحصنة أمنيا، والتي منع من دخولها العراقيون بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.

وقال سلام في حديث لـ"الاستقلال": "كانت آخر مرة رأيت هذا الجسر مع أبي ومررت عن طريقه قبل الحرب بشهرين في 2003، كنت لا أزال فتى صغيرا ولم أكن أعلم حينها أنني سأنتظر 15 عاما لأعبر منه مرة أخرى".

ما هي المنطقة الخضراء؟

استقطعت قوات الإحتلال الأمريكي في عام 2003 عدة أجزاء من أحياء في وسط بغداد و شكلت حواجز اسمنتية، حيث تبلغ مساحة هذه المنطقة حوالي 10 كيلو متر مربع، كانت هذه المساحات قبل الاحتلال تضم مناطق عادية يقطنها سكان بغداد فضلا عن قصور رئاسية تابعة للنظام العراقي السابق الذي كان يتزعمه الرئيس صدام حسين، واشهرها القصر الجمهوري وقصر السلام، إضافة الى ساحة الاحتفالات الشهيرة في بغداد والتي كان يستعرض فيها الجيش العراقي السابق والحالي قواته حيث يتوسطها قوس النصر بسيفيه الشهيرين، فضلا عن تمثال الجندي المجهول وفندق الرشيد.

شكلت هذه المنطقة بعد التاسع من أبريل/ نيسان 2003 مقرا للقوات الأمريكية والسلطة المدنية التي كان يرأسها "جاي غارنر "، الذي يعد أول حاكم مدني لسلطات الاحتلال الامريكية في العراق فيما خلفه بعد ثلاث اسابيع الحاكم الشهير لبغداد " بول بريمر " في مايو/ أيار، الذي قام بتأسيس مجلس الحكم العراقي ضم فيه حينه 25 زعيما من المعارضة العراقية كان يتولى كل واحد منهم حكم العراق لمدة شهر إلى حين كتابة الدستور المؤقت وتشكيل الحكومة العراقية بزعامة أياد علاوي.

تطور الأمر لتكون هذه المنطقة مجمعا لرئاسة الوزراء والجمهورية والبرلمان العراقي، ومفوضية الانتخابات ومؤسسات عراقية سيادية، فضلا عن وجود غالبية سفارات الدول فيها وأهمها السفارة الأمريكية التي أخذت مساحة كبيرة من هذه المنطقة، إضافة إلى أنها تحولت إلى مكان لسكن المسؤولين العراقيين وأسرهم.

منطقة تختلف عن بغداد

المنطقة الخضراء، هي المنطقة الوحيدة في بغداد التي لم تتعرض منذ 2003 لخروقات أمنية كالتفجيرات وغيرها، قال مصدر عراقي يعمل في إحدى السفارات داخل المنطقة الخضراء، إنه "يسكن خارج المنطقة، لكنه بحكم عمله هناك فإن عليه الخضوع كل يوم لإجراءات أمنية مشددة للدخول إليها"، مضيفا: "عند الدخول الى المنطقة يجب أن يكون لديك بطاقة تعريفية مصرح من الجهة الأمنية التي تحمي المنطقة الخضراء، وهذه البطاقة التعريفية مقسمة الى عدة فئات فيها مميزات وصلاحيات تختلف كل واحدة عن الأخرى، ويخضع كل الأشخاص مع سياراتهم الى التفتيش الدقيق".

وأشار المصدر الذي طلب الكشف عن اسمه لأسباب أمنية في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن المنطقة تتمتع بنظام مختلف عن الموجود خارج أسوارها ويعيش قاطنوها حياة أخرى عن حياة البغداديين، قائلا: "الحياة هناك طبيعية ومتوفر فيها الكثير من المقومات، هناك مجمعات سكنية ومطاعم ومدارس وغيرها من أمور الحياة للمسؤولين وعوائلهم".

السفارات تحكم الخضراء

حكم العراق منذ 2003 الكثير من الشخصيات بدءا من أياد علاوي، وإبراهيم الجعفري، ونوري المالكي، ومرورا بحيدر العبادي وانتهاء بعادل عبد المهدي، خمسة عشر عاما مرت ولم يستطع أي من هؤلاء فتح المنطقة الخضراء، لم تكن هناك أية محاولات تجاه هذا الأمر حتى عام 2015 في ولاية حيدر العبادي الذي بدأت ولايته في 2014 وانتهت في 2018، حينما أمر بفتح المنطقة أمام المواطنين العراقيين لكنها سرعان ما جوبهت بالرفض من أطراف كثيرة وأهمها السفارة الأمريكية لدواعٍ أمنية.

وقال الكاتب العراقي مشرق عباس في مقال نشرته صحيفة "الحياة" في أبريل/نيسان 2018، عن الجهات الرافضة لافتتاح المنطقة الخضراء في عهد العبادي "وهذه الأطراف ليست بالضرورة عراقية بل بعضها كالسفارات خاضت معارك لرفض فتح شوارع قريبة منها. وأغلقت السفارة الهندية مثلا أبوابها أياما احتجاجا على القرار، فيما وقفت السفارتان الأمريكية والبريطانية عائقا أمام افتتاح المنطقة الخضراء على يد رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي، يضاف الى ذلك مسؤولون سابقون يحتلون بنايات وقصورا رسمية، حاولوا بكل وسيلة منع المضي بخطط تحرير الشوارع".

وفي 2019 و بحصول عادل عبد المهدي على رئاسة الوزراء، أمر هو الآخر بفتح المنطقة وبالفعل تم فتحها جزئيا و بأوقات محددة من الساعة الخامسة عصرا وحتى الواحدة ليلا، تم تمديدها في وقت لاحق لتصبح حتى التاسعة صباحا بالتوقيت المحلي.

وفي بيان لمديرية المرور العامة في العراق، أكدت فيه على رفع الحواجز الاسمنتية من المنطقة الخضراء، مبينة أن الطرق التي ستكون متاحة للمواطنين العراقيين هي محدودة بدءا من تقاطع عمان وصولا الى ساحة الاحتفالات باتجاه الجسر المعلق من الجانبين الرصافة والكرخ، فضلا عن فتح طريق عمان باتجاه سريع القادسية وساحة النسور وكذلك طريق مطار بغداد الدولي.

"ملامح بغداد بعد الخضراء"

من جهته، قال الصحفي بكر العبيدي في حديث لـ الاستقلال أن رفع الحواجز الكونكريتية من محيط المنطقة الخضراء وفتح الطرق المؤدية إليها هو مؤشر ايجابي لتحسن الأوضاع الامنية كما يعطي ارتياحا شعبيا من الناحية الأمنية، مضيفا: "نحن نشاهد مناطق وأزقة حرمنا منها ولم نشاهدها منذ سنوات طويلة فعادت لبغداد جزء من ألقها".

وأكد العبيدي أن "أسباب وضع الكتل الكونكريتية وغلق الشوارع المؤدية الى المنطقة الخضراء هي التدهور الأمني مع بداية دخول القوات الأمريكية والحرب الطائفية التي حصلت في عام 2006، وأن هذه المسببات قد ذهبت وأصبح هناك علاقة إيجابية بين المواطنين والقوات الأمنية، وأن وجود هذه الحواجز وهذا المنع يعتبر مجرد عوائق وصعوبات لحركة الناس".

فيما تشير سهى سمير وهي أستاذة جامعية في جامعة بغداد لـ"الاستقلال"، إلى أن إغلاق هذه المنطقة لخمسة عشر عاما كان كفيلا بأن تغيب الكثير من شواهد بغداد، حيث تقول: "غابت ملامح كثيرة من بغداد خلال هذه الأعوام، لم نعد نتعرف عليها، فبغداد بهذه الحواجز هي مدينة أخرى، اليوم وبعد فتح هذه المناطق جزئيا بدأنا نسترجع الذكريات وبدأنا نتذكر بغداد وايامها الجميلة في السبعينات والثمانينات قبل أن تذبل".

الجدير بالذكر أن بغداد تضم حوالي 30 مربعا أمنيا، إضافة إلى المنطقة الخضراء تتواجد فيها مجمعات حكومية وحزبية قطعت بسببها الساحات والشوارع أمام الناس، وهذا ما أشار اليه الصحفي مشرق عباس في مقاله بصحيفة "الحياة".