بعد تصعيد الهند.. خطر تغيير التركيبة السكانية يحوم حول كشمير

12

طباعة

مشاركة

ما كان يحلم به القوميون الهندوس منذ أكثر من 70 سنة، حققه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، حيث ألغى وضع الحكم الذاتي لإقليم كشمير ذي الأغلبية المسلمة، ليفتح فصلا جديدا من التوتر بهذه المنطقة التي تشهد صراعا مع باكستان مستمر منذ 70 عاما.

فمنذ وصول رئيس الوزراء الهندوسي القومي إلى السلطة عام 2014 وإعادة انتخابه شهر  مايو /أيار الماضي، بات المتشددون الهندوس يستهدفون بشكل متواصل المسلمين في قرى منطقة كشمير دون أي محاسبة من السلطات الهندية، ليصبح القرار الأخير بمثابة خطوة جديدة في خطتهم نحو تحويل الهند من دولة متعددة الأديان إلى دولة هندوسية.

صحيفة "لاكروا" الفرنسية، سلطت الضوء على الأوضاع في كشمير، مشيرة إلى أنه من خلال إلغاء الحكم الذاتي بالقسم الهندي، يمكن لحكومة ناريندرا مودي الآن، تطبيق سياستها القومية في هذه المنطقة الانفصالية ما يعجل بخطر اندلاع صراع جديد مع باكستان.

وأوضحت الصحيفة، في تقرير لها، أنه يوم الجمعة الماضي 16 أغسطس/آب، اجتمع مجلس الأمن الدولي بناء على طلب باكستان خشية اندلاع حرب ثالثة بين نيودلهي وإسلام أباد في هذه المنطقة الجبلية، فكشمير هي أرض تدعي ملكيتها ثلاث دول آسيوية كبرى: الهند والصين وباكستان.

وأشارت الصحيفة إلى أن أصل النزاع يعود إلى التقسيم، ففي أغسطس/آب 1947، عندما حصلت الهند وباكستان على استقلالهما، كان لدول الولاية الأميرية الخاضعة للحماية البريطانية خيار الانضمام إلى البلدين أو الحصول على الحكم الذاتي. في أكتوبر/تشرين الأول 1947، يميل الأمير الهندوسي الذي حكم مملكة كشمير ذات الأغلبية المسلمة لصالح الاتحاد الهندي،  لكن تدخلت القوات الباكستانية الأراضي لضمها.

ماذا تقول الأمم المتحدة؟

وأكدت أنه في عامي 1948 و1949، حاولت سلسلة قرارات لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تسوية قضية كشمير على خلفية الحرب الهندية الباكستانية، إذ أوصت القرارات بإجراء استفتاء، فالقرار 47 يطلب من باكستان سحب كل قواتها التي تدخلت في الصراع، ومن الهند ترك الحد الأدنى من القوات للحفاظ على النظام العام.

لكن تجاهلت باكستان قرار الأمم المتحدة واحتفظت بالسيطرة على ثلث ولاية كشمير المكتسبة خلال الحرب الهندية الباكستانية الأولى والتي استمرت من 1947-1949، فيما رفضت الهند إجراء الاستفتاء.

الدول المحيطة بكشمير

بينت "لاكروا" أن الباكستانيين الذين يعتبرون أنفسهم حماة للمسلمين الكشميريين، يطالبون باستقلال جامو وكشمير الواقعة تحت السيطرة الهندية، رغم أنهم لم يجروا مطلقا استفتاء تقرير المصير في الجزء الذي يديرونه منذ الحرب الهندية الباكستانية الأولى في عام 1947: أراضي أزاد كشمير وجيلجيت بالتستان،  لكن هذا لا يمنعهم من المطالبة بإجراء استفتاء في المنطقة التي تسيطر عليها الهند.

وتابعت الصحيفة، أنه لا تزال الهند تطالب بالسيطرة على كشمير التاريخية، وتحديدا أكساي تشين التي تسيطر عليها الصين ووادي شاكسجام، وجيلجيت بالتستان وأزاد كشمير، إضافة إلى المناطق التي تسيطر عليها بالفعل، وترفض السلطات الهندية أية وساطة دولية في المنطقة، معتبرة أنه شأن داخلي، ولم يتم إجراء الاستفتاء الموعود على الإطلاق، بينما في وادي سريناجار يعلن السكان أفكارهم الانفصالية.

ونوّهت "لاكروا" إلى أنه بالنسبة للصين، فقد أصبحت لاعبة في النزاع عام 1959 عندما دخلت قواتها لداخ، وهي منطقة بوذية في كشمير التاريخية، وشقت طريقا يربط بين مقاطعتين حساسيتين: التبت وشينجيانج، فبعد الحرب الصينية الهندية القصيرة عام 1962، استولى الصينيون على أكساي تشين، وفي عام 1963، تنازلت باكستان إلى الصين عن أراضي وادي شاكسام مقابل دعمها في الصراع مع الهند.

ما أصل القرار الهندي؟

من جهته، تساءل "راديو كندا الدولي" عن أصل قرار إلغاء الهند الحكم الذاتي لكشمير، والتوقعات التي قد تتبع هذا القرار؟

ونقل عن سيرج جرانجر، أستاذ مشارك في كلية السياسة التطبيقية في جامعة "شيربروك" قوله: "لن تتمتع كشمير بالحكم الذاتي الذي كانت تتمتع به في الماضي، وسيزيد من قدرة السلطة المركزية على إدارة المنطقة وإدارتها".

وأضاف: فالحكومة المركزية في نيودلهي لم تكن مفوضة بسن تشريعات في هذه المنطقة إلا في مسائل الدفاع والشؤون الخارجية والاتصالات، والباقي تتولاه سلطة تشريعية محلية، كما أن  جامو وكشمير، من خلال الحكم  الذاتي، كان لها دستور وعلم منفصلان.

ورأى جرانجر، أنه بإلغاء الحكم الذاتي أيضا سيصبح الأجانب في جامو وكشمير بإمكانهم شراء الأراضي والحصول على فرص عمل في المنطقة.

ويعتقد الخبير، أنه خارج نطاق السيطرة الموسعة على نيودلهي، يبدو أن حكومة نارندرا مودي القومية الهندوسية تشير إلى أنها مستعدة للتخلي عن سياسة السيطرة على كامل كشمير، "إذ يبدو الأمر كما لو أنها ترسل إشارة إلى أنها لم تعد تطالب بالسيطرة على كل كشمير، وأنها لم تعد غير راضية عن خط الترسيم الحالي".

وأشار إلى أنه مرّ أكثر من 40 عاما ولم يتحرك الوضع ومستمر حتى الآن، إذ يعود تاريخ الخط الفاصل بين كشمير الهندية وكشمير الباكستانية إلى عام 1965 والحرب الثانية، لكن البلدين يطالبان بالسيطرة على الإقليم بأكمله منذ ذلك الحين.

ولم يكن إلغاء الحكم الذاتي الدستوري لكشمير الهندية مفاجأة من وجهة نظر الأستاذ بجامعة شيربروك، مؤكدا أنه تغيير كبير، لكنه كان متوقعا، ويفسر قرار رئيس الوزراء مودي، بأنه جاء رغبة منه في الاستجابة لقاعدته الانتخابية، المؤلفة من القوميين الهندوس، ولكن بشكل خاص لتعزيز الشعور القومي للهند.

تغيير تركيبة كشمير

ونقل الراديو عن لفريدريك لافوي، الصحفي المستقل المقيم في مومباي، أن هذا الفصل الجديد في الهند تجاه كشمير، قوبل بالترحيب، وقال: إن غالبية السكان يدعمون هذه المبادرة، فكشمير بالنسبة للغالبية الهندوسية في الهند، أقلية مسلمة تسبب المتاعب.

ويقول الراديو: إن تدفق المهاجرين الهنود يمكن أن يغير بالفعل التركيبة السكانية للإقليم، ويهز الأغلبية المسلمة ويخفف من ثقل حركة الاستقلال، الناشطة من أكثر من 30 عاما في المنطقة.

وأضاف، أن باكستان التي تطالب بإطلاق سراح كشمير من قبضة الهند، أدانت إلغاء الحكم الذاتي، لكنها استبعدت حتى الآن استخدام القوة، لافتا إلى أن العلاقات توترت أيضا بشدة بين البلدين في فبراير/شباط الماضي، عندما اندلع قتال جوي ردا على تفجير انتحاري في كشمير الهندية، ألقي باللائمة فيه على جماعة متطرفة بباكستان.

ويخشى المراقبون الآن احتمال نشوب نزاع مسلح، لأن كلا البلدين يمتلكان سلاحا نوويا، وقد صدقت باكستان بالفعل على ضربة نووية ضد الهند في الماضي، كما يذكر سيرج جرانجر.

وأردف: "كثير من الناس يشعرون بالقلق لأن الصراع آخذ في التدهور، ولكن على المدى القصير، ينبغي لنا أن نتوقع حربا تقليدية قبل استخدام الترسانة النووية". ومع ذلك، يؤكد جرانجر، أن قرار رئيس الوزراء مودي يضع باكستان في حالة من عدم الراحة.

وأوضح جرانجر: "عندما ترسل الهند رسالة مفادها أنها مستعدة للعيش مع كشمير معزولة، نفهم أنها تسيء إلى باكستان، التي لا زالت تطالب بالسيطرة على كامل الإقليم"، منوّها في الوقت ذاته إلى أن الصين التي تسيطر على حوالي 20 في المئة من كشمير، مقيدة اليدين، فعلى الرغم من أنها قريبة سياسيا من باكستان، إلا أنها لا تستطيع تحمل نفقات دعمها وتعريض علاقتها بالهند للخطر.

الكلمات المفتاحية