Sunday 10 December, 2023

صحيفة الاستقلال

العالم مشغول بالعدوان على غزة.. لماذا تسرع إسرائيل من تغيير واقع الضفة الغربية؟

منذ 2023/11/18 09:11:00 | تقارير
"يخشى أن تزداد جرائم المستوطنين بحق المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية"
حجم الخط

في غمرة الانشغال الدولي بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تعمل تل أبيب بسرعة غير معهودة على تغيير واقع الضفة الغربية المحتلة.

فمنذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بدأ الاحتلال في تكثيف الاستيطان والاعتقالات وشن أصناف متعددة من الانتهاكات ضد الفلسطينيين.

وتشهد أنحاء متفرقة من الضفة الغربية، بما فيها شرق القدس، حملات مداهمة واقتحامات للقرى والبلدات من جانب الجيش الإسرائيلي، تصحبها مواجهات واعتقالات وإطلاق نار وقنابل غاز على الفلسطينيين.

اعتقالات متصاعدة

وتسارعت عمليات الاعتقال في الضفة منذ 7 أكتوبر، بعدما أطلقت إسرائيل حربا فتاكة على قطاع غزة دمّرت خلالها أحياء فوق رؤوس ساكنيها، خلفت آلاف القتلى والجرحى من المدنيين.

وعلى سبيل المثال، اعتقلت قوات الاحتلال منذ مساء 13 نوفمبر/تشرين الثاني وحتى فجر اليوم التالي، 78 فلسطينيا على الأقل من الضفة الغربية، بينهم 17 فتاة (طالبات جامعيات) من الخليل، بحسب بيان مشترك صادر عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني.

وفجر 13 نوفمبر، أعلن نادي الأسير الفلسطيني، أن الجيش الإسرائيلي اعتقل أكثر من 50 فلسطينيا بالضفة الغربية.

ومنذ 7 أكتوبر حتى صباح 15 نوفمبر، اعتقلت قوات الاحتلال أكثر من 2650 فلسطينيا، في حصيلة تشمل من جرى اقتيادهم من المنازل، وعبر الحواجز العسكرية، ومن اضطروا لتسليم أنفسهم تحت الضغط، ومن احتجزوا.

ورافق حملة الاعتقالات عمليات تنكيل واسعة واعتداءات بالضرب المبرح، ومصادرة الهواتف، وتهديدات بحقّ المعتقلين وعائلاتهم.

كما يرافقها عمليات تخريب وتدمير واسعة في منازل الفلسطينيين، وترويع وتهديد يصل حد التهديد بإطلاق النار بشكل مباشر، وفق المؤسسات الحقوقية.

ويقول ناشط فلسطيني رفض الكشف عن اسمه خوفا من المضايقة: "ازدادت حساسية الاحتلال تجاه شباب الضفة الغربية بعد حرب غزة، وبدأ بشن عمليات دهم وتفتيش واعتقالات همجية وغير مسبوقة خوفا من تصاعد التوتر هنا أيضا".

وأوضح الناشط الفلسطيني لـ"الاستقلال" أن "الاحتلال يحاول قمع جبهة الضفة الغربية ووأدها قبل أن تبدأ خاصة بعد انطلاق مظاهرات قليلة داعمة لغزة في عدد من المدن لقيت مواجهة من قبل قوات جيش الاحتلال وأمن سلطة رام الله معا".

وبين أن حملة الاعتقالات تزامنت مع رصد كبير لوسائل التواصل الاجتماعي، موضحا أن كثيرين يجرى اقتيادهم لمجرد شكوك بأنهم يؤيدون حركة المقاومة الإسلامية حماس.

وإضافة إلى من يجرى اعتقالهم، استشهد 5 أسرى في سجون الاحتلال منذ شن العدوان في 7 أكتوبر، كان آخرهم الأسير عبد الرحمن مرعي (33 عاما)، في 13 نوفمبر.

وقال نادي الأسير في بيان إن الجيش الإسرائيلي اعتقل مرعي في فبراير/شباط 2023 ولم يكن يعاني من مشكلات صحية، مشيرة إلى أنه متزوج وأب لأربعة أطفال أصغرهم يبلغ 4 أعوام.

وتابع النادي في 14 نوفمبر: "ما تعرض له الشهيد مرعي هو جريمة اغتيال جديدة عن سبق إصرار". أما مصلحة السجون الإسرائيلية فقالت في بيان "إن مرعي توفي بعدما شعر بالإعياء"، دون أن تقدم أي تفاصيل أخرى.

وإضافة إلى مرعي، استشهد كذلك حمزة دارغمة في 23 أكتوبر، ثم عرفات حمدان قضى في اليوم التالي.

كما استشهد ماجد زقول في 7 نوفمبر، إضافة إلى أسير خامس فارق الحياة لكن لم تعرف هويته بعد، بحسب نادي الأسير.

ولم تعلق سلطات الاحتلال على كل هذه الوفيات، لكن مصلحة السجون الإسرائيلية زعمت بشأن وفاة دراغمة أنه "كان يعاني من نزيف داخلي" لحظة رحيله.

وكثفت سلطات الاحتلال من الاعتقال الإداري وهو شكل من أشكال الاحتجاز التعسفي لفترة غير محددة ومن دون محاكمة انتقاما من الفلسطينيين، وذلك بعد الهجوم على مستوطنات غلاف غزة والذي أدى إلى مقتل ما يزيد على 1400 إسرائيلي.

وذكرت منظمة "العفو الدولية" ومؤسسات حقوقية محلية أن المعتقلين يتعرضون للتعذيب والمعاملة السيئة واقتحام غرف السجون ليلا منذ بدء "طوفان الأقصى".

ويبدو أن سلطات الاحتلال تحاول الضغط على حركة المقاومة الإسلامية في هذا الملف، بعد أن أسرت الأخيرة بين 200 - 250 بين أجانب وإسرائيليين من غلاف غزة.

قتل وتدمير

لم يتوقف الأمر عند الاعتقالات، فقد تصاعدت عمليات الاقتحام والقتل الإسرائيلية الجماعية في الضفة الغربية بشكل كبير منذ بدء العدوان على غزة.

ولوحظ تركز تلك العمليات الممنهجة في شمال الضفة الغربية التي تشهد حالة مقاومة فريدة من نوعها مع بروز عدد من الفصائل المسلحة أخيرا مثل كتيبة جنين وعرين الأسود وغيرها.

وكان آخر ذلك، اقتحام قوات الاحتلال مخيم طولكرم شمال الضفة الغربية وقتل 7 فلسطينيين في 14 نوفمبر.

وبلغت حصيلة شهداء طولكرم منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر وحتى 14 نوفمبر، 32 شهيدا.

وبالعموم، قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي من 197 فلسطينيا في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر وحتى 14 نوفمبر، بحسب معطيات وزارة الصحة الفلسطينية.

كما اقتحمت قوات الاحتلال مدينتي نابلس وجنين أكثر من مرة متسببة في وقوع عدد من الشهداء والجرحى في عمليات شبه يومية.

وتعمدت جرافات الاحتلال تدمير الشوارع في محيط مخيم جنين وفي بعض حاراته، وكانت تعمد إلى تجريف الطرق المؤدية إلى الشارع عند كل اقتحام، وهو ما يصعب عمل سيارات الإسعاف وطواقم الدفاع المدني التي كانت تحاول الوصول إلى الجرحى وقت الاقتحام.

وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا" في 14 نوفمبر: "تركزت سياسة اقتحامات الاحتلال لمخيم جنين أخيرا، إلى جانب عمليات قتل المواطنين والإعدامات الميدانية، على تدمير شوارع وطرق المخيم وتعطيل حركة المركبات في داخله، إضافة إلى تدمير شبكات الكهرباء والمياه".

وفي نابلس، اتخذت قوات الاحتلال خطوة أكثر تصعيدا، حيث فجرت منزلا في قرية عوريف جنوب نابلس.

وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اقتحمت بأكثر من 20 مركبة عسكرية القرية وداهمت منزل عائلة الشهيد مهند شحادة بعد محاصرته، ثم فجرته.

واستشهد مهند شحادة (26 عاما) في 20 يونيو/حزيران 2023، برصاص مستعمر على طريق رام الله - نابلس قرب قرية اللبن الشرقية، كما استشهد ابن قريته خالد صباح (24 عاما) برصاص وحدة خاصة من جيش الاحتلال شمال طوباس.

ويقول مركز بتسيلم الحقوقي الإسرائيلي إنه "منذ أن بدأت الحرب في قطاع غزة تصاعد مستوى العنف في الضفة الغربية، كما نُصبت حواجز في جميع أنحائها وسُدّت منافذ بلدات كثيرة وجرى إغلاق شوارع رئيسة وتقييد حركة الفلسطينيّين إلى حد كبير".  

سرقة وتهجير

إضافة إلى ذلك، صعّدت إسرائيل من مساعي تهجير تجمّعات فلسطينية وعائلات معزولة عن منازلها وأراضيها، بحسب ما قال المركز خلال تقرير نشره في 19 أكتوبر. 

وقال: "تتركّز مساعي التهجير في منطقة ضهر الجبل شرقي رام الله وفي منطقة الأغوار وفي تلال جنوب الخليل".

وتابع أن "التقارير التي وصلت إلى (بتسيلم) تفيد بأن المستوطنين قد أغاروا على تجمّعات فلسطينية شتّى - معزّزين بالسلاح أحيانا وبمرافقة جنود في أكثر من حالة".

وهاجم المستوطنون الأهالي، وفي حالات عدّة هدّدوهم بالسلاح، بل أطلقوا النار عليهم فعليا.

وأفاد عدد من الفلسطينيين عن أضرار لحقت بممتلكاتهم، من ضمنها هدم مبانٍ، سرقة مواشٍ، قطع أشجار، سرقة محاصيل زراعية، إتلاف خزانات مياه وتقطيع أنابيب مياه وتحطيم ألواح شمسية.

كذلك، سد مستوطنون طرقا زراعية يستخدمها سكان التجمعات الفلسطينية ومنعوهم من الوصول إلى أراضيهم، بحسب ذات المركز.

وفي عدة حالات، أمر مستوطنون وجنود الأهالي بإخلاء منازلهم وأراضيهم خلال مُهلة محددة وتوعدوهم بالأذى إذا ما رفضوا. 

وعلق المركز بالقول: "ممارسات إسرائيل هذه هي محاولة رخيصة لاستغلال الحرب كفرصة لمُواصلة تحقيق أهدافها السياسية في الضفة الغربية والسعي قدُما نحو الاستيلاء على المزيد والمزيد من الأراضي الفلسطينية". 

وينعكس الجزء الأكبر من مساعي تل أبيب في ارتفاع حاد طرأ على وتيرة وشدة أعمال العُنف التي يمارسها المستوطنون ضد الفلسطينيين - بدعم تام من جنود وعناصر شرطة، وفي أحيان كثيرة بمشاركتهم، وفق المركز. 

ويعتقد أنه "بالنظر إلى ما يجرى على أرض الواقع، يبدو أن المستوطنين يتصرفون، تحت غطاء الحرب، بلا أي وازع أو رادع حيث لا أحد يعمل على وقف عُنفهم - لا قبل وقوعه ولا في أثنائه ولا بأثر رجعيّ". 

وبدوره، قال موقع "ميديل إيست آي" البريطاني، إن هذا المخطط (التهجير وسرقة الأراضي) يجرى بدعم من الجيش والسلطات الأمنية الإسرائيلية، وسط الانشغال بالرد على عملية طوفان الأقصى.

ووفقا لتلك الأحداث، أوضح الموقع في 22 أكتوبر أن "المستوطنين يستفيدون من الدعم السياسي الكبير داخل حكومة نتنياهو، كما أنهم يعتمدون على دعم الجيش الإسرائيلي".

وشدد على أن "عودة بنيامين نتنياهو إلى منصب رئيس الوزراء في ديسمبر/كانون الأول 2022 تزامنت مع تجدد الدعم للمشروع الاستعماري". 

إذ إنه عين بتسلئيل سموتريش، زعيم الحزب الصهيوني الديني المتطرف، والمستوطن النشط، وزيرا للمالية.

ويؤيد الأخير مشروع "الانتصار من خلال الاستيطان"، الذي تقول إسرائيل إنها ستعمل بموجبه على ضم الضفة الغربية بشكل نهائي دون منح الحقوق السياسية للفلسطينيين.

"وبعد منحه صلاحيات واسعة فيما يتعلق بالمستوطنات في وقت سابق من عام 2023، ورد أن سموتريتش طلب من الوزارات الاستعداد لاستقبال 500 ألف مستوطن إضافي في الضفة الغربية، وهو ما يضاعف العدد الكلي تقريبا إلى أكثر من مليون"، وفقا للموقع.

ما القادم؟

وسط تصاعد هذه الانتهاكات، حذرت صحيفة "هآرتس" العبرية اليسارية في منتصف أكتوبر، من أن المستوطنين "يحاولون جر إسرائيل إلى حرب في الضفة الغربية".

وبدأت إسرائيل أخيرا بزيادة تسليح المستوطنين، كما أعلن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أن وزارته ستوزع 10 آلاف قطعة سلاح ناري، بالإضافة إلى معدات قتالية "لحماية المستوطنات".

وسجلت تل أبيب ارتفاعا غير مسبوق في طلبات استصدار رخص حمل السلاح وصلت نحو ربع مليون، منذ بدء الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر.

وقالت هيئة البث الإسرائيلي، في 15 نوفمبر، إن هناك "ارتفاعا ملموسا" على طلبات استصدار رخص لحمل السلاح، بلغ نحو ربع مليون منذ بدء الحرب.

وأشارت الهيئة الرسمية إلى أن هذا الرقم "يوازي عدد الطلبات المسجلة خلال السنوات العشرين الماضية".

وأضافت: "خلال (نحو) شهر ونصف الشهر منذ اندلاع الحرب، تم تقديم 236 ألف طلب جديد للحصول على رخصة سلاح شخصي". وتابعت: "منذ مطلع نوفمبر، يتم يوميا إصدار ما معدله 1700 رخصة لحمل السلاح".

ويخشى أن تزداد جرائم المستوطنين بحق المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية بفعل هذا التسهيل الكبير للحصول على السلاح.

وعن الجديد الذي حملته فترة الحرب فيما يخص هجمات المستوطنين، يقول المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" إنها "تشهد ازديادا متسارعا وممنهجا يفوق بكثير معدل الهجمات التي كان يشنها المستوطنون باستمرار".

وبين في تقرير نشره في الأول من نوفمبر أن "المستوطنين العقائديين يستغلون ثلاثة ظروف راهنة في سبيل القيام بالمزيد من عمليات التهجير والاعتداء"، وهي المناخ الإسرائيلي العام المشحون بجو انتقامي تجاه الفلسطينيين بعد هجمات حركة حماس.

ثانيا، حالة الطوارئ التي يفرضها الجيش والتي تتيح مجالا واسعا لتنفيذ هجمات المستوطنين بغطاء من الجنود الإسرائيليين، وبحماية منهم.

وثالثا، انشغال المجتمع الدولي والإعلام والحكومة الإسرائيلية بالحرب على قطاع غزة. 

ورأى المركز أن "انفجارا ما في الضفة الغربية قد يكون على الأبواب، في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة والمصحوبة بتصاعد مستمر لهجمات المستوطنين". 

وهو ما استدعي تحذيرا من الرئيس الأميركي جو بايدن في 25 أكتوبر عندما قال إن "على إسرائيل أن تقف عند مسؤولياتها في إنهاء هجمات المستوطنين المتصاعدة بشكل حاد"، مضيفا: "عليها إيقافهم، يجب أن يتوقفوا على الفور". 

بدوره، ذكر موقع "يديعوت أحرونوت" العبري في 8 نوفمبر أن مسؤولي الأمن الإسرائيليين حذروا من تصعيد أمني في الضفة الغربية، بسبب عدم مسؤولية الوزراء في الحكومة واتجاههم نحو توتير الأوضاع بالتزامن مع الحرب على غزة.


تحميل

المصادر:

1

الاحتلال يفجر منزل الشهيد مهند شحادة في عوريف جنوب نابلس

2

المستوطنون يحققون مخطط الدولة للتهويد

3

الضفة الغربية خلال الحرب على قطاع غزة: تهجير قسري، هجمات مستوطنين، وتوتر متصاعد

4

Israël-Palestine : pourquoi les colons veulent la guerre en Cisjordanie

كلمات مفتاحية :

إسرائيل اعتقالات الضفة الغربية انتهاكات حماس شهداء طوفان الأقصى غزة فلسطين