خيارات دولة الاحتلال الإسرائيلي حيال قطاع غزة، تهدد بانهيار إستراتيجية واشنطن في الشرق الأوسط، خاصة مع التطورات الميدانية في الأراضي الفلسطينية منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وقال موقع "المونيتور" الأميركي إن "إدارة الرئيس جو بايدن، اعتقدت أن دبلوماسيتها المضنية يمكن أن تحتوي إيران، وبالتالي وكلاءها في اليمن وسوريا والعراق ولبنان".
لكن الموقع استدرك بالتأكيد على أنه "بالتعمية على القضية الفلسطينية، منحت واشنطن خصمها فرصة إستراتيجية".
وأوضح أنه "باستثناء نشوب مواجهة نووية، فإنه يمكن القول إن المخاطر في أنحاء الشرق الأوسط أكبر من أي وقت مضى".
ولفت موقع "المونيتور" إلى أن "واشنطن -التي قد تنجر إلى حرب إقليمية واسعة تسبب انهيار كامل إستراتيجيتها في الشرق الأوسط على الأرجح- أرسلت إلى تل أبيب قادة مخضرمين شاركوا في الحرب على (تنظيم الدولة)، في محاولة لتهدئة وتوجيه القرار الإسرائيلي".
ولكن كما أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فإن "من المؤكد حدوث شكل ما من الغزو البري لقطاع غزة" الذي بدأ في 7 أكتوبر 2023.
وأمام الأمم المتحدة في نيويورك، قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان: "أقول بصراحة للإدارة الأميركية، التي تدير الآن الإبادة الجماعية في فلسطين، إننا لا نرحب بتوسيع نطاق الحرب في المنطقة، لكنني أحذر، إذا استمرت الإبادة الجماعية في غزة، فإنهم لن يسلموا من هذه النار".
في المقابل، قال مسؤولون عسكريون أميركيون إنهم يأخذون التهديدات "على محمل الجد"، كما قيدت سفارة واشنطن في الكويت نشاط موظفيها في القواعد العسكرية في البلاد.
وبعيدا عن الخليج، يظل ما إذا كان حزب الله سيتدخل بكامل قوته في الحرب مصدر قلق كبير في واشنطن، حسب "المونيتور".
وفي تصريحات لوكالة "أسوشيتد برس"، دعا مسؤول كبير في حماس وكلاء إيران إلى الانضمام إلى القتال لتخفيف الضغط على الحركة في فلسطين.
وفي حين أن حزب الله لم يُظهر سوى القليل من المؤشرات على اهتمامه بتصعيد الصراع بشكل كبير، إلا أنه من المحتمل أن ينتظر نشر إسرائيل قواتها في غزة، وفق الموقع الأميركي.
من جانبه، يرى القائد السابق للقوات الأميركية في الشرق الأوسط، الجنرال المتقاعد كينيث ماكنزي، أن "حزب الله لن يدخل المعركة إذا وجد أن الظروف في غزة سيئة، بل سيأتي إذا اعتقد أن لديه فرصة لتحقيق هدفه طويل المدى المتمثل في تدمير إسرائيل".
وأضاف أن "الحزب لن يتبع التوجيهات الإيرانية هنا بشكل أعمى، لأنه يعرف أن الرد الإسرائيلي قد يلحق به ضررا شديدا".
وأفاد الموقع الأميركي أن "تدمير حماس بالكامل يمكن أن يمكّن الجيش الإسرائيلي من تركيز قواته ضد حزب الله في الشمال، في أي صراع مستقبلي مع وكلاء إيران".
وأردف أن "الإسرائيليين يعتمدون -فيما يبدو- على القوة النارية الساحقة للبحرية والقوات الجوية الأميركية لردع الفصيل الشيعي اللبناني عن فتح جبهة ثانية".
وأورد المونيتور أنه "في نطاق عملية غزة، لا يزال هناك تناقض جوهري بين هدف الجيش الإسرائيلي المعلن منذ البداية، والمتمثل في القضاء على حماس بالكامل، وبين المهمة المزعومة المتمثلة في الحفاظ على حياة أكثر من 200 رهينة في غزة".
"وقد ترك ذلك تل أبيب في معضلة، بينما أعطى الأميركيين فرصة لكسب الوقت"، وفق الموقع.
وكما ذكر الكاتب الصحفي والمحلل العسكري الإسرائيلي، بن كاسبيت، فقد عدّلت القيادة العليا الإسرائيلية بهدوء أهدافها في غزة.
وأفاد بأنها "وافقت على تأخير الغزو، على الأقل حتى تصل بطاريات الدفاع الجوي الأميركية الإضافية من طراز باتريوت ونظام (ثاد) المضاد للصواريخ الباليستية والمدمرة (أيزنهاور) إلى الخليج".
ومع ذلك، قد يستغرق وصول المدمرة الأميركية أسبوعين، حسب مسؤول عسكري أميركي.
وتساءل موقع المونيتور: "هل تستطيع إسرائيل تحقيق أهدافها دون القيام بغزو بري واسع النطاق لقطاع غزة؟".
ووفق مسؤولين عسكريين سابقين من الولايات المتحدة، ومصدرين دبلوماسيين من الشرق الأوسط، فإن "هذا يعتمد على ما سيقبله نتنياهو على أنه صورة انتصار".
ورأى الموقع أن "حماس تهدد بتحويل البيئة الحضرية الكثيفة في غزة، -التي ترتكز على شبكة ضخمة متشابكة من الأنفاق، من المحتمل أن يكون الكثير منها مفخخا- إلى جحيم على الأرض للجيش الإسرائيلي".
وقال محللون عسكريون إن "وجود ملايين المدنيين الذين ليس لديهم طرق للهرب، بجانب وجود أكثر من 200 رهينة، سيعقد الوضع بشكل جذري".
بدوره، يعتقد الجنرال المتقاعد، جوزيف فوتيل، الذي أشرف على جميع القوات الأميركية في الشرق الأوسط خلال الحرب ضد "تنظيم الدولة"، أن الجيش الإسرائيلي لديه ثلاثة خيارات محتملة للإطاحة بحماس.
وقال فوتيل إن "عملية الاستيلاء على غزة -أو بعبارة أخرى شن غزو واسع النطاق قد يتبعه احتلال- هي عملية ستستغرق وقتا طويلا للغاية في البيئة الحضرية في غزة، نظرا لوجود المدنيين".
ووفق الجنرال الأميركي، فإن "هذا الخيار من المرجح أن يؤدي إلى تفعيل الخط الأحمر الذي وضعته إيران، مما يضع حوالي 30 ألف جندي أميركي ومضيفيهم العرب في الخليج مباشرة في مرمى طهران وترسانة وكلائها من الصواريخ والطائرات المسيّرة".
وبينما يقول المحللون الغربيون إن إيران لا تسعى إلى الحرب مع الولايات المتحدة، إذا تعرضت الدول العربية للقصف، فقد يؤدي ذلك إلى إحباط خطط واشنطن لتوسيع "اتفاقات أبراهام" وتبديد أي أمل للنفوذ الإستراتيجي الأميركي في المنطقة لسنوات مقبلة.
وبدلا من ذلك، اقترح فوتيل بالنسبة للجيش الإسرائيلي أسلوبا أكثر تركيزا "للتقدم السريع نحو الأهداف الحاسمة"، يتضمن وحدات مناورة تستولي على التضاريس الرئيسة التي يمكن من خلالها استهداف نشطاء حماس والبنية التحتية في غزة.
ويرى أن "هذا من شأنه أن يكون أخف تأثيرا، غير أن الصور التي قد تُنشر على الإنترنت للجيش الإسرائيلي وهو يستولي على الأحياء في غزة، يمكن أن تجبر إيران ووكلائها على التدخل، رغم التهديد الأميركي المعلن بالرد عسكريا على ذلك".
وأكد فوتيل أن "الخيار الثالث هو الأفضل، ويتمثل في الجمع بين الغارات الجوية المكثفة واقتحامات صغيرة وسريعة للقوات الخاصة الإسرائيلية لجمع المعلومات الاستخبارية، ثم استخدام هذه المعلومات في استهداف قادة حماس والبنية التحتية للحركة".
وأضاف: "لدينا الكثير من الخبرة في القيام بذلك، فقد كان هذا هو التكتيك الذي استخدمناه ضد تنظيمي الدولة والقاعدة".
لكن فوتيل حذر من أن "هناك مستوى عاليا من المخاطرة في هذا الخيار، لأنه بذلك ستتكشف القوات الإسرائيلية باستمرار، بينما يراقب العدو ذلك ويتكيف معه".
وأشار موقع المونيتور إلى أنه "من المحتمل أن تكون هذه واحدة من أكثر المهام تعقيدا التي واجهها الجيش الإسرائيلي على الإطلاق"، وفق وصف مسؤولين أميركيين سابقين.
وأفاد بأنه "من المرجح أن يؤدي الاحتلال الإسرائيلي الدموي لغزة إلى إنهاء قدرة السعودية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل".
وتابع: "من الممكن لحرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله أن تدفع الأوضاع في لبنان إلى أن تصبح دولة فاشلة، وأن تجر الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية".
وشدد على أنه "إذا أطلق وكلاء إيران العنان لوابلهم في الخليج، وردت الولايات المتحدة، فإن أي أمل في الدبلوماسية لكبح جماح برنامج طهران النووي على المدى القريب سيتعرض لخطر شديد".
علاوة على ذلك، فإن الأردن ومصر، حليفتي الولايات المتحدة في المنطقة، دقتا ناقوس الخطر، في الوقت الذي تواجهان فيه اضطرابات داخلية ورياحا اقتصادية معاكسة وسط الحرب.
وقال مصدر دبلوماسي عربي: "إذا اندلعت حرب أكبر، فستفسرها الشعوب العربية على أنها حرب مسلمين في مواجهة الغرب، وليس على أنها حرب الحرس الثوري الإيراني والمليشيات التابعة له ضد إسرائيل والولايات المتحدة".
وألمح الموقع إلى أن "الزعماء العرب يضغطون على واشنطن منذ سنوات بشأن ضرورة متابعة حل الدولتين، لتخفيف المظالم الفلسطينية بعد عقود من السلب والاحتلال".
وأشار إلى ما قاله بايدن أخيرا من أنه "عندما تنتهي هذه الأزمة، يجب أن تكون هناك رؤية لما سيأتي بعد ذلك"، مضيفا: "من وجهة نظرنا، يجب أن يكون حل الدولتين".
وختم الموقع تقريره بما قاله مسؤول دبلوماسي إقليمي: "هذه لحظة الحقيقة بالنسبة للنظر للغرب كنموذج في العالم العربي، فالوقت لم يفت بعد".