"صفقة سرية".. العراق يخلّص أوروبا من مواطنيها المنتمين لتنظيم الدولة

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحوّل العراق إلى "محكمة دولية" لحسم قضايا عناصر تنظيم الدولة من الأوروبيين، لكن هذه المهمة ليست علنية ولا يقدمها بالمجّان، فثمة "صفقة سرية" عقدتها بغداد مع دول رفضت عودة هؤلاء العناصر إليها، لقاء مبالغ مالية ضخمة.

وشملت الصفقة أيضا، مساعدات عسكرية تقدمها تلك الدول إلى العراق، للتخلص من صداع عودة عناصر التنظيم إلى بلدانهم المستقرة، ولا سيما بعد حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن أن إطلاق هذه العناصر سيعيد تغلغلهم في أوروبا إذا لم يتسلمهم أحد.

"صفقة سرية"

كشفت صحيفة "باريس ماتش" الفرنسية، عن اتفاق سري جرى بين السلطات الفرنسية والحكومة العراقية، يقضي بدفع باريس مليوني دولار لبغداد مقابل كل فرنسي تمت محاكمته بالعراق.

وأورد تقرير الصحيفة، أن "اتفاقا سريا توصلت إليه، في ديسمبر/كانون الأول 2018، السفارة والمخابرات الفرنسيتين والعراقيين"، موضحا أن "هذا الاتفاق جرى دون موافقة البرلمان العراقي، وأنه عقد بهدف محاكمة الفرنسيين". وأفاد التقرير، نقلا عن خبراء، بأن "فرنسا تفاوضت لدفع مبلغ مليوني دولار للعراق لكل سجين".

وأشارت الصحيفة إلى أن "القوات الكردية في شمال سوريا التي قبضت على الفرنسيين طلبت من باريس 23 دولارا يوميا عن كل سجين"، لافتة إلى أن "فرنسا والتحالف الدولي بصورة عامة عمل على نقل 13 سجين من الأراضي الكردية السورية ل‍بغداد مرورا ب‍باريس".

ويأتي الحديث عن "صفقة سرية" ليؤكد ما كشفته صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية عن اتفاق بين العراق وفرنسا، لمحاكمة مواطنين فرنسيين منتمين لتنظيم الدولة في العراق، معتقلين لدى "قوات سوريا الديمقراطية" في سوريا، مقابل مساعدات عسكرية ومالية تقدمها فرنسا للعراق.

وكان القضاء العراقي قد حكم في وقت سابقة على 9 فرنسيين من أصل 13، بالإعدام بعد إلقاء القبض عليهم داخل الأراضي السورية وتسلميهم للسلطات العراقية.

"أعداء الأمة"

وعقب القرار العراقي، قال وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، في كلمة أمام الجمعية الوطنية، إن "الفرنسيين الذين حكم عليهم العراق بالإعدام بتهمة الانتماء لداعش نالوا محاكمة عادلة".

وقبل ذلك، أعلن لو دريان، أن باريس تكثف الجهود الدبلوماسية لمنع إعدام أربعة من مواطنيها في العراق بعد إدانتهم بالانتماء لتنظيم الدولة، مؤكدا في الوقت ذاته، أن فرنسا تحترم سيادة العراق لكنها تعارض عقوبة الإعدام.

وسبق للوزير الفرنسي، أن وصفهم في تصريحات سابقة له بـ"أعداء الأمة"، قائلا: إنه ينبغي مثولهم للمحاكمة في سوريا أو العراق.

إلى ذلك، قال محامٍ عينته المحكمة، إن الفرنسيين الثلاثة رفضوا الحكم وطلبوا أن يمثلوا للمحاكمة في فرنسا، لكن القضاة تجاهلوا الطلب.

وترفض الحكومة الفرنسية حتى الآن رفضا قاطعا استلام مقاتلين من تنظيم الدولة أو زوجاتهم.

صداع لأوروبا

عقب محادثات أجراها الرئيس العراقي برهم صالح مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، اتفق الجانبان على تسليم العراق 13 فرنسيا من مقاتلي التنظيم، قُبض عليهم أثناء قتالهم في صفوف التنظيم في سوريا.

وأعلن صالح خلال مؤتمر صحفي، في 25 شباط/ فبراير الماضي، بعيد المحادثات، أنه ستتم مقاضاة المقاتلين الذين يتم تسليمهم إلى بغداد من قوات "سوريا الديمقراطية" بموجب أحكام القانون العراقي.

وعلق المتحدث السابق باسم الحكومة العراقية السابقة، رافد الجبوري، في تغريدة على موقع "تويتر" قائلا، إن "العراق سيتولى محاكمة الفرنسيين من أعضاء تنظيم داعش ليخلص فرنسا، وربما دولا أخرى من صداع استعادتهم ومحاكمتهم في محاكم ذات معايير دولية".

 

وأعقب محادثات صالح وماكرون، زيارة لرئيس الحكومة العراقية عادل عبدالمهدي إلى فرنسا وألمانيا، بحث خلالها مع ممثلي ست دول أوروبية مصير معتقلي عناصر تنظيم الدولة.

وبحسب بيان لمكتب عبدالمهدي، فإن الأخير "استقبل وفود دول الاتحاد الأوروبي، وجرى خلال اللقاء بحث التعاون بين العراق والدول الأوروبية في ملف مكافحة الإرهاب وتبادل الآراء حول كيفية التعامل مع الأعداد الكبيرة من المعتقلين الدواعش لينالوا عقابهم العادل وفقا للقانون".

وتمثل الوفود الأوروبية دول فرنسا وبريطانيا وألمانيا وهولندا وبلجيكا والسويد، بحسب البيان. وأكد عبدالمهدي أن "حضور هذا الوفد الكبير دليل على الاهتمام بهذه العلاقة المتنامية والرغبة بتطويرها، وأن التقارب والتفاهم بين العراق والاتحاد الأوروبي، بما يسهم في تحقيق مصالحنا المشتركة وأمننا ويخدمان الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم".

ونقل البيان عن أعضاء الوفد وسفراء الاتحاد الأوروبي لدى بغداد "ترحيبهم بمواقف الحكومة العراقية ومبادراتها وبفتح حوار بين العراق وأوروبا حول هذا الموضوع". لكن البيان لم يذكر أي اتفاق نجم بين العراق ودول أوروبا حول مصير معتقلي تنظيم الدولة.

وفي تصريحات لاحقة، قال عبدالمهدي، إن "دواعش فرنسا" ليس وحدهم من قد يحاكم في العراق، إنما أميركيون أيضا، فيما لا يزال الأمر معلقا بالنسبة للمسلحين الألمان.

واستخدم عبدالمهدي، في آخر تصريحات له بهذا الشأن، عبارة "نقل المسلحين" الذين بحوزة قوات سوريا الديمقراطية المعروفين بـ(قسد) إلى دولهم عبر العراق.

وبحسب بعض التحليلات، فإن العراق وواشنطن وباريس وحكومات غربية أخرى تعتبر نقل هؤلاء المواطنين للمحاكمة في العراق بديلا مقبولا، رغم أنهم من المحتمل أن يواجهوا الإعدام.

وأعلن العراق في ديسمبر/ كانون الأول 2017 تحرير كامل أراضيه من قبضة تنظيم الدولة بعد نحو ثلاث سنوات ونصف من المواجهات مع التنظيم، الذي احتل نحو ثلث البلاد معلنا إقامة ما أسماه "خلافة إسلامية".

ما المقابل؟

لم يكن استقبال العراق لعناصر تنظيم الدولة مجانيا، وإنما جاء ضمن صفقة تبادل مصالح مع دول الاتحاد الأوروبي، الرافضة لعودة عناصر تدربت على القتال، ساهمت هي أيضا في محاربتها ضمن تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة.

وبحسب رأي الخبير العراقي في شؤون الجماعات المسلحة، هشام الهاشمي، فإن الاتفاق الفرنسي العراقي "يرضي الجانبين (العراق وفرنسا)، ففرنسا ستتجنب التعامل مع عودة صعبة للمتشددين، وبالتالي، فإن بغداد قدمت لها خدمة".

وقال الهاشمي، إن العراق لديه مرونة في استخدام ورقة عدم رغبة الدول الغربية بعودة مقاتلي تنظيم الدولة من جنسياتها "في عمليات الحصول على دعم لوجستي ودبلوماسي من أجل إعادة إعمار المناطق المنكوبة".

ويتفق مع هذا الرأي، الباحث العراقي أحمد عماد، بالقول إن "العراق يريد أن يستخدم ذلك كورقة على المستوى الاقتصادي أو الأمني، في حال تأكدت معلومات الصفقة بين بغداد وباريس".

وكذلك رأت المحامية الفرنسية وأستاذة القانون الدولي، سلوى بو شلاغم، أن "العراق لما يوافق على محاكمة عناصر إرهابية من جنسيات أجنبية على أراضيه، فهو يقوم بذلك لمصلحة مادية بالدرجة الأولى، لأن كل دولة ستدفع مقابل محاسبة مواطنيها في بلد آخر، كما أن العراق طلب أسلحة وعتادا من فرنسا، إضافة إلى تسهيلات أمنية ومالية أخرى، وهذا كان باتفاق بين ماكرون والرئيس العراقي".

شرعية المحاكمات

وبخصوص شرعية محاكمتهم في العراق وليس في بلدانهم، رأى الهاشمي أن "العراق استدعى هؤلاء من سوريا على اعتبار أن هناك وثائق وشهادات تؤكد أن هؤلاء الـ13 عنصرا قاموا بعمليات إرهابية".

وأضاف: "العراق جرمهم على اعتبار أنهم قاموا بعمليات ضد القوات المسلحة والمدنيين في المنطقة الشمالية والشمالية-الغربية من محافظة نينوى".

وتوقع الهاشمي أن المحاكمة ستتم فقط على جرائم ارتكبت في العراق وليس لعملياتهم في سوريا، بحكم أن "قانون مكافحة الإرهاب العراقي يخص الذين ارتكبوا جرائم تصنف أنها إرهابية على الأراضي العراقية".

أما المحامية الفرنسية، فترى أن "هذا الأمر جزء من الثقافة وعقيدة فرنسية قديمة، أن من يرتكب عملا غير قانوني أو إرهابي في بلد آخر، يفضل أن يعاقب في البلد الذي تم فيه الجرم".

وبحسب قولها: فإن "هذا بسبب أن المجرم لو نقل إلى الأراضي الفرنسية، فستتحرك جميع جمعيات حقوق الإنسان في فرنسا من أجله، وهذا ما لا يحبذه قصر الإليزيه، والسبب الثاني هو حماية فرنسا والمواطنين الفرنسيين، إذ لا يرغب المجتمع الفرنسي بعودة عناصر متهمة بقضايا إرهابية، والحكومة تحاول الحفاظ على مظهرها، لذلك فهذا الأمر كان متوقعا".

إدانة حقوقية

لكن منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية أدانت قيام السلطات الفرنسية بما وصفته "تصدير" محاكمات مواطنيها المنتمين لعناصر تنظيم الدولة إلى العراق.

وقالت المنظمة بحسب ما أوردته صحيفة "الديلي تايمز" الأمريكية، إن "السلطات الفرنسية كان يجب أن لا تسمح بتصدير محاكمة أعضاء تنظيم من مواطنيها، المعتقلين في سوريا، إلى النظام القضائي المسيء لحقوق الإنسان في العراق".

وبحسب قولها: فإنه "لا يجب أن تقف السلطات الفرنسية مكتوفة الأيدي، فيما يتم اقتياد مواطنيها نحو محاكمات غير عادلة في بلاد قد تتعرض حقوقهم فيها للخرق بالتعذيب وغيره".