حراك الريف المغربي يعود للواجهة بعد تدهور صحة "الزفزافي"

منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد مقتل بائع السمك محسن فكري يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول 2016 في مدينة الحسيمة في منطقة الريف شمال المغرب، انفجر حراك شعبي واسع مطالب بالتنمية والعدالة الاجتماعية سطع فيه نجم الشاب ناصر الزفزافي الذي تحول إلى قائد لهذا الحراك ومتحدثا باسمه.

وألهبت خطابات الزفزافي، وسط التجمعات العامة وكلماته التي روجها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، شباب منطقة الريف الذين انتفضوا طيلة أشهر قبل اعتقال الزفزافي وعدد من رفاقه في 29 مايو / أيار 2017 وتوجيه تهم له بتقويض النظام العام والمساس بالوحدة الوطنية ليصدر حكم قضائي بحبسه 20 عاما في 27 يونيو / حزيران 2018 (1).

قضية الزفزافي ومن ورائها حراك الريف، عادت إلى السطح بعد وعكة صحية أصابت ناصر الزفزافي في سجنه أرجعها والده إلى تعرضه لتعذيب بفترة الاعتقال، وفتحت تساؤلات مجددا عن ملف حقوق الإنسان في المغرب وجدية الإصلاحات السياسية التي رافقت الربيع العربي عام 2011.

التدهور الصحي

في نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي بدأت الأخبار تخرج من داخل السجن المحلي بالدار البيضاء حول الحالة الصحية لقائد حراك الريف ناصر الزفزافي، إذ هاتف والده أحمد الزفزافي ليخبره بتوعك على مستوى رجله قبل أن يصبح الأمر أشبه بجلطة أو أعراض شلل نصفي إذ فقد القدرة على تحريك نصفه الأيمن والإحساس به (2).

هذا التدهور المفاجئ في الحالة الصحية للزفزافي دفع هيئة الدفاع عن معتقلي الريف بزيارته في محبسه، لينقل لهم أنه يعاني من آلام في أسفل القدم منذ مدة وتم تشخيصها من طبيب السجن الذي اكتفى بتقديم بعض المسكنات.

وفي مساء يوم 26 يناير / جانفي 2019 شعر ناصر بآلام حادة فطلب منحه نفس العلاجات، لكن حراس السجن الحاضرين رفضوا ذلك بحجة غياب الطبيب، ما أدى لتفاقم حالته الصحية وبدأ يفقد الإحساس بنصف جسمه الأيمن بالكامل.

وقال المحامي محمد أغناج عضو هيئة الدفاع عن معتقلي حراك الريف ""نقل المعتقل ناصر الزفزافي إلى المستشفى حيث أجريت له فحوصات كاملة، تبين معها أنه يعاني من تضيق أحد العروق على مستوى رأسه قد يؤذي جهازه العصبي"، هذه الحالة التي تفاقمت أكد المحامون أن الأطباء أثبتوها منذ أكثر من 10 أشهر على الحادثة وتم تضمينها في ملفه الطبي الذي رفضت إدارة السجن تسليمه لوالد الزفزافي.

إجماع على النفي

في الجهة المقابلة، تقف الأحزاب السياسية المغربية في الحكومة أو المعارضة شبه متفقة على تكذيب رواية عائلة الزفزافي ومحاميه، إذ صرح وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والقيادي في حزب العدالة والتنمية الحاكم مصطفى الرميد، بخصوص اتصاله بالمندوب العام لإدارة السجون للتقصي عما حدث لناصر الزفزافي، والذي أكد له أن المعتقل ألحق ضررا بنفسه، وأن لجنة تابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان عاينت الوضع واطلعت على الفيديوهات الموثقة للحظة إضراره بنفسه (3).

في نفس الوقت، نفذت لجنة برلمانية استطلاعية يرأسها النائب عن "حزب الاستقلال" عمر العباسي زيارة إلى عدد من سجون المملكة، ومن ضمنها سجن "عكاشة" بمدينة الدار البيضاء، حيث يتواجد سجناء حراك الريف، وخلصت اللجنة إلى أن "المعايير السجنية التي يوجدون فيها نموذجية، إذ يتمتعون بكافة الحقوق المخولة لهم طبقا للقانون"، حيث نفى رئيس اللجنة في تصريح لوسائل إعلام محلية أي توعك صحيا أصاب الزفزافي قائلا: "تحدثنا إلى الزفزافي لأزيد من ساعة.. الرجل يتمتع بكامل قواه الجسمية والعقلية" (4).

هذا الموقف الحازم والذي لم يحمل في طياته أي منحى حقوقي أو تضامني يتجانس مع موقف الأحزاب من حراك الريف منذ انطلاقه.

عجز في السلطة

لم تنجح الحكومة المغربية طيلة الأشهر التي شهدت حراكا شعبيا واسعا في إقليم الحسيمة ومناطق الريف لا من الاستجابة للمطالب التي رفعها المحتجون ولا بإدارة حوار معهم يخفض حدة الاحتجاجات.

أمام هذا العجز الذي عرفته الحكومة أمام الحراك جاء خطاب الملك المغربي محمد السادس بمناسبة الذكرى الـ18 لاعتلائه العرش منتقدا التعاطي الحكومي مع القضية محملا المسؤولية لجل السياسيين في المغرب قائلا: "التطور السياسي والتنموي، الذي يعرفه المغرب، لم ينعكس بالإيجاب، على تعامل الأحزاب والمسؤولين السياسيين والإداريين مع التطلعات والانشغالات الحقيقية للمغاربة".

وأضاف: "ممارسات بعض المسؤولين المنتخبين تدفع عددا من المواطنين، وخاصة الشباب، للعزوف عن الانخراط في العمل السياسي، وعن المشاركة في الانتخابات؛ لأنهم، بكل بساطة، لا يثقون في الطبقة السياسية، ولأن بعض الفاعلين أفسدوا السياسة، وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل"(5).

الانفصال.. التهمة الجاهزة

هذا الإحراج الذي وقعت فيه الأحزاب الحاكمة بعد موقف المؤسسة الملكية من تعاطيها مع الحراك دفعها إلى إصدار موقف فاقم من الأزمة وضاعف الاحتقان في المنطقة، إذ عبر عدد من قادة الائتلاف الحاكم في المغرب إثر اجتماع مغلق عقدته الأحزاب الستة المشكلة للحكومة، وحضره وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت.

وصرح وزير الشباب والقيادي في حزب "التجمع الوطني للأحرار" رشيد الطالبي العلمي أن "المطالب الاجتماعية لسكان المنطقة حوّلتها مجموعة مسخّرة من الخارج إلى مطالب وشعارات تمس بوحدة ورموز البلاد"، في إشارة إلى النظام الملكي والدعوة إلى انفصال ما سمي بجمهورية الريف (6).

المراحل التاريخية

لا تغيب صورة عبد الكريم الخطابي عن خلفية كل الفيديوهات التي خاطب فيها ناصر الزفزافي المغاربة والعالم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما لم تغب راية جمهورية الريف والعلم الأمازيغي دون العلم المغربي، وعبد الكريم الخطابي هو قائد المقاومة في منطقة الريف شمال المغرب ضد الاستعمار الإسباني الذي كان يقاسم الفرنسيين احتلال المغرب الأقصى.

وقد أوقع الخطابي بالإسبان هزيمة تاريخية في معركة أنوال يوم 22 يوليو/تموز 1921، حيث قتل 15 ألف جندي إسباني على رأسهم قائدهم الجنرال "سلفستر"، كما أسر 570 جنديا، فانسحب الاستعمار من منطقة الريف وأجبرت القوات الإسبانية إلى التراجع إلى السواحل. وأعلن الخطابي حكومة خاصة بمنطقة الريف في 18 سبتمبر/أيلول 1921 دون التنكر لسلطان المغرب وسميت حينها بجمهورية الريف .

هذا الإرث التاريخي ظل مصاحبا لحراك الريف ومثيرا لتخوفات السلطة المركزية في الرباط رغم النفي الدائم من قبل الزفزافي في أكثر من مناسبة لذلك، ولكنه في نفس الوقت لم ينفي وجود أطراف ذات منزع إنفصالي من بينها "حركة 18 شتنبر لاستقلال الريف" .

حلول في الأفق

مع عودة طرح قضية حراك الريف وقادته المعتقلين، توقع رئيس الحكومة المغربية الأسبق عبد الإله بن كيران خلال لقاء مع إعلاميين بمنزله في الرباط صدور عفو ملكي يحل ملف ناصر الزفزافي ورفاقه المعتقلين، وقال ابن كيران إن "ملف الزفزافي ومجموعته سيحل بعفو ملكي"، مضيفا أنه "طلب من العاهل المغربي محمد السادس العفو عنهم واصفا إياهم بالضحايا" (7).

يذكر أن الملك أصدر أمرا بالعفو عن 889 من السجناء والمحكوم عليهم، بينهم أكثر من 100 معتقل على خلفية "حراك الريف" في أغسطس /آب 2018 ولكن هذا العفو لم يشمل أحدا من قادته.

بذلك يتأكد عند المغاربة أن مفاتيح السلطة والقرار لازالت ممسوكة بالكامل بيد ملك البلاد رغم الإصلاحات الدستورية التي قلصت نسبيا من صلاحياته إثر الحراك الشعبي الذي شهدته المغرب في 20 فبراير/كانون الأول 2011 بالتزامن مع ثورات الربيع العربي.

الكلمات المفتاحية