"سباق الابتكار".. لهذه الأسباب تقدمت إسرائيل وتراجع العرب

محمد ثابت | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 25 يوليو/ تموز، صدرت نتائج مؤشر الابتكار العالمي لعام 2019، وهو المؤشر المختص بتصنيف الابتكار ونسبة أدائه في 129 دولة من بلاد العالم واقتصادها.

احتلت سويسرا عرش العالم في الدول الأكثر ابتكارا ثم السويد والولايات المتحدة وهولندا وإنجلترا، وكشف المؤشر عن اعتبار إسرائيل مع الهند وجنوب إفريقيا وتشيلي "رائدة إقليميا ومترأسة لمجموعاتها من حيث الدخل".

لماذا تراجعت الدول العربية باستثناء الإمارات، على مؤشر الابتكار الأخير؟ وماذا عن مصير ومستقبل مخترعين عرب أشار إليهم نفس المؤشر منذ عامين فحسب؟ ولماذا أفاد مبتكرون ومخترعون عرب أمريكا إفادات جمة لم تستفد منها بلادهم؟

معيار عالمي

بعد إصداره الثاني عشر، صار مؤشر المنظمة العالمية للملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة، بالإضافة لجامعة كورنيل والمعهد الأوروبي لإدارة الأعمال (إنسياد) معيارا عالميا لمعاونة معدي السياسات على فهم أوفق لتجديد الابتكار وتقييمه، بما أنه دافع مهم للتنمية الاقتصادية والبشرية في العالم.

يستخدم المؤشر لتحليل الاقتصاديات 80 معيارا منها: الاستثمارات في البحث والتطوير وعدد طلبات البراءات والعلامات التجارية الدولية، ومؤشرات أخرى مثل إنشاء تطبيقات الهواتف المحمولة وصادرات التكنولوجيا الفائقة، ويحتفظ لكل إقليم في العالم بمجال تفوقه.

كما يحلل المؤشر طريقة تحويل الابتكار الطبي التكنولوجي وغيره إلى رعاية صحية عملية في تلك الدول.

حسب المؤشر، في الشمال الإفريقي وغرب آسيا جاءت إسرائيل وقبرص والإمارات في الدرجات الأولى من حيث اقتصاديات المنطقة، وجاء موضوع المؤشر لهذا العام تحت اسم: "التأسيس لحياة صحية – مستقبل الابتكار الطبي"، وبحث المؤشر في قسمه الخاص بالصحة في أساليب توفير الرعاية الصحية عبر الذكاء الاصطناعي والجينوم ومنها تطبيقات الصحة المتنقلة.

جاءت الإمارات وحدها من بين البلدان العربية من حيث عدد الطلاب الأجانب في التعليم العالي، مع إضافة "نفقات أنشطة البحث والتطوير التي يمولها قطاع الأعمال، ومهارات البحث في الشركات، إضافة إلى تكاليف إنتاج الكهرباء، وتطوير التجمعات". في المقابل حققت إسرائيل نتائج عالية في جودتها ابتكاريا، بما فيها الخدمات المتصلة بالاتصالات، بالإضافة لتكنولوجيا المعلومات.

أما بالنسبة لبقية دول العالم، وصلت الهند للمرتبة 52 عالميا محتفظة بالصدارة في بلدان وسط وجنوب آسيا، بعدما كانت تحتل المنزلة 81 عام 2015، فيما وصلت إيران إلى ثاني أكثر الدول ابتكارا في المنطقة، بينما حلت دولة اليمن "السعيد" في المرتبة الأخيرة عالميا.

كما برزت جنوب إفريقيا في تصدر اقتصاديات قارتها، وجاءت بعدها كينيا ثم موريشيوس، وفي المقابل نالت رواندا تفوقا باحتلالها المكانة 94 عالميا متقدمة 5 مراكز عن موقعها عام 2018. 

من جانبه، صرّح المدير العام للمؤشر فرانسس غري أن "البلدان التي تعطي الأولوية للابتكار في سياساتها شهدت تحسينات كبيرة في ترتيبها"، مشيرا إلى التقدم الملحوظ الذي أحرزته الصين والهند ما غيّر جغرافية الابتكار.

تراجع المغرب

عام 2017 احتل المغرب المكانة 72 والسادسة عربيا والثالثة إفريقيا ضمن لائحة الدول الأكثر ابتكارا، ورغم ذلك تراجع المغرب عن المؤشر تماما هذا العام. لم يجد الشباب المبتكرون هناك مؤسسة تدعمهم، ومن ثم تنازل كثير منهم عن مخترعاتهم وابتكاراتهم تحت ضغط ظروف الحياة، فلا بيئة محفزة ولا مؤسسات داعمة، فيما تتدخل بعض الشركات الأجنبية لشراء الابتكارات مستغلة حاجة المخترع وانعدام البيئة المساعدة له.

انعدام الدعم والعناية والرعاية المؤسساتية أو من جانب الدول كان لها الدور الأكبر في القضاء على الابتكار والاختراع في العالم العربي، بالإضافة إلى مناخ الاستبداد البالغ القتامة الذي يصرف مقدرات أغلب الدول العربية لحماية الأنظمة وجيوشها.

تعاني أغلب إن لم تكن جميع الدول العربية معاناة المغرب العربي، حيث تخصص الدول العربية 0.4% من الناتج المحلي للبحث والتطوير، بما مجموعه 7 مليارات دولار، بحسب اليونسكو عام 2014، وهذه المخصصات على ضعفها تعاني من هدر مهني يجعلها تنفق في الأغلب الأعم على رواتب الباحثين دون ربطها بالنتائج الخاصة بالبحث العلمي.

لما سبق، فإن قلة الباحثين العرب المستمرين على الطريق، ومن ثم المخترعين والمبتكرين يعد أحد أوجه القصور، سواء في البحث أو النشر العلمي الابتكاري، أو براءات الاختراع، فلم يسجل الوطن العربي كله إلا 321 براءة اختراع من 210 آلاف و977 براءة اختراع مسجلة لدى المنظمة الملكية الفكرية.

وإزاء ضراوة الحياة وصعوبتها في الدول العربية يلجأ كثير، إن لم يكن أغلب المخترعين والمبتكرين العرب إلى الغرب خاصة الولايات المتحدة.

المهاجرون العرب

تقرير نشرته مجلة "هارفارد بيزنس رفيو" الأمريكية التي تصدر عن دار النشر التابعة لكلية هارفارد للأعمال، وهي مختصة بالبحث العلمي في الإدارة والأعمال تقول إن المخترعين العرب جعلوا أمريكا أكثر ابتكارا، وجاء هذا الحكم بناء على دراسة ذات أرقام دقيقة.

بدأ التقرير الخاص بالمجلة بالقول: "من حسن كامل الصباح، وهو مخترع أمريكي ولد في لبنان، إلى أحمد زويل، الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999، إلى فاروق الباز، عالم الفضاء في وكالة ناسا ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الذي ساعد العلماء في التخطيط لهبوط أبولو، لإلياس زرهوني، المدير الخامس عشر للمعاهد الوطنية للصحة، كان لدى المهاجرين العرب مساهمات كبيرة في مجال العلوم والتكنولوجيا الأمريكية".

هذه الأسماء تمثل حالات بارزة لمخترعين أهملتهم الدول العربية فازدهروا في أمريكا وأبدعوا وابتكروا، غير أن الأمر لم يقف على ذلك، بل الأكثر إيلاما هو أمر المخترعين العرب الذين تم اغتيالهم في العصرين الحديث والمعاصر على أرض الوطن العربي أو خارجه، وحرمت من جهودهم البشرية من مثل عالم الذرة المصري يحي المشد الذي اغتيل في باريس عام 1980، ومواطنته عالمة الذرة سميرة موسى المغتالة في أمريكا عام 1952 مع القول بتورط الموساد في اغتيالها.

أما عالم الذرة العربي الأول الدكتور إسماعيل أحمد أدهم الحاصل على الدكتوراه من الاتحاد السوفيتي، والذي قيل إنه غرق في جليم بالإسكندرية عام 1940 فتظل وفاته لغزا محيرا هو الآخر، خاصة مع جهوده الخارقة في مجاله النادر، وقائمة المغتالين من علماء الذرة والنووي العرب تطول دون تحقيق كاف أو حتى مجرد رصد رسمي عربي دقيق.

إسرائيل لماذا؟

حققت إسرائيل منذ الخمسينيات نسبا متقدمة اقتصاديا، حيث يحصل مواطنها على 25% في عام 1950 من دخل نظيره الأمريكي، و60% في عام 1970م، فيما خلقت الحكومات المتعاقبة بها برنامج "يوزما" أو المبادرة لتمويل الأفكار الجديدة.

يقول الاقتصادي الفينزولي ريكاردو هاوسمان: لكل الدول مشاكل وتحديات وما أدهشه بالنسبة إلى إسرائيل هو الرغبة في مواجهة المشاكل وجعلها فرصا للتطور والتقدم، هذا الدافع النفسي والعقلي موجود في إسرائيل وغائب في معظم الدول الأخرى.

وهكذا بترحيب خاص بالبحث العلمي رفعت إسرائيل إنتاجها 17 مرة، وتقدمت المجتمع الدولي في تدويل المياه بنسبة 70%.

ويبقى أن إسرائيل تنفق نحو 4.6% من إجمالي الناتج المحلي على البحث العلمي والتطوير التكنولوجي بما يقارب 9 مليارات دولار وهو ما يزيد على ما تنفقه الدول العربية مجتمعة.

حسب مراقبين فإن حل أزماتنا العربية في الابتكار والاختراع والحفاظ على المتفوقين لا يبدأ من حل فردي من اهتمام بالنوابغ، إن لم يواكبه حلول ومجهودات علمية دقيقة وحسن إدراك من الحكومات والدول، ليتغير مناخ بلادنا العربية الطارد من الأساس للشباب إلى مناخ جاذب لهم مرحب بهم، ومستثمر لطاقاته بخاصة الابتكارية والإبداعية.

أسس علمية

الباحث المتخصص في الشأن الإسرائيلي أبو بكر خلاف قال لـ"الاستقلال": "يقوم البحث العلمي في إسرائيل على أسس علمية محكمة يجعلها تتقدم في هذا المجال، وتجيء في مكانة لائقة من مؤشر الابتكار بداية من ميزانية البحث العلمي بها التي تفوق جميع ميزانيات الدول العربية مجتمعة معا، بالإضافة إلى عدد الجامعات مع الحرص على توأمة هذه الجامعات مع أخرى أوروبية من حيث الأبحاث وتكنولوجيا المعلومات".

ويضيف خلاف: "كما أن هناك في إسرائيل اختبارات قبول حقيقية للطلبة المبتكرين، مع الحرص على مواكبة حركة الترجمة للتقدم العلمي الغربي، فإذا أضفنا إلى كل ما سبق وجود ديمقراطية حقيقية، وأن الجامعات لا تضخ في الأذهان معلومات فحسب، بل تقوم بالتربية السياسية الحقيقية، حتى أنه في جامعة تل أبيب قام الطلبة بتمثيل مسرحية استنكرت عنف الدولة حيال المتظاهرين الفلسطينيين، ووصفتها بأنها ترتكب "جرائم حرب".

خلاف أكد أن "غياب جميع العناصر السابقة في أغلب الدول العربية أودى بها وأزالها من مؤشر الابتكار، ولكي تعالج الأمر عليها بالعودة إلى مسار البحث العلمي وتشجيع الابتكار الحقيقي مع الالتزام بالديمقراطية الحقيقية".

بيئة طاردة

الخبير الاجتماعي والنفسي الدكتور محمود لملوم قال: "الإبداع والابتكار يتناسبان تناسبا طرديا مع الحرية، فكلما علا سقف الأخيرة ازداد ازدهارا، وللأسف فإن البيئة العربية طاردة للابتكار والإبداع بالديكاتورية والاستبداد المعهودين، وبالتالي فلا إبداع ولا ابتكار لدينا، في مقابل إسرائيل التي تتوفر فيها بيئة مشجعى للإبداع على مختلف الصعد".

وعن سبل الحفاظ على الشباب المبتكرين في الوطن العربي يقول لملوم: "لا حل يكفل استمرار مبتكر أو مخترع في الدول العربية، وأرى أن عليه المغادرة لأحد الدول الغربية، وهناك يواصل بحوثه مع تحديه للنظم الديكاتورية في بلادنا، وهو الأمر الذي يغفله مخترعون ومبتكرون منهم الراحل أحمد زويل على سبيل المثال، لذلك لم تستفد بلادنا من مثله، ولعل هذا الجهد ضد الاستبداد ينقل بلادنا للحرية".

أما عن ازدهار الابتكار والاختراع في إسرائيل يقول لملوم: "تعتبر إسرائيل بيئة جاذبة وليست طاردة للأمرين، فهي توفر كل الإمكانات العلمية للباحثين بالإضافة للمال والتكنولوجيا، ولذلك فبعض العلماء الروس ينزحون إليها، وكذلك يعمل علماء أمريكان لحسابها سواء أقاموا فيها أم في بلدهم".

مضيفا: "ما تزال ميزانيات البحث العلمي متخلفة في بلادنا العربية بالإضافة إلى الهوة والبون الشاسع بين تقدير إسرائيل للعالم والمبتكر والمخترع، والمصير السيئ الذي يصل إليه لدينا سواء عبر السجن أو الإخفاء إن تدخّل في السياسة".