رغم التنديد الشعبي بـ"عنصرية" قيس سعيد.. لماذا يصمت القادة الأفارقة؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

سلطت قناة فرنسية، الضوء على التحركات الشعبية الإفريقية ضد الرئيس التونسي قيس سعيد، بسبب تصريحاته العنصرية ضد الأفارقة، على عكس القادة الأفارقة الذين التزموا الصمت. 

وأعربت قناة "TV5 Monde" عن استغرابها إزاء محاولة القادة الأفارقة تجنب الحديث عن عنصرية الرئيس التونسي، بل إن من بينهم من قام بـ"زيارة إنقاذ" إلى تونس، للدفاع عن قيس سعيد.

زيارة إنقاذ

ففي 8 مارس/ آذار 2023، استقبل "سعيد" رئيس غينيا بيساو، عمر سيسوكو إمبالو، الذي يتولى أيضا الرئاسة الحالية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.

ونفى سعيد خلال لقائه، الاتهامات بوجود نزعة عنصرية في موقفه من المهاجرين القادمين من دول إفريقيا في جنوب الصحراء، بعد الجدل الذي أثارته تصريحاته ضد المهاجرين غير النظاميين في بلاده.

وقال سعيد لدى استقباله رئيس غينيا بيساو عمر سيسوكو امبالو، بقصر قرطاج، إن أفارقة جنوب الصحراء هم "إخوتنا"، وأضاف "أنا إفريقي وأفتخر". 

وكان الرئيس التونسي قد استنكر في تصريحاته في 21 فبراير/شباط 2023، تدفق "جحافل المهاجرين غير النظاميين"، من إفريقيا جنوب الصحراء، مؤكدا أن هذه الظاهرة تؤدي إلى "عنف وجرائم".

ولفت الرئيس التونسي إلى وجود ما أسماه "ترتيب إجرامي تم إعداده منذ مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديموغرافية لتونس"، ما أثار غضبا كبيرا في عدد من الدول الإفريقية.

من جانبه، قال الرئيس الغيني إن تصريحات نظيره التونسي قيس سعيد بشأن الأفارقة من بلدان جنوب الصحراء "تم تأويلها بشكل خاطئ".

وأضاف إمبالو: "بعد التأويل الخاطئ لتصريحات الرئيس قيس سعيد بشأن أفارقة جنوب الصحراء، لم أكن لأتصور بأن تكون تونس بلد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة بلدا عنصريا".

وتابع مخاطبا الرئيس سعيد: "كلنا أفارقة.. أنتم أيضا أفارقة بغض النظر عن لون البشر.. وكلنا إخوة"، مشددا على أنه "يجب ألا تفسر الأمور بطريقة خاطئة.. وهناك من يستغل هذه التأويلات".

بدوره، أوضح الصحفي البنيني المستقل فرانسيس لالوبو، أن زيارة "إمبالو" لتونس كانت بمثابة مَهمة لإنقاذ الرئيس سعيد، وإعادة دمجه في نادي القادة الأفارقة دون إدانته.

وأضاف لالوبو: "يبدو أن هذا الموقف الذي اتخذه الرئيس إمبالو لا يتماشى مع ردود أفعال الرأي العام في غرب إفريقيا".

وحسب القناة الفرنسية، فإن الدعوات لمقاطعة المنتجات التونسية تزايدت على الشبكات الاجتماعية في كوت ديفوار والسنغال.

حيث بات بالإمكان قراءة عبارات مثل: "ينبغي ألا نشتري التمور وزيت الزيتون من تونس" على الشبكات الاجتماعية، من داكار وأبيدجان عبر كوناكري (عاصمة غينيا).

وانطلاقا من خوفها من مقاطعة الجمهور لمنتجاتها، أُجبرت شركة "سينيكو سا" السنغالية على تبرير أن المادة الخام لأحد منتجاتها الرئيسة مستخرجة من السنغال.

وقالت الشركة في بيان لها: "السمن النباتي لدينا هو منتج سنغالي 100 بالمئة يتم إنتاجه في المصنع الواقع في ديامينياديو في السنغال".

وأشارت القناة إلى أن هناك حوالي 15 جمعية من منظمات المجتمع المدني طالبت بفرض عقوبات من المجتمع الدولي على سعيد، بسبب ما يعدونه تجاوزا منه لأحد الخطوط الحمراء.

وطالبت الجمعيات – التي تضم بعض نواب المعارضة السنغالية- "الرئيس التونسي بسحب تصريحاته، والاعتذار للجالية الإفريقية بأسرها".

فجوة كبيرة

من جانبه، قال الصحفي فرانسيس لالوبو، إننا "نشهد فجوة حقيقية بين الرأي العام الشعبي في القارة السمراء ورؤساء الدول فيها".

 فقد أصدر الاتحاد الإفريقي إدانة على استحياء لا أكثر، بينما لم يدن قادة مثل الحسن واتارا في كوت ديفوار، أو ماكي سال في السنغال كلمات الرئيس التونسي.

وأضاف لالوبو: "لقد تم بالفعل تنفيذ عمليات ترحيل بحق رعاياهم الذين يعيشون في تونس، لكن هؤلاء القادة، صمتوا وصموا آذانهم".

وكان الرئيس السنغالي، ماكي سال، نشر تغريدة على حسابه في موقع "تويتر"، في 10 مارس/ آذار 2023، أعلن فيها أنه أجرى محادثة هاتفية مع الرئيس سعيد.

ولم يكشف الرئيس السنغالي عن تفاصيل الموضوعات التي نوقشت، لكنه أشار إلى تقديره لما أسماها بـ"إجراءات التهدئة التي اتخذها (سعيّد) في سياق الوضع الحالي".

ومن جانبه، لم يصدر الرئيس الإيفواري، الحسن واتارا، أي بيان صحفي حول تصريحات نظيره التونسي، رغم أن السلطات الإفوارية أعادت 500 من مواطنيها الذين يعيشون في تونس.

بينما قال الناطق باسم الحكومة، مامادو كوليبالي، إن الرئيس الإيفواري وجّه بإعادة المواطنين الذين تعرضوا لسوء المعاملة في تونس.

ونقل موقع "أفريكا نيوز" عن مسؤول دبلوماسي إيفواري أن حوالي 50 مواطنا من كوت ديفوار تلقوا رعاية عاجلة من قبل سفارتهم في تونس، بعد أن وجدوا أنفسهم في الشارع.

وأشارت القناة أن هؤلاء المواطنين طُردوا من منازلهم بسبب إجراءات الحكومة التونسية التي تستهدف المهاجرين غير الشرعيين.

ووصف لالوبو هذا التناقض بين الحكومات والشعوب الإفريقية بـ"المدهش"، فإذا تذكرنا ما حدث في عام 2017 في ليبيا، كان رد فعل القادة الأفارقة من خلال الاتحاد الإفريقي أقوى بكثير مما كان عليه اليوم.

وذكرت القناة الفرنسية بما كشفته قناة "سي إن إن" الأمريكية من صور أظهرت مهاجرين شباب وهم يباعون كأنهم بضائع في ليبيا عام 2017.

حيث كشف صحفي بريطاني يعمل في الشبكة عمليات بيع عشرات المهاجرين النيجيريين من قبل الليبيين مقابل 400 إلى 500 دولار لكل مهاجر في مزاد مباشر.

شعبوية سلطوية

بدوره، تساءل حاتم النفطي، مؤلف كتاب "تونس.. نحو شعبوية سلطوية؟ عن كيفية تفسير هذا الانقسام بين المواطنين والحكومات حول هذه القضية؟ ولماذا لم يتجاوب القادة مع شعوبهم؟ 

وأضاف النفطي- الذي يعرف جيدا العلاقة بين رؤساء دول القارة ونظام قيس سعيد- أن "بعض السياسيين في غرب إفريقيا حاولوا كسب مشاعر مواطنيهم من أجل مصلحتهم".

وتابع: "وهذا ينطبق بشكل خاص على حالة العقيد مامادي دومبوي، رئيس المجلس العسكري في غينيا، الذي أصر على الترحيب بعودة الغينيين من تونس على مدرج كوناكري، وتحت كاميرات التلفزيون الحكومي".

وأشار الكاتب أنه "إذا كان زعيم دولة أوروبية هو من أدلى بتصريحات كالتي أدلى بها قيس سعيد، لكانت ردود الفعل ستختلف بلا شك".

وأبدى النفطي تعجبه من اعتقاد رئيس المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، أو الرئيس الإيفواري أن قيس سعيد ليس عنصريا أو كارها للأجانب.

"بل الأدهى من ذلك أن لديهم شعورا بأن الرئيس التونسي تجاوز شكلا من أشكال المؤامرة"، يضيف الكاتب.

وأضاف النفطي أنهم "سيتمكنون من إعادة دمجه في نادي الزعماء الأفارقة، فاليوم يهاجم المهاجرين، بالأمس هاجم خصومه، وغدا سيجد كبش فداء آخر".

وبحسب لالوبو،  فإن "سيطرة هؤلاء الحكام الأفارقة على دولهم أهم بكثير من تحسين الظروف المعيشية للشعب أو تلبية الرأي العام له".

وأضاف أن "السلطة في السنغال على سبيل المثال ليس لديها خطاب عام حول مسألة الهجرة، فهذا الشاب الذي يركب القارب، ليفر من البلاد إلى أوروبا ويخوض جميع المخاطر، يتعرض لتجاهل من الحكومة". 

وأشار الصحفي البنيني إلى فيلم "أتلانتكس"، للمخرجة السينمائية ماتي ديوب، الذي يسلط الضوء على العديد من الصراعات التي يواجهها الشبان داخل السنغال، ومنها ملف المهاجرين.

وشبه الكاتب ما حدث للفيلم من غرق شباب في البحر أثناء هجرتهم بما يحدث حقيقة للشباب السنغاليين على أرض الواقع. 

وفق لالوبو، فإن "هذا الصمت داخل هذه البلدان الكبيرة في غرب إفريقيا يخلق أو يغذي شكلا من أشكال عدم الثقة بين المواطنين والطبقة السياسية".

وأكد لالوبو أن "أزمة الثقة في الطبقة الحاكمة هذه تشجع للأسف على استخدام البدائل الشعبوية".

"كما يوضح هذا الانقسام بين الرأي العام والرؤساء الأفارقة، طبيعة ما أصبح عليه الاتحاد الإفريقي"، حسب لالوبو.

وختم فرانسيس لالوبو: "إنه تجمع لرؤساء الدول لا للشعوب، على عكس الاتحاد الأوروبي، حيث إن الاتحاد الإفريقي لا يطبق معايير سيادة القانون، كما أنه بعيد عن أي حوار بين المواطنين والسلطة".