"اجتماع شرم الشيخ".. هل ينقل مهمة قمع المقاومة من إسرائيل إلى سلطة عباس؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

توجسات منطقية وشكوك قوية من إمكانية تنفيذ التزامات اجتماع مدينة "شرم الشيخ" بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بحضور ممثلين عن الأردن والولايات المتحدة والنظام المصري.

وترجع تلك الشكوك بشأن التهدئة في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس الشرقية، إلى عدم التزام إسرائيل بتلك التفاهمات، واستمرارها بالبناء الاستيطاني، وعمليات اقتحام المدن وتنفيذ اغتيالات.

وفي 19 مارس/آذار 2023، خلص الاجتماع الخماسي، إلى التمسك بتحقيق التهدئة في الأراضي الفلسطينية وعقد لقاء جديد بالمدينة ذاتها في أبريل/ نيسان 2023.

نقل المسؤولية

وفي حديث لـ"الاستقلال" كشف مصدر دبلوماسي بوزارة خارجية النظام المصري تابع اجتماع شرم الشيخ الأمني أن هدف الاجتماع هذه المرة كان نقل مسؤولية "التهدئة" في الضفة الغربية، ولجم المجموعات المسلحة إلى سلطة رام الله بدلا من إسرائيل، خاصة مع شهر رمضان المقبل.

ومنذ مطلع 2023، تصاعدت المواجهات في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وأسفرت عن استشهاد 84 فلسطينيا، ومقتل 14 إسرائيليا في عمليات متفرقة.

وأوضح المصدر أن "نقل هذه التبعية للسلطة الفلسطينية سيكون تحت إشراف إسرائيل وأميركا ومصر والأردن، حيث سيلعب كل طرف دورا في إنجاح هذه الخطة أملا في التهدئة".

وألمح ضمنا إلى أن "نقل مسؤولية الأمن لسلطة الرئيس محمود عباس، هدفه قمع الفدائيين الجدد من حركات عرين الأسود وغيرها، ومنع أجهزة الأمن الفلسطينية لهم من استهداف الجيش الإسرائيلي والمستوطنين".

وحول تكثيف قوات الاحتلال عمليات الاقتحام والقتل والاعتقال في الضفة، عكس ما يقال عن تهدئة، أوضح المصدر أن هذا "ربما يكون استعدادا لوقف أي اقتحامات في رمضان خصوصا حسبما طلبت مصر والأردن والسلطة الفلسطينية".

واعترفت قناة "كان" العبرية الرسمية، في 18 مارس 2023، أن "الجيش سيكثف عمليات الاغتيال في الضفة قبل حلول رمضان".

وعقد مسؤولون فلسطينيون وإسرائيليون اجتماعا في شرم الشيخ 19 مارس 2023 كجزء من اجتماع خماسي مع مسؤولين مصريين وأردنيين وأميركيين، وهو الاجتماع الثاني من نوعه بعد اجتماع العقبة في 26 شباط/ فبراير 2023.

ولم يسفر الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في العقبة بالأردن في تهدئة التوترات في الضفة الغربية، حيث تراجع أعضاء بالحكومة الإسرائيلية على الفور تقريبا عن الاتفاقية وهاجم مستوطنون قرية حوارة الفلسطينية ودعوا إلى "إبادة" سكانها. 

وأكدت صحف عبرية ما قاله المصدر الدبلوماسي المصري، حيث نقلت "هآرتس" في 18 مارس 2023 عن مصدر سياسي إسرائيلي، قوله إن الاجتماع الأمني في شرم الشيخ "سيركز على تعزيز السلطة الفلسطينية وتشجيعها للعمل ضد ما وصفه بـ"التنظيمات الإرهابية، وكل من يبادر إلى تنفيذ هجمات".

وأكدت قناة "كان 11" أن المسؤولين الفلسطينيين سيكررون في شرم الشيخ ما طالبوا في اجتماع العقبة بشأن وقف الاقتحامات الإسرائيلية للمناطق المصنفة A بحسب اتفاق أوسلو".

ووقف اقتحامات الأقصى، وتجميد تشديد القيود التي تستهدف الأسرى، وتسليم الجثامين التي تحتجزها سلطات الاحتلال، وضمانات إسرائيلية بعدم وقوع استفزازات في الحرم القدسي خلال شهر رمضان.

بيد أن محللين فلسطينيين يرون أن قمة شرم الشيخ تمثل "حلقة جديدة ضمن حلقات التآمر على المقاومة الفلسطينية، ومحاولة لمنح إسرائيل مزيدا من الأدوات لتجفيف بيئة الممانعة في الضفة الغربية والقدس".

كواليس الاجتماع

عمليا، انتهى اجتماع "شرم الشيخ" الخماسي الأمني، دون قرارات حاسمة، وأكد على ما تم الاتفاق عليه سابقا في العقبة وتراجعت عنه إسرائيل.

وتأكيدا لذلك، تم الاتفاق على عقد اجتماع آخر في شهر رمضان المبارك (أبريل 2023).

لكن ما يُفهم من بيان "شرم الشيخ" أن السلطة سترفع من منسوب التنسيق الأمني مع إسرائيل، وستسعى لتوفير البضاعة الأمنية التي يريدها الاحتلال، بالمقابل ستحصل على إجراءات اقتصادية لدعمها وتحسين أحوالها المالية.

وبحسب المصدر المصري، شهد اجتماع شرم الشيخ نفس سيناريو اجتماع العقبة، حيث بدأ ممثلو السلطة الفلسطينية في المطالبة بنفس المطالب السابقة وهي وقف اقتحامات الاحتلال لمدن الضفة الغربية، وإنهاء اعتداءات المستوطنين، وغيرها.

واشتكى ممثلو السلطة من تراجع إسرائيل عن كل ما تعهدت به في العقبة بمجرد انتهاء الاجتماع عبر وزرائها المتطرفين، واستمرارها في الاقتحامات والاغتيالات رغم التعهد بوقفها، ما جعل السلطة عاجزة عن السيطرة على المقاومين.

وأكدوا أن الاقتحامات والاغتيالات الإسرائيلية تقوض سيطرتها باستمرار، وتضعف سلطتها وتغذي الاستياء بين الشباب، الذين يعانون بالفعل من ارتفاع معدلات البطالة وجرائم الاحتلال.

ورد مسؤولو الاحتلال بتكرار نفس الاتهامات بشأن عدم قدرة السلطة على لجم المقاومين ليبرروا قتلهم المقاومين في عمليات اقتحام مستمرة، وتدخل مسؤولو الاستخبارات المصرية والأردنية لإعادة التأكيد على الالتزامات السابقة.

وبسبب الضغوط على الوفد الإسرائيلي لوقف أي اقتحامات من جانب جيش الاحتلال لمدن الضفة الغربية في رمضان، حاول الوفد الإسرائيلي الضغط بالتهديد بالانسحاب من الاجتماع فور وصول أنباء العملية الجديدة في "حوارة".

وهو ما أكدته شبكة التلفزيون "i24news" الإسرائيلية في 19 مارس/آذار 2023 بأن "وفد المسؤولين الإسرائيليين، قام بالانسحاب من قمة شرم الشيخ، في أعقاب هجوم مسلح فلسطيني على سيارة مستوطنين وإصابته اثنين في بلدة حوارة".

لكن تقارير إسرائيلية أكدت أن اجتماع شرم الشيخ الأمني "لم يتأثر بعملية إطلاق النار في حوارة"، وأشارت إلى أن "الأنباء حول العملية لم تصل إلى الوفد الإسرائيلي المشارك حتى انتهاء الاجتماع"، بحسب موقع "عرب 48" في 19 مارس 2023.

ونقلت وكالة "رويترز" البريطانية في 19 مارس 2023 عن مصدر أمني مصري (لم تسمه)، قوله إن "مصر والأردن كانتا تضغطان قبل اجتماع شرم الشيخ لانتزاع تعهدات من بينها التزام إسرائيل بضبط النفس في محيط المسجد الأقصى، والإفراج عن الأسرى مقابل خفض العمليات الفلسطينية".

ووعد الوفد الأميركي بمراقبة تعهدات الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ودعم السلطة وتدريب أعضائها حتى تتمكن من السيطرة على عمليات المقاومة التي يزعم الاحتلال والأميركان أنها هي سبب التوتر، وليست اعتداءات المستوطنين والاحتلال. 

توصية غامضة

وانتهى الاجتماع بإعلان التزام حكومة إسرائيل والسلطة الفلسطينية، في نص البيان الختامي المعلن، بالتحرك فورا لإنهاء "الإجراءات الأحادية" لفترة بين 3 و6 أشهـر.

ويشمل ذلك أن تلتزم إسرائيل بوقف "مناقشة" أي وحدات استيطانية جديدة لمدة 4 أشهر، ووقف "إصدار تراخيص" جديدة للمستوطنات مدة 6 أشهر، وهو نفس ما تعهدت به في اجتماع العقبة، ولم تلتزم به، وأقرت بناء 10 آلاف منزل استيطاني.

أما أخطر ما تم الاتفاق عليه فهو "استحداث آلية للتصدي للعنف والتحريض والتصريحات والتحركات التي قد تتسبب في اشتعال الموقف"، وترفع هذه الآلية تقارير لقيادات الدول الخمس خلال الاجتماع المقبل في أبريل 2023.

وهذه التوصية غامضة، حيث تعني التصدي للمقاومين الجدد في الضفة، دون إشارة لاعتداءات الجيش والمستوطنين الإسرائيليين، بحسب المصادر المصرية.

وينفي المحلل الفلسطيني، مصطفى الصواف، أن تنجح توصيات القمة وإعطاء دور أكبر لأمن السلطة الفلسطينية في لجم المقاومة، مؤكدا أن "عملية المقاومة مستمرة وليست ردات فعل على عمل هنا أو هناك.

وأكد لـ"الاستقلال" أن "كل المحاولات لوأد المقاومة ستفشل ولن تحقق النتائج المطلوبة، لأن اليوم لم تعد المقاومة (مقاومة تنظيم) بقدر ما باتت (مقاومة شعب)، لذا فالمقاومة عملية متواصلة طالما أن فلسطين محتلة".

وجاء الاتفاق على دور السلطة الفلسطينية، في لجم المقاومة في نص البند (3) من البيان الختامي.

ونصت على "الحق القانوني للسلطة الوطنية الفلسطينية في الاضطلاع بالمسؤوليات الأمنية في المنطقة (أ) بالضفة الغربية" بحيث تعمل مع إسرائيل "من أجل تحقيق هذا الهدف".

و"ذلك خلال شهر رمضان المعظم والذي يتواكب خلال العام الحالي مع أعياد الفصح لدى المسيحيين واليهود".

أما المقابل الذي ستحصل عليه السلطة فهو كما جاء في الفقرة السادسة من البيان، "اتخاذ الخطوات اللازمة لتحسين الأوضاع الاقتصادية للشعب الفلسطيني"، وتعزيز الوضع المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية".

وضمن محاولات التهدئة في رمضان، جاءت الفقرة 7 من الاتفاق لتؤكد "الالتزام بعدم المساس بالوضعية التاريخية القائمة للأماكن المقدسة في القدس، فعلا وقولا"، أي بقاء "الوضع الراهن" القائم منذ الاحتلال عام 1967.

 

ملاحقة المقاومين

وعقب اجتماع شرم الشيخ، أعلنت الشرطة الإسرائيلية عن نشر ألف عنصر بمدينة القدس الشرقية خلال شهر رمضان، وألفين خلال أيام الجمعة من كل أسبوع.

وقال قائد شرطة الاحتلال في القدس، دورون تورغمان، إن الغرض من هذه الاستعدادات خلال رمضان هو "مرور الشهر بشكل سلس"، وفق صحيفة "يسرائيل هيوم" في 19 مارس 2023.

ومن المتوقع أن يتخلل عيد الفصح اليهودي شهر رمضان هذا العام ويمتد من 4 إلى 13 أبريل/نيسان 2023، وسط مخاوف من احتكاكات بين المصلين المسلمين والمستوطنين الذين ينفذون عمليات اقتحام جماعية للمسجد الأقصى في عيدهم.

وكان نائب المكتب السياسي لحماس، صالح العاروري، المسؤول عن الضفة الغربية، حذر إسرائيل في 14 مارس 2023 من استغلال شهر رمضان لتطبيق سياسة من شأنها تغيير الوضع الراهن وتقسيم أوقات الصلاة في المسجد الأقصى.

أيضا أشار بيان شرم الشيخ إلى "أهمية الوصاية الهاشمية (الدور الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية)، ويلاحظ هنا أنه تم الحديث عن "أهمية" وليس "إلزامية" الوصاية الهاشمية في الحرم القدسي. 

وكان من قاد الوفد الأمني الإسرائيلي في قمة شرم الشيخ وشدد على قيام السلطة بلجم المقاومة بالقوة، هو "رونين بار"، رئيس جهاز "الشاباك" المسؤول المباشر عن تنفيذ جميع المجارز التي يرتكبها الاحتلال في الضفة وغزة.

أما الملفت في هذه التوصيات فهو أن ما تعلنه إسرائيل لا تنفذه مطلقا ولا تلتزم به مثلما حدث بعد اجتماع العقبة في الأردن، رغم أن السلطة توقفت فعليا بالمقابل عن إجراءات ملاحقة الاحتلال في المحاكم الدولية.

وهو ما يعني أن الاحتلال "يستخدم السلطة الفلسطينية لتحقيق أهدافه في القضاء على المقاومة عبر التنسيق الأمني، ما يؤكد أن الاجتماعات أمنية تخدم الاحتلال وحسب"، وفق "المركز الفلسطيني للإعلام" التابع لحركة حماس في 19 مارس 2023.

ووصف المحلل الفلسطيني المختص في الشأن الإسرائيلي، عادل ياسين، اجتماع شرم الشيخ الأمني، بأنه "يكشف وظيفة السلطة التي تتمحور حول ملاحقة المقاومين ومحاولة إحباط العمليات".

وقال ياسين لوكالة "شهاب" الفلسطينية للأنباء 19 مارس/آذار 2023 إن التوصيات تثبت "مدى ارتهان بقاء السلطة الفلسطينية بالتنسيق الأمني، وإن الاحتلال الإسرائيلي لن يسمح لها بالبقاء ولو للحظة، حال توقفت عن".

وانتقد مشاركة السلطة في هذا الاجتماع الأمني مع الاحتلال بعد كشف الأخير عن قائمة اغتيالات واعتقالات أعدتها أجهزة الأمن الصهيونية، كهدف عملي قبل شهر رمضان. 

بيان متحايل

والغريب أنه عقب قمة شرم الشيخ أصرت تل أبيب في بيان منفصل، صادر عن مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي ورئيس الشاباك رونين بار، على ما أسمته "الحاجة للعمل بشكل حاسم ضد الإرهاب من أجل منع تصاعد العنف خلال رمضان"، وفق صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" 19 مارس/آذار 2023.

 أي أنها أكدت استمرار قيامها بالاقتحامات والاغتيالات حتى يوم 23 مارس 2023 بداية شهر رمضان!

والأكثر غرابة أن البيان الإسرائيلي المنفصل، "لا يتطرق إلى الوعد المتجدد في البيان المشترك بوقف المناقشات بشأن بناء المستوطنات الجديدة أو البؤر الاستيطانية القانونية لمدة أربعة إلى ستة أشهر"، بحسب "تايمز أوف إسرائيل".

وقبل اجتماع شرم الشيخ، دعا اللواء متقاعد، عيران ليرمان، نائب رئيس "معهد القدس للإستراتيجية والأمن" في دراسة 13 مارس/آذار 2023 قمة شرم للعودة إلى ما أسماه "إدارة الصراع" والاستفادة من أدوار مصر والأردن في لجم المقاومة.

وأشار إلى أن تل أبيب مضطرة للعودة إلى مسار "إدارة الصراع" بالتعاون مع مصر والأردن خشية إعطاء الفرصة لحماس وإيران وغيرهما بإشعال الوضع، فضلا عن إغضاب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.

وأكد ليرمان أن "الانسحاب من نظام التسوية الحالي (أوسلو) والعمل بدلا من ذلك بنشاط لتدمير السلطة الفلسطينية أو التسليم السلبي بانهيارها سيعزز من موقف وقوة حماس وإيران وحلفائها، مثل الجهاد الإسلامي".

وتوقع أن يركز مسار شرم الشيخ على استعادة علاقات العمل الفعالة مع السلطة الفلسطينية مع التركيز على مدير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج والأجهزة الأمنية الفلسطينية، بدعم أميركي. 

وكانت "القناة 14" العبرية نشرت 22 فبراير/شباط 2023 تفاصيل خطة وضعها الجنرال الأميركي مايك فنزل، منسق الشؤون الأمنية بالسفارة الأميركية في تل أبيب، تهدف إلى تصفية المقاومة في جنين ونابلس، عبر عمليات قتل واغتيال ممنهج.

والخطة التي سبق أن أشار إليها الصحفي الاسرائيلي باراك ريفيد في موقع "أكسيوس" الأميركي مطلع فبراير/شباط 2023، ضغط وزير الخارجية الأميركية خلال زيارته رام الله علي الرئيس الفلسطيني محمود عباس "لقبولها" وفق تأكيده.

لكن "القناة 14" أكدت 22 فبراير/شباط 2023 أن قيادة السلطة الفلسطينية "قبلت بها مبدئيا" بالفعل، وحضرت مع مصر والأردن قمة العقبة لمناقشة بنودها الخمسة بناء على ذلك.