من خلال تطبيع العلاقات مع السودان وتشاد.. ما الذي تطمح إليه إسرائيل؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

رأى مركز دراسات إيطالي أن قرار توقيع اتفاق تطبيع العلاقات بين تل أبيب والخرطوم، وافتتاح سفارة لتشاد يشكلان نقلة نوعية مهمة في "الإسقاط السياسي الإسرائيلي في إفريقيا".

في الثاني من فبراير/شباط 2023، التقى وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين برئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان في العاصمة الخرطوم وكشف عن تقديم مسودة "اتفاق سلام" سيوقع خلال هذا العام.

وقال مركز الدراسات الدولية في تقرير على موقعه إن "هذه الخطوة التي طال انتظارها، تسببت في تنديد كبير في السودان لاسيما مع الدور الذي تلعبه الخرطوم في دعم القضية الفلسطينية".

وذكر أن نهاية نظام عمر البشير الذي استمر لأكثر من ثلاثين عامًا والضغط الأميركي الكبير على مجلس السيادة السوداني، أدى إلى تغيير وتيرة العلاقة بين السودان وإسرائيل. 

وزعم أن التطبيع سيمنح السودان "فوائد كبيرة في العديد من القطاعات" كما أن سحبه رسمياً من اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب من شأنه أن يضمن استثمارات أجنبية جديدة ضرورية لدعم الاقتصاد.

وأواخر 2020، أعلنت إسرائيل والسودان تطبيع العلاقات بينهما، بعد تعهد الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب بإزالة اسم البلد العربي من قائمة ما تعدها واشنطن "دولا راعية للإرهاب" وتقديم مساعدات للخرطوم. إلا أن الطرفين لم يوقعا رسميا حتى الآن على اتفاقية إبراهام.

وفي  الثاني من فبراير أيضًا، استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرئيس التشادي المؤقت، محمد إدريس ديبي إتنو بمناسبة افتتاح سفارة بلاده في إسرائيل.

تشاد والسودان

بحسب الموقع الإيطالي، فإن قرار إعادة العلاقات الدبلوماسية مع تشاد يتبع مسارا مختلفا عن السودان.

وأشار إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية في عام 2019، بعد أن قطعتها تشاد عام 1972 على إثر ضغوط قوية من ليبيا بقيادة معمر القذافي بهدف زيادة العزلة الدولية للاحتلال.

ولفت الموقع إلى أن الانفتاح على إسرائيل بدأ مع الرئيس إدريس ديبي إيتنو لكن مع وفاته عام 2021، تلاشت فرص التطبيع قبل أن تحدث نقطة تحول جديدة في العلاقات بين الجانبين على إثر عمل دبلوماسي واستخباراتي مكثف.

ويشرح أن بناء خطة علاقات إسرائيلية مع تشاد والسودان يوضح مدى تغير اهتمام دولة الاحتلال بالقارة الإفريقية ضمن نهج رعاه بقوة نتنياهو منذ عام 2016 بجولة من الزيارات إلى شرق القارة. 

اليوم كما في ذلك الحين، لا يزال المركز العصبي لهذا النهج يركز على الأمن، على حد وصف الموقع. وبيّن أن شرق إفريقيا يمثل المنطقة الأكثر أهمية في الإسقاط القاري لتل أبيب نظرا لأهميتها الإستراتيجية الكبيرة.

إذ يعد الساحل الإفريقي على طول البحر الأحمر منطقة ذات أهمية أساسية في حماية طرق التجارة. ورأى أن "حماية ميناء إيلات والوصول الإسرائيلي إلى طريق البحر الأحمر التجاري يعد عنصرا حيويا في إستراتيجية تل أبيب".

وتهدف إسرائيل، بحسب الموقع الإيطالي، إلى ضمان منطقة أمنية تشغيلية ذات وظيفة واضحة لردع إيران.

وأيضا ضد وكلائها النشطين في المنطقة مثل مليشيا الحوثي والتصدي لتهريب الأسلحة والمخدرات عن طريق البحر الذي تديره حركة المقاومة الإسلامية حماس وحزب الله، وفق زعمه. 

وهو ما تدعمه جزئيا، بحسب الموقع، جهات ساحلية أخرى مثل مصر والسعودية أو لاعبين عبر إقليميين لهم مصالح كبيرة في المنطقة مثل دولة الإمارات التي تشارك تل أبيب مصالح وأولويات على الأجندة السياسية الأفرو آسيوية.

ويمكن ملاحظة أن الأمن يعد المحرك الرئيس لفهم المصلحة الإسرائيلية في المنطقة، جزئيًا في منطقة الساحل. إذ أظهرت إسرائيل سعيا إستراتيجيا لمنع توسع النفوذ الإيراني في المنطقة، يشير الموقع.

وأكد أنها "تنظر إلى نجامينا (عاصمة تشاد) باهتمام أمني في المقام الأول خصوصا أنها شريك سابق لفرنسا في مهمات مكافحة الإرهاب".

كما أنها لاعب مركزي في مكافحة الجماعات المسلحة المتمردة في المنطقة ويمكن أن تساعدها بشكل كبير في هذا المجال. 

في هذا الإطار، يمكن أن يكتسب السودان أهمية بحكم موقعه الجغرافي المميز بين منطقة الساحل والقرن الإفريقي، يضيف الموقع.

ويوضح بأن تصدير المواد المتعلقة بالمعرفة العسكرية والمعدات وأنظمة الأسلحة لها أهمية كبيرة من هذا المنظور. 

تشمل الصادرات العسكرية الإسرائيلية البنادق ذاتية الدفع ومدافع الهاون والطائرات بدون طيار وقاذفات الصواريخ المتعددة وناقلات الجند المدرعة والمركبات والرادارات. 

وأشار الموقع إلى أن هذه العلاقات التجارية ترتبط بمصالح عسكرية، موضحا أنه في السنوات الخمس عشرة الماضية وبفضل اتصالات في شرق إفريقيا، تمكنت إسرائيل من تعقب تحركات بعض الجماعات في المنطقة.

وأيضا تمكنت من جمع معلومات عن أنشطة إيران في تهريب الأسلحة إلى الجماعات المسلحة المعادية لها، مثل حماس وحزب الله، وفق زعمه.

أردف الموقع أن الكيان المحتل يولي اهتماما كبيرا لأنشطة التعاون الإفريقي في المجال الزراعي و"يعد شريكا مهما، ليس فقط للتشاد والسودان (بل للقارة)، لتطوير  معدات تهدف إلى استغلال الموارد المائية والزراعية وبناء البنية التحتية".

 في العقد الماضي، تباطأت الصادرات الإسرائيلية إلى إفريقيا بسبب وباء كورونا والأزمات الاقتصادية العالمية، إلا أنها بين عامي 2021 و2022 بلغت ما يقرب من 5  بالمئة من إجمالي الصادرات ومن المتوقع أن تنمو أكثر.

عقبات كبيرة

في هذا السيناريو، علق المركز الإيطالي بأنه "لا يسع إسرائيل إلا أن تواصل بنشاط تحقيق مصالحها في إفريقيا، ولكن عليها أن تأخذ في الاعتبار مختلف العقبات التي يتعين مواجهتها في إدارة العلاقات مع الحكومات الإفريقية".

في المقام الأول، يجب أن يؤخذ دور الرأي العام في القارة بعين الاعتبار خاصة في السودان، بعد أن أثارت الاتفاقات احتجاجات كبيرة ضد النخب المتهمة بخيانة مبادئها وقيم الأخوة مع الشعب الفلسطيني.

 وهذا يعكس أيضًا اختلافًا مستمرًا في الرأي داخل الاتحاد الإفريقي تجاه إسرائيل خاصة وأن العديد من الدول الأعضاء كانوا قد طالبوا بتعليق صفة مراقب لها وهو ما تم فعلا. 

وكان الاتحاد الإفريقي، علق خلال دورته 2022، قراره بقبول "إسرائيل" مراقبا، بعد المعارضة القوية التي قادتها الجزائر وجنوب إفريقيا.

وفي يونيو/حزيران 2021، وافق مفوض الاتحاد الإفريقي موسى فكي، منفردا، على منح إسرائيل صفة مراقب، وهو ما احتجت عليه العديد من دول الاتحاد وخاصة الجزائر وجنوب إفريقيا، قائلة إنه لم يجر التشاور معها حول هذه الخطوة.

ومُنحت إسرائيل سابقا، صفة مراقب في منظمة الوحدة الإفريقية، لكنها فقدت ذلك الوضع عندما جرى حل الهيئة واستبدلت بالاتحاد الإفريقي عام 2002.

وبعد تعليق عضويتها، شكلت لجنة برئاسة الجزائر وجنوب إفريقيا لبحث الملف مجددا، إلا أنه لم يصدر عنها أي جديد منذ ذلك الحين.

وجاءت الانتقادات الرئيسة بشكل أساسي من الدول الإسلامية أو أطراف لا تزال تحافظ على أيديولوجية قوية قائمة على مناهضة الاستعمار، على حد تعبير الموقع.

وتعرّض الوفد الإسرائيلي الذي حضر للمشاركة في القمة الاتحاد الافريقي في 19 من فبراير 2023، للطرد من قاعة المؤتمرات في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. 

علق الموقع بالقول إن "هذا حادث دبلوماسي خطير للغاية يمكن أن يثير التساؤل عن بعض العلاقات القائمة بين تل أبيب والكتلة الإفريقية".

عقبة أخرى ذات أهمية خاصة، يضيف الموقع، تتعلق بجوانب الهجرة خاصة أن أكثر من 30 ألف مهاجر وطالب لجوء معظمهم من القرن الإفريقي، يعيشون في إسرائيل تبنت الحكومة ضدهم خطابا حازما.

ولفت إلى أن النهج الأمني ​​الإسرائيلي يهدف إلى تقليص مساحات الدخول لأسباب ديمغرافية للمهاجرين واللاجئين من إفريقيا، بدءا من بناء (في عام 2012) جدار على الحدود مع مصر بهدف منع الدخول غير القانوني.

فضلا عن انتهاج  سياسة منح تعويضات قدرها 1000 يورو لكل من يعود طوعا إلى بلده، أما بالنسبة لمن لا يغادر طوعاً يكون مصيره الاعتقال والترحيل.

أردف الموقع أن الحضور الإسرائيلي في القارة يتعارض مع وجود لاعبين عالميين آخرين لديهم وجود أكثر تجذر في القارة، مثل الصين وإقليميين مثل تركيا والإمارات. 

أصبحت أنقرة، على سبيل المثال، في السنوات الأخيرة لاعباً مؤثراً في القارة الإفريقية، فهي تمتلك 43 سفارة ولديها علاقات اقتصادية وتجارية قوية.

وتهدف تركيا إلى تعزيز دورها في منطقة الساحل في محاولة لملء الفراغ الذي خلفته فرنسا بعد تقليص وجودها العسكري. 

وتمثل القارة الإفريقية أيضا بالنسبة لأبوظبي مصالح إستراتيجية مركزية، حيث وسعت نفوذها بشكل رئيس في المنطقة الواقعة على طول ساحل البحر الأحمر بفضل التحالفات السياسية القوية، والاتفاقيات العسكرية والبحرية وبالطبع الاستثمارات الكبيرة. 

والوجود في القرن الإفريقي يسمح بمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة، نظرًا لقربه من المسرح اليمني، ويضمن للإمارات مكانة كمركز لوجستي إقليمي نظرًا لترابط باب المندب ومضيق هرمز.

وأظهر ملفا السودان وتشاد مرونة ملحوظة لإسرائيل في إدارة سياستها الخارجية في إفريقيا، يستنتج الموقع، معتبرا أن افتتاح السفارة التشادية في إسرائيل والتطبيع النهائي للعلاقات مع السودان "خطوتين مهمتين". 

في الختام، أعرب عن فضوله بشأن الكيفية التي سيحاول بها الاحتلال خلال عام 2023 استعادة العلاقات الإفريقية من أجل تحديد نطاق وحدود وجوده في القارة بشكل نهائي.