"لم نحسن تقدير العواقب".. حكومة إسبانيا تكشف عن فاتورة قرارها بشأن الصحراء

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة إسبانية الضوء على التكلفة الكبيرة التي تدفعها حكومة مدريد نتيجة تفريطها في حيادها بشأن ملف إقليم الصحراء، وتبنيها رؤية المغرب على حساب الجزائر.

وأوضحت صحيفة "الإندبندينتي" أن الحكومة الإسبانية اعترفت لأول مرة، بعد مرور سنة على تغيير موقفها، بأنها لم تحسن تقدير العواقب، وذلك على لسان وزيرة الصناعة والتجارة والسياحة الإسبانية رييس ماروتو.

وتعيش العلاقات الجزائرية الإسبانية أزمة منذ ربيع 2022 بعد تبني حكومة بيدرو سانشيز اقتراح المغرب حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

وردا على ذلك، أعلنت الجزائر في يونيو/ حزيران 2022 التعليق الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع إسبانيا الموقعة في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2002، ما أدى إلى تخفيض كبير في التعاون الاقتصادي بين البلدين.

اعتراف كاشف

وذكرت الصحيفة الإسباني أن هذا الاعتراف جاء في رسالة للوزيرة ماروتو التي نقلها كبار المسؤولين في وزارة الصناعة والتجارة والسياحة، إلى بعض رجال الأعمال الإسبان المتأثرين بالأزمة المفتوحة مع الجزائر. 

وأعلمت الوزيرة الشركات الإسبانية القائمة على الجانب الآخر من البحر المتوسط، بعد أشهر من الشكوك، في أحد اجتماعاتها، أن الحكومة "لا تستطيع معرفة أو توقع عواقب اعترافها بخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء".

وبحسب الصحيفة، فقد كان هذا القرار أحادي الجانب من الحزب الاشتراكي، دون دعم الجناح الأرجواني للحكومة الائتلافية، الذي يضم حزبي بوديموس واليسار المتحد، أو الدعم البرلماني.

من جهته، يرى مجتمع رجال الأعمال الإسباني أن هذه التصريحات أحادية الجانب "حركة سياسية لتلبية مطالب المغرب دون الأخذ بعين الاعتبار الضرر الذي قد يترتب على ذلك في العلاقات مع الجزائر".

وبحسب مصادر استشارتهم الإندبندينتي، فإن الخسائر التي تراكمت على الشركات الإسبانية التي لها أعمال تجارية في الجزائر تجاوزت بالفعل 600 مليون يورو، وهو استنزاف يؤدي إلى تراكم خسائر جديدة بشكل يومي، دون أي حل يلوح في الأفق. 

وذكرت الصحيفة أن الصادرات من إسبانيا إلى الجزائر بلغت 2700 مليون يورو، مقارنة بنحو 9500 مليون يورو من الصادرات مع المغرب، خلال سنة 2021. 

وقد ذكّرت الوزارة بهذه الحقيقة لتوضيح الانخفاض التدريجي في المبيعات للجزائر نتيجة تجميد العلاقات التجارية من قبل الحكومة الجزائرية. 

أما بالنسبة إلى المغرب، فقد جرى تحديد ملامح هذه الإستراتيجية في الاجتماع رفيع المستوى بين إسبانيا والمغرب الذي عقد في الرباط. 

وفي هذا السياق، وقع البلدان عشرين مذكرة تفاهم في مختلف القطاعات وبروتوكولا ماليا بقيمة 800 مليون يورو لتسهيل الاستثمارات الإسبانية في البلد المغاربي. 

في المقابل، تم التعهد بالمثل من أجل "عدم التعرض للإهانة" في مسائل السيادة. 

الشركات ضد الحكومة

من جانب آخر، لا تتفق الشركات المتضررة من إغلاق السوق الجزائرية، التي يتراوح حجم مبيعاتها بين اثنين و12 مليون يورو، مع تحليل الحكومة والحاجة إلى اختيار أحد السوقين المغاربيين. 

ويرون أن أسبابا على غرار جائحة كوفيد والمشاكل السياسية الداخلية الخطيرة التي تستوجب تغيير رئيس الحكومة، هي التي تفسر هذا التراجع في السوق الجزائرية.

في الأثناء، قابلت الحكومة الإسبانية هذا اللوم بالتمسك بموقفها. وأصرت على أن "المصالح التجارية مع المغرب تتفوق على نظيرتها في الجزائر".

وحذرت من أن السلطة التنفيذية ليست على استعداد الآن "لتحمل تصحيحات يمكن، في هذه الحالة، أن تعرض العلاقات التجارية مع المغرب للخطر، تحت أي ظرف من الظروف". 

في المقابل، يرد مسؤولو وزارة الصناعة والتجارة والسياحة على التزام الحكومة باقتراح "تغيير البلد". 

من جانب آخر، يعبر رجال الأعمال الإسبان عن عدم ثقتهم في المعلومات التي تلقوها من مدريد والتي تتناقض مع الأجواء السائدة في مكاتب الجزائر وما تنقله السفارة الإسبانية في العاصمة الجزائرية. 

وتؤكد المؤسسات التي تواجه سيناريو إنهاء العقود في الجزائر "أنه لا يوجد أي نوع من التفاوض".  

عموما، يمكن للجزائر أن تتحمل عواقب هذه العقوبات الاقتصادية خاصة بعد أن أصبحت الآن بلدا يتودد إليه الأوروبيون بشدة - وخاصة إيطاليا - حيث يرون فيها بديلا صغيرا للاعتماد على الغاز الروسي ولأن علاقتها في مجال الطاقة مع إسبانيا قد تدهورت في الأشهر الأخيرة. 

وفي 2022، جاء ما يقرب من 45 بالمئة من الغاز الذي استوردته إسبانيا من الجزائر، بينما تبلغ هذه النسبة الآن 24 بالمئة. وتتجه هذه النسبة إلى النزول أكثر. في الأثناء، أصبحت الولايات المتحدة المورد الرئيس للغاز لإسبانيا.  

وتوالت زلات الحكومة الإسبانية في شمال إفريقيا، وخاصة في ظل التنافس بين المغرب والجزائر وعودة قضية الصحراء لتطفو على السطح مرة أخرى وتحرك الخلافات في المنطقة. 

وبعد أن أنهى سانشيز الأزمة مع المغرب في مارس/ آذار 2022، فتح أزمة أخرى مع الجزائر. على عكس الرباط، التي فتحت الباب أمام أفواج المهاجرين نحو سبتة، اتخذت الجزائر العاصمة إجراءات انتقامية اقتصادية ضد إسبانيا. 

وبالكاد اتخذ المغرب مثل هذه الإجراءات لأن جزءا كبيرا من صادراته إلى أوروبا يمر عبر مينائي الجزيرة الخضراء وألمرية. 

في الأثناء، ظهرت المقاطعة التجارية الجزائرية لإسبانيا - ربما ليس عن طريق الصدفة تماما - قبل 24 ساعة من ظهور سانشيز في مجلس النواب لتقديم وصف للعلاقة الجديدة التي أقيمت مع المغرب بعد أن أنهى 47 عاما من الحياد الإسباني في نزاع الصحراء.