مسعود أوزيل.. نجم مسلم غاب عن مونديال قطر لاعبا وحضره قدوة وملهما

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

وسط الأجواء المونديالية المثيرة، خطفت الأضواء صورة نشرها لاعب المنتخب الألماني السابق مسعود أوزيل من داخل ملعب البيت في قطر، لتحصد ملايين الإعجابات والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال أوزيل أسفل الصورة: "من الرائع أن أكون في قطر.. شكرًا على حسن الضيافة والتنظيم المثالي، يسعدني دائما الوجود هنا"، مضيفا شعاري علميّ تركيا وقطر.

ويرجع هذا التفاعل الكبير مع الصورة، إلى أنها جاءت بالتزامن مع الجدل الذي خيم على أول أيام المونديال، بسبب إصرار حكومات دول غربية، في مقدمتها ألمانيا على فرض أفكارها غير الأخلاقية على دولة قطر، ومن ورائها العرب والمسلمين.

فمونديال قطر 2022 الذي انطلق يوم 20 نوفمبر/ تشرين الثاني ويستمر حتى 18 ديسمبر/ كانون الأول 2022، لم يستضف مواجهات كروية مثيرة وحسب، بل كانت المعارك السياسة والثقافية حاضرة بقوة فيه أيضا.

فتبني ألمانيا، حكومة ومنتخبا، قضية ترويج الشذوذ الجنسي وسعيها لفرضها على المونديال سواء بارتداء شارة الشواذ أو وضع اللاعبين الألمان أيديهم على أفواههم، أثار غضب الجماهير العربية والإسلامية التي ردت برفع صور أوزيل.

لذا حمل حضور أوزيل إلى المونديال بعد ذلك رمزية مختلفة، أولا لكونه لاعبا كبيرا حقق الكثير من الإنجازات، وثانيا لمواقفه المبدئية الشهيرة الداعمة للشعب الفلسطيني ومسلمي الروهنغيا والإيغور.

فضلا عن أنه يذكر الألمان بعنصريتهم عندما هاجموه في أكثر من مناسبة بسبب مواقفه الأخلاقية وجذوره التركية الإسلامية، ما دفعه لاعتزال اللعب دوليا معهم.

بدايات أوزيل 

يعد مسعود مصطفى أوزيل من الجيل الثالث للأتراك المقيمين في ألمانيا، وتنحدر عائلته المسلمة من مدينة زنغولداق الواقعة على ساحل البحر الأسود شمالي تركيا.

ولد أوزيل في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 1988، بمدينة غلزنكيرشن الألمانية، وترتيبه الأخير بين أشقائه الأربعة. 

وكانت بدايات أوزيل صعبة، حيث ولد داخل منزل فقير للغاية، خلال فترة الركود الصناعي الألماني نهاية ثمانينات القرن العشرين، عندما تجاوز معدل البطالة بين المهاجرين قرابة 70 بالمئة.

وقتها كافح والداه للحصول على وظيفة حتى لو كانت منخفضة الأجر، من أجل تعليم الأبناء، وحصولهم على قدر كاف يمكنهم من مواصلة الحياة. 

وبالفعل التحق أوزيل بالمدرسة الابتدائية التابعة لمدينته، ومن هناك بدأ يمارس هوايته المفضلة كرة القدم. 

وتصاعد شغف الطفل الصغير باللعبة حتى أسرته تماما، وأصبح متبوعا بتطوير مهاراته الكروية جنبا إلى جنب مع الأصدقاء في ملعب محلي محاط بالأسوار، يقع في حي المهاجرين حيث كان يلعب فيه بشكل يومي دون انقطاع.

وقتها ظهرت علامات النجومية المبكرة على أوزيل، فالتحق بفريق كرة القدم الابتدائي في مدرسته.

ثم تقدم من المستوى التمهيدي إلى الناشئين، حيث كانت مدرسته الثانوية الأكبر في ألمانيا.

ويقول عنه حارس المرمى الألماني الأبرز مانويل نوير، الذي كان زميله أيضا في المدرسة نفسها: "كان ذكيا.. وعندما رأيته لأول مرة، كان صغيرا جدا وهادئا ومنطويا خارج الملعب، لكن داخل الملعب، كان منفتحا ولاعبا كبيرا ينفخ صدره للتأثير وينطلق، لقد كان بحق نجم فريقنا". 

ودخل أوزيل إلى مرحلة احتراف كرة القدم كمهنة، عندما انضم لفرق الناشئين بنادي روت ويس إيسن بضواحي مدينة غيلسنكيرشن، الذي تألق فيه بشكل ملفت للنظر. 

وجاءت الخطوة الأهم في تلك المرحلة عام 2005 عندما انتقل إلى نادي شالكه، الذي يلعب في الدوري الأول الألماني، ومن الفرق الكبيرة التاريخية بالبلاد. 

وقتها أثبت أوزيل نفسه عندما لمع في مواجهات حاسمة ضد فرق بايرن ميونيخ، وبايرن ليفركوزن، ليصبح تحت أنظار الفرق الكبرى. 

وفي موسم 2006/ 2007 تعرض للكثير من المشاكل مع إدارة النادي بخصوص تمديد العقد، وهو ما عجل برحيل النجم الصاعد.

وفي عام 2008 انتقل إلى نادي فيردر بريمن، بمبلغ 4.3 ملايين يورو، ليحقق انطلاقته الكبرى في عالم كرة القدم.

وبالتوازي شارك أوزيل مع منتخب الشباب الألماني في 11 مباراة وسجل 4 أهداف، ثم انتقل إلى منتخب تحت 21 عاما وفاز معه بلقب بطولة أوروبا، بعد تسجيله أحد أهدافه الأربعة في مرمى إنجلترا بالمباراة النهائية. 

مرحلة التألق 

في فيردر بريمن أبدع أوزيل، وقاد فريقه للوصول للمركز الثاني في البوندسليغا (الدوري الألماني)، وتسبب في وصوله أيضا إلى نهائي كأس الاتحاد الأوروبي (الدوري الأوروبي حاليا) ضد نادي شاختار دونيتسك الأوكراني. 

وكان الموسم الذهبي لأوزيل في 2010 عندما لعب 106 مباريات وسجل 15 هدفا، ومرر أكثر من 43 كرة حاسمة.

حينها أبهر كل متابعي الدوري الألماني، وتوقعوا له مستقبلا باهرا، خاصة وقد توجت نجوميته بالاستدعاء من طرف المدرب الألماني يواخيم لوف للمشاركة في كأس العالم 2010.

وكانت مشاركته ناجحة مع المنتخب في كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا، إذ لعب 7 مباريات، وسجل هدفا، وصنع 3 تمريرات حاسمة.

حينها كان أوزيل من المرشحين للقب أفضل لاعب في المونديال، ورغم عدم حصوله على الجائزة، لكن فتحت أمامه أبواب الشهرة على مصراعيها. 

وبدأت تنتشر الأحاديث عن تلقيه عروضا كبرى من أكبر أندية العالم مثل آرسنال الإنجليزي، وعملاقي إسبانيا ريال مدريد وبرشلونة. 

 

وبالفعل أعلن ريال مدريد في 17 أغسطس/ آب 2010، ضم أوزيل بمبلغ 15 مليون يورو، ليلعب أولى مبارياته ضد نادي أوساسونا الإسباني.

وفيها أظهر قدرا كبيرا من المهارات والفنيات جعلت أنصار الريال يصفقون له، ويلوحون بالمناديل البيضاء الشهيرة التي تؤكد فرحتهم.

وقتها صرح أوزيل: "هذا فخر عظيم لي أن أكون قد جمعت كل هذا التصفيق وكل هذا الحماس، وإنه لشرف عظيم أن الجمهور عدني من نجومه".

وفي ريال مدريد لمع نجم أوزيل بشدة حتى صار أحد أفضل لاعبي العالم، حتى أنه في مباراة الفريق ضد نادي إيركوليس يوم 30 أكتوبر/ تشرين الثاني 2010، تحول أوزيل إلى محور لعب المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو.

إذ قدم مستوى عاليا من الأداء، ما جعل رئيس النادي فلورنتينو بيريز يصرح: "بالنسبة لي، أوزيل إذا ما استمر زخمه، سيصبح أفضل لاعب على هذا الكوكب". 

وحملت السنوات التالية لأوزيل مفاجآت سارة وأخرى مخيبة للآمال، إذ واصل نجاحه في حصد البطولات وإحراز الأهداف، لكن في عام 2013 تعاقد الريال مع الكرواتي لوكا مودريتش، وكان أفضل لاعبي العالم حينها، ويلعب في المركز نفسه الذي يلعب فيه أوزيل. 

وتحدثت وسائل إعلام إسبانية عن عدم سعادة أوزيل من هذه الصفقة، لكنه أنكر هذا الكلام في إحدى مقابلاته، وقال إنه يتطلع إلى زيادة مستواه للحفاظ على مكانه في التشكيلة الأساسية.

أزمات متعددة 

وفي ضوء هذه التطورات، انتقل أوزيل من ريال مدريد إلى آرسنال الإنجليزي عام 2014، حيث كان ذلك العام المحطة الأهم على الإطلاق في حياة أوزيل، عندما استطاع رفقة المنتخب الألماني الفوز بكأس العالم 2014 في البرازيل. 

وهي البطولة التاريخية لألمانيا وأوزيل في آن واحد، حيث كان من أبرز المساهمين  في التتويج، إضافة إلى دوره في إلحاق هزيمة تاريخية ضد منتخب البرازيل بسبعة أهداف مقابل هدف واحد في نصف النهائي.

وبعد سنوات مستقرة، بدأت الأحوال تتبدل في السنوات التالية إلى الأسوأ، حيث تم اختيار أوزيل للمشاركة مع المنتخب الألماني في كأس العالم 2018 بروسيا. 

وفي أكبر مفاجآت مونديال روسيا غادر أوزيل برفقة منتخب ألمانيا من الأدوار التمهيدية.

بعدها شنت الصحافة ووسائل الإعلام الألمانية هجوما حادا على المنتخب، فيما خصصت لأوزيل واللاعبين ذوي الأصول غير الألمانية هجوما منفردا، وحملوهم مسؤولية الهزيمة. 

الأمر الذي أغضب أوزيل، وزاد من غضبه لومه على صورة خاصة التقطها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. 

حينها أعلن أوزيل الاعتزال دوليا، وقال: "بحزن بالغ وبعد فترة تفكير طويلة بسبب الأحداث الأخيرة لن ألعب مع ألمانيا على المستوى الدولي مرة أخرى بسبب شعوري بإهانة عنصرية وعدم احترام".

ثم علق أوزيل على الصورة التي جمعته بأردوغان بالقول: "لا علاقة لها بالسياسة أو بالانتخابات، بل الأمر عبارة عن احترام أعلى منصب في موطن عائلتي". 

كما قال في إحدى مقابلاته الصحفية تصريحا لا يزال يُتداول حتى اليوم: "أنا ألماني عندما أفوز ومهاجر عندما أخسر"، في إشارة إلى ازدواجية المعايير الألمانية.

وبعد تلك الوقائع، تزوج أوزيل من ملكة جمال تركيا السابقة أمينة جولشن منتصف 2019، وحضر الرئيس أردوغان حفل زفافه وكان شاهدا على عقد زواجه.

نصير المظلومين 

وبعيدا عن الرياضة والملاعب، فإن أوزيل عرف بنشاطه فيما يتعلق بحقوق الإنسان ونصرة المسلمين المضطهدين في بقاع مختلفة من العالم. 

وبينما كان العالم مهتما حصريا باللاجئين الأوكرانيين، دعا أوزيل في 8 أبريل/ نيسان 2022، الجميع إلى "الدعاء من أجل السلام في العالم كله لا في أوكرانيا فقط".

وقال عبر تويتر: "دعونا نستمر في الدعاء من أجل السلام في العالم، لا في أوكرانيا فقط، بل أيضاً في فلسطين وسوريا واليمن والعراق وجميع الأماكن الأخرى في العالم، حيث يعاني الناس من الحرب".

وفي 27 أبريل 2022 دعا أوزيل إلى دعم مسلمي الهند في ظل ما يتعرضون له من اضطهاد حكومة حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسية المتطرفة في البلاد. 

وقال في تغريدة بمناسبة ليلة القدر: "ندعو في ليلة القدر المباركة من أجل سلامة وأمن إخواننا وأخواتنا المسلمين في الهند".

ومن أهم القضايا التي ناصرها أوزيل، ودفع ثمنها، عندما تحدث عن الظلم الذي يتعرض له مسلمو الإيغور في الصين.

الأمر الذي كان سببا لمعاقبة فريقه حينها آرسنال، بعد حجب الصين بث مباريات الفريق حتى نهاية موسم 2019 بسبب تصريحات اللاعب.

وبعد أن خاف آرسنال تراجع شعبيته وخسارة حقوق نقل البث في الصين، قام بفسخ عقد اللاعب. 

وزاد الأمر سوءا تعرض أوزيل حينها لهجوم مسلح بالسكاكين من شخصين مجهولين، في العاصمة البريطانية لندن، دون أن يصاب بأذى، وتم ترجيح أن الهجوم عنصري. 

بعدها أدلى بتصريحات لصحيفة "دير تاجس شبيجل" الألمانية، وقال :"أنا دائما أقرأ القرآن قبل أن أخرج على أرض الملعب". 

واستطرد: "هذا يساعدني حقا على التركيز.. أصلي وزملائي يعرفون أنهم لا يستطيعون التحدث معي أثناء صلاتي". 

ويحوز اللاعب على شعبية جارفة داخل تركيا وفي مختلف أنحاء العالم الإسلامي ويلعب حاليا ضمن صفوف نادي باشاك شهير التركي.