رغم عزائه في إليزابيث.. ما سر تجاهل أحمد الطيب وفاة عالمين أزهريين؟

12

طباعة

مشاركة

فاجعتان متتاليتان أصابتا الأمة الإسلامية في أقل من أسبوعين، أولهما وفاة مؤسس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الشيخ يوسف القرضاوي، في 26 سبتمبر/أيلول 2022، ولحقه الأكاديمي بجامعة الأزهر، الدكتور أسامة عبدالعظيم في 3 أكتوبر/تشرين الثاني 2022.

وتجاهل الأزهر وشيخه أحمد الطيب، نعي الشيخين الجليلين والإمامين الفاضلين رغم أنهما ينتميان إلى مؤسسة الأزهر، ومن أبرز علماء الأمة الإسلامية، في حين حرص الطيب على تهنئة رئيس النظام، عبد الفتاح السيسي، بذكرى "نصر 6 أكتوبر".

أسامة عبدالعظيم، هو رئيس قسم الشريعة الأسبق وأستاذ أصول الفقه المتفرغ بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، وسبق إعارته للعمل بالتدريس بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت عامي 1984 و1985، ويعد أحد مؤسسيها.

ولد في 25 يناير/كانون الثاني 1948 في حي الخليفة بالقاهرة، وتخرج في القسم العالي للدراسات الإسلامية والعربية بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، وحصل على الماجستير في أصول الفقه من قسم أصول الفقه من الكلية ذاتها.

وفي 1976، حصل عبدالعظيم على بكالوريوس هندسة ميكانيكية من كلية الهندسة جامعة الأزهر بالقاهرة، وحصل على دكتوراه في أصول الفقه من قسم أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة جامعة الأزهر بمرتبة الشرف الأولى عام 1983.

شيّع جنازته التي خرجت من مسجد "المواصلة" بمنطقة الأباجية في القاهرة، الآلاف من مختلف المحافظات، كما نعاه علماء وفقهاء وأكاديميون وناشطون على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، وأثنوا على المشاركة الحاشدة في توديعه لمثواه الأخيرة ورصدوا دلالات ذلك.

وذكر ناشطون بمقولة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، "قولوا لأهلِ البدعِ بيننا وبينكم يومُ الجنائزِ"، في إشارة إلى أن العلماء وأهل العلم والدين يخرج في جنائزهم أعداد هائلة من البشر، فيما يهجر الناس جنائز أهل البدع والمنافقين.

وتحدثوا عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم تحمل اسم الشيخ أبرزها #أسامة_عبدالعظيم، عن مواقفه ومآثره، وورعه ودأبه على ختم القرآن الكريم بتلاميذه ورواد مسجده خلال صلاة التراويح في شهر رمضان كل 3 أيام.

ولقب ناشطون الشيخ بألقاب عدة منها "عابد الزمان، والفقيه الزاهد"، مشيرين إلى أنه كان منزويا بعيدا عن الأضواء مكتفيا بتلقين وتعليم تلاميذه دون أن يشعر به أحد، وشهدوا بصلاحه وزهده وورعه وملازمته المحراب، وثراء علمه ومعرفته وامتلاكه أكبر مكتبة.

واستنكروا تجاهل شيخ الأزهر، لنعي عبدالعظيم، وعدم تقديمه العزاء وتقدم صفوف المشيعين لجنازته، لا سيما أنه أحد أبناء الأزهر، ويحظى بمكانة واسعة بين طلابه وأتباعه ومحبيه، وذلك رغم مشاطرته البريطانيين عزاءهم في وفاة الملكة إليزابيث الثانية.

تجاهل الأزهر

وإعرابا عن الغضب والاستياء من موقف الأزهر، أشار الإعلامي سيد توكل، إلى أن الأزهر "فقد في أيام معدودات جبلين شامخين من رجاله، جبل في محراب الفكر والفقه وهو الشيخ القرضاوي، وجبل في محراب التعبد والزهد، وهو الشيخ عبد العظيم".

واستنكر تجاهل شيخ الأزهر الرجلين ولو بكلمة عزاء بسيطة أو نعي عابر، داعيا الله أن "يحسن العزاء في الأزهر وفي الإمام الأكبر".

وأوضح أحمد عبدالرحمن، أن "في هذه الأيام حين يتوفى عالم كبير أو شيخ جليل، يسأل الأزهر وكبار الدولة والإعلاميين رئاسة الجمهورية (والمخابرات) هل يتقدموا بالعزاء وينزلوا نعيا فيه أم لا"، مؤكدا أن "هذا ما حدث في وفاة القرضاوي وعبد العظيم". وكتب أحد المغردين: "عالمان توفاهم الله خلال أسبوع تابعين للأزهر ولم يخرج شيخ الأزهر في أي منهما حتى بكلمة تعزية، تخصص عزاء حريم". وطرحت مغردة تساؤلا ساخرا: "جماعة هل رأيتم تعزية من شيخ الأزهر للأستاذ أسامة عبدالعظيم، أم يخاصمه مثل القرضاوى؟"، مضيفة: "إليزابيث حلوة".

نعي ورثاء 

ونعى ناشطون الشيخ عبدالعظيم، وأثنوا على مسيرته وقدموا شهادتهم بحقه، وذكروا بمواقفه وأكدوا طيب أثره ودماثة خلقه وفصاحة لسانه وهمته العالية في الطاعة، مشيرين إلى ابتعاده عن الأضواء.  

وقال الأستاذ بجامعة الأزهر، عبدالرؤوف حامد بربار: "فقدت مصر والأمة الإسلامية والأزهر الشريف عالما عابدا زاهدا ربانيا فقيها أصوليا مربيا قلّ أن يجود بمثله الزمان".

وتابع: "فقد كان طرازا فريدا من نوعه في منهج العبادة، حيث قوة العزيمة وصدق العمل الذي لا يستطيع على تحمله إلا مثله ومن سار على دربه من أحبابه وتلامذته ومريديه".

وكتب الأمين العام المساعد لرابطة علماء المغرب العربي، أحمد الحسني الشنقيطي: "رحم الله الشيخ التقي الخفي الشيخ أسامة عبد العظيم فقد كان بقية السلف عبادة وتقوى". وقال وليد السدني: "رحل العابد الزاهد وشيعه الآلاف في يوم حزين، أشهد الله أنه كان بشوش الوجه لم نر منه غير كل خير وكلمات طيبة وورع وزهد في الحياة وحب في الله". وترحم الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة قطر، سلطان الهاشمي، على عبدالعظيم، قائلا إنه "رجل من بقية السلف، ومدرسة فريدة في الزهد، وقدوة نموذجية في العبادة".

جنازة مهيبة

وتداول ناشطون صور ومقاطع فيديو تظهر المشاركة المهيبة في تشييع جثمان الشيخ عبدالعظيم، وخروج جموع بالآلاف لتوديعه إلى مثواه الأخير.

ولفت الباحث المتخصص في علم الحديث وتحقيق المخطوطات، هيثم الحويني، إلى أن "الجنازة مهيبة للولي الصالح الشيخ عبد العظيم مشهد لم تشهده مصر من سنوات".

ودعا الحويني إلى القول لأهل الزيغ والأهواء "بيننا وبينكم شهود الجنائز".

ونشرت الناشطة في الثورة السورية، شام الهوى، مقطع فيديو للجنازة، قائلة: "هذه جنازة أهل القرآن، مشهد لم نره من سنين، مشهد تقشعر له الأبدان‼، قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم يوم الجنائز". كما وصفت ليلى العتيقي، جنازته بأنها "مشهد عظيم يوقظ القلوب الحية".

الدلالات والرسائل

وتحدث ناشطون عما تحمله الجنازة المهيبة للشيخ عبدالعظيم وخروج الجموع الغفيرة لتوديعه من دلالات ورسائل، أبرزها تمسك المسلمين بالإسلام ورفعة مكانة العلماء وعلو منزلتهم لدى الشعوب. 

وأشار الأمين العام لـ"الهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام"، محمد الصغير، إلى أن "العالم العابد عبدالعظيم كان زاهدا لا سيما في الإعلام، وكانت شهرته بين طلابه ورواد مسجده، ومع ذلك فرضت الحشود خبر جنازته على وسائل الإعلام، وعدَّ ذلك دليلا على أن الإسلام هو خيار الشعوب".

وأكد نائب رئيس الجامعة الأميركية المفتوحة، محمد يسري إبراهيم، أن "جنازة عبدالعظيم، بمثابة إعلان انحياز الأمة إلى قيادتها من علماء أهل السنة الذين عرفت حسن أثرهم، وصادق نصحهم وعظيم سعيهم، فسعت وراءهم تعلن في يوم الجنائز عن اختيارها ومحبتها وشهادتها لأهل الله في الأرض". ورأى الدكتور يحيى غنيم، أن جماهير الأمة قالت في جنازة العابد الزاهد والفقيه المؤدِّب عبدالعظيم: "نحن مع الإسلام، ندور حيث دار". وأشار المغرد عبدالله إلى "استغراب كثيرين جنازة العالم عبدالعظيم والجموع التي شيعته، وتساؤلهم لماذا يبقى الإسلام مرجعية الشعوب وحصنها الذي تأوي إليه رغم كل حملات التشويه والإرهاب الممنهج ضد أي ملتزم دينيا".

وأجاب قائلا: "ببساطة الشعوب جربت كل شيء، ثم آمنت أن الإسلام هو الحل، ولا حل عادلا سواه".

وأثنى نائب رئيس نقابة الخطباء والأئمة الكويتية، عبدالعزيز الفضلي، على "الجنازة المهيبة لفضيلة الشيخ العالم الرباني الشيخ عبدالعظيم"، قائلا: "هكذا تقدّر الأمة علماءها الربانيين، ومثل هذه الجنازة تُظهر من هم أولى الناس بالاحترام والتقدير والإجلال". ورأى عضو الجمعية السعودية للقرآن الكريم وعلومه، محمد العنيزان، أن جنازة الشيخ عبدالعظيم تؤكد "أنك تستطيع أن تعيش حياة السلف بكل تفاصيلها في الزهد والورع، مهما كان مقامك، ومركزك، وتجعلك توقن أن الحضارة الزائفة التي تراها أمامك ما هي إلا تراب قائم على تراب، ومصيرها الفناء والزوال".