علاء الركابي.. برلماني عراقي رفعه "حراك تشرين" ثم أسقطه بتهم فساد

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

رغم محاولة تبرئة ساحته ودفع الاتهامات بالتعامل مع الأحزاب الفاسدة والمليشيات المسلحة، أحرق متظاهرون غاضبون مكتب النائب في البرلمان العراقي، علاء الركابي، بعدما كان أحد القادة البارزين في حراك أكتوبر/تشرين الأول 2019.

وفي 21 سبتمبر/أيلول 2022، أقدم محتجون على غلق مكتب الأمين العام لحركة "امتداد" النائب علاء الركابي في الناصرية، مركز محافظة ذي قار جنوب العراق، متهمين الحركة التي شاركت بالانتخابات كممثل عن حراك 2019، بالمتاجرة في دمائه وتضحياته.

"متاجر بالممنوعات"

وفي ظل موجة التسريبات التي يشهدها العراق منذ يوليو/تموز 2022 ضد شخصيات وأحزاب سياسية تكشف عن فسادهم وتحريضهم على القتل، طالت واحدة منها علاء الركابي، واتهمته بتورط صيدلية تابعة له في المتاجرة بالحبوب المخدرة والممنوعات بمحافظة ذي قار.

وقال منتسب منشق في الحشد الشعبي يدعى صالح كريم، خلال تسريب نشره الصحفي العراقي، علي فاضل، في 18 سبتمبر، إن "صيدلية النائب علاء الركابي، في ذي قار، كانت تتاجر بالممنوعات، وأرسلنا له بضرورة الحضور إلى محافظة ديالى محل تواجد مليشيا (أئمة البقيع)".

وأضاف كريم خلال التسريب أن "النائب علاء الركابي بالفعل جاء إلى محافظة ديالى والتقى بقادة أئمة البقيع، إذ كان الأخير يُدخل مادة محظورة ويبيعها في صيدليته، وابتزته تلك المجموعة (المليشيا)".

وعلى ضوء ذلك، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في اليوم نفسه صورا ومقاطع فيديو تظهر الركابي مع قادة مليشيا "أئمة البقيع" وتحديدا سعد الشمري المتهم بارتكاب جرائم ابتزاز والتزوير، موجهين انتقادا لاذعا للركابي لعلاقته بمن وصفوهم بـ"ذراع الحرس الثوري" (الإيراني) بالعراق.

لكن الركابي رد على التسريب، بتدوينة على "فيسبوك" في 18 سبتمبر قال فيها: "إلى الناشر المدعو علي فاضل.. ما الغاية من نشر تسجيل أو مقطع صوتي يتهمني فيه وبدون دليل، لمصلحة من تفعل ذلك؟، لمصلحة من تريدون ضرب علاء أو مشروع امتداد الوطني؟، على كل حال سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقك".   

وأضاف: "إلى المتكلم في هذا المقطع الصوتي.. يا عبيد الأحزاب وأدواتها الوسخة القذرة.. والله خسئت أن تأتي باسمي أيها الجبان القذر.. صيدليتي مفتوحة منذ عام 1999 وهي أشبه ما تكون بمشروع خيري لمساعدة الناس.. لم يكن أحد يجرؤ طوال أكثر من عقدين من الزمن أن يتكلم عني بسوء، لكنه ثمن حب هذا الوطن". 

ونشر الركابي محادثات مع مليشيا "أئمة البقيع" التابعة إلى الحشد الشعبي، قائلا: إنه "تلقى طلبات ومناشدات مما يسمى بحشد الدفاع وما كانوا يدعونه من مظلومية.. لم نقصر في تبني قضيتهم كونهم لم يحسبوا لا ضمن الحشد ولا ضمن وزارة الدفاع، وزرناهم في مقرهم وزرنا قيادة الفرقة الأولى المجاورة لمقرهم في ديالى.. مع الأسف قدمنا لكم مساعدة".

وختم البرلماني العراقي، بالقول: "كيدوا كيدكم واسعوا سعيكم وكل من يدعي أن لديه تسجيلا أو تسريبا يخصني فأرجو أن ينشره في كل مكان، وأتعهد أن أنشره أنا أيضا في حسابي في فيسبوك".

قيادي بالحراك

علاء كامل جبار معيبد خلف الركابي، من مواليد 1974 في مدينة الناصرية بمحافظة ذي قار، يحمل شهادة الدكتوراة في علم الصيدلة وعلم السموم من جامعة بغداد، وقد شغل في فترات سابقة مهمة إدارة مركز استعلامات السموم في دائرة صحة ذي قار.

ينتمي علاء الركابي إلى أسرة طبية وقد اشتهر بتقديم الدواء للأسر الفقيرة بأسعار مخفضة، فضلا عن مبادرات طبية تطوعية لعلاج محدودي الدخل، وأن والده يُعد أحد أشهر الأطباء في محافظة ذي قار.

لكن الركابي عرف بتصدره قيادة الحراك الشعبي في الناصرية، ورشحته 7 من ساحات الاعتصام في وسط العراق وجنوبه بعد اجتماع لقادتها في 11 فبراير/شباط 2020، لتولي منصب رئاسة الوزراء، وطلب الرجل طرح اسمه للاستفتاء الشعبي.

وأكد بيان المجتمعين حينها أن "الخطوة تهدف إلى إنهاء الجدل حول رئيس الحكومة المؤقتة، بشكل ينسجم مع المطالب والمواصفات التي حددها المتظاهرون".

وأشار إلى أن "قوى سياسية طلبت من المتظاهرين الاتفاق على اسم واحد لتقديمه كبديل لمحمد علاوي (فشل بتشكيل حكومة عام 2020)، وكان هدفهم زج ساحات الاعتصام بصراع كبير جدا، عندما أصبح من المستحيل الاتفاق على شخص واحد".

وأوضح البيان، أن "ذلك دفع 7 من ساحات الاعتصام في العراق إلى عقد اجتماع كبير في محافظة واسط في 11 فبراير، انتهى إلى ترشيح الدكتور علاء الركابي مرشحا وحيدا عن الثوار، بهدف الخروج من الفخ الذي حاولت القوى السياسية إسقاط المتظاهرين فيه".

من جانبه، طالب الركابي بتفويض شعبي عبر استفتاء في ساحات التظاهر، لإعلان موقف المحتجين من ترشحه، مؤكدا أنه لن يقدم نفسه للمهمة دون موافقة المتظاهرين.

كما دعا الركابي، الناشطين والمواطنين في المحافظات الشمالية والغربية بالكشف عن موقفهم من ترشحه لإدارة الحكومة المقبلة، متعهدا بـ"الحفاظ على دماء المتظاهرين ومكتسبات الاحتجاجات، عبر التمهيد إلى انتخابات مبكرة وفق القانون الجديد، وأن موافقته على المهمة الشاقة والصعبة، جاء بهدف ضمان تحقق مطالب المتظاهرين وعدم خذلانهم".

وشهد العراق في أكتوبر 2019، مظاهرات عارمة سميت لاحقا بـ"ثورة تشرين" طالبت بإزاحة الطبقة السياسية الحاكمة للبلد منذ عام 2003، لكنها جوبهت بقمع شديد راح ضحيته 800 قتيل وأكثر من 30 ألف جريح، أطيح بعدها بحكومة عادل عبد المهدي بعد شهرين من الاحتجاجات.

رئيس حركة

قبل انتخابات 10 أكتوبر 2021، شكّل علاء الركابي وشخصيات تنتمي إلى الحراك الشعبي، حركة سياسية أطلق عليها اسم "امتداد" وخاض الانتخابات خلافا لقرار شريحة واسعة من قادة الحراك بالمقاطعة والإصرار على ضرورة رحيل جميع الأحزاب التي شاركت بالعملية السياسية منذ عام 2003.

وأُعلنَت الحركة أول مرة في محافظة المثنى من قبل الركابي ورفاقه في 21 أغسطس/آب 2020، تجنبا لأي مصادمات مع فصائل مسلحة وقوى سياسية كانت قد رفعت من وتيرة العنف في الناصرية جنوبي العراق إلى مستويات قياسية.

وأكد الركابي أن "حركة امتداد" ترغب في دخول العملية السياسية والإزاحة التدريجية للقوى الحاكمة، ومحاولة إصلاح الأوضاع، وإذا فشلت، فإنها ستتجه إلى معارضة سياسية منظمة.

وحققت الحركة الناشئة التي تحمل مطالب حراك تشرين، فوزا بتسعة مقاعد برلمانية منها 5 في محافظة ذي قار التي ينحدر منها زعيمها علاء الركابي، ثم أضيفت لها 6 مقاعد بعد انسحاب كتلة التيار الصدري في يونيو/حزيران 2022.

وفي أول تصريح لـ"حركة التغيير" عقب فوزها بتسعة مقاعد برلمانية، قال رئيس الحركة علاء الركابي في أكتوبر 2021، إن "ما حصل اليوم، هو بداية لعراق جديد، وإنهاء لحقبة ماضية".

وأضاف إن "ما حصل اليوم لم يكن عملية انتخابية تقليدية، بل كانت الانتخابات الأولى منذ 2003، إذ رأينا العوائل العراقية نزلت في الناصرية إلى الانتخابات بفرح وسرور وكذلك الأطفال وكأنه يوم عيد، وهي المرة الأولى التي نرى العراقيين يذهبون فيها إلى الاقتراع بسعادة".

وختم زعيم "امتداد" بالقول: "اليوم نهاية لحقبة ماضية، وبداية جديدة لتاريخ العراق في تصحيح العملية السياسية، النتائج الأولية نتائج جيدة جدا في كل الدوائر بمحافظة ذي قار، حقق مرشحونا الصدارة".

لكن الركابي سرعان ما واجه هجمة واسعة من ناشطين عراقيين بعد تسريب صوتي، يحث فيه أعضاء كتلته البرلمانية بالموافقة على تولي محمد الحلبوسي رئاسة البرلمان لولاية ثانية في يناير/كانون الثاني 2020، الأمر الذي رآه الناشطون عودة للوجوه القديمة المتهمة بالفساد.

وردّ الركابي، على الانتقادات الموجهة له ونوابه من خلال بث مباشر على "فيسبوك" في 23 فبراير 2022، قائلا: "نحن مجبرون على الدخول بالعملية السياسية من أجل التأسيس، وعلى ناخبينا الوثوق بنا وإن شاهدونا بأعينهم، نقف مع جهة سياسية وان كانت فاسدة فلا بد لهم ان يدركوا أن هذا الأمر فيه مصلحة للبلد وليس لغايات أخرى". 

وأضاف: "لدينا التزامات ووعود وملفات خطيرة وكبيرة يجب أن تفتح داخل البرلمان، وذهابنا إلى المجلس ليس لهدف النزهة، بقدر ما هو محاولة لإثبات الجدارة والتأسيس، وهذه الدورة لن تشهد تحقيق كل الوعود لكن نحن نؤسس للمراحل المقبلة".

ولفت الركابي إلى أن "التحديات بحاجة إلى قرارات ومناورات ولا سيما أن معادلة القوى السياسية في البلاد غير ثابتة، وأحيانا بعض المناورات تكون (مرة وصعبة) لكن فيها مصلحة البلد أولا". 

وتابع: "نحن ثابتون على العهد ومنذ البداية أكدنا عدم مشاركتنا في مناصب حكومية أو تنفيذية في ظل المحاصصة والأحزاب الفاسدة"، مضيفا: "ذممنا وضمائرنا غير معروضة للبيع". 

ولفت الركابي إلى أن "بعض قرارات الحركة قد لا تنسجم مع ناخبيها، ونحن نعمل وفق تحليل سياسي لا بطرق عبثية وبعض القرارات تكون صعبة لكن نضع فيها مصلحة ومستقبل العراق أولا".

وفي 19 مايو/أيار 2022، قرر خمسة أعضاء في مجلس النواب العراقي عن "حركة امتداد"، تقديم استقالتهم من الحركة، وهم: "داود العيدان، ومحمد نوري، ونيسان الزاير، ونداء الكريطي، وكاظم الفياض".

وعزا النواب سبب الاستقالة إلى ما أسموه "خروج الحركة عن مبادئ تشرين، وتفرد أمينها العام بالقرارات المصيرية دون الرجوع لمؤسساتها وتوجيه الاتهامات لبعض النواب بالخيانة والفساد دون دليل".

وفي 3 يونيو/حزيران 2022، أعلن الركابي تجميد عضويته في "امتداد" لمدة 6 أشهر لحين انعقاد المؤتمر العام للحركة وانتخاب بديلا عنه، لكنه عاد وتراجع عن قراره بعد شهرين فقط، ولأسباب مجهولة.