تاريخ من الممارسات المقيتة.. هل إسرائيل فعلا دولة ديمقراطية؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حملات منظمة ودعاية مضللة تحاول دولة الاحتلال الإسرائيلي الترويج من خلالها لصورة وردية للكيان باعتباره واحة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، توازي في شراستها ما تبذله لتلميع صورتها أمام العالم وغسل يديها من دماء الفلسطينيين.

ورغم أن بعض المظاهر قد تخدع كثيرين بصورة الديمقراطية الزائفة، إلا أن واقع هذا الكيان من الداخل وما يرزح تحته من فساد، فضلا عن ممارساته العنصرية ضد الفلسطينيين بالأراضي المحتلة تكشف الحقيقة.

أسرة فاسدة

قبل أيام، أدانت محكمة إسرائيلية سارة نتنياهو زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهمة إساءة استخدام المال العام، وفرضت عليها دفع مبلغ 55 ألف شيقل (15277 دولارا)، حسب صحيفة "يديعوت أحرونوت".

وجاءت الإدانة بناء على صفقة بين النيابة الإسرائيلية العامة ومحامي سارة نتنياهو، تقر بموجبها سارة بالتهم الموجهة لها، مقابل دفع المبلغ، المثير أن تلك التهم هي "استغلال موارد الدولة لشراء وجبات طعام من مطاعم فاخرة، رغم وجود طاهية بشكل دائم في مقر إقامة رئيس الوزراء".

وبهذه الإدانة ضمن الصفقة تتجنب نتنياهو التهم الأصلية وهي "الاحتيال المشدد"، لتدان فقط بتهمة "تلقي هدية عن طريق استغلال أخطاء الآخرين عن قصد ودون وسائل الاحتيال".

ورغم أن الحادث يبدو أنه يمثل كيف وصل الفساد إلى عائلة رئيس الوزراء بهذه الكيفية، إلا أنه ومن جهة مقابلة رُوج باعتباره كاشفا لديمقراطية الاحتلال التي وصلت إلى حد اتهام زوجة رئيس الوزراء بالفساد، أي أنه لا أحد في إسرائيل فوق القانون.

وتبقى وجهة النظر تلك لها حيثية معقولة، خاصة في عقول العرب الذين لا يرون يد العدالة تطول حكامهم مهما وصلوا إلى قاع الفساد والاستبداد، اللهم إلا بانقلاب عسكري يزيح شخصا ليأتي بمن هو أسوأ منه.

واقعة سارة نتنياهو، رغم ضآلة ما اقترفته من ذنب قياسا إلى ما تعيشه الدول العربية من فساد، تأتي بعد نحو 3 أسابيع من تظاهر آلاف الإسرائيليين في تل أبيب، احتجاجا على خطوات تشريعية قد تمنح نتنياهو حصانة من المحاكمة وتحد من سلطة المحكمة العليا.

ووصفت المعارضة التي نظمت المظاهرة أي محاولة لتحصين نتنياهو أو تقييد سلطة المحكمة العليا بأنها تهديد للديمقراطية الإسرائيلية، وقال "يائير لابيد" أحد زعماء المعارضة: إن نتنياهو "يسعى لسحق المحكمة العليا كي لا يدخل السجن.. إنه يدمر البلاد ولن نسمح له بذلك".

ويتولى نتنياهو السلطة منذ 10 سنوات، وفاز بفترة خامسة في أبريل/نيسان الماضي رغم إعلان المدعي العام الإسرائيلي في فبراير/شباط إنه يعتزم اتهامه بالاحتيال والرشوة، وتحوم شبهات حول رئيس الوزراء في 3 قضايا فساد، فيما ينفي نتنياهو ارتكابه مخالفات ووصف هذه الادعاءات بأنها محاولة سياسية لتشويه سمعته.

ذبح الديمقراطية

وبعيدا عن واقعة سارة نتنياهو، فإننا هنا بصدد أمرين في غاية الأهمية، أولهما أن رئيس الوزراء يواجه اتهامات قوية بالفساد وهو في أوج سلطته ونفوذه، أما الثاني فهو أن المعارضة تتظاهر بحرية كاملة ضد الحكومة.

الترويج لفكرة ديمقراطية إسرائيل انطوت على توجيه سيل من الاتهامات بحق نتنياهو، وكأن دولة الاحتلال بدونه ليست قمعية، أو بريئة من جرائم ارتكبتها على مدار عقود، بل تأسست ذاتها على دماء وأشلاء الفلسطينيين.

ولعل الغرض الذي تظاهر من أجله هؤلاء وهو محاولة نتنياهو التغول على السلطة القضائية، كان مثار تحليلات عدة رأت أن تلك الخطوة تعتبر تهديدا لديمقراطية إسرائيل، كما نشر موقع "vox" الأمريكي.

خلال حكم نتنياهو، بحسب التقرير، أقرت إسرائيل عددا من القوانين المثيرة للجدل، من بينها قانون القومية اليهودية، الذي يستبعد العرب والأقليات غير اليهودية من حق تقرير المصير في إسرائيل.

كما أقرت قانونا آخر يسعى إلى إسكات المنظمات غير الحكومية التي تراقب الانتهاكات الحقوقية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، كما أقرت إسرائيل قانونا يلغي أحد القيود الرئيسية على سلطة رئيس الوزراء في اتخاذ قرار الحرب.

ومن المؤشرات على نهج نتنياهو الاستبدادي جهوده لتهديد وسائل الإعلام، فوفقا لإحدى القضايا القانونية المرفوعة ضد نتنياهو فإنه حاول إبرام صفقة مع مالك صحيفة يديعوت أحرونوت، أكبر صحيفة إسرائيلية، يقوم بموجبها بإصدار قانون يحد من تداول صحيفة "إسرائيل هيوم"، المنافسة لها والموالية لنتنياهو بالفعل، في مقابل الحصول على تغطية صحفية إيجابية في يديعوت تجاه نتنياهو.

بالعودة إلى قانون الحصانة من المحاكمة، فإذا تم إقراره، وفق التقرير، فإنه سيمثل ضربة مزدوجة للديمقراطية الإسرائيلية: حيث سيضفي الشرعية على جهود رئيس الوزراء لتحييد وسائل الإعلام، وفي نفس الوقت سيعرقل الرقابة المستقلة على مخالفاته.

ونقل الموقع عن خبراء في السياسة الإسرائيلية قولهم إن نتنياهو يمكن أن يدعم خطة ضم أراضي الضفة الغربية المحتلة ضمن مقايضة مع اليمين المتطرف يحظى بدعمه في مساعيه للحصول على حصانة من الملاحقة القضائية.

مجرد أسطورة

ورغم منطقية هذا الطرح الذي يشير إلى ما يمكن اعتباره ديمقراطية مهدَدة، غير أن تاريخ دولة الاحتلال يكشف ممارسات مقيتة تهدم تلك الفكرة، وهو ما ذهب إليه المؤرخ الإسرائيلي "إيلان بابيه" في كتابه "عشر أساطير حول إسرائيل".

يدحض بابيه فكرة أن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، بل يقول إنها ليست ديمقراطية على الإطلاق، ويتتبع ذلك من قبل عام 1967، وتقسيمها للأرض وتهجير الفلسطينيين، والسجن بلا محاكمة، وغيرها.

يقول المؤرخ: إن "الخرافة القائلة إن إسرائيل الديمقراطية وقعت في مأزق سنة 1967 لكنها لا تزال ديمقراطية هي خرافة يتم بثها وإذاعتها حتى من قبل بعض الباحثين الفلسطينيين البارزين والمؤيدين للفلسطينيين -لكن ليس لها أي أساس تاريخي".

وتابع: "لم يكن بالإمكان تخيل إسرائيل ديمقراطية قبل 1967. فقد أخضعت الدولة خُمس مواطنيها للحكم العسكري القائم على لوائح الطوارئ الانتدابية البريطانية الوحشية التي حرمت الفلسطينيين من أي حقوق إنسانية أو مدنية أساسية، وكان الحكام العسكريون المحليون هم الحكام المطلقون لحياة هؤلاء المواطنين: حيث يمكنهم وضع قوانين خاصة لهم، وتدمير منازلهم وأرزاقهم، وزجهم في السجن متى رغبوا بذلك".

قانون العودة، أحد أبرز الدلائل الكاشفة لزيف الديمقراطية الإسرائيلية، حيث يمنح المواطنة التلقائية لكل يهودي في العالم، وهو غير ديمقراطي بصورة صارخة، لمصاحبة ذلك رفضا شاملا للحق الفلسطيني في العودة المعترَف به دوليا بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194 لعام 1948.

وعلّق المؤرخ الإسرائيلي بالقول: "إن حرمان الناس من حق العودة إلى وطنهم، وفي الوقت نفسه تقديم هذا الحق للآخرين الذين ليس لهم صلة بالأرض، هو نموذج للممارسة غير الديمقراطية".

سياسة الاستيطان والاستيلاء على مزيد من أراضي الفلسطينيين، كانت دليلا آخر على زيف ادعاءات الديمقراطية الإسرائيلية، المثال على ذلك أكبر مدينة فلسطينية في الداخل المحتل وهي "الناصرة"، فرغم تضاعف عدد سكانها منذ عام 1948، إلا أنها لم توسع كيلومتر مربع واحد، في حين أن المدينة التنموية التي بنيت فوقها، "الناصرة العليا"، تضاعفت 3 مرات في الحجم، على الأراضي المصادرة من ملاك الأراضي الفلسطينيين.

ويمكن العثور على أمثلة أخرى على هذه السياسات في القرى الفلسطينية في جميع أنحاء الجليل، مما تكشف عن القصة نفسها: كيف تم تقليص حجمها بنسبة 40%، وحتى إلى 60% في بعض الأحيان، منذ عام 1984، وكيف بنيت المستوطنات اليهودية الجديدة على الأراضي المصادَرة.

وفي مكان آخر، دُشّن هذا الأمر كمحاولات تامة لـ"التهويد"، فبعد عام 1976، أصبحت الحكومة الإسرائيلية قلقة بشأن عدم وجود يهود يعيشون في شمال وجنوب الدولة، وعليه خططت لزيادة عدد السكان في تلك المناطق، وهذا التغيير الديمغرافي يستلزم مصادرة الأراضي الفلسطينية لبناء المستوطنات اليهودية.

ولعل تحليقا بسيطا فوق الضفة الغربية، يوضح نتائج رسم الخرائط لهذه السياسة، حيث أحزمة المستوطنات التي تقسم الأرض ونحت المجتمعات الفلسطينية إلى مجتمعات صغيرة ومعزولة ومفكّكة، حيث تفصل أحزمة التهويد القرى عن القرى، والقرى من المدن، وفي بعض الأحيان تقسم قرية واحدة.

وأكد المؤرخ أن هدم سلطات الاحتلال لمنازل الفلسطينيين ليس بظاهرة جديدة، فقد مُورست أول الأمر من قبل الحكومة الانتدابية البريطانية خلال الثورة العربية الكبرى في 1936-1939.

بحر الفساد

ولعل الصورة الهشة التي يحاول الإسرائيليون رسمها لكيانهم المحتل كواحة للديمقراطية في المنطقة، لا تفضحها فقط ممارسات سلطات الاحتلال ضد الفلسطينيين، بل تكشف سوءاتها قوائم فساد طويلة سياسيا واقتصاديا، بدءا من السلطات المحلية، وصولا إلى رئيس الحكومة ورئيس الكيان.

ومن أبرز تلك الحالات "عيزر فايتسمان" – رئيس إسرائيل – الذي عُزِل من منصبه عقب قضية سُمّيت بـ"قضية سروسي"، إذ اتهم بتلقي مئات الآلاف من الدولارات بشكل غير قانوني، لكنه ترك منصبه قبل أن يحاكم، حتى لا يقع في مأزق.

ويظل "موشيه كتساف" الأشهر من حيث الرؤساء الفاسدين إذ اتهم بارتكاب جرائم جنسية بحق 10 سيدات عملن تحت إمرته، وانتهى الأمر به في السجن 7 سنوات، لكنه خرج بعد 5 سنوات قضاها.

أما "إيهود أولمرت" رئيس الوزراء الإسرائيلي الثاني عشر، ورئيس حزب كاديما، وعمدة سابق لبلدية القدس، فغادر الحياة السياسية بفضيحة وُصفت بأنها الأسوأ فسادا في تاريخ إسرائيل، حين صدر حكما بسجنه 18 شهرا لاتهامه بتلقي رشى في إطار مشروع عقاري ضخم في الفترة ما بين 1993 و2003، وثمانية أشهر لإدانته بالاحتيال والفساد، وشهرا لعرقلة سير العدالة.

ورغم أن "أرييه درعي" كان وزيرا للداخلية في حكومة نتنياهو، إلا أنه منذ عام 1999 أدين بتلقي رشى، والاحتيال وخيانة الأمانة، وحُكم عليه بثلاث سنوات من السجن الفعلي (قضى منها عامين).

لم تنجُ الصناعة الجوية الإسرائيلية التي تكسب مليارات الدولارات سنويا، من وباء الفساد المنتشر في إسرائيل، إذ يصل الحجم المالي لنشاطات الصناعة الجوية في السنة إلى نحو 3.7 مليارات دولار، ومن بينها نحو 80% مخصصة للتصدير إلى نحو 100 دولة في جميع أنحاء العالم.

وتم اعتقال متهمين بعد انتهاء تحقيق سري، ومن بينهم ضابط بارز سابق في الجيش الإسرائيلي بتهمة ارتكاب جرائم جنائية ممنهجة وشبهات فساد بدرجة كبيرة، والخداع وخيانة الأمانة في مجال الصناعة العسكرية الأكبر في المنظومات الأمنية الإسرائيلية، أي في الصناعة الجوية (‏IAI‏).

"قضايا الفساد في إسرائيل تشير إلى أنها دولة فاسدة ومفسدة"، هكذا يقول الكاتب الإسرائيلي "روغل ألفر"، مرجعا هذه الحالة إلى ما يقوم به الإسرائيليون، من أنهم ينتخبون القادة الفاسدين رغم معرفتهم بذلك.

وتابع: "السياسيون والموظفون رفيعو المستوى في هذا النظام يقومون بتوزيع الامتيازات مقابل المال، وبنظرة ثاقبة يتأكد أن هذا هو طابع النظام في إسرائيل، لقد أصبح الفساد هو الطريقة التي تتم بها إدارة إسرائيل".

دولة عنصرية

في يوليو/تموز 2018، أقرت دولة الاحتلال مشروع قانون ينص على أن إسرائيل هي "الدولة القومية للشعب اليهودي"، وهو ما وصفه الفلسطينيون داخل حدود 1948 بأنه عنصري ويؤسس للفصل العنصري.

وينص القانون على أن إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي وأن حق تقرير المصير في إسرائيل يقتصر على اليهود، ويعتبر القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، ويشجع الاستيطان اليهودي ويلغي المكانة الرسمية للغة العربية.

فلسطينيو الداخل أو عرب إسرائيل ومراكز حقوقية عدة وصفت القانون بالعنصري وبأنه يغرس البذور لقيام دولة فصل عنصري، كما يعزز التفوق العرقي الذي يتجلى في ترسيخ السياسات العنصرية.

وعرب إسرائيل هم الفلسطينيون الذين ظلوا على أرضهم خلال احتلال الإسرائيليين لفلسطين عام 1948، ويصل تعدادهم إلى نحو 1.8 مليون شخص، ويتعرضون للتمييز ويشكون من تلقي خدمات أسوأ وحصصا أقل في التعليم والصحة والسكن.

موقع Eurasia review علّق على القانون عبر مقال قال كاتبه "رمزي بارود" إنه يرسخ لإسرائيل كدولة عنصرية كانت كذلك منذ نشأتها، وإنها لم ولن تكون دولة ديمقراطية.

وتساءل الكاتب حين استشهد بوصف رئيس تحالف القائمة العربية المشتركة فى الكنيست الإسرائيلى، أيمن عودة ــ إقرار القانون بأنه "نهاية الديمقراطية"، قائلا: وهل اعتقد عودة حقا أنه قبل هذا القانون، عاش فى ديمقراطية حقيقية؟

وتابع: "70 عاما من التفوق اليهودي الإسرائيلي، والإبادة الجماعية، والتطهير العرقى، والحروب، والحصار، والاعتقال الجماعي، والعديد من القوانين التمييزية التى كانت تهدف جميعها إلى تدمير الشعب الفلسطيني، كان ينبغى أن تكون بمثابة أدلة دامغة وكافية على أن إسرائيل لم تكن أبدا دولة ديمقراطية".

ورأى الكاتب أن القانون "أثبت لأولئك الذين يجادلون، طوال الوقت، بأن إسرائيل تحاول الجمع ما بين الديمقراطية والتفوق العرقي أنها دولة عنصرية تحاول التنكر فى ثوب الدولة الديمقراطية".

ويشير كاتب المقال إلى جزئية مفصلية في تاريخ إسرائيل العنصري، مشيرا إلى أن قرار الامتناع عن صياغة دستور مكتوب عندما تم تأسيسها فى عام 1948 لم يكن قرارا عشوائيا، فمنذ ذلك الحين، كانت تتبع نظاما يغير الواقع على الأرض لصالح اليهود على حساب العرب الفلسطينيين.

وبدلا من الدستور، لجأت إسرائيل إلى ما أسمته "القوانين الأساسية"، التي سمحت بصياغة القوانين الجديدة بشكل مستمر من خلال التزام "الدولة اليهودية" بالسيادة العنصرية بدلا من الديمقراطية، أو القانون الدولي أو حقوق الإنسان أو أي قيمة عرقية أخرى.

المركز القانونى لحماية حقوق الأقلية العربية فى إسرائيل (عدالة) رصد أكثر من 65 قانونا إسرائيليا يميز ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، في الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الأساسية الأخرى مثل الإسكان، والتعليم، والصحة وغيرها.