موقف مشين.. هكذا تدعم الرياض وأبوظبي الحركات الهندوسية المتطرفة

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أفكار متطرفة وسياسة عنصرية تروج لها حركة "الهندوتفا" الهندوسية التي تتبناها وتروج لها منظمة "آر إس إس" المعادية للمسلمين وينتشر مئات الآلاف من أعضائها حول العالم حتى ببلاد العرب.

وتترجم هذه الأفكار إلى تصريحات تمس المسلمين ومقدساتهم، ولا يقتصر ذلك على أشخاص عاديين، بل يصل إلى ساسة هنود كبار، على رأسهم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وكثير من قادة حزبه اليميني الحاكم "بهاراتيا جاناتا". 

وتتركز الفكرة الرئيسة لحركة الهندوتفا في السعي إلى سحق المسلمين الهنود، ولا تكتفي بذلك، بل تعمل على نقل النشاط العدائي ضد المسلمين إلى خارج البلاد، والتمركز حتى بالأراضي العربية مهد الإسلام.

ورغم تبني ودعم حكومة مودي هذه الأفكار، إلا أنها تتمتع بدعم وتحالف سعودي إماراتي لافت، تكلله روابط وشراكات اقتصادية بمليارات الدولارات، وتزيد من الوجود الهندوسي قرب المقدسات الإسلامية.

وعقب إطلاق مسؤولين في حزب بهارتيا جاناتا، مؤخرا، تصريحات مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، انتشرت دعوات شعبية على منصات التواصل الاجتماعي لردع نيودلهي اقتصاديا ودبلوماسيا، بينما اقتصرت المواقف العربية، لا سيما السعودية والإماراتية، على بيانات اعتيادية.

ويشبه مراقبون حركة "الهندوتفا" التي تأسست سنة 1923، بالحركتين الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا، وصعدت هذه التيارات بشكل متزامن بدءا من العقد الثاني من القرن العشرين.

فبينما تعتقد الحركة النازية بعلوية العرق الآري، تؤمن الهندوتفا بتفوق الهندوس على المسلمين الذين يتجاوز عددهم في الهند 200 مليون نسمة.

استهداف الحرم المكي 

وتمثلت أحدث صور تطرف هذه الحركة، في مطالبة الكاهن الهندوسي "باجرنغ مني أداسين" في 29 مايو/ أيار 2022، حكومة مودي، بالتقدم بشكوى عاجلة أمام المحكمة الدولية لإجراء تحقيق في أحقية الهندوس بالحرم المكي في السعودية. 

وزعم الكاهن، الذي يتخذ من "الهندوتفا" عقيدة له، أن علماء الإسلام أنفسهم يؤكدون أن مكة كانت ذات يوم مكانا لعبادة الأوثان والأصنام.

وأضاف: "عندما كانت مكة المكرمة مدينة هندوسية، يبدو لنا أن معبد (الإله شيفا) قد تم بناؤه في مكان ما في مكة أيضا، لذلك يجب أن يتم إجراء التحقيق فيه من قبل فريق أثري هندي". 

ورغم أن ذلك الطلب يبدو ساخرا وجزافيا من قبل قطاع عريض من المسلمين، لكن الكاهن "أداسين" في الحقيقة يقود حركة متطرفة واسعة، ويتحكم في قطاع واسع من الهندوس المتطرفين.

خاصة وأنه نفس الرجل الذي هدد بالعنف الجنسي الجماعي ضد النساء المسلمات في 7 أبريل/ نيسان 2022، وقام حينها برفع شعار: "عندما يتم تقطيع المسلمين إلى أشلاء، سوف يصرخون (الإله رام الإله رام)". وكانت الشرطة حاضرة، وتم ذلك على مرأى ومسمع منها. 

ويدعي الهندوس بشكل متكرر أن المساجد الإسلامية، هي في الأساس معابد تابعة لهم، وشهدت هذه الأفكار المتطرفة زيادة حادة منذ وصول مودي إلى السلطة في عام 2014، ولم تقتصر هذه المطالبات تحت رعايته على الهند فقط بل خارج حدود البلاد أيضا.

وبحسب تقرير نشره التلفزيون التركي الناطق بالعربية "تي آر تي"، في 29 سبتمبر/ أيلول 2021، أثبتت تقارير استقصائية أن المسلمين وقع عليهم 90 بالمئة من جرائم الكراهية في الهند خلال السنوات العشر الماضية.

وفي الوقت الذي تدين فيه القوانين الدولية مرتكبي جرائم الكراهية في العالم تكافئ السلطات الهندية المتورطين في أعمال عنف ضد المسلمين ولا تلاحقهم بأي نوع من العقوبة. 

ويتبنى جميع هؤلاء الذين يحاربون الإسلام في الهند وخارجها، من زعماء الهندوس، عقيدة حركة "الهندوتفا" شديدة التطرف، وهم أعضاء بمنظمة "آر إس إس".

عقيدة الهندوتفا

من جانبه، ذكر موقع "أمة 12" المتخصص في شؤون المسلمين الهنود، أنه "إذا تمكنت الهندوتفا من هزيمة ثاني أكبر عدد من المسلمين بالعالم الموجود في بلادهم، فيمكنها تعزيز نشاطاتها ضد الإسلام خارج الهند".

وأضاف في تقرير بتاريخ 29 مايو/ أيار 2022، "هذا هو منطق إستراتيجية الهندوتفا المعادية للإسلام للوصول إلى الأراضي العربية البعيدة". 

وشدد الموقع الهندي على أن "الهندوتفا تعمل على تعزيز أنشطتها في الدول العربية حيث تنشط عدد من المنظمات التي تتبنى الهندوتفا، بشكل غير رسمي في كل من الإمارات والبحرين وحتى في السعودية".

وأردف بالقول: "تتجمع مجموعات الهندوتفا بنشاط في منازل الأعضاء الموجودين في هذه الدول خلف ستائر الأنشطة الاجتماعية والثقافية نظرا لعدم السماح للمنظمات غير المسجلة بالعمل هناك". 

الأخطر أن نشاط "الهندوتفا" ترجم خلال سنوات قليلة إلى منظمة عملية تضم مئات آلاف الأعضاء بين طياتها، وتعمل في معظم دول العالم بما فيها البلاد العربية.

وهو ما أكدته صحيفة "تايمز أوف إنديا" الهندية، في 30 مايو/ أيار 2022، بالقول إن "منظمة (آر إس إس) القومية الهندوسية، المؤمنة بالهندوتفا تعزز وجودها وانتشارها في دول الشرق الأوسط من خلال تأسيس فروعها في الخارج". 

وأضافت، أن الجناح الخارجي لمنظمة "آر إس إس" موجود حاليا في 39 دولة بما فيها 5 دول في الشرق الأوسط بشكل سري، منها السعودية والإمارات، حيث لا يسمح القانون هناك بفتح فروع المنظمة بشكل علني. 

وتابعت: "يتجمع معظم أعضاء الفروع في الخارج مرة واحدة في الأسبوع بشكل عام، لمناقشة نشاطات المنظمة، المعادية للإسلام، بينما تعقد فروع المنظمة الموجودة في لندن اجتماعين في الأسبوع". 

"آر إس إس"

وتأسست منظمة التطوع الوطنية "آر إس إس"، عام 1925، وهي يمينية وقومية هندوسية شبه عسكرية تطوعية، وابتداء من عام 2014 بلغ عدد أعضائها من 5 إلى 6 ملايين حول العالم. 

وكان الهدف الأولي لها، توفير تدريب الشخصية من خلال الانضباط الهندوسي وتوحيد المجتمع الهندوسي لتشكيل أمة هندوسية، ومن أجل ذلك، تنشر أيديولوجية الهندوتفا.

واستمدت المنظمة إلهامها من الجماعات اليمينية الأوروبية المتطرفة خلال الحرب العالمية الثانية، مثل الحزببين النازي في ألمانيا والفاشي الإيطالي.

وتدريجيا، نمت المنظمة لتولد منها عديد من المنظمات التابعة التي أنشأت العديد من المدارس والجمعيات الخيرية والنوادي لنشر معتقداتها الأيديولوجية حول العالم.

وتم حظر المنظمة في الهند مرة أثناء الحكم البريطاني، ثم ثلاث مرات من قبل الحكومة الهندية بعد الاستقلال، لكنها تمكنت من العودة مجددا.

ومنذ تأسيسها دأبت المنظمة على استفزاز الأقلية المسلمة تزامنا مع كل احتفال ديني هندوسي، ذلك قبل أن يعيثوا في المسلمين تعنيفا وتقتيلا في المراحل اللاحقة.

 وسنة 1992 عمد آلاف الأعضاء بـ"آر إس إس" إضافة إلى جماعات هندوسية متطرفة أخرى إلى الهجوم على "مسجد بابري" التاريخي بولاية أرت بارديش المقدسة لدى الهندوس.

وهدموه بدعوى أنه بني على أنقاض معبد للإله رام، مطلقين العنان لأعمال عنف دامت عدة أشهر متسببة في مقتل ما لا يقل عن 2000 شخص مسلم.

ورئيس الوزراء الهندي مودي، هو أحد أبناء "آر إس إس" الأوفياء المتشبعين بعقيدة الهندوتفا، وذلك منذ سن الثامنة من عمره وتدرج ليصبح أحد قياداتها قبل أن يدخل الحياة السياسية.

بل وشارك في عدد من أنشطتها، على رأسها أحداث هدم مسجد بابري، حسب ما يذكر وثائقي "ريد فيش" الذي يحكي عن تلك العقيدة وكبار أعضائها.

علاقتها بالإمارات 

وفي تطور تسبب في صدمة عارمة، كشف موقع "كوستال دايجست" الباكستاني، في تقرير صدر يوم 20 مايو/ أيار 2022، أن منظمة (آر إس إس) تدرس تعزيز وجودها في الإمارات ودول الخليج الأخرى". 

وأضاف أن "المستجدات الأخيرة تشير إلى أن المنظمة التي تؤمن بالهندوتفا تعزز من حضورها داخل الإمارات، التي يوجد فيها عدد كبير من المتعاطفين مع أفكار المنظمة بين الجالية الهندية على أراضيها". 

وأوضح: أن "موهان بهاغوات، رئيس منظمة آر إس إس، عقد سلسلة من الاجتماعات مع رجال أعمال بارزين من الجالية الهندية في الإمارات، من أجل الحصول على دعمهم وتعاونهم في توسيع المنظمة وتعزيز أنشطتها في دول الخليج".

وأورد أنه بالفعل "شارك عشرات من رجال الأعمال البارزين من الهنود بمن فيهم (الدكتور بي آر شيتي) المدير العام لمجموعة شركات (إين إيم سي) ومقرها الإمارات، في اجتماع تم عقده على هامش حفل داعم للهندوتفا بالقرب من مدينة كوتشي في ولاية كيرالا الهندية". 

وذكر: "أن منظمة آر إس إس لا تنظم أي حدث بشكل علني في دول الشرق الأوسط، ولكن العديد من رجال الأعمال البارزين من الجالية الهندية يقومون بتمويل المنظمة منذ سنوات عديدة". 

وشدد على أن "الزيارة التاريخية لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى أبوظبي في 2018 قد شجع وحفز همم المتعاطفين مع المنظمة الهندوسية المتطرفة الموجودين في دول الشرق الأوسط". 

ويتبارى حكام الإمارات والسعودية في التقارب مع حزب "بهاراتيا جاناتا" بقيادة ناريندرا مودي، الذي يدعم ويزكي الهندوتفا ومنظمة آر إس إس ضد المسلمين. 

وأغفل حكام المملكة العقيدة المتطرفة التي يحملها قادة الحزب الهندي تجاه المسلمين، وأقاموا معهم علاقات سياسية واقتصادية واسعة على حساب الأقلية المسلمة.

وفي 23 أبريل/ نيسان 2021، أعلنت صحيفة "إنديا توداي" الهندية، أن "السعودية أدرجت بعض قيم الثقافة الهندوسية في المناهج الدراسية كجزء من رؤية ولي العهد محمد بن سلمان الجديدة لقطاع التعليم في المملكة".

وأشارت الصحيفة الهندية، إلى أن "مناهج التعليم السعودية المستجدة، تركز على الثقافات الهندية ذات الأهمية العالمية مثل اليوغا والأيورفيدا، لتوسيع المعرفة الثقافية للطلاب" حسب وصفها.

تواطؤ واضح

وعقب أزمة الإساءة للنبي محمد وحملات الغضب والمقاطعة الإسلامية، رصدت صحف بعضها هندية وتقارير لمراكز أبحاث مطلع يونيو/ حزيران 2022، خسائر الهند لو استمر هذا الغضب وتبنته حكومات الخليج كلها لا قطر والكويت فقط.

وأكدت أن السعودية بثقلها الاقتصادي والإمارات بعلاقتها الوثيقة مع الهند يمكنهما، مع بقية دول الخليج، الضغط على نيودلهي لوقف حملة اضطهاد مسلمي الهند، عبر توجيه رسالة حازمة بأن مصالحها الاقتصادية قد تتضرر إذا استمرت هذه السياسة.

وأوضحت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في 9 يونيو، أن نحو ثلثي مواطني الهند في الخارج (8.9 ملايين من 13.6 مليون شخص) يعيشون في دول مجلس التعاون الخليجي الست.

ووفقا لمعهد سياسة الهجرة، وهو مركز أبحاث في واشنطن، استأثرت دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات الأخيرة بأكثر من نصف تحويلات الهنود في الخارج والبالغة 87 مليار دولار تقريبا.

ويبلغ حجم التجارة الثنائية للهند مع دول مجلس التعاون الخليجي 154 مليار دولار، وبلغ العجز التجاري الهندي مع هذه الدول نحو 67 مليار دولار، نتيجة اعتماد الهند على واردات النفط من الخليج، حسب موقع "إنديا توداي" في 6 يونيو 2022.

وبلغ حجم التجارة الهندية مع دول مجلس التعاون الخليجي فقط نحو 90 مليار دولار في الفترة ما بين عامي 2020 و2021، بحسب وكالة "رويترز" البريطانية في 6 يونيو 2022.

وتمثل دول الخليج الست، البحرين والكويت وقطر وعُمان والسعودية والإمارات، وحدها 15 بالمئة من تجارة الهند العالمية، وتزودها بثلث احتياجاتها من الوقود.

ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية في 18 أبريل/ نيسان 2022، عن الباحث السياسي الهندي المسلم "عاصم علي"، أن "المسلمين يمرون بأصعب مرحلة في الهند المستقلة".

وأوضح أن المتطرفين يهاجمون المسلمين خلال إفطار رمضان وصلاة العشاء والتراويح وهم يصيحون بجنون "اقتلوهم"، وينهبون ممتلكاتهم ويحرقون منازلهم، والشرطة ترفض دعاوى المعتدى عليهم وتعتقلهم، دون مبالاة الدول العربية والإسلامية.